المنهج السیاسی لاهل البیت علیهم السلام

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق __ وزارة الثقافة العراقیة لسنة 2013: 2311

الجابری، عبد الستار

المنهج السیاسی لأهل البیت علیهم السلام / تألیف عبد الستار الجابری. - ط 1. - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة 1436ق. = 2015م.

ص336. - (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛ 135).

المصادر: ص 301 - 325؛ وکذلک فی الحاشیة.

1 . الأئمة الاثنا عشر – الدور الاجتماعی والسیاسی. 2. أهل البیت (ع) والسیاسة. 3. علی بن أبی طالب (ع)، الامام الأول، 23ق. ه_. – 40 ه_. اثبات الخلافة. 4 . الامامة – شبهات وردود. 5 . الحسین بن علی (ع)، الامام الثالث، 4 – 61ه_. – خطب. 6. التاریخ الاسلامی، 1 – 330ه_. – وقائع مهمة. 7 . واقعة کربلاء، 61 ه_. نتائج وتأثیرات. 8. ثورة المختارة بن أبی عبیدة، 67 ه_. 8. ثورة زید بن علی بن الحسین (ع)، 122 ه_. 9 . صاحب فخ، حسین بن علی، 169 ه_. 10 . التاریخ الاسلامی – الثورات والانتفاضات. 11. علی بن أبی طالب (ع)، الامام الأول، 23 ق. ه_. – 40ه_. سیاسته وحکومته. ألف. العنوان. ب: السلسلة.

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

بسم الله الرحمن الرحیم

ص: 2

ص: 3

المنهج السیاسی لأهل البیت علیهم السلام

عبد الستار الجابری

إصدار

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1436ه_ __ 2015م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

E-mail: info@imamhussain-lib.com

ص: 5

الإهداء

الی

مقام سید الوصیین وقائد الغر المحجلین

أسد الله الغالب أمیر المؤمنین

علی بن أبی طالب علیه السلام

أقدّم هذا الجهد المتواضع والبضاعة المزجاة

راجیاً منه التفضل بالقبول

ص: 6

المقدمة

1. بیان موضوع ومسألة التحقیق: موضوع التحقیق هو ((المنهج السیاسی لاهل البیت علیهم السلام)) والمسألة الاصلیة فیه هی البحث فی المناهج السیاسیة لاهل البیت علیهم السلام وعلل اختلافها وطریقة تعاملهم مع الاحداث.

2. السؤال الاصلی للبحث: ما هو المنهج السیاسی لاهل البیت علیهم السلام؟ وهل کانوا یعتمدون الاسلوب الموضوعی ام الاعجازی؟ وما کیفیة ادارة الدولة؟.

3. الاسئلة الفرعیة فی البحث:

أ. کیفیة الاستفادة من الفرصة فی بناء القاعدة؟.

ب. ماهی الاسباب الموضوعیة لاختلاف مواقف أهل البیت علیهم السلام تجاه الاحداث المختلفة؟.

ج. ما کیفیة التوفیق بین الاسالیب المختلفة فی مواقف أهل البیت علیهم السلام؟.

ص: 7

4. أهمیة وضرورة البحث: لا یخفی أن دراسة الحیاة السیاسیة لأهل البیت علیهم السلام ذات أثر مهم فی العمل السیاسی الإسلامی وبخاصة فی عصر الغیبة حیث یتعذر الوصول إلی معرفة الموقف الشرعی الواقعی بسبب غیبة الإمام المهدی عجل الله فرجه الشریف.

ولما کانت الشریعة الاسلامیة من المفروض انها شملت جمیع وقائع الحیاة فلابد ان یکون لکل مسألة سیاسیة حکم خاص بها، والقیادة وشؤونها من المسائل المهمة فی الواقع السیاسی، والمتشرع من المؤمنین یجب ان یحذو فی اعماله السیاسیة حذو اهل البیت علیهم السلام والا واجه فی عمله السیاسی الکثیر من الاخطاء التی تجعله مداناً امام الشرع الشریف، ومن هنا تتضح اهمیة البحث فی المنهج السیاسی لاهل البیت علیهم السلام الذی من شأنه ان یکشف عن الحکم الشرعی فی الواقعة السیاسیة التی یراد معرفة حکم الشارع فیها.

5. الغایة من البحث: الغایة من کتابة هذا البحث هو الوقوف علی منهج اهل البیت علیهم السلام فی علاج القضایا السیاسیة التی کانوا یعیشونها بما هم افراد من الامة خاصة وان جمیع الاجهزة الحاکمة التی حکمت بلاد المسلمین کانت تنظر إلی الائمة علیهم السلام علی انهم قادة سیاسیون وائمة دینون ولیسوا مجرد فقهاء عادیین او أفرادٍ من سائر الرعیة، ولذا کان الحکام یجعلونهم دائما تحت الرقابة المشددة، والذی یهمنا فی هذا البحث هو موقف اهل البیت علیهم السلام من الحکومات والثورات التی کانت تعلن ضدها وطریقة التعامل معها وإمکان

ص: 8

قبولها وکیفیة التعایش فی ظل تلک الحکومات.

فالبحث اذن فیه فائدتان مهمتان؛ الاولی: وبالذات معرفة منهج أهل البیت علیهم السلام فی العمل السیاسی لیقتدی بمنهجهم من کان من أتباعهم مهتدیاً بهدیهم، والثانی وبالتبع انه عند فهم منهجهم فی التعامل یتسنی للمتکلم الجواب عن الشبهة التی یمکن أن تطرح حول عصمتهم مع اختلاف مواقفهم.

6. فرضیة البحث: الفرضیة المأخوذة فی البحث أنّ أهل البیت علیهم السلام أئمة معصومون من الخطأ والنسیان والمعصیة، وهذا یقتضی کون تصرفاتهم ومواقفهم واحدة لا ینتابها خطأ ولا تقع تصرفاتهم تحت إطار المنافع الشخصیة الضیقة والاهداف الآنیة، بل المنظور الاول فی تصرفاتهم حفظ الإسلام وتهیئة السبل الکفیلة بحفظه وایقاف عبث العابثین من الحکام والسلاطین واهل الاهواء والبدع.

7. المشاکل التی واجهها البحث: ان عمدة المشاکل فی هذا البحث عدم وجود نصوص خاصة تحدد المنهج الکلی لطریقة تعامل أهل البیت علیهم السلام، والحساسیة الخاصة لمثل هذا البحث؛ لأنه یتعلق بالأئمة المعصومین علیهم السلام الذین لهم مکانة ومقام سام لا یتسنی للباحث التعامل معه بیسر، والمشکلة الاخری هی التضارب فی النصوص التاریخیة والروائیة التی تستدعی نحواً من الدقة فی التعامل معها لضمان استکشاف الحقیقة من خلال معالجة الروایات وتحلیلها وتشخیص المکذوب منها من الصحیح. 

ص: 9

8 . طریقة التحقیق: والمنهج الذی اتبعته فی التحقیق هو البحث فی النصوص الروائیة والتاریخیة ودراستها دراسة تحلیلیة مع الأخذ بنظر الاعتبار عصمة أهل البیت علیهم السلام لأجل رسم صورة واضحة، وبخاصة اننا لا نملک نصاً محدداً عن المنهجیة السیاسیة لأهل البیت صلوات الله علیهم، ولهذا لابد فی جملة من المباحث من الإشارة إلی بعض الأحداث التاریخیة التی لها أثر مهم فی توضیح أسباب المواقف التی یتخذها أهل البیت علیهم السلام تجاه الأحداث التی یعیشونها.

9. طریقة جمع المعلومات: المعلومات الواردة فی البحث مستقاة من المصادر الروائیة والتاریخیة التی تناولت الحقبة الزمنیة التی عاشها الائمة علیهم السلام، والمصادر التی تناولت اشخاص الائمة علیهم السلام وتحدثت عن مختلف جوانب حیاتهم.

10. الجانب الجدید فی البحث: أغلب الکتب التی تناولت الحیاة السیاسیة لأهل البیت علیهم السلام کانت تتناول واحدة من الشخصیات او حدثاً من الاحداث، والجدید فی هذا البحث هو محاولة استکشاف الأطر العامة فی منهجیة أهل البیت علیهم السلام.

11. أطر البحث (الزمانیة، المکانیة، الموضوعیة):

أ. الزمانیة: فعلی أساس اللحاظ الزمنی روعیت الحقبة منذ الایام الاخیرة لحیاة النبی صلی الله علیه وآله وحتی عصر الغیبة الکبری. 

ص: 10

ب. المکانیة: لم یکن للمکان بما هو فی نفسه أهمیة خاصة فی البحث لکن حیث کانت طبیعة البحث تتعرض لجملة من الاحداث التی عاصرها الائمة علیهم السلام کان للمدینة والکوفة وکربلاء والشام نصیبها فی البحث.

ج. الموضوعیة: الاحداث السیاسیة والتحولات الاجتماعیة والفکریة ودور أهل البیت علیهم السلام فیها ومواقفهم منها.

12. تقسیم البحث: والبحث یقع فی مقدمة وأربعة فصول وخاتمة، وفی المقدمة تناولت أطروحة التحقیق وبیان المسألة الاصلیة والمسائل الفرعیة للبحث، والفرضیة المتبناة فی البحث وأهمیة البحث ومسائل أخری، وتناولت فی الفصل الأول الإمامة فی نظر أهل البیت علیهم السلام والصراع علی منصب الخلافة بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله.

وتعرضت فی الفصل الثانی إلی منهج أهل البیت علیهم السلام فی بناء القاعدة المؤمنة، مع تقسیم الحقبة الزمنیة بحسب الظروف السیاسیة التی کان یعیشها الائمة علیهم السلام.

وتعرضت فی الفصل الثالث إلی الثورات العسکریة وموقف أهل البیت علیهم السلام وقسمتها بحسب الاتجاهات السیاسیة لقادتها إلی ثلاثة اقسام.

وفی الفصل الرابع تطرقت إلی دراسة منهج أهل البیت علیهم السلام فی إدارة الدولة ومهام المسؤولین فی البلاد وکیفیة مواجهة التمرد الداخلی.

وفی خاتمة البحث تعرضت لمسألة التوفیق بین المواقف المتباینة لاهل

ص: 11

البیت علیهم السلام تجاه الاحداث. وعرضت النتائج التی توصلت إلیها من خلال التحقیق.

13. مصادر البحث: عمدة مصادر البحث الکتب التاریخیة والروائیة إضافة إلی کتب التفسیر ومعاجم الرجال.

14. المصطلحات الواردة فی عنوان الرسالة:

أ. المنهج فی اللغة هو الطریق الواضح قال فی تاج العروس: النهج بفتح فسکون الطریق الواضح البین، والنهج محرکة ایضاً والجمع نهجات ونهوج، وطرق نهجه واضحة کالمنهج بالفتح، والمنهاج بالکسر وفی التنزیل لکل جعلنا شرعة ومنْهاجاً، المنهاج الطریق الواضح، ...، نهج الطریق سلکه واستنهج الطریق صار نهجاً واضحاً بیناً، کأنهج الطریق إذا وضح واستبان وفلان استنهج طریق فلان إذا سلک مسلکه(1).

ب. الموقف هو من المواقفة والمواجهة فی الحرب والخصومة: والوقاف بالکسر والمواقفة ان تقف معه ویقف معک فی حرب او خصومة وتواقفا فی القتال وواقفه علی کذا، وقفت معه فی حرب او خصومة(2).

ج. السیاسة هی الادارة، قال فی تاج العروس: سست الرعیة سیاسة بالکسر امرتها ونهیتها، وساس الامر سیاسة قام به، ویقال فلان مجرب قد ساس وسیس


1- تاج العروس ج2فصل النون من باب الجیم ص109.
2- نفس المصدر فصل القاف من باب الفاء ص370.

ص: 12

علیه، ای أدّب واُدّب، وفی الصحاح ای اُمَّر واُمَّر علیه والسیاسة القیام علی الشیء بما یصلحه، ...، والسوس بالفتح الریاسة وساسوهم سیوساً، وإذا رأسوه قیل سوسوه وأساسوه، وسوسه القوم جعلوه یسوسهم(1).

د. أهل البیت علیهم السلام: والمراد بهم فی هذا البحث خصوص الأئمة المعصومین علیهم السلام دون غیرهم من أقرباء النبی صلی الله علیه وآله.


1- نفس المصدر ج4 فصل السین من باب السین ص169.

ص: 13

الفصل الأول: موقف أهل البیت علیهم السلام من السلطة بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله

اشارة

ص: 14

ص: 15

أ _ الإمامة فی فکر أهل البیت علیهم السلام

لکل نظام سیاسی نظریة علی أساسها یُخاطب الجمهور المؤمن بالنظریة أو المتعاطف معها، وقبل تولی الحکم _ عادة أو بعده فی بعض الحالات _ یحاول أرباب السیاسة جمع الأتباع حول نظریتهم لتبنیها والدفاع عنها، والإمامة هی المسألة التی کانت علی مر العصور مورد الصراع بین المسلمین.

واختلفت الآراء فی کون الإمامة من شؤون المکلفین لتکون من الفروع ام انها من الشؤون الإلهیة فتکون من أصول الدین.

وذهبت مدارس أصحاب الحدیث والمعتزلة والخوارج إلی کون الإمامة من الفروع لا الأصول.

واما عند أهل البیت علیهم السلام فالإمامة من المناصب الإلهیة، ودور الإمام الدور المکمل للرسالة والنبوة، ولذا وجب ان یکون الإمام متحلیاً بکل الکمالات النفسانیة التی یتحلی بها النبی لکی یکون مؤهلاً للقیام بوظائف الإمامة(1).


1- عن أبی بصیر قال سألت ابا عبد الله علیه السلام عن قول الله تبارک وتعالی (وکذلک أوحینا إلیک روحاً من أمرنا ما کنت تدری ما الکتاب ولا الإیمان) قال: خلق من خلق الله أعظم من جبرئیل ومیکائیل، کان مع رسول الله صلی الله علیه وآله یخبره ویسدده وهو مع الأئمة من بعده) الکافی ج1 کتاب الحجة ص273 باب الروح التی یسدد بها الأئمة علیه السلام ح1 وکذلک انظر باقی روایات الباب بل وکتاب الحجة الذی خصه الشیخ الکلینی قدس سره للحدیث عن الحجة.

ص: 16

ومن الأدلة التی استدل بها علی نظریة اهل البیت علیهم السلام فی الإمامة:

1 _ قوله تعالی: {وَإِذِ ابْتَلَی إِبْرَاهِیمَ رَبُّهُ بِکَلِمَاتٍ فَأتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّی جَاعِلُکَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّیَّتِی قَالَ لا یَنَالُ عَهْدِی الظَّالِمِینَ}(1).

فهذا النص القرآنی یدل علی أن العصمة من شروط الإمامة بدلالة إطلاق عدم نیل العهد الإلهی للظالم، فکل ظالم سواء تاب من ظلمه أم لا یناله العهد الإلهی وسواء کان هذا الظلم من الکبائر او الصغائر.

کما نصت الآیة الشریفة علی ان العهد الإلهی هو الذی ینال الإنسان غیر الظالم لا ان الإنسان هو الذی ینال العهد الإلهی وهذا مشیر من طرف خفی إلی ان الإمامة بالنص لعدم إحراز عدم الظلم واقعاً مما یؤدی إلی الالتباس مع عدم النص.

ونص القرآن الکریم علی من ناله العهد الإلهی فی موضعین الأول فی قوله تعالی:

{إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا}(2)

الدال علی عصمة أهل البیت علیهم السلام، ومن ثم فهم موضوع آیة العهد.

والثانی فی قوله تعالی: {إِنَّمَا وَلِیُّکُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَیُؤْتُونَ الزَّکَاةَ وَهُمْ رَاکِعُونَ}(3).


1- البقرة 124.
2- الأحزاب 33.
3- المائدة 55.

ص: 17

وتواترت أخبار الفریقین ان الذی تصدق وهو راکع أمیر المؤمنین علیه السلام(1).

وأما رسول الله صلی الله علیه وآله فقد نص علی الإمام من بعده فیما تواتر عنه من الروایات أهمها: حدیث الغدیر(2)، حدیث الثقلین(3)، حدیث الأئمة الاثنی 


1- انظر کفایة الطالب باب 61، تفسیر فرات الکوفی الآیة 55 من سورة المائدة، تفسیر العیاشی ج1ص327ح137وما بعده، امالی الطوسی م2ح55، م20 ح4، امالی الصدوق م26ح4، م79ح1، الاحتجاج ج1 ص142 وص326 وص342، ص318وص601، وافرد صاحب الغدیر قدس سره بابا ذکر فیه من اقر بنزول هذه الآیة فی أمیر المؤمنین علیه السلام فی ج3 ص156 وما بعدها، مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام للکوفی ف17 ح248 من احادیث الکتاب.
2- البدایة والنهایة ج5ص220، تاریخ الخلفاء ص171، سنن الترمذی مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام ح3722، السیرة الحلبیة ج3 ص336, سنن ابن ماجة باب فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام ح116، اسد الغابة لإبن حجر ج3ص604، الإصابة ج4ص467، وبحار الأنوار ج37باب 52، ومقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی ج1 ف 4ح35ص81، ذخائر العقبی ص67، وقد افرد العلامة الأمینی قدس سره الجزء الأول من الغدیر للبحث فی رواة الغدیر ومناقشة أسانیده، کفایة الطالب باب1، خصائص النسائی باب27، کتاب سلیم بن قیس ص76، 228، معانی الأخبار باب معنی من کنت مولاه فعلی مولاه.
3- بعض الکتب التی تعرضت لحدیث الثقلین:البیان398، 275، 227، 18، المیزان فی تفسیر القرآن ج1ص22، ج3ص378، 86، ج4ص399، ج5ص274، ج6ص19، ج12ص107، ج16ص319، علوم القرآن 119، تدوین القرآن 35، 28، بحوث فی تاریخ القرآن 122، شواهد التنزیل ج2ص42، تفسیر ابن کثیر ج2ص122، الدرالمنثور ج2ص60، تاریخ بغداد ج8ص443، تاریخ دمشق ج19ص285، ج41ص19، ج42ص220، ج54ص92، ج69ص241، الموضوعات ج1ص389، تاریخ الیعقوبی ج2ص112، البدایة والنهایة ج5ص228، ج7ص386، الإستغاثة ج1ص10، ج2ص12، مصابیح الإمامة ص105، 73، بشارة المصطفی 426، 398، 350، 217، 170، 40، اعلام الوری ج2ص180، مناقب الخوارزمی 330، 200، 154، 8، قصص الأنبیاء ص358، اللهوف 36، 34، 16، 15، الأصول الستة عشر 88، بصائر الدرجات باب 17، الإمامة والتبصرة 15، الکافی ج1 ح3ص294، ج3 ح6ص423، دعائم الإسلام ج1ص28، عیون اخبار الرضا علیه السلام باب31ح40، ح259، باب النصوص علی الرضا علیه السلام ح26، 25، باب مجلسه مع المأمون ح1، الخصال باب الإثنین ح97، باب الإثنی عشر ح2، امالی الصدوق م15ح11، م24ح15، م77ح1، کمال الدین واتمام النعمة باب اتصال الوصیة من لدن آدم علیه السلام ح44_ 64، باب ماروی عن النبی صلی الله علیه وآله فی النص علی القائم علیه السلام ح25، معانی الإخبار باب معنی الثقلین، کفایة الأثر 256، 210، 163، 137، 128، 92، 17، تحف العقول 458، 426، روضة الواعظین 273، وسائل الشیعة ج1ص76، ج27باب5 ح34، 9، باب13 ح45، مستدرک الوسائل ج3باب 1من ابواب احکام المساجد ح2، ج7 باب47من ابواب الصدقة ح1، ج11باب49باب جملة ما ینبغی ترکه من الخصال المحرمة والمکروهة ص374، مسند الرضا علیه السلام ح8، المسترشد ح349، 250، 237، 158، دلائل الإمامة ح42، غیبة النعمانی ص55، 43، 29، شرح الأخبار ج1 ح924، 908، 889، 844، 843، 841، 840، 514، مائة منقبة 86، الفصول المختارة 221، 173، المسائل الجارودیة ص41، الإفصاح ص323، الإرشاد ج1ص233، 180، امالی المفید قدس سره م16ح3، م41ح4، التعجب 65، امالی الطوسی قدس سره م5ح1، م6ح20، م9ح51، م11ح13، م یوم الجمعة26محرم ح4، م یوم الجمعة 17 ذی القعدة ح2، الإحتجاج ج1ص191، 90، ص216، ص391، ج2ص22، ص147، 252، صحیح مسلم ج7ص122، المستدرک علی الصحیحین ج3 ص148، 105، السنن الکبری للنسائی ج5ص120، 51، 45، المعیار والموازنة ص45، مسند ابن الجعد ص397، مجمع الزوائد ج9ص163، ج10ص363، المصنف ج7ص176، منتخب مسند عبد بن حمید ص114، ماروی فی الحوض والکوثر ص88، کتاب السنة ص629_ 630، خصائص أمیر المؤمنین علیه السلام ص93، مسند ابی یعلی ج2ص376، 303، 297، صحیح ابن خزیمة ج4ص63، المعجم الصغیر ج1ص131، 135، المعجم الأوسط ج3ص374، ج4ص33، المعجم الکبیر ج3ص66، 180، ج5ص154، 166، 170، 182، 183، 186، الفوائد المنتقاة ص74، دستور معالم الحکم ص146، الفایق فی غریب الحدیث ج1ص150، شرح نهج البلاغة ج6ص375، 380، ج9ص132، ج10ص270، ج18ص43، کنز العمال ج1ص186، 187، 188، 189، ج5ص290، ج19ص104، 641، ج14ص435، نور العین فی مشهد الحسین ص35، اضواء علی السنة المحمدیة ص404، رفع المنارة ص156، السنن الکبری للبیهقی ج7ص30، ج10ص114، تفسیر ابی حمزة ص5، 137، 421، تفسیر العیاشی ج1ص5، تفسیر القمی ج1ص3، 5، ج2ص345، تفسیر فرات ص17، التبیان فی تفسیر القرآن ج1ص3، 5، ج9ص474، مجمع البیان ج2ص31، ج7ص267، ج8ص12، ج9ص340، مجمع البیان فی تفسیر القرآن ج4ص31، فقه القرآن ج1ص63، خصائص الوحی المبین ح14، 149، التفسیر الصافی ج1ص8، 21، 55، ج2ص69، ج5ص110، نور الثقلین ج1ص656، ج4ص271، ج5ص193 ، کنزالدقائق ج1ص6، تفسیر القرآن الکریم ج1ص8.

ص: 18 

ص: 19

 عشر(1).

وهذه الروایات مع تواترها والجمع بین مدالیلها تثبت ان الأئمة یجب أن یکونوا من عترة النبی صلی الله علیه وآله؛ لأن النبی صلی الله علیه وآله أمر بالتمسک بالقرآن والعترة معاً، وان عدد الأئمة اثنا عشر أولهم أمیر المؤمنین علیه السلام. 


1- بعض الکتب التی ورد فیها حدیث الإثنی عشر: شرح الأخبار ج3ص400باب الأئمة الأثنا عشر 1282,1281، غیبة النعمانی باب4 ما روی فی ان الائمة اثنا عشر وفیه اربعون حدیثا من طرق العامة والخاصة، باب 6 یکون من بعده عدة نقباء بنی اسرائیل وفیه 24 حدیثا، مقتضب الأثر ص3، 4، 5، 23، کتاب سلیم بن قیس ص426، 306، مصباح الشریعة باب 29ص63، الهدایة الکبریص377، اضواء علی الصحیحین ص335وما بعدها، الإعتقادات ص104، النکت فی مقدمات الأصول ص48، الإرشاد ج2ص347، 273، الإختصاص ص233، 208، الإستنصار ص26، 25، 24، 21، 18، 17، غیبة الطوسی ح9_114، ح428، الخرائج والجرائح ج3ص1162، مناقب آل ابی طالب ج1ص243، 248وما بعدها، العمدة لإبن البطریق ح882، 880، 877، 873، 872871، 866، 861، 860 857، 856، الطرائف ح272، 256، الصراط المستقیم ج2باب 10، عوالی اللئالی ج4ح120_ 124، المحتضر ص159، وصول الأخیار الی اصول الأخبار ص49، ص210وما بعدها، کتاب الأربعین ص350وما بعدها، الجواهر السنیة ص280_ 285، مدینة المعاجز ج2ح613وما بعده، ج5ح146 ینابیع المعاجز ص52، 51، اجزاء متعددة من البحار، مناقب اهل البیت علیهم السلام باب13، خلاصة عبقات الأنوار _ سید حامد النقوی _ ص211وما بعدها، ج9ص228، الأنوار البهیة ص91، اجوبة مسائل جار الله _ السید شرف الدین _ ص125، النص والإجتهاد ص532، 286، المراجعة62، طرق حدیث الإثنا عشر _ کاظم آل نوح _، مسند بن الجعد ص390، سؤالات الآجری لأبی داود ج1ص119ح140، الآحاد والمثانی ج3ص121رقم1454، مسند ابی یعلی ج8ص45رقم 5021، ج9ص22رقم5322، ج13 ص475 رقط7464، صحیح ابن حبان ج15ص43وما بعدها، الحد الفاصل ص494، المعجم الأوسط ج1ص263، ج2ص115، ج6ص268، المعجم الکبیر ج2ص196وما بعدها، ج22 ص120، کنز العمال ج8رقم 30929ص135، ج12رقم 33803ص24، ح33848ص32وما بعده، تفسیر الإمام العسکری علیه السلام ص32، تفسیر نور الثقلین ج1 ح338 ص120، ح346 ص504، ج2 ح123 ص212، ح140ص215، تفسیر ابن کثیر ج2ص34، ج3ص312، الدر المنثور ج2ص267، البدایة والنهایة ج1ص177، ج6ص199، 215، تاریخ ابن خلدون ج1ص335ق1ج2ص36، بشارة المصطفی لشیعة المرتضی ج8ح32، 1، اعلام الوری ج2ص158وما بعدها، قصص الأنبیاء ص367ح471وما بعدها.

ص: 20

ب _ التصدی لمؤامرة حرف المسار السیاسی

توسعت رقعة الدولة الإسلامیة فی حیاة النبی صلی الله علیه وآله حیث ضمت الجزیرة العربیة والیمن وتاخمت حدودها العراق وبلاد الشام، ورافق التوسع تطور فی الوضع الاقتصادی وحالة المرکزیة الإداریة فی الدولة الواحدة فی نظام لم یسبق له مثیل فی تاریخ العرب.

وقد ولّدت الحالة الجدیدة فی المجتمع العربی رغبة الکثیر ممن دخل الإسلام فی تولی قیادة الدولة بعد رحیل الرسول الأکرم صلی الله علیه وآله وسلم.

وعلی اقل التقادیر ان هذه المحاولات بدأت بصورة سریة بعد غزوة الحدیبیة عندما قدم عمرو بن العاص وخالد بن الولید وأعلنا إسلامهما(1)، وازداد النشاط السیاسی للقرشیین بعد فتح مکة ودخول زعماء الشرک وقادة جیوشه فی الإسلام.

روی الشیخ المفید قدس سره عن الإمام الصادق علیه السلام ما یشیر إلی


1- قال عمار بن یاسر رضوان الله علیه یوم صفین لما خرج الیه علی جند الشام عمرو بن العاص (یا اهل العراق، اتریدون ان تنظروا الی من عادی الله ورسوله وحادهما، وبغی علی المسلمین، وظاهر المشرکین، فلما رأی الله عز وجل یعز دینه ویظهر رسوله اتی النبی صلی الله علیه وآله، وهو فیما نری راهب غیر راغب، ثم قبض الله عزوجل رسوله صلی الله علیه وآله الیه! فوالله ان زال بعده معروفاً بعدواة المسلم، وهوادة المجرم، فأثبتوا له وقاتلوه فإنه یطفئ نور الله، ویظاهر اعداء الله عز وجل) تاریخ الطبری ج4 ص 285.

ص: 21

ظهور النشاط شبه العلنی لهذا التیار بعد بیعة الغدیر:-

(بلغ رسول الله صلی الله علیه وآله عن قوم من قریش أنهم قالوا: أیری محمد أنه أحکم الأمر فی أهل بیته، ولئن مات لنعتزلنّها عنهم، ولنجعلنها فی سواهم، فخرج رسول الله صلی الله علیه وآله حتی قام فی مجمعهم، ثم قال: یا معشر قریش کیف بکم وقد کفرتم بعدی ثم رأیتمونی فی کتیبة من أصحابی أضرب وجوهکم ورقابکم بالسیف؟ فنزل علیه جبرئیل علیه السلام فی الحال فقال: یا محمد ان ربک یقرئک السلام ویقول لک: قل: ان شاء الله او علی بن أبی طالب یتولی ذلک منکم)(1).

وهذه الحقیقة أشارت الیها الصحاح بصورة اقل صراحة؛ إذ رووا تضجر العباس بن عبد المطلب من تعامل قریش معه بعد فتح مکة وشکواه المتکررة إلی النبی صلی الله علیه وآله من ذلک: (ان العباس بن عبد المطلب دخل علی رسول الله صلی الله علیه وآله مغضباً وأنا عنده فقال: ما أغضبک؟ قال: یارسول الله مالنا ولقریش، اذا تلاقوا بینهم تلاقوا بوجوه مبشرة، واذا لقونا لقونا بغیر ذلک، قال فغضب رسول الله صلی الله علیه وآله حتی احمرّ وجهه ثم قال: والذی نفسی بیده لا یدخل قلب رجل الإیمان حتی یحبکم لله ولرسوله، ثم قال: یا أیها الناس من آذی عمی فقد آذانی فإنما عم الرجل صنو ابیه).

(عن العباس بن عبد المطلب قال: کنا نلقی النفر من قریش وهم یتحدثون فیقطعون حدیثهم، فذکرنا ذلک لرسول الله صلی الله علیه وآله فقال: ما بال أقوام


1- امالی المفید م13 ح4.

ص: 22

یتحدثون فإذا رأوا الرجل من اهل بیتی قطعوا حدیثهم، والله لا یدخل قلب رجل الإیمان حتی یحبهم لله ولقرابتی)(1).

وهذا الموقف العدائی الصارخ نتیجة طبیعیة لمحاولة الوصول إلی سدة الحکم والسیطرة علی مقدرات المسلمین.

ولم یستطع القرشیون إغفال جانب الأنصار فدعوا بعض زعمائهم للاشتراک معهم فاستجاب لهم معاذ بن جبل واسید بن حضیر وبشیر بن سعد وآخرون.

حاول الرسول صلی الله علیه وآله منع المتآمرین من حرف المسار السیاسی عن الاتجاه الصحیح الذی یتبنی عقیدة عصمة الإمام والنص علیه لعلمه بتفاصیل المؤامرة، فأمر بإنفاذ جیش أسامة وأمر کل المتآمرین وانصارهم بالخروج فی هذا البعث(2)، ولمالم یلتزموا بما امرهم طلب إحضار دواة وکتف لیکتب للإمة کتابا لن تضل بعده ابدا(3)، الا ان عمر کان متنبهاً لما یریده النبی صلی الله علیه وآله


1- انظر سنن الترمذی ج5باب102ص317ح3847، سنن ابن ماجة کتاب الفضائل باب فضائل العباس ح140 وانظر کذلک کتاب سلیم بن قیس ص245، اسد الغابة فی ترجمة العباس، مناقب الخوارزمی ف6، امالی الطوسی ص273ح518/56، ذخائر العقبی ص193، فضائل احمد ص22، مسند احمد ج4ص156، المستدرک ج3ص333، تحفة الآحوذی ج10ص180، مصنف ابن ابی شیبة ج7ص518ح2، سنن النسائی ج5ص51، المعجم الکبیر ج20ص286، الجامع الصغیر ح8265، کنز العمال ج11 ص700، 701، 702، 703وغیرها من المصادر کأسد الغابة والکامل والطبقات الکبری وسیر اعلام النبلاء وتفسیر القمی وتفسیر القرطبی و....
2- السقیفة وفدک ص 76، نهج السعادة ج 5 ص 259، معالم المدرستین ج 1 ص 111، 345، ج2 ص76، المسترشد ص 113، حلیة الأبرار ج 2ص 367، السقیفة- المظفر ص 84، فتح الباری ج7 ص 69، عیون الاثر ج 2ص 352، - عمر بن الخطاب ص 36
3- شرح أصول الکافی ج 12ص 412، المسترشد ص 553، ص 680، السقیفة وفدک ص 75، الأمالی- الشیخ المفید ص 36، مناقب آل ابی طالب ج 1ص 202، الصوارم المهرقة ص 33، 224، الرواشح السماویة ص 139، کتاب الأربعین- محمد طاهر القمی الشیرازی ص 134، 253، 256، ص 537، بحار الأنوار ج 22ص 473، ج 25 ص 88، ج 30 ص 284، ص 466، ص 532، ص 541، ص 549، مناقب أهل البیت (علیهم السلام) ص 384، ص 387، خلاصة عبقات الأنوار ج4 ص 222، النص والاجتهاد ص 149، 50، المراجعات ص 352، سبیل النجاة فی تتمة المراجعات ص 262، السقیفة- الشیخ محمد رضا المظفر ص 87، الغدیر ج 5ص 341، أمان الأمة من الاختلاف ص 60، نهج السعادة ج 5 ص 268، ج 8 ص 417، موسوعة الامام الجواد علیه السلام ج 1ص 12، أضواء علی الصحیحین ص 386، أحادیث أم المؤمنین عائشة ج 2 ص 199، مکاتیب الرسول ج 1 ص 488، 513، 535، السقیفة أم الفتن ص 97، مسند احمد ج 1ص 324، 336، صحیح البخاری ج 5 ص 137، ج 7 ص 9، صحیح مسلم ج 5ص 75، شرح مسلم ج 11 ص 89، فتح الباری ج 1 ص 186، ج 8 ص 102، المصنف ج 5ص 438، السنن الکبری - النسائی ج 3ص 433، ج 4ص 360، صحیح ابن حبان ج 41 ص 562، شرح نهج البلاغة - ابن أبی الحدید ج 2 ص 54، ج 6 ص 51، ج 11ص 49، ج 12ص 87، أضواء علی السنة المحمدیة ص 52، تدوین القرآن ص 56، اختیار معرفة الرجال ج 1 ص 219، الدرجات الرفیعة- السید علی ابن معصوم ص 103، معجم رجال الحدیث - السید الخوئی ج 14ص 36، الطبقات الکبری ج 2ص 243، البدایة والنهایة ج 5ص 247، الشفا بتعریف حقوق المصطفی ج 2ص 194، السیرة النبویة - ابن کثیر ج4 ص 451، سبل الهدی والرشاد ج 12ص 247، نشأة التشیع والشیعة- السید محمد باقر الصدر ص 78، مجموعة الرسائل ج 2ص 263، حیاة الإمام الحسین علیه السلام - الشیخ باقر شریف القرشی ج 1 ص 212، 243، الصحیح من السیرة ج 1 ص 56، ص 275، الامامة والحکومة ص96، عمر بن الخطاب- عبدالرحمن أحمد البکری ص 62.

ص: 23

فأثار لغطاً فی بیت النبی صلی الله علیه وآله واتّهم النبی صلی الله علیه وآله بالهجرا مما دعا النبی صلی الله علیه وآله لطردهم من بیته.

وتمکن القرشیون من السیطرة علی مقالید الحکم بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله وإبعاد أمیر المؤمنین علیه السلام وشیعته ومن له هوی به عن المشارکة فی إدارة البلاد، ومن أهم الشخصیات التی تم إقصاؤها عن المشارکة إضافة إلی بنی هاشم، ابو ذر الغفاری والمقداد بن الأسود وعمار بن یاسر وسلمان الفارسی وامثالهم. 

ص: 24

ج _ المتسلطون والإمامة

أدرک القرشیون ومنذ انتشار الإسلام فی ربوع الجزیرة العربیة أن ادارة البلاد غیر ممکنة مالم یتم تبنی الفکر الإسلامی بهیکلیته العامة مع إدراکهم لضرورة القیام ببعض التغییرات فی الهیکلیة لضمان مصالحهم واستمرار منهجیتهم، ذلک لأن التخلی عن المنهجیة التی جاء بها النبی صلی الله علیه وآله ستحوجهم إلی وضع منهجیة بدیلة ولا قدرة لهم علی رسم هذه المنهجیة، کما ان المنهجیة القبلیة التی کانت سائدة قبل الإسلام لن تمکنهم من تحقیق أهدافهم, ولذا أبقوا علی المنهجیة العامة للإسلام فی المجال العقائدی فی الدعوة إلی التوحید والإیمان بالنبی صلی الله علیه وآله، واعتماد أحکام الشریعة الإسلامیة کقانون عام للبلاد فی تحدید الحقوق والواجبات، وان کان یحصل فی کثیر من الأحیان تخطی هذه الأحکام تبعاً لما تملیه المصلحة السیاسیة الوقتیة للحاکم.

وأهم المبادئ الإسلامیة التی قامت السلطات الحاکمة بالغائها مبدأ النص علی الإمام لما یشکله هذا المبدأ من خطر کبیر یهدد مصالحهم السیاسیة، وکان الجیل الأول من الرافضین للنص لا یملک نظریة خاصة فی مضمار الإمامة حیث

ص: 25

یجد المتتبع ان القرشیین احتجوا علی دعاة تولی الأنصار بالحکم بقانون الوراثة القبلی فی الوقت الذی اعتمد الأنصار علی الجانب التاریخی والجغرافی فی دعواهم، وکان للمفاجأة وإثارة نعرة العداء بین الأوس والخزرج دور کبیر فی انهاء اجتماع السقیفة لصالح قریش(1)، فی الوقت نفسه جابه القرشیون بنی هاشم بأنّ قریشاً لم ترض ان تجتمع فیهم الخلافة والنبوة.

ولم یکن هناک منهج واضح لتولی الخلافة بعد أبی بکر حیث لم یرسم المتسلطون علی الحکم صورة قانونیة یتم علی أساسها تعیین الحاکم، ولم یکن فی البین سوی الاتفاقات السریة المبرمة بین رجالات قریش، وهذا الالتزام هو الذی دعا عثمان بن عفان لإثبات اسم عمر کخلیفة للمسلمین بعد أبی بکر(2).


1- انظر السقیفة وفدک للجوهری، الإحتجاج ج1 ص91، الصوارم المهرقة ص57، البحار ج28 ص324، خلاصة عبقات الأنوار ج3 ص316، المراجعات ص345، السقیفة للمظفر، الغدیر ج3 ص275، ج7ص76، بیت الأحزان ص57، فدک فی التاریخ ص74، عبد الله بن سبأ ج1ص 115، معالم المدرستین ج1 ص114، الدرجات الرفیعة ص326، مسند احمد ج1ص 56، البخاری ج8 ص27، فتح الباری ج12ص135، مصنف الصنعانی ج5 ص444، مصنف الکوفی د8 ص571، صحیح ابن حبان ج2ص150، 157، شرح نهج البلاغة ج2ص23، 38، ج6ص9، 40، طبقات ابن سعد ج3 ص568، 616، تاریخ دمشق ج30ص282، تاریخ الطبری ج2ص454، 458، البدایة والنهایة ج5ص267، تاریخ ابن خلدون ج2ص64، سیرة ابن هشام ج4ص73، سیرة ابن کثیر ج4 ص488، سبل الهدی والرشاد ج11ص128.
2- نهج البلاغة خ3، البحارج29ص520، ج30ص519، خلاصة عبقات الأنوار ج2ص321، مستدرک سفینة البحار ج2ص392، عبد الله بن سبأ ج1ص100، معالم المدرستین ج1 ص135، 349، نشأة التشیع ص34، حیاة الإمام الحسین ج1ص286، مجمع النورین ص300، الإمامة والحکومة ص63، مصنف الصنعانی ج5ص476، مصنف الکوفی ج8 ص580، المعیار والموازنة ص107، المعجم الأوسط ج3ص287، الإمامة والسیاسة ج1ص24، شرح نهج البلاغة ج2ص165، مغنی المحتاج ج2ص131، حواشی الشروانی ج29ص520، اعجاز القرآن ص138، تفسیر ابن کثیر ج3ص368، الدر المنثور ج5ص101، طبقات ابن سعد ج3ص 200، الثقات ج2ص192، تاریخ مدینة دمشق ج30ص411، تاریخ الیعقوبی ج2ص135، تاریخ الطبری ج2 ص618، تاریخ ابن خلدون ق2 ج2ص86، البدایة والنهایة ج7ص22، تاریخ الخلفاء فصل استخلاف عمر، البدایة والنهایة فی مقدمة کلامه عن خلافة عمر، الکامل فی التاریخ حوادث سنة 13 ه_.

ص: 26

ویؤکد حقیقة الترتیب المسبق محاولة عمر تحدید مسار الخلافة من بعده ووصولها إلی عثمان؛ إذ إنه بعد أن طعن سعت عائشة لإقناع عبد الله بن عمر ان یقنع أباه أن یستخلف من یقوم بالأمر من بعده، وکان ذلک بسبب إدراک عائشة تزاید الرصید الشعبی لأمیر المؤمنین علیه السلام، حیث ثاب الأنصار إلی رشدهم وخسرت السلطة الموالی بعد إصدار قانون التمییز القومی فی العطاء(1).

ومما یدل علی فقدان المتسلطین الصورة الدستوریة لتعیین الحاکم فی الدولة بعد وفاة أبی بکر طلب الشخصیات السیاسیة من عمر تعیین الخلیفة من بعده مع کونه فی وضع صحی لا یؤهله للقیام بهذا الدور الهام مع ان المفروض ان الشخصیات الموجودة علی الساحة السیاسیة لا تقل عن عمر فی المستوی، فهم ممن عاصر النبی صلی الله علیه وآله وسمع منه وشارکوا فی الحروب والغزوات


1- ورد فی الکافی ج 5 ص 318 ح59عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: أتت الموالی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقالوا: نشکو إلیک هؤلاء العرب إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان یعطینا معهم العطایا بالسویة وزوج سلمان وبلالا وصهیبا وأبوا علینا هؤلاء وقالوا: لا نفعل، فذهب إلیهم أمیر المؤمنین (علیه السلام) فکلمهم فیهم فصاح الاعاریب أبینا ذلک یا أبا الحسن أبینا ذلک فخرج وهو مغضب یجر رداءه وهو یقول: یا معشر الموالی إن هؤلاء قد صیروکم بمنزلة الیهود والنصاری یتزوجون إلیکم ولا یزوجونکم ولا یعطونکم مثل ما یأخذون فاتجروا بارک الله لکم فإنی قد سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقول: الرزق عشرة أجزاء تسعة أجزاء فی التجارة وواحدة فی غیرها.

ص: 27

ومختلف نشاطات الدولة النبویة، الا ان طبیعة الظرف السیاسی وکثرة الطامعین بالحکم وفقدان الصیغة الدستوریة جعهلم یطلبون من عمر ذلک دفعاً لما لا تحمد عقباه.

قال ابن قتیبة:-

(ثم ان المهاجرین دخلوا علی عمر رضی الله عنه وهو فی البیت من جراحه تلک، فقالوا: یا امیر المؤمنین، استخلف علینا.

قال: والله، لا احملکم حیاً ومیتاً.

ثم قال: ان استخلفت فقد استخلف من هو خیر منی _ یعنی ابا بکر _ وان ادع فقد ودع من هو خیر منی _ یعنی النبی صلی الله علیه وآله _ .

فقالوا: جزاک الله خیراً یا امیر المؤمنین.

فقال: ما شاء الله راغباً، وددت انی نجوت منها لا لی ولا علی.

فلما أحسّ بالموت قال لابنه: اذهب إلی عائشة، واقرئها منی السلام، واستأذنها أن اقبر فی بیتها مع رسول الله ومع أبی بکر.

فأتاها عبد الله بن عمر فأعلمها، فقالت: نعم وکرامة. ثم قالت: یا بنی أبلغ عمر سلامی، وقل له لا تدع امة محمد بلا راع، استخلف علیهم ولا تدعهم بعدک هملاً، فإنی أخشی علیهم الفتنة.

فأتی عبد الله فأعلمه، فقال: 

ص: 28

ومن تأمرنی استخلف؟ لو ادرکت ابا عبید ة بن الجراح باقیاً استخلفته وولیته، فإذا قدمت علی ربی فسألنی وقال لی من ولیت علی أمة محمد؟ قلت: ای ربی، سمعت عبدک ونبیک یقول لکل امة امین وامین هذه الأمة ابو عبیدة بن الجراح، ولو ادرکت معاذ بن جبل استخلفته، فاذا قدمت علی ربی فسألنی وقال لی من ولیت علی امة محمد؟ قلت: ای ربی، سمعت عبدک ونبیک یقول: ان معاذ ابن جبل یأتی بین یدی العلماء یوم القیامة، ولو ادرکت خالد بن الولید لولیته، فإذا قدمت علی ربی فسألنی وقال لی من ولیت علی امة محمد؟ قلت: ای ربی، سمعت عبدک ونبیک یقول:

خالد بن الولید سیف من سیوف الله سله علی المشرکین ولکنی سأستخلف النفر الذین توفی رسول الله وهو عنهم راض...)(1).

وهذه الروایة والروایات الأخری دالة علی عدم وجود ضابطة محددة فی تعیین الحاکم للدولة، بل الذی نجده من روایة ابن قتیبة تنصیص عمر علی أسماء


1- الکافی ج5 ص 23ح1، علل الشرائع ج1 ص170، الخصال ص554ح31، الفصول المختارة ص252، مسألتان فی النص علی علی علیه السلام ج2ص28، الإرشاد ج1ص285، التعجب ص60، امالی الطوسی ص333ح 667/7، ص556ح1170/6، تهذیب الأحکام ج6ص149ح161/7، الإیضاح ص37، المسترشد ص142، 333، 545، الإحتجاج ج1ص190، البحار ج31ص302ح24، الغدیر ج5ص260، ج10 ص9، السقیفة وفدک ص84وما بعدها، الإمامة والسیاسة ج1ص41، وصحیح البخاری کتاب المناقب باب مناقب عثمان فصل قصة الشوری ح3700، صحیح مسلم کتاب الإمارة باب الاستخلاف وترکه ح1823، تاریخ الخلفاء للسیوطی فصل مقتل عمر ووصیته.المستدرک ج3ص95، سنن البیهقی ج8ص150، شرح نهج البلاغة ج1ص184، کنز العمال ج5ص724وما بعدها، طبقات ابن سعد ج3 ص340، الکامل ج5ص36، تاریخ مدینة دمشق ج42ص425، ج44ص431، تاریخ الطبری ج3ص292، البدایة والنهایة ج5ص270، نیل الأوطار ج6ص165 23.

ص: 29

رجال کان لهم اثر مهم فی تحدید مسار الخلافة بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله.

ولکن فقدان الضابطة الدستوریة لم یکن مانعاً لعمر من التمهید لوصول عثمان إلی مسند الخلافة، فعثمان احد الشخصیات التی کان لها دور بارز فی رسم مجریات أحداث الخلافة بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله، وهو الذی دون اسم عمر کخلیفة للمسلمین فی أثناء غیبوبة أبی بکر(1).

وإلی تمهید عمر لوصول عثمان للحکم یشیر خبر مروی عن أمیر المؤمنین علیه السلام

(فقال علی لقوم کانوا معه من بنی هاشم ان اطیع فیکم قومکم لم تؤمروا ابداً. 

وتلقاه العباس: فقال عدلت عنا. فقال: وما علمک؟ قال: قرن بی عثمان وقال کونوا مع الأکثر فإن رضی رجلان رجلا ورجلان رجلا فکونوا مع الذین فیهم عبد الرحمن بن عوف، فسعد لا یخالف ابن عمه عبد الرحمن، وعبد الرحمن صهر عثمان لا یختلفون، فیولیها عبد الرحمن عثمان او یولیها عثمان عبد الرحمن فلو کان الآخران معی لم ینفعانی....)(2).


1- ومما یثیر العجب ان ابا بکر لم یهجر مع انه اغمی علیه اثناء کتابة عثمان اسم عمر، بینما یتهم عمر النبی صلی الله علیه وآله بالهجرا عندما اراد ان یکتب الکتاب الذی لن یضلوا بعده ابداً.
2- تاریخ الطبری حوادث سنة 23، السقیفة وفدک ص82، 83.

ص: 30

د _ آثار فقدان الدستور فی الفقه السیاسی

وقد أثّر فقدان الدستور تأثیراً سلبیا فی الفقه السیاسی لمدرسة الخلفاء؛ إذ لجأ متکلمو هذه المدرسة إلی اعتبار الواقع الخارجی هو المدار فی تعیین الخلیفة فذهب فقهاؤهم إلی ان الأمامة تنعقد ببیعة الواحد والاثنین والثلاثة واهل الحل والعقد والتعیین من قبل الحاکم السابق والغلبة، وکل ذلک ناشئ من الاعتماد علی ما وقع من الجیل الذی عاصر النبی صلی الله علیه وآله أو من جاء بعدهم.

قال الجوینی (فإذا لم یشترط الإجماع فی عقد الإمامة لم یثبت عدد معدود وحد محدود، فوجه الحکم بأن الإمامة تنعقد بعقد الواحد من اهل الحل والعقد)(1).

واستدل القرطبی علی انعقاد الإمامة بعقد الواحد ب_(ودلیلنا ان عمر عقد البیعة لأبی بکر ولم ینکر أحد من الصحابة ذلک)(2)


1- الإرشاد، عبد الملک الجوینی ص 424.
2- تفسیر القرطبی ج1ص260، وانظر المواقف ص400.

ص: 31

وقال التافتازانی:

(وتنعقد الإمامة بالقهر والغلبة والاستیلاء فإذا مات الإمام وتصدی للإمامة من یستجمع شرائطها من غیر بیعة (اهل الحل والعقد) او استخلاف (بعهد من الإمام السابق) وقهر الناس بشوکته انعقدت الخلافة له)(1).

واما الشربینی فیقول:

(أما الاستیلاء علی إمامة الخلیفة الحی فإذا کان هذا الخلیفة متغلباً (بمعنی انه وصل إلی الخلافة عن طریق الغلبة والقهر) انعقدت إمامة المتغلب علیه، وان کان إماماً ببیعة او بعهد من الإمام السابق لم تنعقد إمامة المتغلب علیه)(2).

وینتهی احمد القاسم إلی النتیجة الآتیة:

(ویری غالبیة العلماء من اهل السنة ان شرعیة خلافة یزید قد اعتبرت انطلاقاً من هذا الأساس (الشرعی) المستنبط من فعل الصحابة؛ لأنها کانت ایضاً بعهد من أبیه معاویة بن ابی سفیان وهو صحابی لا یجوز نقده، ثم کانت (خلافة یزید) بمبایعة ورضا من بعض الصحابة کعبد الله بن عمر وهو ایضاً لا یجوز نقده بل یجب الاقتداء بما فعله ورضی به)(3).

وتفرع علی هذا المذهب الفقهی المستند إلی الواقع الخارجی لا إلی النصوص الشرعیة اتکالاً علی عدالة الصحابة جمیعاً الحکم بحرمة الخروج علی


1- شرح المقاصد 272.
2- مغنی المحتاج ج4ص131 __ 132.
3- ازمة الخلافة والإمامة ص54.

ص: 32

الحکام وان جاروا وفسقوا:

(ولا ینعزل الإمام بالفسق أو بالخروج عن طاعة الله تعالی او بالجور؛ لأنه قد ظهر الفسق وانتشر الجور من الأئمة والأمراء بعد الخلفاء الراشدین، وکان السلف ینقادون لذلک ویقیمون الجمع والأعیاد بإذنهم ولا یرون الخروج علیهم)(1).

فیتلخص مما تقدم ان عقیدة مدرسة الخلفاء فی انعقاد الإمامة ووظائف المکلفین تجاه انحرافات الإمام تستند فی الحقیقة إلی الواقع الخارجی مع ملاحظة ما یصب فی صالح الحکام، ذلک لأن الواقع الخارجی شاهد ایضاً علی إنکار الصحابة علی انحرافات بعض الحکام، بل والدعوة إلی الثورة علیهم کما حصل فی زمن عثمان حیث کان أمیر المؤمنین علیه السلام وابو ذر والمقداد وعمار رضوان الله علیهم من المنکرین علی عثمان احداثه(2).

وکان الزبیر وطلحة وعائشة(3) ممن دعا إلی الثورة علی عثمان وقتله، بینما


1- شرح المقاصد ص185_185، وانظر شرح العقیدة الطحاویة ص379، التمهید للباقلانی ص181.
2- جاء فی تاریخ الطبری ج 3ص 376.
3- جاء فی تاریخ الطبری ج 3ص 476: أن عائشة رضی الله عنها لما انتهت إلی سرف راجعة فی طریقها إلی مکة لقیها عبد ابن أم کلاب وهو عبد بن أبی سلمة ینسب إلی أمه فقالت له مهیم قال قتلوا عثمان فمکثوا ثمانیا قالت ثم صنعوا ماذا قال أخذها أهل المدینة بالاجتماع فجازت بهم الامور إلی خیر مجاز اجتمعوا علی علی بن أبی طالب فقالت والله لیت ان هذه انطبقت علی هذه إن تم الامر لصاحبک ردونی ردونی فانصرفت إلی مکة وهی تقول قتل والله عثمان مظلوما والله لاطلبن بدمه فقال لها ابن أم کلاب ولم فوالله إن أول من أمال حرفه لانت ولقد کنت تقولین اقتلوا نعثلا فقد کفر قالت إنهم استتابوه ثم قتلوه وقد قلت وقالوا وقولی الاخیر خیر من قولی الاول فقال لها ابن أم کلاب: منک البداء ومنک الغیر ومنک الریاح ومنک المطر وأنت أمرت بقتل الامام وقلت لنا إنه قد کفر فهبنا أطعناک فی قتله وقاتله عندنا من أمر ولم یسقط السقف من فوقنا ولم ینکسف شمسنا والقمر وقد بایع الناس ذا تدرإ یزیل الشبا ویقیم الصعر ویلبس للحرب أثوابها وما من وفی مثل من قد غدر

ص: 33

طالب أغلب الصحابة عثمان باعتزال الحکم بعد ان قبض المصریون علی غلام عثمان وهو یحمل کتاباً إلی عامله علی مصر یأمره فیه بقتل جماعة من زعامات المصریین ومعاقبة آخرین من المصریین واعتقال شخصیاتهم المهمة(1).

واما الإمام الحسین علیه السلام وهو من الصحابة المشهود لهم بالجنة _ عند الفریقین _ فقد أعلنها صراحة ان حکم یزید حکم جائر یجب القضاء علیه وازالته من الوجود فلا نجد معنی لمدعاهم ان السلف کانوا یرون طاعة الأئمة وان جاروا وفسقوا، بل الواقع التاریخی شاهد علی عکس ذلک.

فلم یستند أصحاب هذه الآراء فقط إلی سیرة الصحابة، بل اضافوا إلیها رعایة مصلحة الحاکم المرتبطة مباشرة بمصالحهم الخاصة(2).


1- انظر الاستغاثة ج1ص62، الجمل ص71، شرح أصول الکافی ج12ص266، البحار ج31ص161، مجمع النورین ص259، الغدیر ج9ص133، شرح نهج البلاغة ج2ص149، ج3ص23، تاریخ المدینة ج4 ص1151، 1206، تاریخ الطبری ج3ص406، البدایة والنهایة ج7ص208، تاریخ ابن خلدون ق1ج2ص147.
2- انظر تاریخ الطبری والکامل لابن الأثیر حوادث سنة 32 و61والجمل للمفید قدس سره ومقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی، ولابن نما الحلی وأبی مخنف ومقاتل الطالبیین البحث الخاص بمقتل الحسین علیه السلام.

ص: 34

ه_ _ موقف أهل البیت علیهم السلام

تجاه نظریة السلطة فی الإمامة

تقدم أن نظریة أهل البیت علیهم السلام فی الإمامة کانت مستمدة من الکتاب العزیز علی أساس دلالة آیة العهد وآیة إطاعة أولی الأمر الدالتّین علی اشتراط العصمة فی الإمام، وعلی آیة التطهیر فی الدلالة علی عصمة أهل الکساء وانهم الذین ینالهم العهد الإلهی دون غیرهم من الناس وحدیث الثقلین، وآیة الولایة الدالة علی ان أمیر المؤمنین علیه السلام هو اول الأئمة بعد النبی صلی الله علیه وآله ، إضافة إلی حدیث الغدیر وحدیث المنزلة المتواترین الناصین علی انه علیه السلام اول الأئمة بعد النبی صلی الله علیه وآله.

وفی قبال هذه النظریة نظریة قریش الداعیة إلی اختصاص قریش بالحکم باستثناء بنی هاشم.

وکان لابد لهاتین النظریتین ان تصطدما؛ لأنهما نظریتان متضادتان علی موضوع واحد، ویستحیل اجتماع الضدین فلا بد مع استحالة الاجتماع من التنازع والافتراق.

ص: 35

والنزاع الأول بین نظریة أهل البیت علیهم السلام ونظریة قریش نهض به أمیرالمؤمنین والسیدة الزهراء والحسنان صلوات الله علیهم والمخلصون من شیعتهم؛ کأبی ذر والمقداد وعمار وسلمان واُبَیّ بن کعب وسهل بن حنیف وحذیفة بن الیمان وعثمان بن حنیف وبریدة الأسلمی وخالد بن سعید بن العاص الأموی ومالک بن نویرة رضوان الله علیهم(1).

ذکر ابن قتیبة نصاً حول موقف أمیر المؤمنین علیه السلام من حکومة أبی بکر، وبیّن علیه السلام فی موقفه منهم الضابطة التی علی أساسها یحدد من له الحق فی تولی الخلافة: 


1- الفضائل ص 76 (فلما توفی رسول الله ورجع بنو تمیم إلی المدینة ومعهم مالک بن نویرة فخرج لینظر من قام مقام رسول الله صلی الله علیه وآله فدخل یوم الجمعة وأبو بکر علی المنبر یخطب بالناس فنظر إلیه وقال اخو تیم قالوا نعم قال فما فعل وصی رسول الله ص الذی امرنی بموالاته قالوا یا اعرابی الامر یحدث بعده الامر قال بالله ما حدث شیء وانکم قد خنتم الله ورسوله ثم تقدم إلی أبی بکر وقال من ارقاک هذا المنبر ووصی رسول الله صلی الله علیه وآله جالس فقال أبو بکر أخرجوا الاعرابی البوال علی عقبیه من مسجد رسول الله صلی الله علیه وآله فقام إلیه قنفذ بن عمیر وخالد بن الولید فلم یزالا یلکزان عنقه حتی أخرجاه فرکب راحلته وأنشأ یقول: أطعنا رسول الله ما کان بیننا فیا قوم ما شأنی وشأن ابی بکر إذا مات بکر قام عمرو مقامه فتلک وبیت الله قاصمة الظهر یدب ویغشاه العشار کأنما یجاهد جما أو یقوم علی قبر فلو قام فینا من قریش عصابة اقمنا ولکن القیام علی جمر

ص: 36

(الله الله یامعشر المهاجرین، لا تخرجوا سلطان محمد فی العرب عن داره وقعر بیته، إلی دورکم وقعور بیوتکم، ولا تدفعوا أهله عن مقامه فی الناس وحقه، فوالله یامعشر المهاجرین لنحن أحق الناس به، لأنا اهل البیت، ونحن أحق بهذا الأمر منکم ما کان فینا القارئ لکتاب الله، الفقیه فی دین الله، العالم بسنن رسول الله، المضطلع بأمر الرعیة، المدافع عنهم الأمور السیئة، القاسم بینهم بالسویة، والله انه لفینا فلا تتبعوا الهوی فتضلوا عن سبیل الله وتزدادوا عن الحق بعداً)(1).

فبحسب هذا النص یکون المناط فی الاستحقاق أن یکون الإمام من أهل البیت ومن لیس من أهل البیت فهو فاقد لملاک استحقاق الإمامة، وسببیة هذا المناط تحلی اهل البیت علیهم السلام بأمور عدها علیه السلام فی کلامه، وهذه الخصوصیات انما تتحقق فیمن هو من اهل البیت بسبب عصمته فلیس کل قریب للنبی صلی الله علیه وآله یستحق الإمامة بل خصوص المعصوم منهم، وفی روایة الطبرسی فی الاحتجاج:

(... فقال علیه السلام: یا هؤلاء أکنت أدع رسول الله مسجی لا أواریه، وأخرج أنازع فی سلطانه؟! والله ما خفت أحداً یسموا له وینازعنا أهل البیت فیه، ویستحل ما استحللتموه، ولا علمت ان رسول الله صلی الله علیه وآله ترک یوم


1- الإمامة والسیاسة ج1ص19، المسترشد ص275ح124، الاحتجاج ج1ص96، البحار ج28ص186، 348، ج29ص627، الصراط المستقیم ج2ص284، أربعین الشیرازی ص54، 188، مناقب الشروانی ص400، الغدیر ج5ص372، ج7ص80، نهج السعادة ج1ص46، عبد الله بن سبأ ج1ص135، معالم المدرستین ج1ص128، المناظرات فی الإمامة ص38، بیت الأحزان ص82، تثبیت الإمامة ص14، السقیفة وفدک ص63، شرح نهج البلاغة ج6ص12.

ص: 37

غدیر خم لأحد حجة ولا لقائل مقالاً، فأنشد الله رجلاً سمع النبی صلی الله علیه وآله یوم غدیر خم یقول (من کنت مولاه فهذا علی مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله) ان یشهد بما سمع.

قال زید بن أرقم فشهد اثنا عشر رجلاً بدریاً بذلک وکنت ممن سمع القول من رسول الله صلی الله علیه وآله فکتمت الشهادة یومئذ فدعا علی علیّ علیه السلام فذهب بصری)(1).

وللزهراء علیها السلام العدید من المواقف المعارضة للسلطة الحاکمة والتی منها وقوفها فی وجه إجراءات السلطة بعد مصادرة أموالها فی فدک والعوالی وغیرها، وتکذیبها لأبی بکر فی روایته لحدیث نحن معاشر الأنبیاء لا نورث، وتوجهها لیلاً مع أمیر المؤمنین والحسنین علیهم السلام لطلب النصرة من الأنصار والمهاجرین، ودفاعها المستمیت عن أمیر المؤمنین علیه السلام، والزهراء علیها السلام اکدت فی کلامها مع نساء المهاجرین والأنصار لما عدنها فی مرضها علی ان الإمامة لا یستحقها الا من تکون فیه مؤهلات خاصة منشأها منشأ استحقاق النبوة فی الأنبیاء وهو التأهیل الإلهی:

(ویحهم أنی زعزعوها عن رواسی الرسالة وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمین والطبین بأمر الدنیا والدین، الا ان ذلک هو ا لخسران المبین...)(2)


1- الاحتجاج ج1 ذکر طرف مما جری بعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله ص184_ 185، وانظر کتاب سلیم بن قیس ص89.
2- الاحتجاج ج1 ص287.

ص: 38

وقالت علیها السلام بعد ذلک مستشهدة بالذکر الحکیم:

(... أفمن یهدی إلی الحق أحق أن یتبع أم من لا یَهدّی الا أن یُهدی مالکم کیف تحکمون...)(1).

فالزهراء علیها السلام تؤکد علی عنصر مهم فی أمیر المؤمنین علیه السلام غیر موجود فی غیره وهو أنه من أهل البیت الذین جعل الله تعالی فیهم من المؤهلات ما لم یجعله فی غیرهم بحیث کانوا بأنفسهم هداة مهدیین، ولذا وصفت الزهراء علیها السلام إمامة غیر أمیر المؤمنین علیه السلام بأنها خسران مبین، أی إنها علیها السلام تعدّ تسلط غیر أهل البیت علیهم السلام علی الحکم شعبة من شعب الضلالة، وروی الجزری فی أسنی المطالب أن الزهراء علیها السلام قالت:

(.... أنسیتم قول رسول الله صلی الله علیه وآله یوم غدیر خم من کنت مولاه فعلی مولاه...).

کما یذکر العدید من المؤرخین دعوة الإمام الحسن علیه السلام أبا بکر لاعتزال الحکم وان لا حق له فیه وان الحکم حق أمیر المؤمنین علیه السلام وتکررت تلک الحادثة فی عهد عمر علی ید الإمام الحسین علیه السلام(2).


1- نفس المصدر ص289.
2- حول موقف الحسنین علیهما السلام انظر تاریخ الخلفاء للسیوطی ص80، انساب الأشراف ج3ص27، 26، الصواعق المحرقة ص175، مناقب آل أبی طالب ج4ص40، شرح نهج البلاغة ج6ص43، 42، مقتل الحسین للخوارزمی ج1ص145، 93، ینابیع المودة ص306، 168، حیاة الصحابة ج2ص495، 494، الإصابة فی معرفة الصحابة ج1ص323، أمالی الطوسی ج2ص313، الاحتجاج ج2ص13، تاریخ بغداد ج1ص141، تهذیب تاریخ ابن عساکر ج4ص324، تهذیب التهذیب ج2ص346، فضائل الخمسة من الصحاح الستة ج3ص369، ترجمة الإمام الحسین علیه السلام من تاریخ دمشق ص141.

ص: 39

وفی هذه الحقبة کان بعض شخصیات المهاجرین والأنصار خارج المدینة فلما عادوا وعرفوا ما جری اجتمعوا إلی أصحابهم من شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام وقرروا استئذان أمیر المؤمنین علیه السلام فی إعلان الثورة، ولکن إعلان الثورة فی هذه الظروف یعنی استئصال أمیر المؤمنین علیه السلام وأصحابه دون الوصول إلی النتیجة المطلوبة، بسبب عدم توفر العدد الکافی لإعلان الثورة خاصة وان المدینة تحت الاحتلال العسکری المباشر لقبیلة أسلم وبعث أسامة، فآثر إقامة الحجة واعلان الرفض بصورة سلمیة فی ساحة المسجد النبوی، فنفذوا ما امرهم به عند صعود أبی بکر منبر المسجد وطالبوا ابا بکر بالتخلی عن الحکم واعادة الحق إلی أهله؛ لأن النبی صلی الله علیه وآله نص علی أمیر المؤمنین علیه السلام، فأبو بکر لا یحق له التقدم علیه لعدم النص علیه، والذین قاموا بهذه العملیة الباسلة فی ذلک الظرف الحرج خالد بن سعید بن العاص الأموی وسلمان الفارسی وابو ذر الغفاری والمقداد بن الأسود الکندی وعمار بن یاسر وبریدة الأسلمی وابو الهیثم بن التیهان وسهل وعثمان ابنا حنیف الأنصاریان وخزیمة بن ثابت ذو الشهادتین وأبی بن کعب وأبو أیوب الأنصاری(1).


1- انظر الاحتجاج ج1ص186، الخصال باب الإثنی عشر ح4، منتهی المقال فی علم الرجال ج2ص166ترجمة خالد بن سعید، ج2ص136ترجمة بریدة، ج3ص164ترجمة خالد بن زید ج7ص275ترجمة ابی الهیثم بن التیهان، کتاب سلیم بن قیس ص87، 251، البحار ج33ص151، فدک فی التاریخ ص113، مستدرک سفینة البحار ج2ص407، عبد الله بن سبأ ج1ص136، معالم المدرستین ص139، الأنوار العلویة ص285، السقیفة وفدک ص63، الإمامة والسیاسة ج1ص19، شرح نهج البلاغةج1ص221، ج6ص13، تاریخ الطبری ج2ص428، تاریخ الیعقوبی ج2ص144، البدایة والنهایة ج6ص334.

ص: 40

ولم تنته المساجلة بین اهل البیت وانصارهم من جهة والحزب الحاکم من جهة اخری بهذا الموقف، بل استمروا فی التأکید علی نظریتهم فی الإمامة فی مواطن متعددة ومناسبات مختلفة حتی تواترت الأحادیث والروایات عنهم فی تحدید نظریتهم فی الإمامة والخصوصیات التی یجب توفرها فی الإمام(1).


1- انظر الکافی ج1 کتاب الحجة وبصائر الدرجات وبحار الأنوار الأجزاء 23 _ 29, نهج البلاغة خ144، 152، 2، 172، 100.

ص: 41

خلاصة الفصل الأول

إن مسألة الإمامة من أهم المسائل فی حیاة المجتمع الإسلامی علی مختلف الأصعدة الفکریة منها والعملیة، وقد أدی الاختلاف فی مسألة الإمامة إلی صراع دام بین الاتجاهات السیاسیة التی کان کل واحد منها یطمح إلی الوصول إلی سدة الحکم.

وأول اختلاف وقع بین المسلمین حول الإمامة عند وفاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم، اذ کانت قریش تعد العدة للسیطرة علی الحکم قبل وفاة النبی صلی الله علیه وآله بمدة طویلة، ولما علم الأنصار بذلک عند وفاة النبی صلی الله علیه وآله عقدوا مجلسهم فی سقیفة بنی ساعدة لنقل السلطة إلیهم ولکن باغتهم القرشیون فأفشلوا خطتهم غیر المدروسة وخرج أبو بکر حاکما علی البلاد الإسلامیة بعد أن بایعته الأنصار ثم توجه إلی المسجد النبوی حیث فرض حوله القرشیون حصاراً لتطویق حرکة بنی هاشم وبمجرد وصول أبی بکر بایعه الأنصار.

هذا علی صعید الواقع العملی الذی حصل عند وفاة النبی صلی الله علیه وآله وسلم، أما علی صعید النظریة الإسلامیة فإن الأمر مختلف تماما؛ لأن العقیدة

ص: 42

الإسلامیة تبتنی علی أساس ان الخلافة بالنص وان الخلیفة یجب أن یتحلی بصفات الکمال التی یتحلی بها النبی صلی الله علیه وآله وسلم من العلم والعصمة والمقامات الخاصة التی جعلها الله تعالی للمخلصین من عباده الذین أوکل امر هدایة العباد وسیاسة البلاد وهو من السنن الإلهیة فی سالف الأمم وقد نص القرآن الکریم علی ان السنة الإلهیة لا تتغیر ولا تتبدل، وحیث کانت هذه الخصوصیات غیر بارزة للعیان؛ لأنها لیست من المحسوسات فلا طریق لإحراز وجودها فی فرد إلا النص علیه من قبل الله تعالی او النبی صلی الله علیه وآله وسلم.

وقد تصدی القرآن الکریم لبیان خصوصیة الإمام فی آیة العهد؛ اذ قال (واذ ابتلی ابراهیم ربه بکلمات فأتمهن قال انی جاعلک للناس اماما قال ومن ذریتی قال لا ینال عهدی الظالمین)

وبین القرآن الکریم الأشخاص الذین تحلو بالعصمة التکوینیة فقال (إنما یرید الله لیذهب عنکم الرجس أهل البیت ویطهرکم تطهیرا).

ثم حدد القرآن الکریم الشخص الأول الذی تحققت فیه العصمة وله الولایة العظمی بعد النبی صلی الله علیه وآله فقال (إنما ولیکم الله ورسوله والذین آمنوا الذین یقیمون الصلاة ویؤتون الزکاة وهم راکعون).

کما ان النبی صلی الله علیه وآله وسلم نص فی مواطن کثیرة وبروایات متواترة علی الأئمة من بعده وابرز تلک الأدلة حدیث الأئمة الأثنی عشر وحدیث الثقلین وحدیث الغدیر. 

ص: 43

وقد شاءت مطامع الناس وأهواؤهم حرف المسیرة الإسلامیة عن اتجاهها الصحیح فصادروا حق أهل البیت فی قیادة الأمة وتتبعوا أنصارهم فی مختلف بقاع الأرض بالقتل والتهجیر والتجویع.

وقد جرت سنة الله تعالی علی امتحان العباد واختبارهم، لینال المطیعون أجرهم بأحسن ماعملوا ویعذب الجاحدین بعظیم ما اقترفوا.

کما ان سنة الله تعالی قد جرت فی عباده الصالحین وأولیائه المکرمین بأن یصبروا ویصابروا ویثبتوا الحق بصریح الدعوة واوضح البیان ویتحملوا فی سبیل ذلک ألوان المحن والعذاب، ویجروا فیه علی السبل الموضوعیة، دون اللجوء إلی خوارق العادات وعجائب المعجزات.

ص: 44 

ص: 45

الفصل الثانی: الاستفادة من الفرصة فی بناء القاعدة

اشارة

ص: 46 

ص: 47

تمهید

أمضی النبی صلی الله علیه وآله ایام حیاته الشریفة فی بناء قاعدة الدولة الإسلامیة والاهتمام بتربیة أبناء الأمة علی مبادئ الإسلام.

ولکن اتساع رقعة الدولة الإسلامیة وکثرة المنافقین الذین دخلوا الإسلام رهبة اضافة إلی المنافقین الذین کانوا منذ بدء الدعوة وسرعة رحیل رسول الله صلی الله علیه وآله من دار الدنیا بعد هذا التوسع _ حیث ان التوسع العظیم فی الدولة بدأ مع فتح مکة سنة 8 ه_ بینما کانت وفاته صلی الله علیه وآله اوائل سنة 11 ه_ _ أدی إلی الإخلال فی العملیة التربویة للمجتمع المسلم، وکان للثقافة القبلیة وجفاء الطبع البدوی من العوامل التی سهلت اضعاف الجانب التربوی فی بناء القاعدة ومضافاً إلی هذه الأسباب کان للاتجهات السیاسیة دورها البارز فی التأثیر السلبی فی الاتجهات التربویة للواقع الإسلامی تحت ظل الحزب القرشی والأموی والعباسی.

ص: 48

اولاً _ العملیة التربویة فی ظل الأحزاب الثلاثة

أ _ العملیة التربویة فی ظل الحزب القرشی

أدرک سیاسیو قریش وأنصارهم أن بناء الشخصیة المسلمة اذا بقی علی ما کان علیه فی عهد النبی صلی الله علیه وآله یعنی سرعة زوال ملکهم؛ لأن الإعلام النبوی کان یؤکد علی خصوصیات أمیر المؤمنین علیه السلام واهلیته ووجوب اتباعه وحرمة مخالفته والخروج علیه، ولذا عمدوا إلی القیام بخطوات متعددة تمکنهم من اعادة بناء الشخصیة المسلمة بالنحو الذی یخدم مصالحهم ویجهل الجیل الجدید من المسلمین بأهل البیت علیهم السلام. ومن التدابیر التی اتخذوها فی المرحلة التی اطلق علیها مرحلة الخلافة الراشدة:

1 _ حرق الأحادیث المدونة علی عهد النبی صلی الله علیه وآله والتی سمعت منه مباشرة(1).


1- انظر کنز العمال ج10ص285، تذکرة الحفاظ ج1ص5، الطبقات الکبری ج5ص188، سیر اعلام النبلاء ج5س59، اضواء علی السنة المحمدیة 47، 49، النص والاجتهاد 139، نهایة الدرایة ص19، اضواء علی الصحیحین ص47، مکاتیب الرسول ج1ص482، تدوین القرآن ص370، الإمام جعفر الصادق علیه السلام ص185.

ص: 49

2 _ منع تدوین السنة النبویة ومعاقبة کل من یروی حدیثاً عن النبی صلی الله علیه وآله أو یحاول طلب العلم والتعرف علی کنوز القرآن الکریم(1).

3 _ تقسیم مناصب الدولة ووظائفها الإداریة بین الفئات التی اتفقت علی عزل أهل البیت علیهم السلام عن الحیاة السیاسیة(2).

فکانت أهم وظائف الدولة موزعة بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله علی النحو التالی:

أ _ ابو بکر رئیس للدولة ای ما یمثل أعلی سلطة تنفیذیة فی الدولة.

ب_ _ عمر مسؤول جهاز القضاء.

ج _ ابو عبیدة مسؤول عن الأمور المالیة العامة.

د _ معاذ بن جبل مسؤول الجهاز الفقهی والإعلامی والقوة العسکریة.

ه_ _ عثمان بن عفان مسؤول الدیوان الرئاسی.

4 _ حصر الخلافة فی ابطال السقیفة حیث عین ابو بکر عمر خلیفة من بعده، وبعد وفاة ابی عبیدة بن الجراح ایام عمر وخشیة عمر من وصول أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحکم واحتیاطه تجاه مسألة التنصیب لما وصله أنباء عزم أنصار


1- مصنف الصنعانی ج11ص325، شرح نهج البلاغة ج12ص63، کنز العمال ج2ص285، احکام ابن حزم ج2ص249، الطبقات الکبری ج6ص7، تهذیب الکمال ج23ص565، تذکرة الحفاظ ج1ص7، تاریخ الطبری ج3ص273، غریب الحدیث ج4ص49، النهایة فی غریب الحدیث ج1ص248، نهایة الدرایة ص19، الغدیر ج6ص294، اضواء علی الصحیحین ص48، مکاتیب الرسول ج1ص519.
2- انظر تاریخ الطبری فی الفصول التی تحدثت عن عمال ابی بکر وعمر وعثمان.

ص: 50

أمیر المؤمنین علیه السلام علی مبایعته بمجرد موت عمر، ابتدع مسألة الشوری التی حاول من خلالها ابطال مسألة النص علی الخلیفة اللاحق وضمان عدم وصول أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحکم عن طریق اشتراط العمل بسیرة الشیخین فی عرض العمل بالکتاب والسنة النبویة.

5 _ التمییز الطبقی والعرقی الذی سیجعل العرب أرجح کفة من غیرهم والذی سیضمن انقلابهم علی أمیر المؤمنین علیه السلام فی حال وصوله إلی الحکم لأنه سیساوی بین العرب وغیرهم عملاً بسیرة رسول الله صلی الله علیه وآله(1).

6_ إقصاء أمیر المؤمنین علیه السلام وکل من له هوی به عن الاشتراک فی إدارة البلاد الا فی بعض الحالات الاستثنائیة التی سرعان ما یقوم الحکام بعزل أصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام عن مواقعهم بمجرد الإحساس بالخطر کما هو الحال مع عمار رضوان الله علیه عندما ولاه عمر الکوفة بعد ان طلب اهلها عزل


1- تاریخ الطبری ج3ص108، المغنی ج7ص310، الشرح الکبیر ج10ص552، مصنف الصنعانی ج11ص100، مصنف الکوفی ج8ص478، کنز العمال ج4ص553، تاریخ دمشق ج6ص382، وفی الکافی ج 5 ص 318 ح59عن أبی عبد الله (علیه السلام) قال: أتت الموالی أمیر المؤمنین (علیه السلام) فقالوا: نشکو إلیک هؤلاء العرب إن رسول الله (صلی الله علیه وآله) کان یعطینا معهم العطایا بالسویة وزوج سلمان وبلالا وصهیبا وأبوا علینا هؤلاء وقالوا: لا نفعل، فذهب إلیهم أمیر المؤمنین (علیه السلام) فکلمهم فیهم فصاح الاعاریب أبینا ذلک یا أبا الحسن أبینا ذلک فخرج وهو مغضب یجر رداءه وهو یقول: یا معشر الموالی إن هؤلاء قد صیروکم بمنزلة الیهود والنصاری یتزوجون إلیکم ولا یزوجونکم ولا یعطونکم مثل ما یأخذون فاتجروا بارک الله لکم فإنی قد سمعت رسول الله (صلی الله علیه وآله) یقول: الرزق عشرة أجزاء تسعة أجزاء فی التجارة وواحدة فی غیرها.

ص: 51

سعد بن أبی وقاص(1).

7 _ فرض الإقامة الجبریة علی أمیر المؤمنین علیه السلام وخلص أصحابه لمنع انتشار الحدیث النبوی، والتجهیل التام للأمة بأمیر المؤمنین علیه السلام(2).

8 _ سد الفراغ الثقافی عن طریق استدعاء مسلمة اهل الکتاب لقص أخبار العهدین علی المسلمین(3).

ب _ العملیة التربویة فی ظل الحزب الأموی

وأما فی العهد الأموی فاتبعت اسالیب متعددة للاستمرار فی حرف الأمة عن أهل البیت علیهم السلام ومن تلک الأسالیب:

1 _ تقنین سب أمیر المؤمنین علیه السلام علی المنابر فی زمن معاویة ودام ذلک إلی أیام عمر بن عبد العزیز(4).


1- تاریخ الطبری ج3ص227، البدایة والنهایة ج7ص128.
2- مصنف الکوفی ج6ص201، الطبقات الکبری ج2ص336، تاریخ مدینة دمشق ج47ص142، ج66ص191، سیر اعلام النبلاء ج2ص345، المستدرک ج1ص110، الحد الفاصل ص554، خلاصة عبقات الأنوار ج3ص79، الغدیر ج6ص294، مکاتیب الرسول ج1ص683، تدوین القرآن ص370.
3- انظر الصحیح من السیرة ج1ص184.
4- النصائح الکافیة ص101، مناقب الکوفی ج1ص537، ج2ص20، أمالی الطوسی ص247 ح433/25، ص587 ح1217/6، مناقب ابن شهر آشوب ج3ص196، الصراط المستقیم ج1 ص119، ج3ص47، البحار ج23ص175، مصنف الکوفی ج7ص474، مسند سعد بن ابی وقاص ص189، خصائص النسائی ص100، مسند ابی یعلی ج2ص114، زاد المسیر ج5ص251، الطبقات الکبری ج6ص304، تاریخ مدینة دمشق ج21ص703، تاریخ الیعقوبی ج2ص223، جواهر المطالب ص227.

ص: 52

2 _ الأمر بوضع الأحادیث فی ذم أهل البیت علیهم السلام ودفع الأموال الطائلة لوضعة الحدیث، ومعاقبة کل من یروی حدیثاً فی فضائلهم(1).

3 _ بذل الهدایا لمن یروی احادیث فی مدح عثمان وبنی امیة وابی بکر وعمر(2).

4 _ التمهید لتأسیس فقه یوازی فقه السنة المطهرة المتلقاة عن النبی صلی الله علیه وآله وأهل البیت علیهم السلام، وبذل الأموال الطائلة لدعم هذا المشروع الذی سیغطی حاجة الدولة إلی الفتاوی الجاهزة المناسبة لحاجة الحکام.

5 _ محاصرة العلویین والشیعة اقتصادیاً وقطع اعطیاتهم من بیت المال(3).

6_ منع الشیعة من الاشتراک فی ای نشاط من أنشطة الدولة. 


1- جاء فی شرح نهج البلاغة ج 4 ص 63 (وذکر شیخنا أبو جعفر الاسکافی رحمه الله تعالی - وکان من المتحققین بموالاة علی علیه السلام، والمبالغین فی تفضیله، وإن کان القول بالتفضیل عاما شائعا فی البغدادیین من أصحابنا کافة، إلا أن أبا جعفر أشدهم فی ذلک قولا، وأخلصهم فیه اعتقادا - أن معاویة وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعین علی روایة أخبار قبیحة فی علی علیه السلام، تقتضی الطعن فیه والبراءة منه، وجعل لهم علی ذلک جعلا یرغب فی مثله، فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هریرة وعمرو بن العاص والمغیرة بن شعبة، ومن التابعین عروة بن الزبیر). وانظر کذلک المعیار والموازنة ص20.
2- انظر بحار الأنوار ج33ص82، النصائح الکافیة ص98، مناقب أهل البیت ص28، الغدیر ج11ص29، امان الأمة من الإختلاف ص43، اضواء علی الصحیحین ص53، معالم المدرستین ج2ص53، احادیث ام المؤمنین ج1ص372، مکاتیب الرسول ص648، کلیات فی علم الرجال ص489، الصحیح من السیرة ج4ص75، شرح نهج البلاغة ج11ص45.
3- البحار ج33ص180، ج44ص126، مناقب الشروانی ص28، النصائح الکافیة 98، شجرة طوبی ج1ص101، امان الأمة من الاختلاف ص40، أضواء علی الصحیحین ص53، مکاتیب الرسول ج1ص684، الصحیح من السیرة ج4ص75، الإمام جعفر الصادق 49، شرح نهج البلاغة ج11ص45.

ص: 53

7 _ المبادرة إلی القضاء عسکریاً علی ای تحرک شیعی مهما کان بسیطاً.

8 _ رد شهادة الشیعی فی المنازعات القضائیة.

9_ تفتیت الوجود الشیعی وإضعافه عن طریق نفی کثیر من العوائل الشیعیة من الکوفة إلی نیسابور فی ایام زیاد بن ابیه فی عهد معاویة ونفی جماعة اخری إلی قم ایام الحجاج بن یوسف فی عهد عبد الملک بن مروان.

10 _ تصفیة الشخصیات الشیعیة المهمة کحجر بن عدی وعمرو بن الحمق الخزاعی ومیثم التمار وکمیل بن زیاد النخعی وقنبر وأشباههم رضوان الله علیهم(1).

11 _ تأسیس عقیدة عصمة الحاکم وعقیدتی الجبر والإرجاء وغیرها من العقائد التی تسهم فی اضفاء الشرعیة علی جمیع التصرفات التی یقوم بها الحکام.

ج _ العملیة التربویة فی ظل الحزب العباسی

وبعد زوال الدولة الأمویة لم یکن تعامل السلطة العباسیة مع اهل البیت علیهم السلام افضل منه ایام الحکم الأموی، فالعباسیون عمدوا ایام الحکم الأموی إلی استغلال مظلومیة اهل البیت علیهم السلام لاستجلاب عواطف الأمة لتأییدهم قبال السلطة الأمویة الجائرة، ولما کانت الدولة الأمویة تعتمد فی سیاستها التمییز العنصری کان الموالی اشد استجابة للدعوة العباسیة باعتبار ان العباسیین من اهل البیت الذین حکموا بالمساواة بین ابناء الأمة ایام أمیر المؤمنین علیه السلام، ولذا


1- انظر فی ذلک الأخبار الطوال وتاریخ الطبری والبدایة والنهایة وبحار الأنوار _ فی ترجمة اصحاب امیر المؤمنین علیه السلام _ .

ص: 54

کان فی اولویات السیاسة العباسیة عدّ العلویین أشد أعدائهم؛ لأنهم ینافسونهم فی قربی النبی صلی الله علیه وآله من جهة ومن جهة اخری ان بنی هاشم فی اواخر ایام الدولة الأمویة اجتمعوا وبایعوا النفس الزکیة خلیفة علی المسلمین فی حال سقوط الدولة الأمویة، وکان ممن بایع النفس الزکیة ابو جعفر المنصور فی محاولة من العباسیین للتغطیة علی تحرکهم واظهار انفسهم امام العلویین جزءاً من التحرک العلوی الرامی إلی القضاء علی الظلم الأموی.

وهذه الأسباب مجتمعة کانت تدعو بنی العباس إلی اتخاذ اسالیب یتمکنون بها من أقصاء العلویین عن الحلبة السیاسیة والی الأبد ومن تلک الأسالیب المتبعة:

1 _ التضییق علی الأئمة علیهم السلام واعتقالهم المتکرر ومحاصرتهم اقتصادیاً وإعلامیاً(1).

2 _ الاستدعاءات الأمنیة المتکررة لزعماء البیت العلوی سواء الأئمة علیهم السلام او الشخصیات البارزة.

3 _ التضییق الشدید إلی درجة اضطرار العلویین فی ظروف غیر مناسبة لإعلان الثورة(2).


1- انظر المصادر التی تحدثت عن حیاة الأئمة من الصادق الی العسکری علیهم السلام، کارشاد المفید وبحار الأنوار الأجزاء 47وما بعدها، مقاتل الطالبیین، الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام وحیاة الإئمة من الصادق الی العسکری علیهم السلام للشیخ باقر القرشی.
2- انظر البحار ج47ص206، عمدة الطالب ص104، مقاتل الطالبیین ص159، شرح نهج البلاغة ج3ص307، تاریخ ابن خلدون ج1ص200، ج4ص4، تاریخ الطبری ج6ص173، البدایة والنهایة ج10ص93، وکذا انظر مصادر ثورة الحسین الخیر صاحب فخ.

ص: 55

4 _ الدعایة الإعلامیة الواسعة للمذاهب المخالفة لأهل البیت علیه السلام وعدم مؤاخذة مؤسسی المذاهب علی تصرفاتهم مهما کانت مع ان مثل هذه التصرفات لو صدرت عن بعض العلویین لتم القضاء علیهم وبوحشیة، حیث نجد ان السلطة العباسیة لم تتخذ موقفاً من الفقهاء الذین اشترکوا مع النفس الزکیة فی ثورته او ایدوا الثورة مع انهم تعاملوا بشدة مع جمیع آل ابی طالب علیهم السلام.

5 _ السعی لتزریق الأمة عقیدة النص علی العباس بن عبد المطلب ایام المهدی العباسی واستمر ذلک فی عهد الرشید، الا ان الظروف السیاسیة التی کان یمر بها المأمون دعته للتخلی عن هذه النظریة(1).

6 _ محاولة سلب ثقة الأمة باهل البیت علیهم السلام عن طریق اشراکهم فی ادارة الدولة کما حصل فی ولایة العهد التی اوکلها المأمون للإمام الرضا علیه السلام.

7 _ تبنی المذاهب المخالفة لأهل البیت علیهم السلام(2).

8 _ عزل الأئمة علیهم السلام عن المجتمع کما حصل مع الأئمة الکاظم والهادی والعسکری علیهم السلام.

9 _ محاربة کل ماله صلة بالتشیع وکل ما من شأنه ان یزید ارتباط الأمة بأهل البیت علیهم السلام.


1- الأفصاح ص36، الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام ص78، شرح مسلم ج15ص148، فتح الباری ج13ص178، شرح نهج البلاغة ج9ص78، الأخبار الطوال ج4ص384، تاریخ ابن خلدون ج3ص185، تاریخ الطبری ج 6ص117، البدایة والنهایة ج10ص81.
2- انظر تاریخ الطبری ج6ص238، المنتخب من ذیل المذیل ص144، اضواء علی السنة المحمدیة ص298.

ص: 56

ثانیاً _ العملیة التربویة عند الأئمة علیهم السلام

اشارة

وفی مقابل هذه المحاولات الهدامة من الحزب القرشی والأموی والعباسی کان الأئمة علیهم السلام یقومون بالحفاظ علی القاعدة المؤمنة من الأخطار المحدقة بها ویسعون إلی توسعة هذه القاعدة علی الرغم من خطورة التحرک فی هذا المجال لأن الأحزاب الثلاثة کانت تعدّ من أولویاتها إنهاء وجود أهل البیت علیهم السلام وإلغاء تأثیرهم فی الأمة، ومعلوم لدی کل من دخل فی سلک البناء الفکری للمجتمع ان ای فکر کی ینتشر فی الوسط الاجتماعی یفتقر إلی عاملین رئیسین هما المال والإعلام، ولهذا السبب کانت الأحزاب الثلاثة تحاول إیجاد فکر فی قبال فکر أهل البیت علیهم السلام کما أنها کانت تحاول محاصرتهم اقتصادیاً وإعلامیاً.

ویمکن تقسیم بناء القاعدة عند الأئمة علیهم السلام إلی عدة مراحل:

أ. بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله وحتی تولی أمیر المؤمنین علیه السلام الخلافة. 

ص: 57

ب. تولی أمیر المؤمنین علیه السلام الحکم حتی صلح الإمام الحسن علیه السلام.

ج. بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام حتی تولی الإمام الصادق علیه السلام الإمامة.

د. تولی الإمام الصادق علیه السلام حتی تولی الإمام الرضا علیه السلام ولایة العهد.

ه_. منذ تولی الإمام الرضا علیه السلام العهد حتی شهادته.

و. شهادة الإمام الرضا علیه السلام حتی الغیبة الکبری.

أ _ العملیة التربویة قبل تولی امیر المؤمنین علیه السلام الحکم

وفی الوقت الذی کانت نظریة أهل البیت علیهم السلام تعتمد الإسلام الحنیف فکرة ونظریة لهدایة المجتمع والنهوض به ولکن هذا الفکر الإلهی علی ماله من العظمة لم یکن لیبلغ فی التأثیر ما بلغه فی عهد النبی صلی الله علیه وآله لولا ما بذلت السیدة خدیجة بنت خویلد رضوان الله علیها من الأموال حتی قیل إن الإسلام انتشر بسیف أمیر المؤمنین علیه السلام وأموال خدیجة رضوان الله علیها، وهذه الحقیقة هی التی دعت أبا بکر إلی مصادرة أموال الزهراء علیها السلام وامتناعه عن دفع سهم ذوی القربی إلی بنی هاشم(1).


1- انظر المصادر التاریخیة التی تناولت أحداث سنة 11 هجریة وقد تقدمت الإشارة إلی العدید منها.

ص: 58

کان التضییق الاقتصادی الذی فرضته السلطة علی أمیر المؤمنین علیه السلام وشیعته مُلجئاً لهم لتأمین السیولة النقدیة التی یحتاجون إلیها فی العمل التبلیغی عن طریق جهدهم الخاص حیث کان أمیر المؤمنین علیه السلام یقوم بنفسه الشریفة باستصلاح الأراضی وزراعتها وبذل عائداتها المالیة فی بناء القاعدة، حتی روی ان أمیر المؤمنین علیه السلام أعتق ألف عبد من أمواله الخاصة(1)، وکذا کان یقوم بقیة الأئمة علیهم السلام. ویحدثنا التاریخ ان الإمام السجاد علیه السلام کان یعتق کل عبد امضی فی خدمته ستة أشهر فی عید الفطر من کل سنة(2)، وفی المدّة التی یمضیها العبید فی خدمة الإمام السجاد علیه السلام کانوا یستلهمون روح الإسلام الحقیقیة، ویحملون العقیدة الحقة بین جوانحهم فیکونون فی الغد حملة رسالة ولسانا ناطقا دالا علی الحقائق وبیان فضائل أهل البیت وأدلاء للناس علی الطریق القویم رغم القیود والعراقیل الکثیرة التی حاول المتسلطون وضعها فی طریقهم. فکانت عملیة تحریر العبید بعد تأهیلهم علمیاً واحدة من الطرق المهمة التی اتبعها أهل البیت فی نشر العقائد الحقة والفهم الصحیح للإسلام؛ إذ إن کل واحد من المحررین کان عبارة عن مدرسة علمیة تحمل فکر أهل البیت وتنشره فی الأوساط التی تتصل معها.

وبقی هناک أمر مهم وهو مقابلة الأسالیب المنحرفة التی اتبعها الحکام فی إبعاد


1- الکافی کتاب المعیشة باب ما یجب من الإقتداء بالأئمة علیهم السلام فی التعرض للرزق، البحار ج41 ص33، المعیار والموازنة ص226، شرح نهج البلاغة ج10ص110.
2- إقبال الأعمال ص144، البحار ج46 ص104.

ص: 59

الناس عن أهل البیت وتجهیلهم بهم الذی استند إلی مسألتین مهمتین، الأولی؛ منع روایة الحدیث النبوی وحرق ما دون منه فی ایام رسول الله صلی الله علیه وآله.

والأخری الإستعانة بمسلمة اهل الکتاب فی سد النقص الذی ولده منع روایة الحدیث، وعن مسلمة اهل الکتاب اخذ الکثیر ممن اشترک فی عملیة البناء الفکری علی مذهب السلطة(1).

وفی مقام التصدی لهذا المنهج المنحرف أصر أهل البیت علیهم السلام علی ضرورة التعلم وتدوین العلم وکتابته باسانیده وتصدی الأئمة علیهم السلام بأنفسهم للتدریس وبمجرد وصول أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الحکم قام بطرد القصاصین من المساجد وأعاد للعلوم الإسلامیة مکانتها فی المجتمع الإسلامی.

وفی الوقت نفسه قام اصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام خاصة بعد قتل عمر وحصول حالة من الانفراج النسبی فی الحصار المفروض علیهم بفضح الانحرافات الفکریة والتطبیقیة، وکان من اوائل المتصدین ابو ذر الغفاری وعمار ابن یاسر ومحمد بن ابی بکر ومحمد بن ابی حذیفة ومالک الأشتر وأشباههم الذین قاموا بأمرین متوازیین الأول فضح الانحرافات والثانی ارشاد الأمة إلی الأصلح.

وأدی نشاط هؤلاء الصلحاء إلی اثارة حفیظة السلطة علیهم وکان من نتائج الحساسیة الشدیدة للحکام تجاه المصلحین عزل عمار رضوان الله علیه عن ولایة الکوفة بعد عدة أشهر من نصبه والیاً علیها أیام عمر، ونفی ابی ذر رضوان الله علیه


1- انظر مقدمة وسائل الشیعة.

ص: 60

إلی الشام ومنها إلی المدینة ثم إلی الربذة حتی توفی غریباً وحیداً، وضرب عمار رضوان الله علیه بالسیاط حتی أغمی علیه وکاد أن یأتی علیه عثمان لولا تدخل السیدة أم سلمة رضوان الله علیها، ونفی مالک الأشتر وزید بن صوحان وعمرو بن الحمق الخزاعی وکمیل بن زیاد وجملة من أصحابهم من أهل الکوفة إلی الشام وبعد ان خشی معاویة ان تقوم هذه الثلة الصالحة بتنبیه الناس إلی الفساد الإداری الذی یقوم به معاویة کاتب عثمان حیث امره الأخیر بأن یرسلهم إلی عبد الرحمن ابن خالد بن الولید للتنکیل بهم فترکوه وعادوا إلی الکوفة، وطردوا سعید بن العاص منها ومکنوا الکوفة من الاستقلال الجزئی عن السلطة المرکزیة(1).

ب _ بناء القاعدة ایام حکم أمیر المؤمنین علیه السلام

وبعد ان تولی أمیر المؤمنین علیه السلام الحکم کانت خطته فی بناء القاعدة ذات محورین:

1 _ إرساء العدالة الاجتماعیة(2).


1- للمزید من التفاصیل راجع تاریخ الطبری فی عناوین نفی ابی ذر والأحداث التی انکرها الصحابة علی عثمان ونفی شخصیات اهل العراق.
2- حول العدالة الاجتماعیة انظر: الحیاة السیاسیة للإمام الحسن علیه السلام ص67، الأعلاق النفیسة ص199، الغارات ج1ص74_77، انساب الأشراف ج2ص141، سنن البیهقی ج6ص349، حیاة الصحابة ج2ص112، الغدیر ج ص242، نهج الصیاغة ج12ص197_207، أمالی المفید م12 ح6، امالی الطوسی م7ح33، الإمامة والسیاسة ج1ص153، تحف العقول تحت عنوان خطبته علیه السلام لما عوتب علی التسویة فی العطاء ص183، وکلامه علیه السلام فی وضع المال فی موضعه ص185، الکافی کتاب الزکاة باب وضع المعروف فی موضعه ح2ص 31، والروضة ح26، 204، 551 بحارالأنوار مج8 باب النوادر، نهج البلاغة خ126، کتاب 43، خ15.

ص: 61

2 _ إعادة تأهیل الأمة علمیاً(1).

ففی المحور الأول أعاد إلی المالیة العامة کل ما اختص به عثمان نفسه وبنی أمیة من القطائع والأموال، والغی قانون التمییز القومی والقبلی الذی شرعه عمر وتبعه علیه عثمان.

واما المحور الثانی فقد عمد أمیر المؤمنین علیه السلام إلی العدید من الخطوات لإعادة تأهیل الأمة منها:

1 _ طرد القصاصین من مسلمة أهل الکتاب من المساجد لما کانوا یقومون به من دور تخریبی فی ثقافة الأمة الإسلامیة ویکفی انتشار الإسرائیلیات فی کتب المسلمین بسبب نشاطهم المشبوه دلیلا علی التشویه الفکری الکبیر الذی قاموا به(2).

2 _ رفع الحظر عن روایة الحدیث النبوی ودعوة الناس للتعلم والتأکید علیه وعلی التدوین ودعوة الناس للمعرفة حتی أثر عنه علیه السلام قوله: سلونی قبل أن تفقدونی(3).


1- وحول بث العلم انظر: کنز العمال ج10ص189، 175، 171، 151، 129، 122، تقیید العلم ص90، 89 التراتیب الإداریة ج2ص259، طبقات ابن سعد ج6ص116، تاریخ بغداد ج8ص357، نور الأبصار ص122، سنن الدارمی ج1ص130، جامع بیان العلم ج2ص99، الکافی کتاب فضل العلم، عوالم العلوم ج3، والکثیر من خطب نهج البلاغة.
2- انظر الصحیح من سیرة الرسول الأعظم ج1ص184.
3- رسائل المرتضی ج1ص391، نهج البلاغة خ189، الأصول الستة عشر ص76، بصائر الدرجات ص286، کامل الزیارات ص155، امالی الصدوق ص196ص207/1، ص422ح560/1وما بعدها، توحید الصدوق ص92، خصائص الأئمة ص62، روضة الواعظین ص32، ص118، المعیار والموازنة ص82، دستور معالم الحکم ص104، شرح نهج البلاغة ج2ص286، ج6ص136، ج7ص46، 56، ج10ص14، کنز العمال ج14ص612ح39709.

ص: 62

3_ تأهیل جماعة من شیعته من ذوی المستویات والقابلیات الخاصة لحمل علوم أهل البیت علیهم السلام کمیثم التمار وکمیل بن زیاد النخعی وحبیب بن مظاهر الأسدی وقنبر رضوان الله علیهم.

4_ التأکید المستمر علی خصوصیات أهل البیت علیهم السلام واختصاص الإمامة بهم دون غیرهم.

6 _ فضح الانحراف السیاسی والعقائدی والفقهی بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله(1).

7 _ طرح المباحث العلمیة العالیة فی المجامع العامة لحث الناس علی التعلم وأخذ العلم من منابعه الأصیلة(2).

وأعطت الحرکة فی المحورین ثمارها الیانعة حیث أصبحت الکوفة بعد ذلک المصدر الأول للثورات علی الظلم والظالمین بنحو لم تشهده ولایة أخری من ولایات الدولة الإسلامیة، وأصبحت الکوفة من الحواضر العلمیة المهمة علی الرغم من الموقف المعادی للسلطات الحاکمة لأهلها، حیث احتضنت الکوفة فی ربوعها العلمیة فقهاء المذاهب علی اختلاف آرائهم الفقهیة والعقائدیة، کما کانت تحتضن الحرکات السیاسیة علی اختلاف اتجاهاتها وأصبحت بعد شهادة


1- انظر نهج البلاغة خ3.
2- یکفی النظر فی خطب نهج البلاغة لإثبات هذه الحقیقة.

ص: 63

الإمام الحسین علیه السلام معقلاً للثورات ولم تکن بعدها یوماً خالصة للسلطان.

ولکن الحرکة المبارکة لأمیر المؤمنین علیه السلام لم تخل من غصة حیث ان بعض زعماء القبائل الذین فقدوا بعض امتیازاتهم القبلیة التی کانت لهم أیام عمر وعثمان دعاهم لأن یکونوا حجر عثرة فی التحرک الإصلاحی الذی قاده الإمام أمیر المؤمنین علیه السلام فی الکوفة(1).

وکان من العوائق المهمة فی وجه حرکة أمیر المؤمنین علیه السلام وجود معاویة الذی جعل الشام معقلاً لجمیع الاتجاهات الهدامة علی الأصعدة السیاسیة والاجتماعیة والفکریة، ولذا کان نجاح عمل أمیر المؤمنین علیه السلام السیاسی والفکری یتوقف علی القضاء علی حرکة معاویة، وقام علیه السلام بما تقتضیه المرحلة من التمهید للقضاء علی معاویة لکن سذاجة المعسکر الکوفی وعصیانه لأمیر المؤمنین علیه السلام ضیع الفرصة.

ولما اکتشف أهل الکوفة خداع معاویة وفساده عاجلت المنیة أمیر المؤمنین علیه السلام علی ید الخوارج وبذلک ضاعت علی الأمة الإسلامیة فرصة ذهبیة لبناء الذات والمجتمع علی کافة الأصعدة علی أساس هدی القرآن والسنة المطهرة.

ج _ بناء القاعدة بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام

وأما بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام فإن بناء القاعدة کان اشد صعوبة، وذلک لتطور الاتجاهات المعادیة لأهل البیت علیهم السلام، فقبل شهادة أمیر


1- نهج البلاغة خ12، الکافی ج8 ص260ح551.

ص: 64

المؤمنین علیه السلام کان الصراع بین الأئمة علیهم السلام والسلطة الحاکمة، اما بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام فإن دائرة الصراع أصبحت أوسع حیث أصبح أطرافها أهل البیت علیهم السلام وشیعتهم رضوان الله علیهم من جهة والسلطان، والمعارضة السیاسیة المعادیة للسلطان وأهل البیت علیهم السلام من جهة أخری، وکان بناء القاعدة فی هذه المرحلة یتمرکز فی الحفاظ علی القاعدة ودرء الأخطار عنها علی الأصعدة الفکریة والسیاسیة، وتوسعتها.

ولم یکن التحرک فی هذا الاتجاه بالأمر الهین، اذ کان الهجوم شدیدا ً علی الصعید الفکری حیث تبنت السلطات الحاکمة مذاهب فکریة علی صعید الفقه والعقیدة تتلاءم مع حاجتها، ومثل هذه المذاهب من شأنها ان توجد خللاً وشبهات فی افکار الناس وعقائدهم مع تمتع الفکر المعادی بحمایة السلطة ودعایتها، بینما یتعرض فکر أهل البیت علیهم السلام لحرب السلطة ومحاولتها خنقه والتعتیم علیه ومحاربة کل من یتبناه، بل والقضاء علی الشخصیات العلمیة الحاملة لفکر أهل البیت علیهم السلام، فکان الحفاظ علی القاعدة یتطلب عملاً غایة فی الدقة للحفاظ علی المؤمنین من سطوة الظالمین، وفی هذه المرحلة امر الأئمة علیهم السلام اتباعهم بالتقیة کطریق لحفظ دمائهم من ان تسفک ومنعوهم من الدخول فی المؤامرات التی یثیرها الحکام لتغطیة بعض التصفیات السیاسیة کفتنة خلق القرآن(1)، بل ومنع الأئمة علیهم السلام شیعتهم فی الدخول فی


1- انظر الکلینی والکافی ص274.

ص: 65

الصراعات السیاسیة التی تحصل بین أرکان السلطة کما حصل فی عهد الأمین والمأمون(1).

وفی سبیل بث العلوم الحقة کان الأئمة علیهم السلام یتبعون الطرق التی تتناسب مع الظروف السیاسیة المحیطة بهم ومنها:

1 _ بث المعارف عن طریق الأدعیة التی حوت فی طیاتها المفاهیم الإسلامیة العمیقة، وکانت هذه الطریقة التبلیغیة واضحة فی منهج الإمام السجاد علیه السلام حیث کانت الرقابة الأمویة والزبیریة للإمام السجاد علیه السلام من الشدة بحیث لم یتسن له بعد شهادة ابیه علیه السلام التحرک بالنحو الذی کان یقوم به آباؤه علیهم السلام او الذی أتیح للإمامین الباقر والصادق علیهما السلام من بعده.

2 _ تربیة مجموعة من الشخصیات العلمیة وتهیئتها للنهوض بمسؤولیتها الدینیة، وهو منهج مشترک بین جمیع الأئمة علیهم السلام، ولکنه أشد وضوحاً فی حیاة الإمامین الباقر والصادق علیهما السلام بسبب تهیّؤ الظرف المناسب فی أواخر الدولة الأمویة وأوائل الدولة العباسیة.

3 _ التصدی المباشر للتدریس العام مع إرسال المبلغین إلی کافة مناطق وجود الشیعة، وهو منهج واضح فی حیاة الإمام الصادق علیه السلام فی مرحلة الضعف التی عاشتها الدولتان الأمویة والعباسیة، والإمام الرضا علیه السلام بعد أن


1- انظر الکافی الروضة ح562، 546، 346، 303، 71، 16، 1، والأصول کتاب الإیمان والکفرباب زیارة الأخوان ح1.

ص: 66

اُکره علی ولایة العهد.

وبرز فی هذه الحقبة عدد غفیر من تلامیذ الأئمة علیهم السلام الذین یعدون من الطراز الأول، وفی هذا العصر شاعت المناظرات العقائدیة بین اتباع الأدیان والمذاهب المختلفة.

4 _ الاعتماد بصورة کبیرة علی الوکلاء والفقهاء وهو بارز فی مرحلة التضییق التی عاشها الأئمة علیهم السلام منذ عهد الإمام الکاظم علیه السلام(1).

5 _ شراء العبید وعتقهم بعد تأهیلهم علمیاً واقتصادیاً لیکونوا دعاة علی مستوی عال من الفقه والثقافة وسلامة العقیدة لبث المعارف الحقة فی ربوع البلاد وارشاد العباد إلی جادة الحق والصواب.

6 _ التأکید علی إحیاء مأساة کربلاء فی الوجدان الشیعی(2).

د _ العملیة التربویة عند الإمام الصادق علیه السلام

اشارة

علی الرغم من إصرار السلطات الحاکمة علی إلغاء دور أهل البیت علیهم السلام فی الأمة وعلی جمیع الأصعدة، الا ان هناک حقباً خفت فیها وطأة الحکام لأسباب مختلفة، وکانت هذه الحقب الزمنیة المحدودة فرصة یستغلها أهل البیت


1- انظر الصحیفة السجادیة، الکافی کتاب العقل وکتاب العلم وکتاب التوحید وکتاب الحجة، والکافی کتاب الحجة باب الاضطرار إلی الحجة، عیون أخبار الرضا علیه السلام ج1باب 11 وما بعده، الاحتجاج ج2، دلائل الإمامة فی الفصول المختصة الأئمة الباقر والصادق والکاظم علیهم السلام، الاختصاص ص29.
2- انظر البحار ج44ص291وما بعدها.

ص: 67

علیهم السلام فی بناء الأمة والنهوض بها، وأبرز فرصتین فی حیاة أهل البیت علیهم السلام فی مرحلة المعارضة السیاسیة کانت الأولی منهما فی أواخر الدولة الأمویة وأوائل الدولة العباسیة فی عهد الإمام الصادق علیه السلام والثانیة أیام الصراع بین الأمین والمأمون فی عهد الإمام الرضا علیه السلام.

أ _ الحیاة السیاسیة للإمام الصادق علیه السلام

تولی الإمام الصادق علیه السلام مهام الإمامة بعد وفاة الإمام الباقر علیه السلام سنة 114 ه_ .

وعاصر علیه السلام مجموعة من طغاة بنی أمیة فی مرحلة تعد من اقسی مراحل المعاناة التی عاشها الشیعة بسبب الضغط الذی کان یمارسه الحکام الأمویون ضدهم، وبلغ الاضطهاد الأموی من الشدة إلی الدرجة التی دعت زید بن علی علیهما السلام لإعلان الثورة ضد الدولة الأمویة فی الکوفة لکنه استشهد قبل ان تؤتی ثورته ثمارها.

وبعد شهادته بعدة سنوات تولی یزید بن عبد الملک المعروف بالفاسق الحکم مما أدی إلی اندلاع الصراع علی العرش داخل العائلة الأمویة ورافق ذلک ازدیاد النشاط العباسی وقیام الخوارج والزیدیة ببعض الثورات فی مناطق مختلفة من بقاع الدولة وهذه الأمور بمجموعها أدت إلی ضعف الدولة المرکزیة.

ومما زاد فی ضعف الدولة الأمویة الصراع الدامی بین الولاة المعزولین والمنصوبین بدلاً عنهم، ودام الصراع علی الکرسی بین الأمویین والولاة

ص: 68

والحرکات السیاسیة المعارضة سبع سنوات متتالیة.

وبطبیعة الحال فإن الحکام فی حال وجود تهدید مباشر لکرسی الحکم یصبون جل جهودهم علی القضاء علی الحرکات المسلحة لما تشکله من تهدید مباشر لسلطانهم، وتخف وطأتهم علی الحرکات العلمیة والفکریة والشخصیات السیاسیة المخالفة التی لم تخض غمار الصراع المسلح.

کان الإمام الصادق علیه السلام یعلم ان خوض الصراع المسلح فی هذه المرحلة لا یصب فی الصالح الإسلامی العام، لأن الدعوة العباسیة تمکنت من السیطرة علی شرق العالم الإسلامی؛ اذ ان العمل السری لبنی العباس کان قد رکز دعوته بعیداً عن أنظار الدولة الأمویة فی خراسان وتمکنوا من جمع الأنصار حولهم فی تلک البقاع حتی أصبح الفرس بعد ذلک عماد الثورة العباسیة، وکان العباسیون یعتمدون علی أمرین مهمین فی دعوتهم؛ الأول: التأکید علی مظلومیة أهل البیت علیهم السلام بدعوی انهم اهل البیت، والثانی: التعریض بالتمییز القومی الذی کانت تعانیة القومیات غیر العربیة التی دخلت الإسلام ایام الحکم الأموی.

فی الوقت الذی وقعت فیه الدعوة العلویة التی یقودها النفس الزکیة رضوان الله علیه تحت تأثیر الخداع العباسی عندما اجتمع الهاشمیون وبایعوا النفس الزکیة بالخلافة لو سقطت الدولة الأمویة.

وکان الإمام الصادق علیه السلام یعلم بحتمیة وقوع الصراع بین العائلة

ص: 69

العلویة والعباسیة، بسبب استقلال الثانیة فی حرکتها السیاسیة والعسکریة واخفاء جزئیات تحرکهم عن العلویین واطماعهم بالوصول إلی السلطة، ویدل علی ذلک تحذیره علیه السلام عبد الله المحض رضوان الله علیه من اخطار التعامل مع بنی العباس(1).

ولهذه الأسباب اختار الإمام الصادق علیه السلام التأکید علی الجانب العلمی لتحقق الفرصة المناسبة لتشاغل الأمویین عن الحرکات العلمیة بسبب اضطراب الوضع الداخلی.

ب _ مواقفه علیه السلام من الحکومات الظالمة
1 _ موقفه علیه السلام من الحکم الأموی

موقف الأئمة علیهم السلام من الحکم الأموی علی الصعید الفکری لا یحتاج إلی مزید بیان، ذلک لأن الحکم الأموی یتبنی عقائد وآراء تتنافی مع مبادئ الإسلام الحنیف، واما من الناحیة العملیة فهناک قرائن تؤکد تبنی الإمام الصادق علیه السلام للنشاط المعارض للدولة الأمویة، منها تبنیه علیه السلام لثورة زید الشهید رضوان الله علیه وتأکیده علی إحیاء ذکری مأساة کربلاء بالنحو الذی یبقیها خالدة فی الوجدان الشیعی إلی الأبد، وکانت فاجعة کربلاء ذات حساسیة خاصة عند العلویین والأمویین معاً حیث سعی الأمویون إلی محو مأساة کربلاء من اذهان الأمة بسن الاحتفال فی یوم عاشوراء وعدّه من مناسبات الفرح والسرور، وحاولوا


1- انظر مقاتل الطالبیین ص173، البحارج47ص160.

ص: 70

ترویج ذلک عن طریق وضع الروایات المتعددة فی تعداد المناسبات المفرحة فی هذا الیوم، وقد تبع بنی أمیة علی ذلک صلاح الدین الأیوبی الذی عدّ یوم عاشوراء عیداً رسمیاً فی مصر بعد القضاء علی الدولة الفاطمیة التی اتخذت هذا الیوم یوم حزن وعزاء، وأخذ عنه الیزیدیون ذلک حیث عد یوم عاشوراء من الأعیاد الدینیة للفرقة الیزیدیة التی أسسها عدی بن مسافر الأموی.

ومن الأدلة الأخری علی تبنیه علیه السلام المعارضة العملیة للحکم الأموی المنع من العمل فی وظائف الدولة الأمویة والدعوة إلی مقاطعتها، قال علیه السلام:

(... لولا ان بنی أمیة وجدوا من یکتب لهم ویجبی لهم الفیء ویقاتل عنهم ویشهد جماعتهم، لما سلبونا حقنا، ولو ترکهم الناس وما فی أیدیهم لما وجدوا شیئاً الا ما وقع فی أیدیهم...)(1).

کما ان الإمام الصادق کان یصرح لبعض خاصته انه مستعد لتبنی نفقات عوائل من یتصدی للثورة ضد بنی أمیة حیث کان یقول علیه السلام:

(... ذکر بین یدی أبی عبد الله علیه السلام من خرج من آل محمد فقال علیه السلام لا أزال أنا وشیعتی بخیر ما خرج الخارجی من آل محمد، ولوددت أن الخارجی من آل محمد خرج وعلی نفقة عیاله...)(2).


1- البحار ج47باب 4ح188ص138وباب 11ح105ص382، مناقب ابن شهر آشوب ج3ص365، الکافی ج5 کتاب المعیشة باب عمل السلطان وجوائزهم ح4ص106.
2- السرائر ج 3 ص 569، الوسائل ج15ص54، البحار ج46ص132، نشأة الشیعة والتشیع ص96.

ص: 71

2 _ موقفه علیه السلام من الدولة العباسیة

یمکن تقسیم موقف الإمام الصادق علیه السلام تجاه العباسیین إلی مرحلتین قبل تولیهم الحکم وبعده.

ففی المرحلة الأولی کان الإمام الصادق علیه السلام مکتفیاً بإعلان عدم الانتماء إلی الحرکة العباسیة، بل ظاهر بعض الروایات انه علیه السلام کان ینهی الشیعة عن الانضواء تحت لواء بنی العباس وعدم الاغترار بدعوتهم إلی الرضا من آل محمد، ذلک الشعار الذی خدعوا به بسطاء الأمة(1).

وکان بنو العباس فی هذه المرحلة یحذرون جانب العلویین وفی سبیل معرفة ما إن کان ثمة تحرک سیاسی خفی عند العلویین، وهل لهم أطماع فی الوصول إلی کرسی الحکم قام داعیة بنی العباس أبو سلمة الخلال بإرسال رسائل إلی المدینة إحداها إلی الإمام الصادق علیه السلام والأخری إلی عبد الله المحض رضوان الله علیه والثالثة لعمر الأشرف ابن أمیر المؤمنین علیه السلام یعرض علی کل واحد منهم علی حدة البیعة(2)، وکان جواب الإمام الصادق علیه السلام ان احرق رسالة الخلال ولم یجبه بشیء وکذا رفض الأشرف العرض، بینما انطلت الحیلة علی عبد الله المحض رضوان الله علیه فأجاب الخلال إلی ما دعاه إلیه ودعا


1- انظر الکافی ج8 ص264، البحار ج52ص302، شرح أصول الکافی ج5ص107، وسائل الشیعة ج7ص36.
2- انظر عمدة الطالب ص102، الفرج بعد الشدة ج2ص348، ینابیع المودة ج3ص161، الإمام جعفر الصادق علیه السلام ص67.

ص: 72

أبا سلمة لیبایع لولده محمد رضوان الله علیه مما کشف عن تحرّک سیاسی وعسکری لبنی الحسن علیه السلام فأخذ العباسیون حذرهم منهم وأرسلوا إلی المدینة أبا جعفر المنصور کموفد عن العائلة العباسیة وبعد اجتماع حضره شخصیات بنی هاشم بویع النفس الزکیة رضوان الله علیه بالخلافة إن سقطت الدولة الأمویة، ولعل تحذیر الإمام الصادق علیه السلام لعبد الله المحض رضوان الله علیه هو الذی أسهم فی إخفاء تفاصیل العمل السری لبنی الحسن رضوان الله علیهم بحیث لم یتیسر لبنی العباس القضاء علی النفس الزکیة رضوان الله علیه إلا بعد مدّة طویلة من البحث والمتابعة.

وأما بعد تولی العباسیین الحکم فإن موقف الإمام الصادق علیه السلام تجاههم کموقفه تجاه بنی أمیة.

ومن المتابعة للنصوص التاریخیة نجد ان تندیده بالحکم العباسی کان یصب فی محورین:

1 _ التندید بالولاة، حیث کان علیه السلام یندد بولاة بنی العباس تعریضاً صریحاً لمخالفتهم للأحکام الشرعیة.

2 _ المنع من التعامل مع الدولة العباسیة، إذلم یأذن علیه السلام للشیعة فی الدخول فی عمل السلطان، بل کان لا یرضی لشیعته العمل حتی فی الأعمال العادیة کالبناء والخیاطة فکان علیه السلام یقول لبعض أصحابه لما استجازه فی عمل لیس من أعمال السلطان ولکنه یعود الیهم: 

ص: 73

(ما احب انی عقدت لهم عقدة او وکیت لهم وکاء وان لی ما بین لا بتیها، لا ولا مدة بقلم، ان اعوان الظلمة یوم القیامة فی سرادق من نار حتی یحکم الله بین العباد)(1).

وکان علیه السلام یؤکد علی ان دین المرء لا یسلم الا بتجنبه السطان الظالم وکان علیه السلام یدعو الشیعة للبراءة ممن یدخل منهم فی عمل السلطان، اذا کان یؤذی الشیعة ولا ینفعهم(2).

3 _ موقف العباسیین من الإمام الصادق علیه السلام

کان ملوک بنی العباس یقسمون العلویین إلی قسمین الأول منهما من یشکل خطراً مباشراً علی الدولة العباسیة وهؤلاء أصحاب التنظیمات المسلحة التی من شأنها ان تقضی علی الدولة العباسیة بسرعة فلذا یجب فی الحسابات السیاسیة المسارعة إلی القضاء علیها وهی فی المهد کحرکة النفس الزکیة وأخیه إبراهیم رضوان الله علیهما.

والقسم الثانی یعدّ خطراً مستقبلیاً علی الدولة العباسیة بسبب ما یبث فی الأمة من أفکار من شأنها الدعوة إلی التعامل مع بنی العباس أسوة بالظالمین من بنی أمیة، ومثل هذه الفئة لا یکتفی لأجل القضاء علیها بتصفیة الوجود الشخصی


1- انظر البحارج47باب11ح10ص383، الکافی ج5 کتاب المعیشة باب عمل  السلطان وجوائزهم ح7 _ 15.
2- انظر الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام ص74، تاریخ ابن خلدون ج3ص173، مروج الذهب ج3ص238، وفیات الأعیان ج1ص454، شرح نهج البلاغة لأبن ابی الحدید ج7ص161.

ص: 74

للمفکرین لأن الفکرة لا تموت بموت حاملها، بل محاربة هذه الفئة تکون عن طریقین؛ الأول التصفیة الجسدیة والثانی تبنی نظریات مقابلة وتغطیتها إعلامیاً لتحل کعقیدة بدیلة ودائمیة فی الأمة.

وکان التعامل مع الإمام الصادق علیه السلام من النحو الثانی، لأنه علیه السلام لم یقم بقیادة التحرک العسکری الا ان السلطة العباسیة کانت تتعامل معه علی أساس کونه خطراً یهدد أساس البناء العباسی. ولذا حاول العباسیون تبنی نظریات مباینة للنظریات التی یتبناها أهل البیت علیهم السلام علی الصعید العقائدی والفقهی.

فهم علی مستوی المسائل الدینیة فی الأصول والفروع سمحوا للتیارات الفکریة بالظهور _ طبعاً تفاوت ذلک بحسب توجهات الحکام _ فکانت حرکة الاعتزال إلی مدّة لیست بالقصیرة من حیاة الدولة العباسیة تمتاز بوجود قوی علی الساحة الفکریة، کما ظهر إلی جنبها التیارات الفکریة الأخری، ولم یشهد تاریخ تلک الحرکات اتفاق جمیع ملوک بنی العباس علی محاربتها، بل کان بعض الحکام یتبنون بعض الاتجاهات الفکریة مع اتخاذ موقف الحیاد تجاه التیارات الأخری کما فی أیام ملوک بنی العباس إلی زمن المأمون، ومنهم من کان یتعامل بعداء مع الاتجاهات الفکریة الأخری التی لا تتناسب مع الاتجاه الذی یتبناه کما حصل فی عهد المعتصم والمتوکل, لکن کلمة بنی العباس کانت متفقة علی محاربة فکر أهل البیت علیهم السلام لأن الإمامة فی فکر أهل البیت علیهم السلام

ص: 75

لا تکون إلا بالنص وهی من مختصات أهل البیت علیهم السلام وکل من یتصدی من غیرهم فهو ظالم وهذه العقیدة لو سرت فی الأمة لکان یعنی سقوط شرعیة الحکم العباسی فی نظر الرعیة، بینما کانت الاتجاهات الفکریة لا تتبنی نظریة النص، بل کانت العقیدة السیاسیة لهذه المذاهب تنسجم مع توجهات الدولة العباسیة فی الغالب.

والعباسیون فی سبیل إرساء شرعیة حکمهم فی قبال نظریة أهل البیت علیهم السلام ادعوا ابتداءً ان الوصیة انتقلت إلی بنی العباس بإیصاء أبی هاشم بن محمد بن الحنفیة لعلی بن عبد الله بن عباس الذی أوصی إلی ولده وهکذا(1).

ولکنهم تنبهوا بعد ذلک إلی ان استمرار هذه الدعوی من شأنه ان یجعل مسألة الوصایة إلی بنی العباس فرع الوصایة إلی العلویین ولذا عمد المهدی العباسی إلی تبنی عقیدة النص علی العباس بن عبد المطلب ابتدءً وسخر لذلک بعض المتکلمین والفقهاء والشعراء، وشهد ذلک العصر العدید من المساجلات علی مستوی الکلام والفقه قاده الفقهاء والمتکلمون والشعراء العلویون والعباسیون، واستمر النشاط العباسی فی محاولة ارساء هذه الدعوی فی الأمة حتی ملک المأمون الذی جمد هذه الفکرة بسبب الظرف السیاسی القاهر الذی کان یعیشه(2).

ویشهد لمحاولات بنی العباس محاصرة أهل البیت علیهم السلام وإیجاد


1- انظر بحار الأنوار مج42ص104، شرح نهج البلاغة ج7ص150.
2- البحار ج47باب5ح5ص165، امالی الشیخ الطوسی م2ح35.

ص: 76

بدائل عنهم فی أوساط الأمة استمرارهم علی المنهج الأموی فی دعم التیارات الفقهیة المخالفة لأهل البیت علیهم السلام وإضفاء الحمایة والدعم الرسمی لها والإغضاء عن المخالفات التی یقوم بها زعماء التیارات الفکریة وعدم مؤاخذتهم علی الرغم من دعم ابی حنیفة لثورة النفس الزکیة، واشتراک مالک بن انس فیها وعدم استجابة عمرو بن عبید لطلباتهم، بینما تعرض العلویون حتی الذین لم یشترکوا فی ثورة النفس الزکیة علانیة إلی مضایقات کثیرة کان أیسرها مصادرة الأموال.

وفی محاولة من السفاح للحد من نشاط الإمام الصادق علیه السلام ومنع النفس الزکیة من القیام بأی عمل عسکری ضد الدولة العباسیة، استدعی الإمام الصادق علیه السلام وعبد الله المحض رضوان الله علیه إلی الکوفة وفرض علیهما الإقامة الجبریة لمدة سنتین، وکان فی بعض الأحیان تفرض علی الإمام علیه السلام الإقامة فی منزله حتی روی أن أحد الشیعة فی سبیل استفتاء الإمام علیه السلام فی مسألة من طلق زوجته فی مجلس واحد ثلاثاً تستر بلباس بائع خیار لیتمکن من الوصول إلی الإمام علیه السلام واخذ الجواب منه.

اما المنصور فإنه وبخاصة بعد ثورة بنی الحسن رضوان الله علیهم تفنن فی إیذاء الإمام الصادق علیه السلام وکان یصرح ان العلویین لا یزالون یشکلون خطراً مهما یهدد کیان الدولة العباسیة وان الدماء التی سفکت منهم لم یتم معها القضاء علی الخطر الحقیقی بسبب وجود الإمام الصادق علیه السلام. 

ص: 77

ومن الأسالیب التی اتبعها المنصور إرسال بعض مرتزقة بنی العباس بعنوان انه من شیعة أمیر المؤمنین علیه السلام من اهل خراسان وهو یحمل أموالاً لیوزعها فی فقراء العلویین فی محاولة للتجسس علی اخبارهم ولمعرفة ان کان منهم من ینوی القیام بثورة مسلحة، واخری یبعث بالجواسیس إلی المدینة لتتبع اخبار الإمام الصادق علیه السلام وکانت التقاریر السریة ترفع الیه حول جبایة الأموال إلی الإمام الصادق علیه السلام واعداد شیعته للثورة.وحاول المنصور تصفیة الإمام الصادق علیه السلام عدة مرات فی بغداد والکوفة وعند ذهابه إلی الحج واصدر أمره فی احدی المرات إلی والیه علی المدینة بإحراق دار الإمام الصادق علیه السلام علی من فیها(1).

ب _ بناء القاعدة

کان منهج الإمام الصادق علیه السلام فی بناء القاعدة یتمثل فی جوانب متعددة:

1 _ شراء الغلمان وتربیتهم لمدّة من الزمن بحیث تکون لدیهم الأهلیة الکاملة فی التأثیر فی النشاط الفکری للمجتمع، وبعد ان تتوفر فیهم الأهلیة اللازمة یقوم علیه السلام بعتقهم وکان یهب لبعضهم بعض الضیاع التی من


1- انظر الکافی ج1ص473ح2، شرح أصول الکافی ج7ص246، نوادر المعجزات ص154، الثاقب فی المناقب ص137، مناقب آل أبی طالب ج3ص362، عمدة الطالب ص70، مدینة المعاجز ج5ص296ح1628/58، 1629/59، البحار ج47ص136، الأنوار البهیة ص161، الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام ص74، تاریخ ابن خلدون ج3ص173، مروج الذهب ج3ص238، وفیات الأعیان ج1ص454، شرح نهج البلاغة لأبن أبی الحدید ج7ص161.

ص: 78

شأنها ان تمکنهم من خوض غمار الحیاة بقدم ثابتة، فکان هؤلاء بسبب ما یکنونه من شکر له لإعتاقهم والحنین الیه لما لمسوه من کرم الخلق وسمو الذات ینقلون إلی الأمة ما سعت السلطات الحاکمة للتعتیم علیه بکل ما أوتیت من قوة(1).

2 _ مباشرته علیه السلام لتربیة أصحابه وتوجیههم الوجهة الصحیحة، وقد انعکس ذلک علی علاقتهم به بحیث انهم کانوا علی استعداد تام لبذل حیاتهم رخیصة فی سبیل الحفاظ علی حیاته علیه السلام ودرء الأخطار عنه وعن خُلّص شیعته.

وکان علیه السلام وبسبب ما آتاه الله من العلم بالمغیبات یرعی أصحابه ویدفع عنهم الأخطار التی یمکن أن تحیط بهم، کما حصل مع داود بن زربی رضوان الله علیه الذی استفتی الإمام علیه السلام فی الوضوء فأفتاه بالوضوء علی طریقة المذاهب الأخری حتی اذا زال الخطر أمره ان ینتقل إلی الوضوء علی وفق مذهب أهل البیت(2).


1- انظر البحار ج47باب 5ح186، باب 6ح2 _54، الخرائج والجرائح ص234, کشف الغمة ج2ص448، وحاول الإعلام العباسی اظهار الإمام الصادق علیه السلام بمظهر المهزوز امام سلاطین بنی العباس الا ان الواقع التاریخی یکذب ذلک حیث روی ان الإمام الصادق علیه السلام اجاب علی رسالة وجهها الیه المنصوریعاتبه علی عدم حضور مجلسه (لیس لنا ما نخافک لأجله ولا عندک من امر الآخرة ما نرجوک له، ولا انت فی خیر فنهنئک، ولا تراها نقمة فنعزیک بها، فما نصنع عندک؟!. فکتب الیه: تصحبنا لتنصحنا. فأجابه علیه السلام: من اراد الدنیا لا ینصحک ومن اراد الآخرة لا یصحبک..) البحار ج4باب 6ح29.
2- البحار ج77ص286.

ص: 79

وکان صلوات الله علیه یتدخل بنفسه عند الولاة ذوی المیول الشیعیة فی سبیل قضاء حوائج الشیعة(1).

وکان علیه السلام یؤکد علی ضرورة التحلی بالأخلاق الحسنة، ویبین لهم أهمیة ذلک وانعکاسه علی التصور الجید الذی یترکه حسن الخلق علی عوام الناس وما یتولد عنه من احترام المذهب والذی سیسبب إحباط محاولات التشویه التی تقوم بها السلطة ضد الشیعة وأهل البیت علیهم السلام فی الوقت الذی یؤدی سوء الخلق إلی آثار سلبیة من الممکن ان یستثمرها الحکام فی دعایتهم الإعلامیة ضد التشیع، قال علیه السلام لأحد أصحابه:

(یاشقرانی إن الحسن من کل أحد حسن وإنه منک أحسن لمکانک منا، وان القبیح من کل أحد قبیح ومنک أقبح)(2).

وقال علیه السلام: (فإن الرجل منکم إذا ورع فی دینه وصدق الحدیث وأدی الأمانة وحسن خلقه مع الناس قیل: هذا جعفری فیسرنی ذلک ویدخل علی منه السرور وقیل: هذا أدب جعفر وإذا کان علی غیر ذلک دخل علی بلاؤه وعاره وقیل: هذا أدب جعفر)(3).

3 _ الإیجابیة فی الحیاة الاجتماعیة؛ کانت منهجیة أهل البیت علیهم السلام


1- انظر عیون المعجزات ص90.
2- مناقب آل ابی طالب ج3ص362، العدد القویة ص153، شرح نهج البلاغة ج18ص205.
3- الکافی ج 2 ص 636، مشکاة الأنوار ص132، شرح اصول الکافی ج11 ص 91، وسائل الشیعة ج12ص6.

ص: 80

التربویة تعتمد الإیجابیة فی الحیاة الاجتماعیة کعنصر فاعل فی عملیة بناء القاعدة وربط الناس بأهل البیت علیهم السلام وربی الأئمة علیهم السلام شیعتهم علی ذلک مما أسهم فی انتشار التشیع رغم الأخطار العظیمة التی کانت تواجه الشیعة والتشیع علی مر العصور ومن شواهد تلک الإیجابیة:

أ _ مباشرة اهل البیت علیهم السلام بأنفسهم الأعمال وکانوا یوصون شیعتهم بالتعرض لطلب الرزق ویأمرون بعضهم بالاتجار، وکان لهذه المنهجیة أثرها البارز فی ظهور أبناء الشیعة کعناصر منتجة مستقلة اقتصادیاً.

ب _ مخالطة الناس والاحتکاک بهم والحضور الفاعل فی المناسبات الاجتماعیة، والشعائر ذات الطابع العام کصلاة الجمعة والجماعة والعیدین وحضور جنائز المخالفین وعیادة مرضاهم وکسب مودتهم، وکانوا علیهم السلام یقومون بأنفسهم بذلک، وللإمام الصادق علیه السلام فی هذا المضمار العدید من الرسائل والتوصیات لشیعته.

ج _ الحضور فی المجتمع کأحد أبنائه والنأی عن التنسک القشری، فکان الإمام الصادق علیه السلام یلبس من الثیاب أفخرها، ویوصی شیعته بالاقتداء به، ویرد الاعتراضات الزائفة للجهلة.

4 _ إعداد الأمة لعصر الغیبة حیث کان علیه السلام یشید ببعض أصحابه ویوصی المؤمنین بالرجوع إلیهم واخذ معالم الدین عنهم، ومن جهة أخری کانت الإشادة بأصحابه علیه السلام تشکل عنصراً احترازیاً للأمة کی لا یأخذوا دینهم

ص: 81

من بعض ممن سمع من الإمام علیه السلام ولکن لم یکن أهلاً للأمانة(1).

د _ التأکید علی مأساة کربلاء وإحیائها فی الوجدان الشیعی، لما لها من أهمیة خاصة.

ج _ النشاط العلمی للإمام الصادق علیه السلام

فی أواخر الدولة الأمویة وبسبب ضعف الدولة المرکزیة لتنامی الصراع داخل العائلة الأمویة من جهة وبین الولاة من جهة أخری، واندلاع بعض ثورات الزیدیة والخوارج من جهة ثالثة، وإعلان العباسیین للثورة فی خراسان بعد تصفیة السلطة الأمویة لإبراهیم المعروف بین العباسیین بالإمام، وتتابع تلک الاضطرابات بحیث مرت سبع سنین من تزلزل الوضع الداخلی مما أشغل الدولة عن النشاط العلمی الذی کان یقوم به الإمام الصادق علیه السلام بحیث تمکن علیه السلام من تشکیل أکبر الحلقات الدرسیة فی مسجد النبی صلی الله علیه وآله حتی قیل:

(ینقل عن الصادق علیه السلام من العلوم ما لا ینقل عن أحد، وقد جمع أصحاب الحدیث أسماء الرواة من الثقات علی اختلافهم فی الآراء والمقالات وکانوا أربعة الآف رجل)(2)


1- انظر البحارج47باب11ح10ص383، الکافی ج5 کتاب المعیشة باب عمل السلطان وجوائزهم ح7 _ 15.
2- حول هذه المطالب انظر البحارج47باب4ح118، 95، 50، باب5ح176، 144، 121، باب11ح108، 97، 81، 80، 77، 59، 46، 86، 89، مناقب ابن شهر اشوب ج3ص362 وانظر البحار ج47 باب4 ح111، باب5ح105، 104، 99، 92، باب11 ح107، 100، 99، 73، 72، 71، 63، 62.

ص: 82

واستمر هذا الحال فی بدایة الدولة العباسیة؛ لأن السفاح کان لا یزال یعیش الصراع مع الدولة الأمویة التی لم یتم القضاء علیها تماما ً بعد، مما کان یدفعه لتحیید العلویین لحین الفراغ من قتال الأمویین.

وکان علیه السلام یبدی اهتماماً خاصاً ببعض طلبته فبرز منهم عدد کبیر کزرارة بن أعین وعمران بن عبد الله القمی وأبی بصیر وأبی سعد الجعفی ومعلی ابن خنیس وإسماعیل بن عبد الرحمن الجعفی وأبان بن عثمان وبرید العجلی ومحمد بن مسلم والمفضل بن عمر ویحیی بن سابور وعمران بن أعین، کما نبغ من أصحابه بعض المتکلمین کهشام بن الحکم ومؤمن الطاق(1).

وشهد عصره علیه السلام نشاط العدید من الحرکات الفکریة کالزنادقة والمعتزلة والمرجئة والحشویة وغیرها، وکان من الطبیعی حصول الکثیر من المناظرات فی مختلف المباحث الفکریة ابتداءً من التوحید وانتهاءً بالمعاد(2).

وکان أبرز ما یقع مدار البحث مبحث التوحید والصفات الإلهیة التی کان النقاش فیها یدور مع الزنادقة والملاحدة، ومبحث الإمامة الذی کان النقاش فیه مع أبناء المذاهب الإسلامیة الأخری.

وکان للإمام الصادق علیه السلام وتلامذته دور کبیر فی رد الشبهات المثارة فی مختلف المباحث العلمیة(3).


1- بحار الأنوار ج47باب4ح28.
2- الکافی کتاب التوحید باب حدوث العالم ح5، 4، 2، 1وباب إطلاق القول بانه شیء ح6.
3- الکافی ج1ص168، امالی الصدوق ص686، کمال الدین ص208، علل الشرائع ج1ص194، الاحتجاج ج2ص123، 126، مناقب آل ابی طالب ج1ص312، البحار ج32ص7، ج58ص348، الصراط المستقیم ج1ص271، المناظرات فی الإمامة.

ص: 83

ویمکن القول إن الإمام الصادق علیه السلام فی نشاطه العلمی کان ینحو نحوین:-

1 _ بث المعارف الحقة فی المجتمع الإسلامی.

2 _ بناء القاعدة الحاملة لفکر أهل البیت علیهم السلام وتوسعتها، وشهد هذا العصر کثرة سفر الشیعة من بلادهم إلی المدینة للانتهال من معین العلم الصافی والذی یشهد له ظهور الکوفة وقم وبغداد کمراکز علمیة مهمة کانت تعدّ مرکز الثقل العلمی الشیعی والذی یرجع الفضل فی وجودها إلی تلامذة الإمام الصادق علیه السلام الذین تبنوا نشر فکر أهل البیت علیهم لسلام وأخذ عنهم طلبتهم وتمکنوا علی مر العصور من حفظ تراث أهل البیت علیهم السلام من الضیاع.

د _ موقفه علیه السلام من الانحراف الفکری

وجدت فی عصر الإمام الصادق علیه السلام العدید من الحرکات الفکریة المنحرفة التی کان بعضها یعد امتداداً للانحراف الذی حصل بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله ولکنه اخذ یتطور ویتحول من انحراف سیاسی إلی انحراف عقائدی فکری وبخاصة بعد فرض السلطة الحاکمة حمایتها الواسعة لهذه الحرکة، وکان الإمام الصادق علیه السلام وتلامذته یقومون بدور التصحیح الذی کان یدور علی شکل مناظرات بین الإمام علیه السلام وتلامذته من طرف ومنظری الجهاز

ص: 84

الحاکم من طرف آخر.

کما کان هناک الوضاعون الذین کانوا یحضرون مجلس الإمام علیه السلام العلمی ثم یدّعون علی الإمام علیه السلام ما لم یقله فی محاولة منهم لدعم اتجاهاتهم الفکریة کسفیان الثوری وأصحابه، وکان علیه السلام یصرح بأنهم یکذبون علیه وینصحهم بالتوبة، ویحاول الحد من نشاطهم المضلل للأمة، کما کان علیه السلام یندد بالحرکات السیاسیة الداعیة باسم أهل البیت لعزل أهل البیت علیهم السلام عن المجتمع کالزیدیة(1).

ومن الحرکات الهدامة التی ظهرت فی عهده علیه السلام حرکة الغلاة، الداعین إلی تألیه الأئمة علیهم السلام وکان موقف الإمام الصادق علیه السلام منهم شدیداً وکان علیه السلام یظهر عظیم معاناته من الغلاة وشدید إنکاره علیهم دائماً:

(إنی خرجت آنفاً فی حاجة فتعرض لی بعض سودان المدینة فهتف بی لبیک یا جعفر بن محمد لبیک، فرجعت عودی علی بدئی إلی منزلی، خائفاً ذعراً مما قال لی، حتی سجدت فی مسجدی لربی، وذللت له نفسی، وبرئت إلیه مما هتف بی، ولو ان عیسی بن مریم عدا ما قال الله فیه لصم صماً لا یسمع بعده أبداً، وعمی عمی لا یبصر بعده أبداً، وخرس خرساً لا یتکلم بعده أبداً، ثم قال: لعن الله أبا الخطاب وقتله بالحدید)(2)


1- البحار ج47 باب11احوال أصحابه علیه السلام.
2- البحار ح47باب 4ح57، باب5ح148، 125، 178، 137، 136، 26، 15، باب 11ح101، 25، الکافی الروضة ج8 _ ح286.

ص: 85

ه_ _ عبقریة الإمام الصادق علیه السلام

من صفات الزعیم السیاسی الناجح إدراکه لما یحیط به من تحدیات، وتعامله علی أساس معطیات الحاضر للنجاح فی المستقبل، وعند دراسة حیاة الأئمة علیهم السلام من الناحیة السیاسیة تبرز هذه الخصلة بوضوح، وفی مورد البحث فالإمام الصادق علیه السلام کانت تحوطه مؤامرات التصفیة التی کان یسعی لها السفاح والمنصور والتی لم تکن تستهدف شخص الإمام علیه السلام فحسب بل کانت تستهدف تمام الوجود الشیعی ویمکن إجمال خطة ملوک العباسیین تجاه الإمام الصادق علیه السلام والتشیع فی:

1 _ إضعاف وجوده الاجتماعی والذی کان أحد أسالیبه فرض الإقامة الجبریة علیه فی منزله ومنع اتصال الناس به.

2 _ تصفیة الإمام الصادق علیه السلام جسدیاً.

3 _ معرفة الشخصیات الشیعیة التی تتصل بالإمام الصادق علیه السلام وتقوم بدور الوسیط بینه وبین شیعته والتی نتج عنها شهادة المعلی بن خنیس رضوان الله علیه.

4 _ القضاء علی من یعهد الیه الإمام الصادق علیه السلام من بعده.

وتقدمت الإشارة إلی النقاط الثلاث الأولی واما النقطة الرابعة فتظهر بوضوح فی کتاب المنصور إلی والیه علی المدینة بعد أن بلغه وفاة الإمام الصادق

ص: 86

علیه السلام: (اذا کان أوصی إلی رجل بعینه فقدمه واضرب عنقه)(1).

5 _ محاولة إجبار الإمام الصادق علیه السلام علی الاعتراف بشرعیة الحکم العباسی.

6 _ دعم المذاهب الفقهیة والفکریة المخالفة لمذهب أهل البیت علیهم السلام.

وکان لحنکة الإمام الصادق علیه السلام أثرها الکبیر فی إفساد ما یرمی إلیه العباسیون او التقلیل من أخطاره، ومن الشواخص الواضحة فی حرکة المواجهة التی خاضها الإمام الصادق علیه السلام ضد المخطط العباسی:

1 _ بث العلم بالدرجة التی أصبحت أحادیث الإمام الصادق علیه السلام علی کل لسان مما دفع الکثیر من طلبة العلم إلی السفر من بلدانهم لحضور درسه ومنهم من الشخصیات التی لم تنتم ِ إلی التشیع کأبی حنیفة ومالک بن أنس والسکونی.

2 _ حضور الشیعة والمخالفین معاً کزملاء فی بحثه علیه السلام مما تعذر معه علی السلطة تشخیص شیعته.

3_ تأکیده علیه السلام علی أصحابه بالتزام التقیة دائماً والتحرز عن الفتن التی تثیرها السلطة: 


1- البحار باب 1ح8، غیبة الطوسی فی رده علی الناووسیة ح162، الکافی ج1کتاب الحجة باب النص والإشارة علی الإمام الکاظم علیه السلام ح13، مناقب آل ابی طالب ج3ص434.

ص: 87

(اتقوا الله وعلیکم بالطاعة لأئمتکم، قولوا ما یقولون، واصمتوا عما صمتوا، فإنکم فی سلطان من قال تعالی: {وَإِنْ کَانَ مَکْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ} _ یعنی بذلک بنی العباس _ فاتقوا الله، فإنکم فی هدنة. صلوا فی عشائرهم، واشهدوا، جنائزهم وأدوا الأمانة إلیهم)(1).

4 _ إیصاؤه علیه السلام إلی خمسة، وبهذه الطریقة فوت علی المنصور القضاء علی الإمام الکاظم علیه السلام حیث جاء فی کتاب محمد بن سلیمان _ والی المدینة _ إلی المنصور (انه أوصی إلی خمسة أحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد بن سلیمان، وعبد الله وموسی ابنی جعفر، وحمیدة، فقال المنصور: لیس إلی قتل هؤلاء سبیل)(2).

وکما أن الإمام الصادق علیه السلام بهذه الخطوة فوت علی المنصور ما أراد فإنه اوضح لذوی الفکر الثاقب من شیعته إلی من یرجعون من بعده حیث قال أبو حمزة الثمالی رضوان الله علیه عندما سمع الوصیة:

(أتی أعرابی إلی أبی حمزة الثمالی فسأله خبراً، فقال توفی جعفر الصادق علیه السلام فشهق شهقة وأغمی علیه، فلما أفاق قال: هل أوصی إلی أحد؟

قال: نعم، أوصی إلی ابنه عبد الله وموسی وأبی جعفر المنصور. 


1- البحار ج47 باب1ح1، باب11ح92، امالی الطوسی م36یوم الجمعة سلخ رجب ح5، الکافی ج2کتاب الإیمان والکفر باب الکتمان ح4 _16، ج8 _ الروضة _ ح1.
2- البحار ج47باب1ح8، غیبة الطوسی، الکافی ج1باب النص علی الإمام الکاظم علیه السلام ح13، المناقب ج3ص434.

ص: 88

فضحک أبو حمزة وقال: الحمد لله الذی هدانا إلی الهدی، وبین لنا فی الکبیر ودلنا علی الصغیر، واخفی عن أمر عظیم.

فسئل عن قوله، فقال: بین لنا عیوب الکبیر، ودلنا علی الصغیر لإضافته إیاه، وکتم الوصیة عن المنصور لأنه لو سأل المنصور عن الوصی لقیل أنت)(1).

5 _ وأما شرعیة الحکم العباسی فیکفی فی الدلالة علیه ما تقدم من موقفه علیه السلام من شخصیات الحکم العباسی ملوکا وأمراء.

ه_ _ العملیة التربویة عند الإمام الرضا علیه السلام

اشارة

بعد شهادة الإمام الصادق علیه السلام تولی الإمام الکاظم علیه السلام مهام الإمامة وبسبب الضغوط الشدیدة لأجهزة السلطة العباسیة والخوف علی حیاة الإمام الکاظم علیه السلام لم یتم الإعلان عن اسم الإمام مما أوقع الشیعة فی حیرة خاصة بعد ادعاء عبد الله الأفطح الإمامة، ولکن الأئمة بعدما کانوا قد بینوا للشیعة الملاکات الواجب توفرها فی الإمام اکتشف الشیعة بطلان دعوی عبد الله الأفطح فسرعان ما عادوا للالتفاف حول الإمام الکاظم علیه السلام بعد ان ثبت لهم تحقق شروط الإمامة فیه(2).

إلا ان الإمام الکاظم علیه السلام أمضی مدّة طویلة من حیاته الشریفة فی


1- المصدر السابق.
2- الإرشاد ج2ص222، مناقب آل ابی طالب ج3ص409، المستجاد من الإرشاد ص187، الخرائج والجرائح ج1ص322، ج2ص731، مدینة المعاجز ج6ص209، الصراط المستقیم ج2ص192، البحار ج47 ص262، 344.

ص: 89

السجن فکانت الشیعة ترجع فی أمورها إلی الإمام الرضا علیه السلام والی وکلائه المنتشرین فی مختلف مناطق البلاد الشیعیة، وکان البعض منهم یتمکن من الوصول إلیه وهو فی السجن.

ولذا فإن منهجیة الإمام الکاظم علیه السلام فی بناء القاعدة والنهوض بالعملیة التربویة لم تختلف کثیراً عن منهج الأئمة علیهم السلام بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام.

1 _ الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام

تولی الإمام الرضا علیه السلام مهام الإمامة بعد شهادة الإمام الکاظم علیه السلام سنة 183 ه_ . وعاصر علیه السلام أیام إمامته من ملوک بنی العباس هارون الرشید والأمین والمأمون، ومن الأحداث التی شهدها أیام حیاته علیه السلام اعتقال الإمام الکاظم علیه السلام وهی حالة لم یسبق لها مثیل فی تعامل الطغاة مع الأئمة علیهم السلام، وجملة من الثورات التی قادها العلویون کثورة أبی السرایا فی الکوفة وفیها قام زید بن الإمام الکاظم علیه السلام بحرق دور بنی العباس فی البصرة بعد سقوطها بید الثائرین، وثورة محمد الدیباج، واستقلال إبراهیم بن الإمام الکاظم علیه السلام بحکم الیمن(1).


1- البحار ج58ص160، عمدة الطالب ص172، 300، حیاة الإمام الرضا ج2ص148، مسند الإمام الرضا ج1ص50، شرح الأخبار ج3ص334، مقاتل الطالبیین ص340، تاریخ الیعقوبی ج2ص445، تاریخ الطبری ج7ص118، البدایة والنهایة ج10ص266، تاریخ ابن خلدون ج3ص242، تاریخ خلیفة بن خیاط ص385، سیر اعلام النبلاء ج10ص283.

ص: 90

کما عاش علیه السلام الصراع الدامی بین الأمین والمأمون. واهم الأحداث الجدیرة بالبحث تولیه علیه السلام ولایة العهد.

ومن الانشقاقات التی شهدتها العائلة العلویة انضواء بعض العلویین تحت رایة الدعوة الزیدیة کما فعل محمد الدیباج ابن الإمام الصادق علیه السلام الذی سیطر علی مکة والمدینة ودعا الناس لبیعته وخوطب بأمیر المؤمنین وهو لقب لم یدعه أحد من العلویین بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام، وکذا محمد بن إبراهیم ومحمد بن محمد اللذین بایع لهما ابو السرایا ایام ثورته فی الکوفة(1).

2 _ موقف العباسیین منه علیه السلام

لم یکن موقف العباسیین من الإمام الرضا علیه السلام یختلف عن موقفهم من آبائه علیهم السلام فکان الرشید یهدد بقتل کل من یدعی الإمامة بعد الإمام الکاظم علیه السلام وبعد ان اعلن الإمام الرضا علیه السلام تصدیه للإمامة حاول البرامکة إغراء الرشید به لکن الأخیر لم یرغب بالتعرض له:

(اذکرک یمینک التی حلفت بها فی آل ابی طالب، فإنک حلفت ان ادعی احد بعد موسی الإمامة ضربت عنقه صبراً، وهذا علی ابنه یدعی هذا الأمر، ویقال فیه ما یقال فی أبیه).

وکان الخوف علی الإمام الرضا علیه السلام شدیداً بعد اعلانه التصدی لشؤون الإمامة حتی قیل له: (انک متکلم بهذا الکلام والسیف یقطر بالدم...) هذا


1- الإرشاد الفصل الخاص بالإمام الکاظم علیه السلام ص323.

ص: 91

فی عهد الرشید(1).

اما الأمین فلم یتعرض للعلویین بسوء ثم انشغل بالصراع مع أخیه علی العرش، وبعد القضاء علی الأمین شغل المأمون فی أوائل أیامه فی معالجة ثورات العلویین، ولما کان الإمام الرضا علیه السلام لم یعلن الحرب ولم یتبن الصراع المسلح علانیة ولکنه مع ذلک لم یقف موقفاً سلبیاً من الثائرین، فکانت مصلحة المأمون السیاسیة تقتضی تقریب الإمام الرضا علیه السلام. وکان المأمون یشعر بخطر وجود الإمام علیه السلام لذلک قام بجملة من التصرفات التی حاول من خلالها إلغاء دور الإمام علیه السلام منها(2):

1 _ استدعاء الإمام علیه السلام إلی مرو.

2 _ وضع الجواسیس والرقباء لمتابعة تحرکات الإمام علیه السلام وتمکن المأمون من شراء هشام بن إبراهیم الراشدی الهمدانی بالمال لیقوم بالتجسس علی الإمام علیه السلام وأصحابه وقد کان قبل ذلک من أصحاب الإمام الرضا علیه السلام.

3 _ سجن الإمام علیه السلام فی سرخس قبل تصفیته جسدیاً. 


1- انظر البحار ج49 باب 1ح8، باب16ح 7، 17، الکافی ج1 کتاب الحجة باب النص والإشارة علی الإمام الرضا علیه السلام ج15، مقاتل الطالبیین ح358، 354، 248، عیون أخبار الرضا علیه السلام ج1باب 5ح1، ج2 باب 47ح9.
2- انظر البحار ج47باب 9ح21، 8عیون أخبار الرضا علیه السلام ج2باب 47ح20، باب49ح3، الکافی ج1 کتاب الحجة ص487ح2، ج8ح371، مناقب آل أبی ج4ص240، الإرشاد ص346باب ذکر طرف من دلایله وأخباره علیه السلام.

ص: 92

4 _ طرد المأمون الناس من مجلس الإمام علیه السلام.

5 _ متابعة الشیعة الداخلین علی الإمام علیه السلام لغرض تصفیتهم بعد ذلک.

7 _ محاولة إظهار عجز الإمام علیه السلام العلمی عن طریق إجراء المناظرات مع أهل الفرق والدیانات ولکن الإمام علیه السلام کان یتفوق علیهم دائما ً مما اسقط فی ید المأمون.

6 _ محاصرة المأمون لذکر فضائل الإمام علیه السلام ومنعه أتباعه من ذکر کمالات الإمام علیه السلام وما رأوه من صفاته الکریمة.

3 _ ولایة العهد: اهداف المأمون وموقف الرضا علیه السلام
أ _ اهداف المأمون

هناک جملة من الأسباب دعت المأمون العباسی لنصب الإمام الرضا علیه السلام ولیاً للعهد منها(1):

1 _ کسب المشاعر الجماهیریة حیث سیظهر المأمون للناس بمظهر الإنسان الذی یهمه بسط الامن والسلام داخل الدولة خاصة وهو ینصب شخصیة تعدّ من الأعداء التقلیدیین للبیت العباسی. 


1- انظر البحار ج49 باب 3 ح48، 17، باب5 ح2، باب 7 ح7، 5، باب 20 ح2، باب 13ح11، عیون اخبار الرضا علیه السلام ج 2 باب 42ح1، باب 40ح22، باب44ح6، 5، باب47ح 18، باب57، ح1، باب59ح3، الخرائج والجرائح ص227.

ص: 93

2 _ امتصاص النقمة الشعبیة بسبب الإرث الثقیل من سوء الإدارة الذی منیت به الأمة ایام بنی العباس، فالناس تأمل فی وصول الإمام الرضا علیه السلام إلی الحکم ارتفاع الظلم والجور خاصة وان الأمة تحمل عن آل أبی طالب علیهم السلام صورة مشرقة خلفتها سیاسة أمیر المؤمنین علیه السلام وثورات بنیه أینما کانوا.

3 _ سلب المبرر الموضوعی للثورة عند العلویین؛ لأن الحکم سیؤول إلیهم بعد المأمون کما أنهم یتمکنون من رفع ما یتعرضون له من مظلومیة إلی البلاط لإنصافهم، خاصة مع وجود الإمام علیه السلام.

4 _ شغل الناس بهذا الحدث غیر المتوقع، حیث شغل الناس عن الکثیر من الأحداث التی کانت تهز أرکان العرش العباسی، ولکی ینسی الناس مضاعفات الصراع الدامی بین الأخوین.

5 _ سلب ثقة الناس بالعلویین وبالأئمة علیهم السلام خاصة بإظهارهم بمظهر الطامع بالحکم، والمتنسک فی سبیل تمریر غایاته عن طریق اعتقاد الناس بزهده وانقطاعه إلی الله تعالی.

6 _ السیطرة علی تحرک الإمام الرضا علیه السلام ومن یلوذ به من شیعته لیسهل ضربهم فی الوقت المناسب.

7 _ إضعاف الحرکة العباسیة المناوئة للمأمون والتی نصبت فی بغداد ابن شکلة المغنی _ إبراهیم بن المهدی _ خلیفة للمسلمین بعد الأمین بعد أن طردت

ص: 94

عساکر المأمون من بغداد.

8 _ الاستفادة من المقام العلمی للإمام الرضا علیه السلام فی تدعیم النظریة الإسلامیة العامة وبخاصة بعد حرکة الترجمة.

وخلاصة القول ان ما دعا المأمون إلی نصب الإمام الرضا علیه السلام ولیاً للعهد یتمحور فی نقطتین مرکزیتین:

1 _ الحفاظ علی الحکم العباسی من السقوط.

2 _ إسقاط العلویین من مقامهم السامی فی نفوس الناس عن طریق إسقاط أبرز شخصیاتهم.

و الهدف الأول یصرح المأمون به فی کتابه إلی بنی العباس بعد أن قرر التوجه إلی بغداد حینما تمکنت قواته من طرد ابن شکلة:

(وان تزعموا أنی أردت ان یؤول إلیهم عاقبة ومنفعة فإنی فی تدبیرکم والنظر لکم ولعقبکم وأبنائکم من بعدکم، وانتم ساهون لاهون تائهون فی غمرة تعمهون، لا تعلمون ما یراد بکم، وما أظللتم علیه من النقمة، وابتزاز النعمة....).

ویقول أیضاً: (واما ما کنت أردته من البیعة لعلی بن موسی بعد استحقاق منه لها فی نفسه واختیار منی له، فما کان ذلک منی الا ان أکون الحاقن لدمائکم والذائد عنکم باستدامة المودة بیننا وبینهم، وهی الطریق اسلکها فی اکرام آل أبی طالب ومواساتهم فی الفیء بیسیر ما یصیبهم منه).

ویمکن القول إن المأمون نجح فی التأثیر علی الرأی العام غیر المرتبط

ص: 95

بأهل البیت علیهم السلام واستطاع السیطرة علی التحرکات السیاسیة التی تتلبس باسم أهل البیت علیهم السلام دون أن یکون لها ارتباط حقیقی بالإمام الرضا علیه السلام فی الوقت الذی فشل فیه فشلاً ذریعاً فی جانب الشیعة لما قام به الإمام الرضا علیه السلام من خطوات منعت انطلاء لعبة المأمون علیهم وتمکنوا من تحقیق ما کانوا یصبون إلیه بحیث أصبح المأمون یتجرع مرارة فشله مما کان یشکل أحد الأسباب التی دعته للقضاء علی الإمام الرضا علیه السلام.

وأما الهدف الثانی فکان الفشل فیه نصیب المأمون مما دعاه إلی تصفیة الإمام الرضا علیه السلام، وکانت مجالس المناظرة مع أتباع الفرق والأدیان احدی الطرق التی حاول فیها المأمون الحط من قدر الإمام علیه السلام بعد أن عجز من سلب ثقة الناس فی زهده وتقواه والی هذه الحقیقة أشار الشیخ الصدوق قدس سره بقوله:

(کان المأمون یجلب علی الرضا علیه السلام من متکلمی الفرق، وأهل الأهواء المضلة کل من سمع به حرصاً علی انقطاع الرضا علیه السلام عن الحجة مع واحد منهم، وذلک حسداً منه له ولمنزلته فی العلم، فکان لا یکلمه أحد الا أقرَّ له بالفضل والتزم الحجة علیه...)(1).

ویقرر أبو الصلت الهروی رحمه الله السبب الذی دعا المأمون لقتل الرضا


1- انظر عیون أخبار الرضا ج2ص131، التوحید ص454، خاتمة المستدرک ج4ص325، البحار ج10ص341، ج47باب15ح2، ج49ص179 ینابیع المودة باب92، الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام ص192وما بعدها.

ص: 96

علیه السلام:

(إن المأمون إنما کان یکرمه ویحبه لمعرفته بفضله، وجعل له ولایة العهد من بعده، لیری الناس انه راغب فی الدنیا فیسقط محله من نفوسهم، فلما لم یظهر منه فی ذلک للناس الا ما ازداد به فضلاً عندهم، ومحلاً فی نفوسهم، جلب علیه المتکلمین من البلدان طمعاً فی أن یقطعه واحد منهم فیسقط محله من العلماء، وبسببهم یشتهر نقصه عند العامة. فکان لا یکلمه خصم من الیهود والنصاری والمجوس والصابئین والبراهمة والملحدین والدهریة ولا خصم من فرق المسلمین المخالفین إلا قطعه وألزمه الحجة وکان الناس یقولون: والله إنه أولی بالخلافة من المأمون. فکان أصحاب الأخبار یرفعون ذلک إلیه فیغتاظ من ذلک ویشتد حسده، وکان الرضا لا یحابی المأمون من حق وکان یجیبه بما یکره فی أکثر أحواله، فیغیظه ذلک، ویحقده علیه، ولا یظهره له، فلما أعیته الحیلة فی أمره اغتاله فقتله بالسم)(1).

ب _ موقف الإمام الرضا علیه السلام من خطط المأمون

النتیجة التی یذکرها أبو الصلت حول فشل مخطط المأمون للحط من قدر الإمام الرضا علیه السلام لم تأت اعتباطاً، بل هی نتیجة للتعامل الموضوعی مع الأحداث، وکان للإمام علیه السلام مع کل واحد من مخططات المأمون موقف یتناسب معه، کان أهم أهداف المأمون إسقاط الإمام الرضا علیه السلام


1- البحار ج49باب14ح1.

ص: 97

اجتماعیاً بحیث تزول هالة القدسیة التی یحملها الناس عن البیت العلوی عموماً والأئمة علیهم السلام خاصة، ولا یتم ذلک للمأمون الا إذا بدا الإمام علیه السلام للناس کغیره من ذوی الأطماع والآمال المادیة، ولو نجح المأمون فی ذلک لتم له إلغاء المکانة الخاصة للعلویین من نفوس الناس حیث اشتهر عنهم الزهد والتقوی والورع والعبادة والعلم، ولیس أضر علی سمعة إنسان تشتهر عنه هذه الأوصاف من الاشتهار بین الناس انه من أهل الدنیا، وان زهده فی الدنیا انما کان لما لم یکن إلیها سبیل، فلما ألقت إلیه بحبالها تعلق بها وذاب فی لذائذها ومفاتنها.

والخطوة الأولی فی سبیل تحقیق هذا الهدف نقل الإمام علیه السلام إلی مرو عاصمة الدولة العباسیة، ولم یترک الإمام علیه السلام هذه الفرصة لتصب فی صالح المأمون حیث انه فی الکتب الجوابیة إلی المأمون کان یرفض ما یدعوه إلیه، ولما أرسل المأمون قوة عسکریة لنقل الإمام علیه السلام إلی مرو جمع أهل بیته وعیاله وأمرهم بالنیاحة علیه وأخبرهم بأنه لن یعود إلیهم(1)، ولم یصطحب معه أحداً من أهل بیته حتی ولده الوحید الإمام الجواد علیه السلام(2).


1- البحار ج49باب2ح2، عیون اخبار الرضا علیه السلام ج2باب59ح3، کشف الغمة ج3ص98، مستدرک سفینة البحار ج7ص40.
2- إضافةً إلی ما ترمی إلیه هذه الحرکة منه علیه السلام إلی فضح مخطط المأمون وتحذیر الناس من الانخداع بما یرمی إلیه، ففی عدم اصطحابه علیه السلام لولده الجواد علیه السلام خطوة من خطوات قبول إمامة الصغیر خاصة وان الإمام الجواد علیه السلام أول شخص من أهل البیت علیهم السلام تولی الإمامة فی صغر سنه وهی خطوة أخری فی تهیئة الأمة لمرحلة الغیبة.

ص: 98

وبعد وصول الإمام علیه السلام إلی العاصمة، کان أول أمر عرضه علیه المأمون تولی الخلافة، مدعیاً أنّ الخصال الکریمة التی تحلی بها علیه السلام هی التی دعته إلی ذلک، ورفض الإمام علیه السلام عرض المأمون بشدة وکلما ازداد المأمون إلحاحاً ازداد علیه السلام رفضاً، ولا یحتاج العلم بکذب المأمون فی دعواه إلی مزید عنایة فهو لم یتوان فی سفک دم أخیه فی سبیل العرش فکیف ینقل الملک إلی من یعد العدو الأول لبنی العباس.

وبعد أن یئس المأمون من إلقاء الإمام علیه السلام فی الشرک الذی نصبه له عرض علیه ولایة العهد فأبی علیه السلام قبول ذلک وأصرّ المأمون إصراراً شدیداً وهو علیه السلام یرفض ولما بلغ إصرار المأمون درجته القصوی قال علیه السلام:

(والله لقد حدثنی أبی عن آبائه عن أمیر المؤمنین علیه السلام عن رسول الله صلی الله علیه وآله أنی أخرج من الدنیا قبلک مقتولاً بالسم مظلوماً تبکی علیّ ملائکة السماء وملائکة الأرض، وأدفن فی أرض غربة إلی جنب هارون).

وبعد أن اُسقط فی ید المأمون لم یتمالک نفسه فی إظهار الداعی الحقیقی فقال:

(یابن رسول الله إنما ترید بذلک التخفیف عن نفسک، ودفع هذا الأمر عنک، لیقول الناس إنک زاهد فی الدنیا).

وبعد أن وصل السجال إلی هذه المرحلة صرح الإمام علیه السلام للمأمون بحقیقة نوایاه فقال: 

ص: 99

(والله ما کذبت منذ خلقنی ربی عز وجل، وما زهدت فی الدنیا للدنیا، وإنی لأعلم ما ترید.

فقال المأمون: وما أرید؟

قال: الأمان علی الصدق؟

قال: لک الأمان.

قال: ترید بذلک أن یقول الناس، إن علی بن موسی لم یزهد فی الدنیا بل زهدت الدنیا فیه، الا ترون کیف قبل ولایة العهد طمعاً فی الخلافة).

وقد دفعت هذه الصراحة والشجاعة الأخیر إلی تهدید الإمام علیه السلام بالقتل ان لم یقبل بولایة العهد، وبعد التهدید اشترط علیه السلام للقبول مجموعة من الشروط، وافق علیها المأمون وکان یظن انها لا تضر بمخططه ولکن تلک الشروط أفسدت علیه تدبیره(1).

والخطوة الثانیة التی قام بها الإمام علیه السلام لتفویت الفرصة علی المأمون هی شروط ولایة العهد، وکان الإمام علیه السلام یعلم أن المأمون لن یترکه حتی


1- حول ولایة العهد انظر الکافی ج1ص489، ج8ص151، علل الشرائع ج1ص238، عیون اخبار الرضا ج1ص150، أمالی الصدوق ص130، روضة الواعظین ص224، الإرشاد ج2ص259، مناقب آل أبی طالب ج3ص472، إعلام الوری ج2ص72، کشف الغمة ج3ص90، شرح أصول الکافی ج7ص278، وسائل الشیعة ج17ص203، البحار ج49 باب 13ص128، مدینة المعاجز ج7ص132، 172، مستدرک الوسائل ج13ص141، حیاة الإمام الرضا ج2ص291، الحیاة السیاسیة للإمام الرضا الفصل الخاص بولایة العهد، تاریخ الیعقوبی ج2ص448، تاریخ الطبری ج7ص139، البدایة والنهایة ج10ص273، تاریخ ابن خلدون ج3ص247، ینابیع المودة ج3ص167.

ص: 100

یقبل ولایة العهد کما أن بقاء الإمام علیه السلام حیاً أهم للمأمون من موته فهو لا یرید تضییع فرصة وجود الإمام علیه السلام، ولکن فی حال رفض الإمام علیه السلام فالمأمون لن یتوانی فی قتله، لذا قرر الإمام علیه السلام الانتفاع من هذه الفرصة بما یفوت علی المأمون أهدافه، والمأمون فی سبیل الوصول إلی أهدافه لن یرفض ما یشترطه الإمام علیه السلام اذا لم یکن فیه ضرر علی سلطانه.

وأدلی الإمام علیه السلام بالشروط التی عاجل المأمون لقبولها، بل لم یکن یحلم بمثلها؛ لأن ولایة العهد بالنسبة إلی المأمون لم تکن سوی خطة وقتیة لعلاج بعض المشاکل التی تواجهها سلطته، فکانت شروط الإمام علیه السلام بلسماً لجراح المأمون، ولکنه اکتشف بعد ذلک أن هذه الشروط دقت آخر المسامیر فی نعش مخططاته الشیطانیة، ولم تکن تلک الشروط سوی:

(وأنا اقبل علی أنی لا أولّی أحداً، ولا أعزل أحداً، ولا انقض رسماً ولا سنة، وأکون فی الأمر من بعید مشیراً).

وقد لعبت هذه الشروط دورها حیث إن الموقف السلبی من الحکم یعنی عند من یقول بإمامة أهل البیت علیهم السلام عدم منح الإمام علیه السلام الشرعیة للحکم القائم، إذ لا معنی لمنحه علیه السلام للشرعیة مع عدم تدخله فی شؤون الحکم مع انه ولی العهد، وأما عند من یری أن آل أبی طالب علیهم السلام أناس صالحون فإن افعال الولاة الظالمین لن تحمل علی الإمام علیه السلام بل یتحمل مسؤولیتها کاملة المأمون وأرکان حکمه. 

ص: 101

وبهذا فات علی المأمون أحد أجزاء خطته المتمثل فی إزالة موقع العلویین من نفوس الناس، بل إن مقام الإمام علیه السلام أخذ بالازدیاد فی نفوس الناس فعلی الرغم من کونه علیه السلام فی أحد المواقع المهمة فی الدولة إلا أن شذی أخبار زهده وورعه وعلمه وتواضعه أخذت تتضوع فی الآفاق.

کما أن هذه الشروط فسحت المجال أمام الشیعة للمطالبة بحقوقهم وإعلان الثورات ضد السلطة الحاکمة دون ان یتمکن المأمون من استصدار أمر من الإمام علیه السلام للشیعة فی إلقاء السلاح والرضوخ لمطالب الدولة المرکزیة:

(عن معمر بن خلاد قال: قال لی أبو الحسن الرضا علیه السلام: قال لی المأمون: یا ابا الحسن، لو کتبت إلی بعض من یطیعک فی هذه النواحی التی فسدت علینا.

قال: قلت له: یا أمیر المؤمنین، إن وفیت لی وفیت لک، انما دخلت فی هذا الأمر الذی دخلت فیه، علی ان لا آمر ولا أنهی، ولا أولّی ولا أعزل، وما زادنی هذا الأمر الذی دخلت فیه فی النعمة عندی شیئاً، ولقد کنت بالمدینة وکتابی ینفذ فی المشرق والمغرب، ولقد کنت أرکب حماری فی سکک المدینة وما بها أعز منی، وما کان بها احد یسألنی قضاء حاجة یمکننی قضاؤها الا قضیتها له. فقال لی: أفی بذلک).

وهذا النص یکشف عن أثر تلک الشروط، بل ویثبت قوة الإمام علیه السلام وخشیة المأمون من التعرض له والضغط علیه وبخاصة بعد أن هدده الإمام علیه

ص: 102

السلام بترک مرو إلی المدینة وابلاغ الناس ان السبب فی ذلک محاولة المأمون زجه فی الظلم الذی تتعرض له الرعیة(1).

وشفع الإمام علیه السلام شروطه بکتاب ولایة العهد الذی کانت فاتحته:

(بسم الله الرحمن الرحیم، الحمد لله الفعال لما یشاء، لا معقب لحکمه، ولا راد لقضائه، یعلم خائنة الأعین وما تخفی الصدور، وصلی الله علی محمد فی الأولین والآخرین وعلی آله الطیبین الطاهرین...).

فهذا النص مما لم یعهد فی کتب ولایة العهد، حیث ضمن الإمام علیه السلام کتابه ما حاولت السلطات الحاکمة محوه من ذاکرة الأمة وهو قرن آل البیت بالذکر بعد ذکر النبی صلی الله علیه وآله .

وینقل الإمام الرضا علیه السلام فی کتاب ولایة العهد أذهان الأمة إلی بیعة أمیر المؤمنین علیه السلام وغدر الأمة وعدم رعایتها حیث قال:

(... وانه جعل إلیّ عهده والأمرة الکبری إن بقیت بعده، فمن حل عقدة أمر الله بشدها وفصم عروة أحب الله إیثاقها فقد أباح حریمه، وأحل محرمه، اذ کان بذلک زاریاً علی الإمام منتهکاً حرمة الإسلام، بذلک جری السالف، فصبر علی الفلتات ولم یعترض بعدها علی العزمات خوفاً علی شتات الدین واضطراب حبل


1- انظر الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام ص242، البحار ج 47باب 10ح6، ج49 باب10 ح3، باب 13ح11، 9، 3، عیون اخبار الرضا علیه السلام ج2 باب 40ح21، 6، 3، باب 47ح28، 26، کشف الغمة ج3ص215باب احوال ابی جعفر الثانی علیه السلام، الإرشاد الفصل المختص بولایة العهد ص348، علل الشرائع ج1باب173ح1، امالی الصدوق م16ح3، مقاتل الطالبیین ص374.

ص: 103

المسلمین، وقرب أمر الجاهلیة، ورصد فرصة تنتهز وبائقة تبتدر).

وبعد ذلک یبین علیه السلام منهجه فی الحکم إن عادت الیه السلطة وان المناط عنده العمل بکتاب الله وسنة نبیه صلی الله علیه وآله وانه لن یتعرض لأحد الا بحق وان علی بنی العباس ان لا یخشوا من جانبه ظلماً وهو لا یتعامل معهم الا کباقی المسلمین علی أساس رعایة الحق والإنصاف:

(وقد جعلت لله علی نفسی ان استرعانی امر المسلمین، وقلدنی خلافته، العمل فیهم عامة وفی بنی العباس بن عبد المطلب خاصة بطاعته وطاعة رسوله صلی الله علیه وآله وان لا أسفک دما حراما....).

ثم یضیف علیه السلام فی ذیل کتابه ما یثیر التساؤل عند السامعین:

(وما أدری ما یفعل بی ولا بکم ان الحکم الا لله یقضی بالحق وهو خیر الفاصلین)

وقُرئ کتاب الإمام علیه السلام علی منابر جمیع ولایات الدولة العباسیة، وسمع جمیع ابناء الأمة ما ورد فیه.

ومما یزید الأمر وضوحاً خطبته علیه السلام فی مجلس العقد والتی تقتضی بحسب الحال الثناء الواسع علی المأمون الذی عرف له حقه وقربه بعد ان کان آل أبی طالب یحسبون أول أعداء بنی العباس، الا انه علیه السلام بدلا من ذلک یقرر السبب الذی وجب علی الأمة القیام بحقوق أهل البیت علیهم السلام وثبوت حق الأمة علیهم، وذلک الحق هو الارتباط برسول الله صلی الله علیه وآله والقیام مقامه: 

ص: 104

(لنا علیکم حق برسول الله صلی الله علیه وآله ولکم علینا حق به، فإذا أنتم أدیتم إلینا ذلک وجب علینا الحق لکم)(1).

والخطوة الثالثة التی فوت بها الإمام الرضا علیه السلام علی المأمون ما أراد، إظهاره علیه السلام لعلمه الذی بهر العقول، حیث کان المأمون یعقد المجالس العلمیة فی محاولة للحط من قدر الإمام علیه السلام فیما إذا ظهر عجزه وتمکن أحد أصحاب المقالات من قهر الإمام علیه السلام فی حلبة النقاش والاستدلال، لکن الذی کان یحصل أن الإمام علیه السلام یتفوق علی جمیع المناظرین من مختلف أبناء الأدیان والمذاهب، وکان لهذا المقام العلمی أثره الکبیر فی علو مقام الإمام علیه السلام فی نفوس الناس وهم یسمعون بانتصاراته العلمیة علی أصحاب المقالات علی اختلافها، ومما لا ریب فیه ان العقلاء یمیلون إلی قیادة العالِم ویرجحونها علی قیادة الجاهل فکان الناس یتهامسون بینهم بأن الإمام علیه السلام أولی بإدارة أمور البلاد من المأمون لعلمه وجهل الثانی، وأول یوم قیلت فیه هذه الکلمة کان فی یوم عقد ولایة العهد عندما بیّن الإمام علیه السلام ان الطریقة التی یبایعون بها طریقة خاطئة _ وهی طریقة کان یتبعها بنو العباس فی البیعة _ وبین لهم الطریقة الصحیحة فقال الناس ان الذی لا یعلم کیفیة البیعة الصحیحة لا یستحق أن یکون إماماً، وکانت آذان المأمون تنقل إلیه ما یتهامس


1- انظر الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام ص348، البحار 49باب13ح27، 20، 9، 7، 3، عیون اخبارالرضا علیه السلام ج2باب40ح21، 6، 3، الإرشاد ص348، علل الشرائع ج1 باب 173 ح1، امالی الصدوق م16ح3، مقاتل الطالبیین ص374، الکافی ج8ح134.

ص: 105

به الناس وما یقولون فی الإمام الرضا علیه السلام مما یکشف له یوماً فیوماً فشل مخططه وبوار تدبیره.

ومما زاد فی رسوخ العلاقة بین الإمام علیه السلام والأمة أخطاء المأمون فی بعض الموارد حیث حاول المأمون زج الإمام علیه السلام تدریجیاً فی مسائل الدولة فطلب منه ان یصلی بالناس العید وامتنع الإمام علیه السلام من الاستجابة لطلب المأمون ولکن الأخیر أصرّ إصراراً شدیداً، فأجابه شریطة أن یصلی بالناس صلاة رسول الله صلی الله علیه وآله فوافق علی شرطه، فخرج علیه السلام من داره راجلاً حافیاًَ، وکلما مشی خطوات کبر، واقتدی به الناس فخلعوا نعالهم وترجلوا عن دوابهم وفیهم قادة العساکر ورجال البلاط، وکانوا کلما کبر الإمام علیه السلام کبروا، وکان لکثرة العدد الذی تهیأ لحضور الصلاة وتردیدهم لتکبیر الإمام علیه السلام دوی یخیل للسامع أن جدران البلدة تردد معهم، ولم یکن الناس قد شهدوا من قبل هذا المظهر من الروحانیة، فکان هذا الیوم بالنسبة إلیهم یوما ً غیر معهود، له من الخصوصیات ما لیس لغیره من أیام حیاتهم، وکان جواسیس المأمون یشهدون ما تحکیه العیون وتردده الأفواه فأبلغوا المأمون أن الإمام علیه السلام إن صلی بالناس العید افتتنوا به، وعلیه الإسراع بإعادة الإمام علیه السلام والا أمکن حصول ما لا یحمد عقباه، فخرج المأمون بنفسه وطلب من الإمام علیه السلام الرجوع وصلی هو بالناس.

وکما حاول المأمون الحط من قدر الإمام علیه السلام فی النفوس فی قصة

ص: 106

الإستسقاء حیث أصاب البلاد قحط شدید بسبب عدم هطول الأمطار فطلب المأمون من الإمام علیه السلام أن یصلی بالناس صلاة الاستسقاء علی أمل ان لا تمطر السماء فیزول مقام الإمام علیه السلام من النفوس ولکن شاء الله تعالی ان یهطل الأمطار الغزیرة ببرکة دعاء الإمام علیه السلام، وبدلاً من أن یحط من قدره فی نفوس الناس زاد ارتباطهم به، وخاب سعی المأمون ورد کیده إلی نحره(1).

ب _ نشاط الإمام علیه السلام العلمی وبناء القاعدة

مر النشاط العلمی للإمام الرضا علیه السلام بثلاثة أدوار؛ الأول: فی عهد هارون الرشید حیث المتابعة والتضییق، والثانی: فی عهد الأمین والصراع الدامی بین الأخوین، واندلاع الثورات العلویة، فی هذه الحقبة مارس الإمام علیه السلام دوره العلمی بشیء من الانفتاح بسبب انشغال الجهاز الحاکم بالصراعات الدامیة، والدور الثالث: کان بعد ولایته العهد وفیه وظف علیه السلام کل ما تیسر له من إمکانات فی بث علوم أهل البیت علیهم السلام وابتدأت هذه الممارسات منذ خروجه من المدینة مما أثار حفیظة الرجاء بن الضحاک المکلف من قبل المأمون بمرافقة الإمام الرضا علیه السلام إلی مرو ودعاه إلی سرعة ترک الأهواز التی تم اختیارها من قبل الجهاز الحاکم بدلاً من الکوفة، والمحل الثانی الذی بث فیه علیه السلام من العلوم الشیء الکثیر علی الرغم من قلة المقام نیسابور التی اختارها


1- انظر الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام ص336، البحار ج49باب13ح25، 23، 17، عیون أخبار الرضا علیه السلام ج2باب40ح17، الإرشاد ص348، مقاتل الطالبیین ص374، کشف الغمة ج3ص172_ 179.

ص: 107

الجهاز الحاکم بدیلاً لقم، وهنا قرأ علیه السلام علی مسامع الناس عند خروجه من نیسابور الحدیث المعروف بسلسلة الذهب الذی قرن فیه التوحید بالولایة لأهل البیت علیهم السلام.

وبعد أن بویع له علیه السلام بولایة العهد کان یجلس مجلساً عاماً للتدریس، وکانت الجموع تأتی من المناطق المختلفة للاستفاضة من معین العلم الذی لا ینضب، وکانت هذه المجالس ولکثرة الحاضرین فیها للتعلم تثیر حفیظة المأمون الذی کان یأمر فی بعض الأحیان بطر د الناس من مجلس الإمام علیه السلام.

ولکن التضییق الذی کان یقوم به المأمون لم یکن لیستمر دائماً؛ اذ کانت مجالس الإمام تعود للانعقاد من جدید، فحاول المأمون الحط من مقام الإمام الرضا علیه السلام العلمی عن طریق إحضار أصحاب المقالات والفرق علی اختلاف مذاهبهم وأدیانهم عسی أن یظهر عجز للإمام علیه السلام فینقل علماء الفرق عجز الإمام علیه السلام إلی الناس فلا یکون بعد ذلک له من السمعة العلمیة ما یدعو الناس للحضور فی مجالسه وأخذ العلم عنه، ولکن بدلاً من ان تکون المجالس التی عقدها المأمون مسببة للحط من منزلة الإمام الرضا علیه السلام کانت سبباً لرفعة منزلة الإمام علیه السلام فی النفوس، لما یتناقله علماء الطوائف عن مقامه العلمی الشامخ، وبهذه الطریقة کانت علوم الإمام علیه السلام تنتقل إلی الناس مقرونة بالإعجاب الشدید. 

ص: 108

وبهذه الطریقة کان الإمام علیه السلام یبنی القاعدة الحاملة لهموم الرسالة بعیداً عن أخطار متابعة عیون المأمون حیث کان شیعته یحضرون دروسه العامة فیکونون بین الناس فلا یتسنی تشخیصهم بسهولة.

کما کان الإمام علیه السلام یولی الجانب الإعلامی اهتماماً خاصاً فی عملیة بناء القاعدة؛ إذ کان الشعراء ینشدون أشعارهم فی رثاء أهل البیت علیهم السلام والثناء علیهم فی مجالسه العامة.

کما کانت المعایشة العملیة والحضور الإیجابی فی الحیاة الاجتماعیة تعکس آثارها الواضحة علی تعامل الناس معه ولاسیما وهم یلمسون حیاة الزهد والتقوی والتواضع ومواساة الفقراء والمحتاجین والسعی لحل مشاکلهم ما أمکنه لذلک سبیلاً، وحضوره فی المناسبات الاجتماعیة کتشییع موتی المؤمنین وعیادة مرضاهم، فهذا الحضور الإیجابی للإمام علیه السلام عامل مهم فی بناء القاعدة من جهة وإفشال مخطط المأمون من جهة أخری، فکان علیه السلام یبلغ الناس نظریة أهل البیت علیهم السلام قولاً وعملاً مما أفقد المأمون توازنه واضطره أخیراً للقضاء علیه بعیداً عن أنظار الناس الذین عایشوه وهو فی طریقه إلی بغداد(1).


1- انظر الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام ص192، البحار ج47باب 13ح9، باب 14ح16، 9، ج49 باب13ح23، 21، عیون اخبار الرضا علیه السلام ج2باب40ح17، 1، کشف الغمة ج3 ص142، الإرشاد ص348.

ص: 109

و _ العملیة التربویة بعد شهادة الإمام الرضا علیه السلام

سلک العباسیون تجاه أهل البیت علیهم السلام منذ ولایة الإمام الرضا علیه السلام العهد اتجاهاً مخالفاً لأسلافهم فی التعامل مع زعماء العائلة العلویة، حیث سعی حکام الدولة العباسیة لجعلهم تحت الرقابة المباشرة للأجهزة الأمنیة، فالمأمون بعد شهادة الإمام الرضا علیه السلام دعا الإمام الجواد علیه السلام إلی بغداد وزوجه من ابنته ام الفضل ولم یتجاوز عمره آنذاک عشر سنوات، وما کان ذلک منه الا لیکون الإمام الجواد علیه السلام تحت المراقبة المباشرة للسلطة العباسیة، وکانت أم الفضل تکنّ فی داخلها العداء والبغض الشدیدین للإمام الجواد علیه السلام فکانت عین السلطة فی داره وشارکت المعتصم فی جریمة دس السم والقضاء علی الإمام الجواد علیه السلام فیما بعد.

والإمام الجواد علیه السلام أمضی حیاته القصیرة المدة العظیمة العطاء فی المدینة المنورة وباشر هناک التدریس وشؤون الإمامة، وفی عصره کما هو الحال منذ زمن الإمام الصادق علیه السلام تهیئة الوکلاء ورواة الحدیث وتأهیلهم لتلبیة حاجات مناطقهم خاصة وان الشیعة کانوا یعیشون فی مناطق مختلفة من بقاع الأرض وکانت أهم مراکزهم فی ذلک الوقت الکوفة وبغداد وقم.

وفی عصر الإمامین العسکریین علیهما السلام أصبح الضغط العباسی أکثر شدة وقسوة، ففی عصر المتوکل العباسی رُحِّل الإمام الهادی من المدینة إلی سامراء لیکون تحت المراقبة والمتابعة الدقیقة من قبل أجهزة الدولة الأمنیة،

ص: 110

واستمر هذا الحال مع الإمام الحسن العسکری علیه السلام، وکانت شدة المتابعة تبلغ بعض الأحیان إلی درجة لا یتمکن معها الشیعة من زیارة الإمام علیه السلام فی بیته ولا یتسنی لهم معرفة ما یحتاجونه من أجوبة المسائل الا عن طریق عثمان ابن سعید العمری، الذی اتخذ بیع السمن وسیلة للتغطیة علی دوره فی الوساطة بین الإمام والشیعة.

وفی هذه الحقبة أصبحت زیارة الإمام الحسین علیه السلام وإحیاء ذکری شهادته من المعالم المهمة عند شیعة أهل البیت علیهم السلام، مما دفع المتوکل العباسی إلی هدم قبر الإمام الحسین علیه السلام وإجراء الماء علیه فی محاولة منه لتضییع معالمه، وفی هذا العصر أیضاً اشتدت الفتنة بین فقهاء العامة فی مسألة خلق القرآن، وجری تفتیش العقائد بحیث أصبح الإنسان یضرب ویهان وقد یقتل للخلاف.

ومن أبرز المظاهر التربویة عند أهل البیت علیهم السلام فی هذه الحقبة:

1. التأکید علی مأساة کربلاء وإحیاء الشعائر الحسینیة.

2. التأکید علی المکانة السامیة لأهل البیت علیهم السلام وبیان خصوصیاتهم وجاءت الزیارة الجامعة الکبیرة المرویة عن الإمام الهادی علیه السلام لتکون أکبر الوثائق التی تتحدث عن مقامات وکمالات أهل البیت علیهم السلام.

3. تحذیر الشیعة من الدخول فی الفتن التی تثیرها السلطة الحاکمة. 

ص: 111

4. ظهور دور رواة الحدیث والوکلاء فی عملیة التوجیه والتربیة بن الشیعة.

5. إعداد الأمة لمرحلة الغیبة وتهیئتها لقبول القیادة البدیلة.

6. التأکید علی دور السفراء الأربعة رضوان الله علیهم والاتصال بالإمام الحجة عن طریقهم ودام ذلک سبعة عقود من الزمن اعتاد الشیعة فیها علی الرجوع الکامل فی مختلف المسائل إلی فقهاء الشیعة.

7. تصدی الأئمة علیهم السلام للحرکات الهدامة التی تهدف إلی هدم البنی الفکریة للشیعة خدمة لأغراضهم الشخصیة(1).

ز _ مشارکة الشیعة فی أعمال الدولة الظالمة 

یمکن ملاحظة وجهین من تعامل الأئمة علیهم السلام مع الدخول فی عمل السلطان الجائر حیث کانوا علیهم السلام یجیزون فی بعض الأحیان لبعض الأشخاص العمل مع السلطان الجائر بینما یمنعون البعض الآخر من الاشتراک فی عمل السلطان، أو حتی التعامل معه بنحو من الأنحاء، وکلا هذین الأمرین یعود لملاک واحد وهو وجود منفعة للشیعة فی دخول هؤلاء الأشخاص فی عمل السلطان ام لا؟ فإن کان الذی یتولی عملاً للسلطان قادراً علی دفع الضرر عن الشیعة أجازه الإمام علیه السلام کما هی الحال مع علی بن یقطین الذی أجاز له الإمام الکاظم علیه السلام ان یستوزر لهارون الرشید وشرط علیه قضاء حوائج


1- انظر بحار الأنوار ج50، 51، 52، 53 الأبواب المختصة بأصحاب الأئمة علیهم السلام والحکام الذین عایشوهم.

ص: 112

الشیعة وعدم حجبهم ورفع الظلامة عنهم(1).

بینما نجد الأئمة علیهم السلام لا یأذنون لعدد من أتباعهم الذین یطلبون منهم الأذن فی الدخول فی عمل السلطان، لعلم الأئمة علیهم السلام بعدم أهلیة أولئک الأشخاص لحمایة الشیعة وأداء حقوقهم، وکان الأئمة علیهم السلام یأمرون الشیعة بالتبری ممن یتولی عمل السلطان ثم لا یبر إخوانه فی التشیع(2)، کما کان الأئمة علیهم السلام ینهون الشیعة من العمل مع السلطان وان لم یکن عملهم معدوداً من عمل السلطان إذا لم یکن فیه نفع للشیعة کما فی قصة صفوان الجمال مع الإمام الکاظم علیه السلام(3).

ویبین الإمام الکاظم علیه السلام لزیاد بن أبی سلمة موارد جواز العمل للسلطان (.. یا زیاد لئن أسقط من جالق فأتقطع قطعة قطعة أحب إلی من أن أتولی لأحد منهم عملاً او أطأ بساط أحدهم، إلا لماذا؟ 


1- عوالی اللآلی ج4ص25، البحار ج48ص136، ج72ص379، مستدرک الوسائل ج13ص137.
2- الکافی ج 5 ص 107ح9 عن مولی لعلی بن الحسین (علیه السلام) قال: کنت بالکوفة فقدم أبو عبد الله (علیه السلام) الحیرة فأتیته فقلت له: جعلت فداک لو کلمت داود بن علی أو بعض هؤلاء، فأدخل فی بعض هذه الولایات، فقال: ما کنت لافعل قال: فانصرفت إلی منزلی فتفکرت فقلت: ما أحسبه منعنی إلا مخافة أن أظلم أو أجور، والله لآتینه ولاعطینه الطلاق والعتاق والأیمان المغلظة ألا أظلم أحدا ولا أجور ولاعدلن، قال: فأتیته فقلت: جعلت فداک إنی فکرت فی إبائک علی فظننت أنک إنما منعتنی وکرهت ذلک مخافة أن أجور أو أظلم وإن کل امرأة لی طالق وکل مملوک لی حر علی وعلی إن ظلمت أحدا أو جرت علیه وإن لم أعدل؟ قال: کیف قلت: قال: فأعدت علیه الایمان فرفع رأسه إلی السماء فقال: تناول السماء أیسر علیک من ذلک.
3- اختیار معرفة الرجال ج2ص740، البحار ج72ص376، نقد الرجال ج2ص421، معجم رجال الحدیث ج10 ص133.

ص: 113

قلت: لا أعلم جعلت فداک.

فقال: إلا لتفریج کربة عن مؤمن أو فک أسره او قضاء دینه...)(1).

وروی أن رجلا من الشیعة دخل علی الإمام الصادق علیه السلام فقال له: أصلحک الله إنه ربما أصاب الرجل منا الضیق أو الشدة فیدعی إلی البناء یبنیه أو النهر یکریه أو المسناة یصلحها فما تقول فی ذلک؟ فقال أبو عبد الله (علیه السلام): ما أحب أنی عقدت لهم عقدة أو وکیت لهم وکاء وإن لی ما بین لابتیها لا ولا مدة بقلم إن أعوان الظلمة یوم القیامة فی سرادق من نار حتی یحکم الله بین العباد(2).

ویبیّن الإمام الصادق علیه السلام بعض درجات الرکون المحرم للظالمین حیث قال

فی تفسیر قوله تعالی: {وَلا تَرْکَنُوا إِلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّکُمُ النَّارُ} قال: (هو الرجل یأتی السلطان فیحب بقاءه إلی أن یدخل یده فی کیسه فیعطیه)(3).

حیث ینص علیه السلام أن حب بقاء السلطان لهذه المدّة القصیرة کاف لعد الإنسان ممن یرکن إلی الظالمین واستحقاقه للعقوبة. 


1- انظر الکافی ج5ص109، الوسائل ج17ص194، البحار ج17ص194، مستدرک الوسائل ج13 ص131.
2- الکافی ج 5 ص 107 ح7.
3- انظر الکافی کتاب المعیشة باب اعمال السلطان وجوائزهم وباب شرط من اذن له فی اعمالهم.

ص: 114

ح _ المنهج التربوی فی عصر الغیبة الکبری

ما تقدم من البحث کان حول الحیاة السیاسیة لأهل البیت علیهم السلام زمن حضور الأئمة علیهم السلام بین الناس ومن خلال حیاتهم السیاسیة وطریقة تعاملهم بینوا لشیعتهم وموالیهم کیفیة العمل السیاسی فی خطوطه العامة معینة.

ولکن السؤال یقع فی أنه هل لأهل البیت علیهم السلام منهج خاص فی عصر الغیبة ام لا؟ وکیف تم إعداد الشیعة لعصر الغیبة مع ان حالة الانتقال من الحضور إلی الغیبة قد یؤدی إلی ضیاع التشیع بسبب خفاء الإمام علی الناس.

والجواب علی ذلک: إن إعداد الشیعة لمرحلة الغیبة مر بمراحل ثلاثة:

المرحلة الأولی:

کانت مرحلة الإعداد االفکری للغیبة عن طریق الإخبار بحصول الغیبة بحیث إن ذلک المعنی کان مترسخاً فی أذهان الأمة، وهذه المرحلة بدأت منذ عهد النبی صلی الله علیه وآله(1).

والمرحلة الثانیة:

مرحلة الإعداد النفسی والعملی لقبول الغیبة وشرعت منذ عهد الإمام


1- جاء فی کمال الدین ص 287: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: المهدی من ولدی، اسمه اسمی، وکنیته کنیتی، أشبه الناس بی خلقا وخلقا، تکون له غیبة وحیرة حتی تضل الخلق عن أدیانهم، فعند ذلک یقبل کالشهاب الثاقب فیملأها قسطا وعدلا کما ملئت ظلما وجورا. وانظر کذلک کفایة الأثر ص67، الصراط المستقیم ج2ص146، البحار ج36ص309، ج51ص72، العدد القویة ص70، ینابیع المودة ج3ص296.

ص: 115

الصادق علیه السلام حیث أبعد علیه السلام إلی الحیرة فی عهد بنی العباس کما أنّ الشیعة أصبحوا یعیشون فی مناطق متعددة، فکانت تعلیمات الإمام علیه السلام تصلهم عن طریق وکلائه وثقاته ثم تلاها اعتقال الإمام الکاظم علیه السلام الذی دام سنوات طویلة ثم تبعه إبعاد الإمام الرضا علیه السلام إلی مرو وهذه المرحلة من الإعداد لم یسبق لها مثیل حیث ان الأمة ولأول مرة کانت ترجع فی أمورها إلی الإمام الجواد علیه السلام الذی لم یکن فی سن اعتاد الشیعة الرجوع فیها إلی الأئمة علیهم السلام، وبعد ذلک فرضت الإقامة الجبریة علی العسکریین علیهما السلام فی سامراء بحیث اعتاد الشیعة علی ثلاث مسائل:

الأولی: الرجوع إلی الإمام وان کان صغیر السن.

الثانیة: الاتصال بالإمام علیه السلام عن طریق وکلائه الخاصین الذین نصبهم فی المدن التی یتواجد فیها الشیعة لتعذر وصول الشیعة جمیعاً إلیه بسبب بعد المسافة والظرف الأمنی القاسی الذی یعیشه الأئمة علیهم السلام.

الثالثة: الترکیز علی دور رواة الحدیث والفقهاء وقد أسهم الترکیز علیهم فی سد النقص الحاصل لتعذر الوصول إلی الإمام علیه السلام, بحیث لم یعد البعد عن الإمام علیه السلام یشکل عائقاً أمام المکلفین فی الوقوف علی أحکام الشریعة.

وبسبب دعوة الأئمة علیهم السلام للشیعة فی التعامل مع السلطات الحاکمة علی أساس عدم مشروعیتها ومحاولة الاستقلال عنها ما أمکن بحیث حرم الأئمة علیهم السلام علی الشیعة الترافع إلی قضاة الجور والدخول فی عمل السلطان

ص: 116

وضرورة الرجوع إلی الثقات من رواة الحدیث والقضاة الذین أخذوا علومهم عن أهل البیت علیهم السلام ولتعذر وصول الجمیع الی الإمام علیه السلام کان دور الوکلاء ورواة الحدیث وفقهاء الشیعة یزداد أهمیة لسد النقص الواقعی الذی تقضیه طبیعة ظروف الحصار التی یعیشها الأئمة علیهم السلام.

المرحلة الثالثة:

کانت مرحلة الإعداد الفعلی للغیبة الکبری وهی عصر الغیبة الصغری التی نصب الإمام المهدی علیه السلام علی التوالی أربعة من ثقات الشیعة للنیابة الخاصة عنه وکان اتصال الشیعة به علیه السلام یتم عن طریق هؤلاء الوکلاء فقط واستمرت هذه المرحلة نحو سبعین سنة، وقد أسهمت هذه المدّة فی تربیة سبعة أجیال من الشیعة اعتادت علی عدم رؤیة الإمام علیه السلام وعلی الأخذ عن نوابه بحیث اصبح المجتمع الشیعی مؤهلاً لعصر الغیبة الکبری.

وبإعلان الغیبة الکبری امر الإمام المهدی علیه السلام بالرجوع إلی فقهاء الأمة وعلمائها ورواة الحدیث، وعُدّ الفقهاء نواباً عامین له، وبهذا أصبحت شرعیة العمل السیاسی ترتبط بتأیید الفقهاء, لأنهم الأقدر علی تشخیص کون هذا النحو من التحرک متطابقاً مع روح الشریعة أم لا.

ص: 117

العمل السیاسی فی عصر الغیبة الکبری

اشارة

وأما العمل السیاسی فی عصر الغیبة فجوازه وخصوصیات المتصدی نجهدها فی جملة من النصوص المرویة عن الأئمة صلوات الله وسلامه علیهم.

الشرط الأول: الاجتهاد

أورد الشیخ الصدوق - قدس سره - فی کمال الدین مکاتبة مع الإمام الحجة عجل الله فرجه الشریف حدد فی بعض فقراتها الشروط التی یجب توافرها فیمن ترجع الیه الأمة فی أمورها:

(حدثنا محمد بن محمد بن عصام الکلینی رضی الله عنه قال: حدثنا محمد ابن یعقوب الکلینی، عن إسحاق بن یعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمری رضی الله عنه أن یوصل لی کتابا قد سألت فیه عن مسائل أشکلت علی فورد التوقیع بخط مولانا صاحب الزمان علیه السلام:

أما ما سألت عنه أرشدک الله وثبتک من أمر المنکرین لی من أهل بیتنا وبنی عمنا، فاعلم أنه لیس بین الله عزوجل وبین أحد قرابة، ومن أنکرنی فلیس منی وسبیله سبیل ابن نوح علیه السلام. أما سبیل عمی جعفر وولده فسبیل إخوة

ص: 118

یوسف علیه السلام. أما الفقاع فشربه حرام، ولا بأس بالشلماب، وأما أموالکم فلا نقبلها إلا لتطهروا، فمن شاء فلیصل ومن شاء فلیقطع فما آتانی الله خیر مما آتاکم. وأما ظهور الفرج فإنه إلی الله تعالی ذکره، وکذب الوقاتون. وأما قول من زعم أن الحسین علیه السلام لم یقتل فکفر وتکذیب وضلال. وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فیها إلی رواة حدیثنا فإنهم حجتی علیکم وأنا حجة الله علیهم)(1).

ودراسة هذه الروایة تقع فی ناحیتین:

الأولی سند الروایة:

والروایة معتبرة سنداً حیث إن رواتها من الثقات المعتمدین فالروایة واجدة لشروط الحجیة فرواتها هم:

محمد بن محمد بن عصام الکلینی: روی عنه الصدوق مترضیا، وهو عن محمد بن یعقوب، وکلاهما یوجبان الاعتماد(2).

محمد بن یعقوب الکلینی صاحب الکافی رضوان الله علیه ووثاقته وفضله وعلمه وورعه وضبطه أشهر من أن یشار فهو صاحب الکافی أهم الکتب الروائیة عند الشیعة(3).


1- کمال الدین وتمام النعمة- الشیخ الصدوق ص 483 ح4.
2- طرائف المقال ج 1ص 191 ر1066.
3- رجال النجاشی ص 377 ر محمد بن یعقوب بن إسحاق أبو جعفر الکلینی - وکان خاله علان الکلینی الرازی - شیخ أصحابنا فی وقته بالری ووجههم، وکان أوثق الناس فی الحدیث، وأثبتهم. صنف الکتاب الکبیر المعروف بالکلینی یسمی الکافی، فی عشرین سنة شرح کتبه: کتاب العقل، کتاب فضل العلم، کتاب التوحید، کتاب الحجة، کتاب الایمان والکفر، کتاب الوضوء والحیض، کتاب الصلاة، کتاب الصیام، کتاب الزکاة والصدقة، کتاب النکاح والعقیقة، کتاب الشهادات، کتاب الحج، کتاب الطلاق، کتاب العتق، کتاب الحدود، کتاب الدیات، کتاب الایمان والنذور و الکفارات، کتاب المعیشة، کتاب الصید والذبائح، کتاب الجنائز، کتاب العشرة، کتاب الدعاء، کتاب الجهاد، کتاب فضل القرآن، کتاب الاطعمة، کتاب الاشربة، کتاب الزی والتجمل، کتاب الدواجن والرواجن، کتاب الوصایا، کتاب الفرائض، کتاب الروضة وله غیر کتاب الکافی کتاب الرد علی القرامطة، کتاب رسائل الائمة علیهم السلام، کتاب تعبیر الرؤیا، کتاب الرجال، کتاب ما قیل فی الائمة علیهم السلام من الشعر، کنت أتردد إلی المسجد المعروف بمسجد اللؤلؤی، وهو مسجد نفطویه النحوی، أقرأ القرآن علی صاحب المسجد، وجماعة من أصحابنا یقرأون کتاب الکافی علی أبی الحسین أحمد بن أحمد الکوفی الکاتب حدثکم محمد بن یعقوب الکلینی. ورأیت أبا الحسن (الحسین) العقرانی، یرویه عنه، وروینا کتبه کلها عن جماعة شیوخنا محمد بن محمد والحسین بن عبید لله وأحمد بن علی بن نوح عن أبی القاسم جعفر بن محمد بن قولویه عنه. ومات أبو جعفر الکلینی رحمه الله ببغداد، سنة تسع وعشرین وثلاثمائة، سنة تناثر النجوم، وصلی علیه محمد بن جعفر الحسنی أبو قیراط، ودفن بباب الکوفة. وقال لنا أحمد بن عبدون: کنت أعرف قبره وقد درس رحمه الله.

ص: 119

اسحق بن یعقوب: روی عنه محمد بن یعقوب، وفی کتاب الغیبة للشیخ توقیع ورد من مولانا صاحب الدار یستفاد منه علو رتبة الرجل(1).

محمد بن عثمان بن سعید العمری أبو جعفر الأسدی کان وأبوه نوابا خاصین لإمام الحجة عجل الله فرجه الشریف ونص الإمام العسکری علیه السلام علی وثاقتهما بقوله: العمری وابنه ثقتان، فما أدیا إلیک عنی فعنی یؤدیان وما قالا لک فعنی یقولان، فاسمع لهما وأطعمها فإنهما الثقتان المأمونان(2).

الثانیة متن الروایة:

فمن دراسة متن هذه الروایة الشریفة یتضح ان کل مستجد من الأمور یجب


1- طرائف المقال ج 1ص 204ر1195.
2- الکافی ج 1 ص 330.

ص: 120

الرجوع فیه إلی رواة الحدیث، ومعلوم ان الأمور السیاسیة من الأمور المستجدة دائماً فلابد من الرجوع فیها إلی راوی حدیثهم.

وأما رواة الحدیث فهم علی قسمین الأول الراوی المحض الذی یقوم بدور النقل المحض، والثانی الذی له أهلیة الوقوف علی مراد الإمام علیه السلام ومعرفة الناسخ والمنسوخ وله القدرة علی تمییز ما ورد عنهم تقیة أو فی ظروف طبیعیة.

وحیث کان الإمام علیه السلام قد أمر بالرجوع فهذا یعنی أن أرجع إلی رواة الحدیث فی تحدید الموقف العملی تجاه واقعة ما، فلیس الأمر هنا للوقوف علی کلام الإمام علیه السلام لیکتفی بوثاقة الراوی وصحة نقله بل الرجوع لتحدید الموقف تجاه الواقعة التی یواجهها المکلف وفی هذه الحالة فالرجوع إنما یکون لمن له أهلیة تحدید الموقف ولیس ذلک سوی المجتهد.

وشرط الاجتهاد ضروری فی التصدی للأمور السیاسیة، ذلک لأن غیر المجتهد لا أهلیة له فی تحدید الحکم الشرعی ویلزم من تصدیه مخالفة أحکام الشریعة والوقوع فی کثیر من المفاسد.

واذا لم یمکن للفقیه التصدی للعمل السیاسی وجب ان یکون العمل السیاسی تحت إشراف الفقیه الجامع للشرائط وقد جری تاریخ الشیعة السیاسی علی ذلک کما فی بعض حکام الدولة البویهیة وامارة الأسدیین فی الحلة، فضلا عن الأشاعرة فی قم فی عصر الغیبة بل فی عصر الحضور أیضاً، ثم کان أعظم

ص: 121

مصادیقها وأوضحها عند قیام الدولة الصفویة، وفی تاریخنا المعاصر الدولة الإسلامیة فی إیران التی اتخذت مبدأ ولایة الفقیه المطلقة منهجا فی عملها السیاسی.

هذا فضلا عن العمل السیاسی الذی تبنته العدید من الحرکات السیاسیة الحزبیة فی أرجاء العالم الشیعی والذی لم یُفتِ أحد من الفقهاء بحرمته بل یجیزونه بشرط الالتزام بالضوابط العامة للعمل السیاسی فی الشریعة الإسلامیة وان لا یتعارض ما یقومون به مع الأحکام الشرعیة.

الشرط الثانی: العدالة

(... ثم قال علیه السلام: قال رجل للصادق علیه السلام: فإذا کان هؤلاء القوم من الیهود لا یعرفون الکتاب إلا بما یسمعونه من علمائهم لا سبیل لهم إلی غیره فکیف ذمهم بتقلیدهم والقبول من علمائهم؟ وهل عوام الیهود إلا کعوامنا یقلدون علماءهم؟ فإن لم یجز لاولئک القبول من علمائهم لم یجز لهؤلاء القبول من علمائهم.

فقال علیه السلام: بین عوامنا وعلمائنا وبین عوام الیهود وعلمائهم فرق من جهة وتسویة من جهة أما من حیث استووا فإن الله قد ذم عوامنا بتقلیدهم علماءهم کما ذم عوامهم، وأما من حیث افترقوا فلا.

قال: بین لی یا ابن رسول الله.

قال علیه السلام: إن عوام الیهود کانوا قد عرفوا علماءهم بالکذب الصریح،

ص: 122

وبأکل الحرام والرشاء، وبتغییر الأحکام عن واجبها بالشفاعات والعنایات والمصانعات، وعرفوهم بالتعصب الشدید الذی یفارقون به أدیانهم وأنهم إذا تعصبوا أزالوا حقوق من تعصبوا علیه، وأعطوا ما لا یستحقه من تعصبوا له من أموال غیرهم، وظلموهم من أجلهم، وعرفوهم یفارقون المحرمات، واضطروا بمعارف قلوبهم إلی أن من فعل ما یفعلونه فهو فاسق لا یجوز أن یصدق علی الله ولا علی الوسائط بین الخلق وبین الله، فلذلک ذمهم لما قلدوا من قد عرفوا ومن قد علموا أنه لا یجوز قبول خبره، ولا تصدیقه فی حکایاته، ولا العمل بما یؤدیه إلیهم عمن لم یشاهدوه، ووجب علیهم النظر بأنفسهم فی أمر رسول الله صلی الله علیه وآله إذ کانت دلائله أوضح من أن تخفی، وأشهر من أن لا تظهر لهم، وکذلک عوام أمتنا إذا عرفوا من فقهائهم الفسق الظاهر والعصبیة الشدیدة، والتکالب علی حطام الدنیا وحرامها، وإهلاک من یتعصبون علیه وإن کان لإصلاح أمره مستحقا، والترفرف بالبر والإحسان علی من تعصبوا له وإن کان للإذلال والإهانة مستحقا، فمن قلد من عوامنا مثل هؤلاء الفقهاء فهم مثل الیهود الذین ذمهم الله تعالی بالتقلید لفسقة فقهائهم، فأما من کان من الفقهاء صائنا لنفسه، حافظا لدینه، مخالفا علی هواه، مطیعا لأمر مولاه، فللعوام أن یقلدوه. وذلک لا یکون إلا بعض فقهاء الشیعة لا جمیعهم، فأما من رکب من القبائح والفواحش مراکب فسقة فقهاء العامة فلا تقبلوا منهم عنا شیئا ولا کرامة، وإنما کثر التخلیط فیما یتحمل عنا أهل البیت لذلک، لأن الفسقة یتحملون عنا فیحرفونه بأسره لجهلهم، ویضعون الأشیاء علی غیر وجوهها لقلة معرفتهم، وآخرین یتعمدون

ص: 123

الکذب علینا لیجروا من عرض الدنیا ما هو زادهم إلی نار جهنم، ومنهم قوم نصاب لا یقدرون علی القدح فینا فیتعلمون بعض علومنا الصحیحة فیتوجهون به عند شیعتنا، وینتقصون بنا عند نصابنا ثم یضیفون إلیه أضعافه وأضعاف أضعافه من الأکاذیب علینا التی نحن برآء منها فیقبله المستسلمون من شیعتنا علی أنه من علومنا فضلوا وأضلوا وهم أضر علی ضعفاء شیعتنا من جیش یزید علیه اللعنة علی الحسین بن علی علیهما السلام وأصحابه، فإنهم یسلبونهم الأرواح والأموال، و هؤلاء علماء السوء الناصبون المتشبهون بأنهم لنا موالون، ولأعدائنا معادون یدخلون الشک والشبهة علی ضعفاء شیعتنا، فیضلونهم ویمنعونهم عن قصد الحق المصیب، لا جرم أن من علم الله من قلبه من هؤلاء العوام أنه لا یرید إلا صیانة دینه وتعظیم ولیه لم یترکه فی ید هذا المتلبس الکافر، ولکنه یقیض له مؤمنا یقف به علی الصواب ثم یوفقه الله للقبول منه فیجمع الله له بذلک خیر الدنیا والآخرة، ویجمع علی من أضله لعن الدنیا وعذاب الآخرة، ثم قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله: شرار علماء أمتنا المضلون عنا، القاطعون للطرق إلینا، المسمون أضدادنا بأسمائنا، الملقبون أندادنا بألقابنا، یصلون علیهم وهم للعن مستحقون، ویلعنونا ونحن بکرامات الله مغمورون، وبصلوات الله وصلوات ملائکته المقربین علینا عن صلواتهم علینا مستغنون...)(1).

فالشرط الثانی هو العدالة فغیر العادل لا یجوز الرجوع إلیه لاتباعه هوی نفسه فهو غیر مأمون علی دنیا الناس فکیف علی أدیانهم وفی هذه الروایة قسم


1- بحار الأنوار ج 2ص 87.

ص: 124

الإمام علیه السلام فسقة الفقهاء إلی قسمین:

1. الذین یستأکلون الدنیا بفقههم وغایة همهم منافعهم الشخصیة وهم فی سبیل تحقیقها لا یقیمون وزنا لمصلحة الإسلام العلیا، ومنافع المؤمنین.

2. أعداء أهل البیت الذین یحاولون التظاهر بالولاء لأهل البیت علیهم السلام ومن خلال ذلک یقومون بهدم التشیع من الداخل.

الشرط الثالث: الخبرة

الشرط الثالث من شروط المتصدی للعمل السیاسی هو الدرایة والخبرة، ذلک لأن صاحب الاختصاص فی عمل ما أفضل من غیر المختص فی مجال عمله ولذا اتفقت سیرة العقلاء علی الرجوع إلی من هو أکثر خبرة فی مهمات الأمور، والعمل السیاسی من الأمور ذات الأهمیة القصوی فی حیاة الأمم فالأمة التی یتصدی لقیادتها غیر الخبیر فی الجانب السیاسی تعیش حالة من الإرباک فی علاقاتها الداخلیة والخارجیة، وتاریخ الأمم شاهد علی ذلک حیث کلما کان قلیلو الخبرة فی هرم السلطة ادی ذلک إلی سیطرة جملة من الفئات السیاسیة او العسکریة علی مقدرات الشعب وانتهت إلی خراب یعم البلاد، ویفقد علی أثره الأمن العام علی مختلف الأصعدة مما یؤدی إلی انحلال الدولة وسقوطها.

فالضعف الذی عاشته الدولة الأمویة فی العشرین سنة الأخیرة من عمرها، مع الهفوات الکبیرة التی ارتکبها ساسة الدولة الأمویة علی مدی تاریخهم الأسود سارع فی نهایتها والی الأبد، وکذلک الحال فی الدولة العباسیة بعد هلاک هارون

ص: 125

الرشید، ولولا ان ملوک الدولة العباسیة کانوا یستعینون بالتیارات السیاسیة القویة لکان زوال دولتهم قبل قدوم المغول، وهذا الحال بعینه عاشه العثمانیون، والألمان الهتلریون، والسوفیت، والملکیة الفرنسیة وباقی الکیانات السیاسیة التی کانت تظهر فی مختلف بقاع الأرض وتزول بعد أوقات بسبب عدم قدرة قادتها السیاسیین علی المناورة المناسبة لحفظ کیاناتهم السیاسیة.

والدرایة فی العمل السیاسی شرط مهم فی التصدی لا یقل عن الاجتهاد والعدالة ولذا نجد أهل البیت علیهم السلام یؤکدون علیه فی جملة من المروی عنهم: قال رسول الله (صلی الله علیه وآله): ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفیهم من هو أعلم منه، إلا لم یزل أمرهم یذهب سفالا حتی یرجعوا إلی ما ترکوا)(1).

والخلاصة ان العمل السیاسی عمل مشروع، بل وواجب فی بعض الأحیان إذا توقف علیه حفظ المصلحة الإسلامیة العلیا فهو من الوجوبات الکفائیة فی عصر الغیبة حیث قرن نظم الأمر بتقوی الله فی وصیة أمیر المؤمنین علیه السلام فقد ورد عنه (علیکم بتقوی الله وحده لا شریک له وانظروا لأنفسکم)(2).

وحیث کانت التقوی واجبة کان حفظ النظام واجباً أیضاً.


1- مستدرک الوسائل ج 11ص30، المسترشد ص600، کنزالفوائد ص215، التعجب ص14، امالی الطوسی ص 560، 566، الإحتجاج ج1 ص219، ج2 ص8، حلیة الأبرار ج2 ص77، 80، مدینة المعاجز ج2 ص87، بحار الأنوار ج10 ص143، ج27 ص113، ج30 ص323، ج31 ص418، ج44ص22، 63، ج69 ص155، الغدیر ج1 ص198، مستدرک سفینة البحار ج10 ص467.
2- الکافی ج8 ص264، وانظر تحف العقول ص99، البحارج52 ص302.

ص: 126

خلاصة الفصل الثانی

من المسائل التی یحتاجها کل اتجاه سیاسی وفکری تربیة جیل یتمکن عبره من تحقیق أهدافه وغایاته، ولهذا السبب عند وجود صراع علی الصعید الفکری او السیاسی یسعی کل اتجاه لتحقیق مآربه عن طریق بناء جیل یحمل الأفکار التی تخدم توجهه ولو اتفق ان الحرکة السیاسیة او الفکریة الجدیدة کانت ولادة غیر شرعیة لنظریة عقائدیة او سیاسیة وکان فی بقاء النظریة الأصلیة هلاکها فلابد ان یسعی أصحاب التیار الجدید إلی الوسائل التی یتمکنون بها من الغاء الحرکة التی تربوا فی حجرها.

وما حصل فی البلاد الإسلامیة بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله کان عبارة عن ولادة توجهات سیاسیة کانت تعمل ببطء أیام رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وکان الهدف الأساسی لهذه الاتجاهات السیطرة علی خیرات بلاد المسلمین وتحکیم السلطة القبلیة ومصادرة نتائج الجهاد الطویل لأبطال الإسلام وجنی ثمار دماء الشهداء التی سالت فی المعارک التی خاضها المسلمون بقیادة

ص: 127

النبی صلی الله علیه وآله وأمیر المؤمنین علیه السلام لتصب فی صالح العصابات القرشیة التی حاولت الوصول إلی سدة الحکم عن طریق المؤامرات والدسائس فکان لها ما أرادت.

کان القرشیون یعلمون ان مفاهیم الإمامة التی جاء بها الإسلام تتعارض مع ما یریدون، وکذلک لا یمکنهم التخلص من کل ما جاء به الإسلام؛ لأن الإسلام هو المنهج الذی یمکنهم عبره من السیطرة علی بلاد المسلمین والتوسع فی مختلف بقاع المعمورة، ولهذا السبب کان القرشیون یتبنون القوانین الإسلامیة التی لا تتعارض مع مخططاتهم السیاسیة کأحکام الصلاة والصیام والجهاد والخمس والزکاة والمعاملات، بینما صبوا جل جدهم لتشویه معالم الإمامة التی جاء بها الإسلام علی لسان رسول الله صلی الله علیه وآله.

ولتحقیق مبتغیاتهم قاموا بعملیة التشویه الفکری علی مرحلتین:

الأولی: مرحلة تطویق النصوص عن طریق حرق ما دُوِّن من النصوص علی عهد النبی صلی الله علیه وآله والمنع من راویة الحدیث وتدوینه ودامت هذه المرحلة خمساً وعشرین سنة.

الثانیة: مرحلة التأسیس للتشویه الکامل الذی شرع به معاویة بن ابی سفیان واستمر بَعْدَهُ لعشرات السنین بل لا تزال بعض مفرداته جاریة إلی الیوم وهی مرحلة وضع الأحادیث الکاذبة فی ذم أهل البیت علیهم السلام وبخاصة امیر المؤمنین صلوات الله علیه من جهة ووضع الأحادیث الکاذبة فی المدح والثناء

ص: 128

علی خصوم أهل البیت صلوات الله علیهم، ورافق ذلک إصدار قانون صارم فی انزال اشد العقوبات فیمن یروی فضائل اهل البیت علیهم السلام او یودهم ولو سراً حتی تتبعت الشیعة وقتلت علی التهمة والظنة.

ولم یقف اهل البیت علیهم السلام مکتوفی الأیدی أمام حملة التشویه المنحرفة بل عملوا ما وسعهم لإنقاذ الأمة من تیارات الضلالة والجهل، وکانت بین آونة واخری تتهیأ بعض الظروف التی یتمکن أهل البیت علیهم السلام عبرها من توعیة الأمة وتوجیهها وکشف الحقائق لها وقد تحقق ذلک أیام امیر المؤمنین علیه السلام ونهایة الدولة الأمویة واوائل الدولة العباسیة وایام الصراع بین الأمین والمأمون.

وقد أتت جهود أهل البیت علیهم السلام ثمارها وانتشر التشیع فی مختلف بقاع المعمورة وغدت فضائل اهل البیت یتضوع عطرها فی سماء بلاد المسلمین وهی تحمل مفاهیم الإسلام الصحیح البعید عن تحریف المضلین ویهتدی الناس بأنوارها إلی رضا رب العالمین.

ص: 129

الفصل الثالث: الثورات المسلحة ومواقف أهل البیت علیهم السلام

اشارة

ص: 130 

ص: 131

تمهید

یمکن تقسیم الثورات المسلحة التی وقعت فی زمن الحضور الشریف للأئمة المعصومین علیه السلام إلی ثلاثة اقسام:

1. الثورات التی قادها أهل البیت علیهم السلام.

2. الثورات التابعة لأهل البیت علیهم السلام.

3. الثورات غیر المرتبطة بأهل البیت علیهم السلام.

ویختص القسم الأول من الثورات بثورة الإمام الحسین علیه السلام، واما القسم الثانی فهناک العدید من الثورات التی ارتبطت بأهل البیت علیهم السلام کثورة المختار بن ابی عبید رضوان الله علیه وثورة زید الشهید رضوان الله علیه وثورة محمد النفس الزکیة واخیه ابراهیم رضوان الله علیهما وثورة الحسین صاحب فخ رضوان الله علیه وثورة ابی السرایا وثورات اخری اخترنا منها فی البحث ثلاثة من الثورات، واما القسم الثالث فهناک العدید من الثورات التی اندلعت ضد الحکم الأموی والعباسی لکنها لم ترتبط بأهل البیت علیهم السلام وهی فی الغالب معادیة او علی الأقل مخالفة لأهل البیت علیهم السلام.

ص: 132

أولاً _ الثورة الحسینیة

اشارة

الثورة المسلحة الوحیدة التی قادها أهل البیت علیهم السلام من موقع المعارضة حادثة عاشوراء التی سفکت فیها دماء ابناء الرسالة.

وهذه الحادثة لما تحتله من اهمیة خاصة فی الحیاة السیاسیة لأهل البیت علیهم السلام یجب دراستها فی عدة محاور:

أ - القوی السیاسیة علی الساحة الإسلامیة إبّان الثورة الحسینیة وموقفها من الثورة.

ب - طبیعة الحرکة الثوریة للإمام الحسین علیه السلام.

ج - مدی تحقیق الثورة الحسینیة لأهدافها.

أ _ القوی السیاسیة

کانت القوی ذات الوجود الفاعل علی الساحة الإسلامیة ابان قیام الثورة الحسینیة تنقسم إلی عدة اقسام:

1 _ الشیعة ویتزعم حرکتهم السیاسیة الطالبیون ویرأسهم الإمام الحسین علیه

ص: 133

السلام، وجدیر بالذکر ان النشاط السیاسی لبنی هاشم فی تلک الحقبة من الزمن کان منحصراً فی آل ابی طالب؛ اذ لم یعهد لبنی العباس والی حقبة متأخرة من الدولة الأمویة نشاط سیاسی ولم یسجل التاریخ لهم قتیلاً واحداً فی ثورات الهاشمیین ضد الحکم الأموی.

2 _ آل الزبیر ویتزعم حرکتهم السیاسیة عبد الله بن الزبیر وشارکه اخواه مصعب وعروة، وکان مصعب یمثل الجزء المکمل لحرکة عبد الله السیاسیة بینما کان عروة یمثل المحور الثقافی والعلمی فی دولة الزبیریین.

3 _ الخوارج وهم الفرقة التی نابذت أمیر المؤمنین علیه السلام العداء بعد التحکیم وکانوا یمثلون عنصر المعارضة السیاسیة للوجودات السیاسیة الحاکمة غیر المتّفقة معهم فی الفکر والعقیدة، وکانوا یکفرون جمیع المسلمین ویصرحون بالعداء لأهل البیت علیهم السلام.

4 _ الأمویون وهم السلطة الحاکمة التی مُهد لوصولها إلی الحکم منذ عهد أبی بکر عندما سلمت الشام لیزید بن ابی سفیان ومن بعده معاویة، واکبر تمهید لحکمهم کان فی اواخر ایام عمر الذی بذل کل ما فی وسعه لوصول عثمان إلی مسند الخلافة وکان الأخیر قد وضع آخر اللمسات للحکم العائلی الذی تحقق علی ید معاویة.

5 _ زعماء القبائل الکوفیة الذین کانوا یتوزعون بین موال لأهل البیت علیهم السلام وهم الأقلیة والفئة الموالیة للسلطان وهم علی قسمین؛ الراغبون فی إعادة

ص: 134

المجد الکوفی الذی فقدته لصالح دمشق بعد انتقال عاصمة الحکم الیها کالأشعث بن قیس وحجاج بن ابجر واشباههما، والشخصیات السیاسیة التی کانت علی استعداد لقبول السلطان الذی یضمن مصالحها ولکنهم یعادون بنی هاشم وعلی رأسهم الشخصیات القرشیة التی سکنت الکوفة کعمر بن سعد. 

والفئة الأولی من الزعامات الموالیة للسلطة کانت تعلم انها لا تصل إلی غایتها الا اذا کانت هناک شخصیة سیاسیة مهمة مقبولة علی الصعید الإسلامی العام خاصة وانه لم تظهر فی تلک الحقبة الولایات المستقلة عن الدولة المرکزیة بسبب قوتها، والشخصیة التی تحقق آمال هذه الفئة کانت منحصرة بالإمام الحسین علیه السلام.

ومن هذا العرض الموجز یتضح ان الثورة الحسینیة لم تکن تتمتع بأی دعم من القوی السیاسیة التی کانت خارج نطاق أهل البیت علیهم السلام, فآل الزبیر والخوارج مع ان لکل منهما موقفاً معادیاً لبنی امیة الا ان کلاً منهما له موقف سیاسی وفکری یقع علی الطرف النقیض من الثورة الحسینیة، والراغبون فی التغییر من الشخصیات الکوفیة غیر الموالیة لأهل البیت علیهم السلام کانت مواقفهم تتغیر بحسب ما تقتضیه مصالحهم فسرعان ما انقلبوا علی اعقابهم وشارکوا فی الجیش الذی بعثه عبید الله بن زیاد للقضاء علی الثورة الحسینیة، اما القرشیون فإن موقفهم المعادی لأهل البیت علیهم السلام کان عاملاً اساسیاً فی سرعة تحرک السلطة الأمویة للقضاء علی الثورة الحسینیة. 

ص: 135

ب _ طبیعة الثورة الحسینیة

اشارة

معرفة طبیعة ای ثورة من الثورات یمکن الوقوف علیه من خلال الاطلاع علی شخصیة قائد الثورة وارکان حرکتة الثوریة من جهة، ومن جهة اخری دراسة الظروف التی ادت إلی اندلاع الثورة.

اما الجهة الأولی فقائد الثورة الإمام الحسین علیه السلام الذی اجمع المسلمون علی کونه فی غایة الورع والتقوی والزهد والتفانی فی ذات الله، هذا من حیث المؤهلات الشخصیة واما من حیث الانتماء العائلی فهو ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسید شباب اهل الجنة وخامس اصحاب الکساء الذین نزلت فیهم آیة التطهیر، ومن العترة التی اوجب الله تعالی لهم المودة فی القرآن الکریم، وهو عدل الکتاب الذی امر رسول الله صلی الله علیه وآله فی المتواتر عنه من حدیث الثقلین بالرجوع إلیهما.

واختلف فیه بعد ذلک حیث ذهب اتباع مدرسة أهل البیت علیهم السلام إلی عصمته وانه الإمام بعد أخیه الإمام الحسن علیه السلام وکذا ذهب الزیدیة والإسماعیلیة، بینما ذهب إلی عدم عصمته اتباع مدرسة السلطة وان قالوا بأنه کان علی حق فی ثورته، وذهب اتباع المدرسة الأمویة إلی کونه علی الباطل ومنهم جملة من الوهابیة واتباع ابن تیمیة وفساد کلامهم اوضح من ان یخفی فما قیمة رأی یخالف کتاب الله وصریح سنة رسول الله صلی الله علیه وآله واتفاق المسلمین. 

ص: 136

فشخصیة الإمام الحسین علیه السلام اعظم وانبل من ان یتساءل عنها ویتوقف عندها، وهذا امر اجمع علیه اهل الإنصاف من اهل القبلة علی اختلاف مشاربهم ومذاهبهم حتی ان بعض الخوارج کانوا لا ینظرون الیه کما ینظرون إلی أمیر المؤمنین والإمام الحسن علیهما السلام .

وأما أرکان حرکتة الثوریة فهم الشخصیات الموالیة لأهل البیت علیهم السلام الذین ارادوا اصلاح ما افسده معاویة ایام ادارته للدولة، بعد ابتزازه الحکم وقتله للصلحاء والأخیار ومصادرة الأموال والحریات الشخصیة وتأسیسه لمنهج یبث العداء لأهل البیت علیهم السلام فی أجیال المسلمین وانحراف کبیر عن جادة الحق والمبادئ الإسلامیة العلیا وبخاصة بعد تأمیر ولده یزید، الذی کان یسعی الجهاز الأموی عبره الی تثبیت الملکیة الوراثیة فی ادارة الدولة والغاء المظاهر العامة للإسلام حیث کان یزید متجاهراً بالفسق والفجور وشرب الخمر.

فالثورة الحسینیة کانت ثورة اصلاحیة تهدف إلی ایقاف حرکة الانحراف الحاد عن مبادئ الإسلام الذی اخذ یستشری بشدة فی ایام معاویة وسیبلغ اشده فی حکم یزید فیما لو لم یتم القضاء علیه والوقوف بوجهه.

واما الظروف التی ادت إلی اندلاع الثورة الحسینیة فیمکن اجمالها فی عدة نقاط:

1. شعور المجتمع العراقی علی اختلاف اتجاهاته بضرورة الانعتاق من نیر الظلم الأموی، الأمر الذی دفع اهل الکوفة إلی الکتابة إلی الإمام الحسین علیه

ص: 137

السلام ودعوته للقدوم إلی الکوفة للانقضاض علی الحکم الأموی.

2. بلوغ المخطط الأموی إلی أخطر مراحله حیث ان مجیء یزید إلی السلطة یعنی الغاء تعالیم الإسلام بصورة کاملة؛ لأن الرجل کان متجاهراً بمخالفة ضرورات الأحکام الإسلامیة ومثله لو کتب له التصدی لإدارة الدولة وبسط نفوذه علی ربوعها لم یبق من الإسلام اسم ولا رسم.

3. ان الإمام ومن موقع المسؤولیة الإلهیة یجب علیه الحفاظ علی کیان الإسلام، والخطر الذی تعرض له الدین بلغ إلی المرحلة التی یجب خوض الحروب لمنع المنحرفین من هدم هیکلیة الإسلام العامة وان کان ذلک سیؤدی إلی شهادة المعصوم علیه السلام.

ومن هنا یتضح ان الثورة الحسینیة کانت ثورة اصلاحیة استشهادیة کانت الغایة منها ایقاف حرکة الانحراف وإفشال مخطهها الرامی إلی الغاء المبانی الإسلامیة فی الحیاة العامة، واثارة الأمة للانعتاق من نیر العبودیة والذل الذی خلفته السیاسات المنحرفة لبنی امیة فی اوساط المسلمین.

واما اهداف الثورة وفکر قادتها والمنهجیة فی العمل السیاسی الثوری فإنه یقرأ فی بیانات قادة الثورة خطباً وکتباً والخطوات التی یتخذها الزعماء فی تحرکهم الثوری.

والمنهجیة الثوریة التی اتبعها الإمام الحسین علیه السلام فی حرکتة العسکریة تمثّلت فی: 

ص: 138

1. الاتصال بالقیادات.

2. التعبئة الجماهیریة.

3. مواجهة الإعلام المضاد.

1 _ الاتصال بالقیادات

من قراءة الرسائل المتبادلة بین الإمام الحسین علیه السلام واهل الکوفة تتضح لنا اهداف الثورة واسبابها، حیث صرحت رسائل اهل الکوفة بالتندید بالحکم الأموی ورغبة اهل الکوفة فی الانعتاق من الجور والظلم الذی لحق بهم بعد تسلط معاویة علی الحکم:

(اما بعد فالحمد لله الذی قصم عدوک وعدو ابیک من قبلک الجبار العنید الغشوم الظلوم الذی ابتز هذه الأمة امرها، وغصبها فیئها، وتأمر علیها بغیر رضی منها، ثم قتل خیارها، واستبقی شرارها، وجعل مال الله دولة بین جبابرتها وعتاتها، فبعداً له کما بعدت ثمود، ثم انه قد بلغنا ان ولده _ اللعین _ قد تأمر علی هذه الأمة بلا مشورة ولا إجماع، ولا علم من الأخیار.

وبعد، فإنا مقاتلون معک، وباذلون انفسنا من دونک، فأقبل الینا فرحاً مسروراً، مبارکاً منصوراً، سعیداً سدیداً، اماماً مطاعاً، وخلیفة مهدیاً، فإنه لیس علینا امام ولا امیر الا النعمان بن بشیر، وهو فی قصر الإمارة وحید طرید، لا نجتمع معه فی جمعة، ولا نخرج معه إلی عید، ولا نؤدی الیه الخراج یدعو فلا یجاب، ویأمر فلا یطاع، ولو بلغنا انک قد اقبلت الینا اخرجناه عنا حتی یلحق بالشام، فأقدم الینا فلعل

ص: 139

الله تعالی ان یجمعنا بک علی الحق، والسلام علیک یا ابن رسول الله وعلی ابیک من قبل واخیک ورحمة الله وبرکاته)(1).

وهذه الرسالة کتبت علی لسان جمیع الاتجاهات الکوفیة التی حضرت اجتماع سراة الکوفة الذین کانوا یرغبون بالتخلص من النیر الأموی، وهی کاشفة عن الظلم الذی تعرض له اهل الکوفة وتشیر من طرف خفی إلی رغبتهم فی ان یظلهم عدل أمیر المؤمنین علیه السلام مرة اخری.

وتقریراً لما عاناه المجتمع الکوفی ایام معاویة قال الشیخ شمس الدین رحمه الله:

(ثم اتبع ذلک طائفة من الإجراءات التی صدمت العراقیین، انقص من أعطیات اهل العراق لیزید فی أعطیات اهل الشام، وحملهم علی ان یحاربوا الخوارج فلم یتم لهم ان ینعموا بالسلم الذی کانوا یحنون الیه، ثم طبق منهاجه الذی شرحناه فی الفصل السابق: الإرهاب والتجویع والمطاردة، ثم اعلن بسب أمیر المؤمنین علی علیه السلام علی المنابر. وبینما راح الزعماء القبلیون یجنون ثمرات هذا العهد بدأ العراقیون العادیون یکشفون رویداً رویداً طبیعة هذا الحکم الظالم الشرس الذی سعوا الیه بأنفسهم، وثبتوه بأیدیهم)(2)


1- انظر روضة الواعظین ص172، الارشاد ج2ص37، البحار ج44ص333، مقتل ابی مخنف ص16، اعلام الوری ج1ص436، اللهوف ص23، عوالم الإمام الحسین ص182، لواعج الأشجان ص34، کلمات الإمام الحسین ص311، معالم المدرستین ج3ص52، 305، حیاة الإمام الحسین ج2ص333، تاریخ الطبری ج4ص262، البدایة والنهایة ج8ص163.
2- ثورة الحسین علیه السلام ظروفها الاجتماعیة وآثارها الموضوعیة ص144، والملاحظ ان جملة من الشخصیات الکوفیة طلبت الی الإمام الحسن علیه السلام ومن بعده الإمام الحسین علیه السلام ایام معاویة اعلان الثورة ضد الحکم الأموی لکن الظروف لم تکن مهیأة لذلک فطلبا علیهما السلام منهم الإنتظار لحین تحقق الظرف المناسب للثورة.

ص: 140

وکتاب آخر من اهل الکوفة یشیر إلی رغبتهم الشدیدة فی عودة سیاسة أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الکوفة، حیث یظهر ذلک واضحاً من الثناء الجمیل علی أمیر المؤمنین علیه السلام فی آخر الکتب التی وردت إلی الإمام الحسین علیه السلام قبل حرکته إلی الکوفة:

(أما بعد، فإن الناس ینتظرونک لا رأی لهم غیرک، فالعجل العجل یا ابن رسول الله، فقد اخضر الجناب، وأینعت الثمار وأعشبت الأرض، وأورقت الأشجار، فأقدم اذا شئت فإنما تقدم إلی جند مجندة لک، والسلام علیک ورحمة الله وبرکاته، وعلی أبیک من قبل)(1).

ونموذج آخر من الرسائل المعارضة للحکم الأموی کتاب یزید بن مسعود النهشلی رحمه الله الذی أرسله جواباً علی کتاب الإمام الحسین علیه السلام الذی دعاه فیه إلی الاشتراک فی الثورة ضد الحکم الأموی:

(أما بعد، فقد وصل إلیّ کتابک وفهمت ما ندبتنی إلیه ودعوتنی له من


1- انظر مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی ج1ف1ح1، مقتل الحسین من الفتوح لأبن اعثم احداث سنة 61، تاریخ الطبری احداث سنة 61، الملهوف فی قتلی الطفوف ص103، الإرشاد ص24 وهو الکتاب الذی سأل الإمام الحسین علیه السلام حملته عن موقف زعماء القبائل الکوفیة غیر المحسوبین علی اهل البیت علیهم السلام فأجیب بأن جملة من الزعماء القبلیین المؤثرین ممن کتب الکتب وممن ذکر اسمه للإمام الحسین علیه السلام شبث بن ربعی وحجار بن ابحر وعمرو بن الحجاج.

ص: 141

الأخذ بحظی من طاعتک والفوز بنصیبی من نصرتک، وان الله لم یخل الأرض قط من عامل علیها بخیر ودلیل علی سبیل نجاة، وانتم حجة الله علی خلقه وودیعته فی أرضه، تفرعتم من زیتونة أحمدیة هو أصلها وانتم فرعها، فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لک أعناق بنی تمیم وترکتهم أشد تتابعاً فی طاعتک من الأبل الظماء لورود الماء یوم خمسها، وقد ذللت لک رقاب بنی سعد وغسلت درن قلوبها بماء سحاب مزن حین استهل برقها فلمع)(1).

وفی هذا الکتاب یظهر الفرق الواضح بین موقف زعماء الکوفیین والبصریین حیث یظهر فی کتاب یزید النهشلی رحمه الله النفس الشیعی الواضح الذی یقرر استحقاق الإمام الحسین علیه السلام للإمامة علی أسس عقائدیة، بینما کان کتاب اهل الکوفة إلی الصبغة السیاسیة أقرب منه إلی الاستحقاق علی الأسس الدینیة؛ وذلک لأن الذین کاتبهم الإمام الحسین علیه السلام فی البصرة کانوا من الموالین له بینما کان کتاب أهل الکوفة یعبر عن آراء الاتجاهات السیاسیة فیها علی اختلافها والتی لم یکن الشیعة یشکلون الا سبع اهلها.

وهذا الفرق بین زعماء المصرین من حیث الولاء السیاسی توحی به کتب الإمام الحسین علیه السلام إلی الکوفة والبصرة، حیث جاء فی کتابه علیه السلام إلی أهل الکوفة: 


1- مقتل الحسین للمقرم ص144، مثیر الأحزان ابن نما ص11، الملهوف ص106، وفیه یشیر یزید رحمه الله الی وحدة موقف بنی تمیم علی خلاف ما کان منهم یوم الجمل حیث انقسموا الی اقسام ثلاث بعض مع أمیر المؤمنین علیه السلام وبعض مع الناکثین وبعض اعتزل الفریقین.

ص: 142

(... فإن کنتم علی ما قدمت به رسلکم، وقرأت فی کتبکم، فقوموا مع ابن عمی وبایعوه ولا تخذلوه، فلعمری ما الإمام العامل بالکتاب القائم بالقسط، کالذی یحکم بغیر الحق ولا یهتدی سبیلاً، جمعنا الله وایاکم علی الهدی وألزمنا وایاکم کلمة التقوی...)(1).

فالإمام علیه السلام فی کتابه إلی اهل الکوفة یشیر إلی ضرورة نصرة الإمام العادل والوقوف فی وجه الظالمین، وهی کلمة جامعة لصف أهل الکوفة المختلفی الاتجاهات.

بینما کان کتابه علیه السلام إلی زعماء البصریین ینص فیه علیه السلام علی استحقاقه للخلافة علی الأسس الدینیة التی یؤمن بها شیعة أهل البیت علیهم السلام:

(أما بعد، فإن الله اصطفی محمداً صلی الله علیه وآله من خلقه وأکرمه بنبوته واختاره لرسالته، ثم قبضه الیه، وقد نصح لعباده وبلغ ما أرسل به صلی الله علیه وآله وکنا اهله وأولیاءه وأوصیاءه وورثته واحق الناس بمقامه فی الناس، فإستأثر علینا قومنا بذلک فرضینا وکرهنا الفرقة وأحببنا العافیة، ونحن نعلم إنّا أحق بذلک الحق المستحق علینا ممن تولاه، وقد بعثت رسولی الیکم بهذا الکتاب، وانا أدعوکم إلی کتاب الله وسنة نبیه، فإن السنة قد أمیتت والبدعة قد أحیت، فإن تسمعوا قولی أهدِکم إلی سبیل الرشاد)(2)


1- مقتل الحسین علیه السلام للمقرم ص143، مثیر الأحزان لابن نما ص13، اللهوف ص113.
2- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی ج1ف10ص284، الفتوح، مقتل المقرم ص145، الإرشاد ص225.

ص: 143

ونص آخر یبین اهداف ثورة الإمام الحسین علیه السلام حیث ورد فی کتابه لإخیه محمد بن الحنفیة رحمه الله:

(... وانی ما خرجت أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وانما خرجت لطلب الإصلاح فی امة جدی صلی الله علیه وآله ارید ان آمر بالمعروف وانهی عن المنکر، واسیر بسیرة جدی وابی علی بن ابی طالب، فمن قبلنی بقبول الحق فالله اولی بالحق ومن رد علی هذا أصبر حتی یقضی الله بینی وبین القوم وهو خیر الحاکمین)(1).

2 _ التعبئة الجماهیریة
اشارة

المحور الآخر لدراسة طبیعة الثورة والوقوف علی أهدافها ومنهجها هو خطب قادة الثورة فی الجماهیر فالقائد عندما یخطب الجماهیر معلناً اختیاره طریق الثورة لابد أن یقدم لهم الأسباب الموضوعیة لإعلانه الثورة، کما یجب أن تکون خطبته مبینة لما یحمله من مبادئ وقیم ویراعی فیها الاتجاهات السیاسیة الممثلة للرأی العام فی محاولة کسب ذلک الجمهور إلی جانبه، وللوقوف علی طبیعة الحرکة الثوریة الحسینیة فلابد من دراسة خطب قادة الثورة فی المراحل المختلفة لها وفی التجمعات المختلفة لمعرفة طریقة الخطاب الثوری الذی ألقی به الثائرون آراءهم للجماهیر. 


1- البحار ج44ص329، عوالم الإمام الحسین ص179، لواعج الأشجان ص30، کلمات الإمام الحسین ص291، انصار الحسین ص39، معالم المدرستین ج3ص50، حیاة الإمام الحسین ج1ص11، ج2 ص264، مقتل المقرم ص142.

ص: 144 

فالخطاب السیاسی کان ولا یزال ذا أثر مهم فی الحرکات الثوریة بل ومجمل التحرکات السیاسیة فالنشاط السیاسی الذی یتمتع بخطاب فاعل یتناغم مع حس القطاع العام من الأمة یکون أثره واضحاً فیها. 

ولما کان بحثنا یتناول فی هذه المرحلة منهجیة أهل البیت علیهم السلام فإن الترکیز لابد أن یصب علی خطابات الإمام الحسین علیه السلام ولکن للإشارة إلی دور بعض الشخصیات المهمة فی حرکة الإمام الحسین علیه السلام الثوریة نذکر خطابات بعض الشیعة لما لها من اثر فی توضیح المنهج السیاسی والرؤیة السیاسیة التی ربی علیها أهل البیت علیهم السلام شیعتهم. 

أ _ خطاب سلیمان بن صرد رحمه الله فی أهل الکوفة

مرت سنوات حکم معاویة ثقیلة علی زعماء الکوفة وأشرافها، وطالما حاول رجالات الکوفة دفع الحسنین علیهما السلام إلی إعلان الثورة بعد الصلح بین الإمام الحسن علیه السلام ومعاویة، إلا أن الحسنین صلوات الله علیهما کان رأیهما أن الوقت غیر مناسب ما دام معاویة حیا، وکان سلیمان بن صرد رحمه الله أحد الزعماء الذین کانوا یرغبون بإعلان الثورة فی حیاة معاویة.

وبعد هلاک معاویة وامتناع الإمام الحسین علیه السلام من البیعة ومغادرته المدینة إلی مکة، وصلت الأنباء إلی الکوفة بذلک، فتشاور زعماء الکوفة علی اختلاف مشاربهم ومذاهبهم حول دعوة الإمام الحسین علیه السلام إلی الکوفة وإعلان الثورة علی الحکم السفیانی وبعد مداولات عدیدة تقرر أن یکون

ص: 145

الاجتماع فی دار الزعیم الشیعی سلیمان بن صرد رحمه الله واجتمعت الکلمة علی دعوة الإمام الحسین علیه السلام إلی الکوفة، فخطبهم سلیمان رحمه الله قائلا: 

(... یا معشر الشیعة، إنکم علمتم أن معاویة قد هلک، فصار إلی ربه وقدم علی عمله وسیجزیه الله تعالی بما قدم من خیر وشر، وقد قعد موضعه ابنه یزید، وهذا الحسین بن علی قد خالفه، وصار إلی مکة هارباً من طواغیت آل أبی سفیان، وأنتم شیعته وشیعة أبیه من قبله، وقد احتاج إلی نصرتکم الیوم، فإن کنتم تعلمون أنکم ناصروه ومجاهدو عدوه فاکتبوا إلیه، وان خفتم الوهن والفشل فلا تغروا الرجل من نفسه، فقال القوم: بل نأویه وننصره، ونقاتل عدوه، ونقتل أنفسنا دونه، حتی ینال حاجته. 

فأخذ علیهم سلیمان بن صرد علی ذلک عهداً ومیثاقاً أنهم لا یغدرون ولا ینکثون. ثم قال: فاکتبوا إلیه الآن کتاباً من جماعتکم: إنکم له کما ذکرتم، وسلوه القدوم علیکم. فقالوا: أفلا تکفینا أنت الکتاب. قال: بل تکتب إلیه جماعتکم....)(1).

وهذا الخطاب السیاسی الذی قدمه سلیمان رحمه الله لشیعة الکوفة یظهر فیه حنکة الرجل السیاسیة فقد أراد الوقوف علی صدق مواقف الزعماء من جهة وإلزامهم موقفهم ذلک بالعهد والمیثاق ثم حملهم المسؤولیة عن موقفهم أمام الإمام الحسین علیه السلام والتاریخ فی الکتاب إلیه عن مجموعهم، وأهمیة هذه


1- مقتل المقرم ص139، مقتل الخوارزمی ج1ف1ص273.

ص: 146

المسألة تکمن فی أن الثورة لابد لها من أناس یؤمنون بها ویضحون لأجلها إضافة إلی من قد یشارک من القطاع العام لأسباب مختلفة.

ب _ خطاب یزید بن مسعود النهشلی رحمه الله:

ومن الشخصیات الأخری التی ساهمت فی تعبئة الرأی العام لصالح الثورة الحسینیة یزید بن مسعود النهشلی رحمه الله الذی کان أحد رؤساء الأخماس فی البصرة. 

وکان الإمام الحسین علیه السلام قد بادر بإرسال کتب إلی رؤساء الأخماس یدعوهم لنصرته فی الثورة فلم یکن بینهم من اتخذ موقفا إیجابیاً سوی یزید بن مسعود رحمه الله الذی جمع قومه وهم ثلاث عشائر، وهی بنو حنضلة، وبنو عامر ابن تمیم، وبنو سعد بن زید، وألقی فیهم خطاباً دعاهم فیه إلی الثورة ونصرة الإمام الحسین علیه السلام: 

(... إن معاویة مات، فأهون به والله هالکاً ومفقوداً، وإنه قد انکسر باب الجور والإثم، وتضعضعت أرکان الظلم، وکان قد أحدث بیعة عقد بها أمراً ظن أنه قد أحکمه، وهیهات الذی أراد، اجتهد والله ففشل، وشاور فخذل، وقد قام یزید شارب الخمور ورأس الفجور یدعی الخلافة علی المسلمین، ویتأمر علیهم بغیر رضی منهم، مع قصر حلم وقلة علم، لا یعرف من الحق موطئ قدمه فأقسم بالله قسماً مبروراً لجهاده علی الدین أفضل من جهاد المشرکین، وهذا الحسین بن علی وابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ذو الشرف الأصیل والرأی الأثیل،

ص: 147

له فضل لا یوصف وعلم لا ینزف وهو أولی بهذا الأمر لسابقته وسنه وقدمه وقرابته، یعطف علی الصغیر ویحسن إلی الکبیر فأکرم به راعی رعیة وإمام قوم، وجبت لله به الحجة، وبلغت به الموعظة، فلا تعشوا عن نور الحق ولا تسکعوا فی وهد الباطل فقد کان صخر بن قیس إنخذل بکم یوم الجمل فاغسلوها بخروجکم إلی ابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ونصرته، والله لا یقصر أحدکم عن نصرته إلا أورثه الله تعالی الذل فی ولده والقلة فی عشیرته، وها أنا ذا قد لبست للحرب لامتها ودرعت لها بدرعها، من لم یقتل یمت، ومن یهرب لم یفت فأحسنوا رحمکم الله رد الجواب)(1).

وأجابه بعد خطابه إلی ما یرید بنو حنظلة وبنو عامر وتقاعس بنو سعد ولکن شاءت الأقدار ان تصل أنباء شهادة الإمام الحسین علیه السلام وهم یتهیأون للتحرک لنصرته. 

وهذا النص المتقدم تتضح فیه الرغبة فی الانعتاق من الظلم والإشادة بشخصیة الإمام الحسین علیه السلام وذم معاویة ویزید بل ویظهر الخطاب السیاسی الشیعی فیه جلیاً بقول یزید رحمه الله (وجبت لله به الحجة).

ج _ خطب الإمام الحسین علیه السلام
اشارة

البحث هنا فی الحقیقة ینصب علی الإمام الحسین علیه السلام لان مورد بحثنا فی هذه الصفحات هو دراسة منهجیة الثورة المسلحة عند أهل البیت علیهم


1- مقتل الحسین علیه السلام للخوارزمی ج 1 ص 100، اللهوف ص27، مثیر الأحزان ص18، العوالم ص188، لواعج الأشجان ص41، کلمات الإمام الحسین ص317، حیاة الإمام الحسین ج2ص325.

ص: 148

السلام والمثل الوحید الذی بین أیدینا هو ثورة الإمام الحسین علیه السلام الثائر من موقع المعارضة السیاسیة، وقد سبق أن ذکرنا کتبه علیه السلام إلی أهل الکوفة والبصرة وقرأنا فیها خطابه السیاسی ونعود هنا لقراءة فکرة الثورة الحسینیة وطبیعتها من خلال خطبه علیه السلام ذلک لأن الإمام الحسین علیه السلام هو قائد الثورة وهو مدارها ومحورها بل هو قطب الرحا فیها ففکرها الحقیقی ما یبدیه الإمام الحسین علیه السلام فی کلماته القدسیة، ومنهجیتها هی منهجیته فی التعامل مع الأحداث، فهو علیه السلام لیس مجرد قائد ثورة، بل هو قدوة وأسوة ومنهجه یرسم المناهج التی علی الثائرین أن یتبعوها لتنطبق حرکتهم السیاسیة وروحهم الثوریة مع روح الإسلام وتعالیمه.

1 _ خطبة الإمام الحسین علیه السلام فی مکة

غادر علیه السلام المدینة إلی مکة یوم الثالث من شعبان سنة ستین للهجرة، بعد ان لم تعد المدینة المنورة موضعاً یتمکن فیه علیه السلام من ممارسة دوره السیاسی، حیث أصدر یزید أمره لوالی المدینة بالتشدید علی الإمام الحسین علیه السلام فی أمر البیعة. 

وبقی الإمام الحسین علیه السلام فی مکة إلی الثامن من ذی الحجة من نفس السنة ثم غادرها إلی العراق. 

وطول المدة التی بلغت ما یزید علی أربعة أشهر کان الإمام الحسین علیه السلام یدعو الأمة للثورة ونصرته لإعادة الحق إلی أهله ولإقامة حکم الله والقضاء

ص: 149

علی الطاغوت. وکانت وفود الحاج تتری، ولم یغادر علیه السلام مکة حتی وصلت إلیها جمیع وفود الحاج من مختلف بقاع بلاد المسلمین.

إلا أن الأمة کانت قد أجمعت علی خذلانه کما خذلت أباه من قبل عند وفاة الرسول صلی الله علیه وآله فلم یصحبه عند خروجه من مکة إلی الکوفة إلا نفر قلیل هم أهل بیته وبنو عمومته وشیعته من الکوفیین وبعض من التحق به من أهل البصرة.

ولإتمام الحجة علی حجیج البیت الحرام، ألقی علیه السلام خطاباً أشار فیه إلی المبانی الفکریة التی یحملها حجة الله فی الأرض لتبقی محفورة فی أذهان الأمة فهی آخر الکلمات التی سمعها منه من حضر مکة فی ذلک الوقت.

فخطاب الإمام الحسین علیه السلام تفوح منه ریح الشهادة، ولم یُطمِعْ أحداً بشیء من حطام الدنیا حیث رکز علیه السلام علی حقیقة قرآنیة وسنة نبویة، هی أن رضا الله تعالی مقرون برضا أهل البیت علیهم السلام کما دعا من وطن نفسه علی الشهادة للالتحاق به. 

(الحمد لله، ما شاء الله، ولا قوة إلا بالله، وصلی الله علی رسوله وسلم، خط الموت علی ولد آدم مخط القلادة علی جید الفتاة، وما أولهنی إلی اشتیاق أسلافی اشتیاق یعقوب إلی یوسف، وخیر لی مصرع أنا لاقیه، کأنی بأوصالی تقطعها ذئاب الفلوات بین النواویس وکربلا، فیملأن منی أکراشاً جوفا، وأجربة سغبا، لا محیص عن یوم خط بالقلم، رضا الله رضانا أهل البیت نصبر علی بلائه

ص: 150

ویوفینا أجور الصابرین، لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هی مجموعة له فی حظیرة القدس، تقر بهم عینه وینجز بهم وعده، من کان باذلاً فینا مهجته وموطناً علی لقاء الله نفسه، فلیرحل معنا فإنی راحل مصبحاً إن شاء الله)(1).

وفی هذه الخطبة نجد أن الإمام الحسین علیه السلام أکد علی عدة أمور: 

1 _ إن مصیر الإنسان فی الدنیا هو الموت.

 2 _ أنبأ الناس بشهادته. 

3_ إن رضی الله تعالی هو رضی أهل البیت علیهم السلام _ وهی نقطة جوهریة فی فکر أهل البیت علیهم السلام _ . 

4 _ إن الذی یرید أن یسیر مع الإمام الحسین علیه السلام یجب أن یکون فی أعلی درجات الفناء فی الله تعالی.

5 _ ان الثورة الحسینیة ثورة استشهادیة، الغایة منها لقاء الله تعالی والدفاع عن حریم الدین الحنیف.

2_ خطبته علیه السلام بعد شهادة مسلم بن عقیل رضوان الله علیهما

یذکر المؤرخون أن الإمام الحسین علیه السلام کان کلما مر علی عین من عیون العرب ومنزل من منازلهم یتبعه قوم من أهل تلک العیون والمنازل، وطبیعی أن ذلک الاتباع فرع علمهم بإعلان الإمام الحسین علیه السلام تصدیه للثورة


1- مقتل المقرم ص 142، الملهوف ص 110، مثیر الأحزان ص29، نزهة الناظر ص86، کلمات الإمام الحسین ص328، انصار الحسین ص10، معالم المدرستین ج3ص61، 305.

ص: 151

ورفضه لحکم یزید ودعوة أهل الکوفة إیاه. 

وقد وَضح بما لا غبش علیه أن منهجیة الإمام الحسین علیه السلام فی خطابه الثوری التأکید علی شهادته وطلب الآخرة دون أن یشیر إلی أی أمر من أمور الملک والسلطان ومناصب الدولة.

ویحتمل أن هذه الصورة لم تکن بذلک الوضوح عند من اتبعه من أبناء القبائل بل کانوا یظنون أن الأمور ممهدة ولن یتحملوا سوی عناء السفر إلی الکوفة. 

ومن المبدأ الحسینی المترتب علی علمه علیه السلام بواقع ما سیؤول إلیه أمر الثورة ألقی علیه السلام فی الناس خطاباً بعد وصول نبأ شهادة مسلم بن عقیل وعبد الله بن یقطر رضوان الله علیهما جاء فیه:

(ألا إن أهل الکوفة وثبوا علی مسلم بن عقیل وهانی بن عروة فقتلوهما، وقتلوا أخی من الرضاعة، فمن أحب منکم أن ینصرف فلینصرف ولیس علیه منا ذمام)(1).

 ودائماً عند وضع الناس علی المحک تظهر المعادن وکان نتیجة خطاب الإمام الحسین علیه السلام: (فتفرق الناس واخذوا یمیناً وشمالاً حتی بقی فی أصحابه الذین جاؤوا معه من مکة، وإنما أراد أن لا یصحبه إنسان إلا علی بصیرة)(2).


1- مقتل ابی مخنف ص19، کلمات الإمام الحسین ص348، انصار الحسین ص39، معالم المدرستین ج3ص67، صحیفة الحسین ص270، تاریخ الطبری ج4ص300، البدایة والنهایة ج8ص182.
2- مقتل الخوارزمی ج1 ف11 ح1.

ص: 152

3 _ خطابه علیه السلام فی أصحاب الحر 
الخطبة الأولی فی أصحاب الحر

خطب الامام الحسین علیه السلام فی أصحاب الحر ثلاث مرات، الأولی عندما وصلت قوات الحر بن یزید الریاحی وأعلن الحر أنه إلی جانب ابن زیاد، فقال علیه السلام بعد أن سقاهم الماء:

(إنها معذرة إلی الله عز وجل وإلیکم، وأنی لم آتکم حتی أتتنی کتبکم، وقدمت علی رسلکم، أن أقدم علینا فإنه لیس لنا إمام ولعل الله أن یجمعنا بک علی الهدی، فان کنتم علی ذلک فقد جئتکم فأعطونی ما أطمئن به من عهودکم ومواثیقکم، وان کنتم لمقدمی کارهین انصرفت عنکم إلی المکان الذی جئت منه إلیکم)(1).

فالإمام الحسین علیه السلام فی هذه الخطبة المختصرة بین أهل الکوفة السبب الذی دعاه للقدوم إلیهم، وانه إنما قدم إلیهم بسبب کتبهم التی دعوه فیها إلی الثورة، وأعطوا مبعوثه إلیهم مسلماً رضوان الله علیه بیعتهم، ثم بین لهم أنهم إن کانوا علی ما هم علیه من العهد والمیثاق أجابهم وإلا انصرف عنهم.

والذی یظهر من سیاق الروایة، وسکوت جمیع الجیش عن إجابته علیه السلام إن اکثر الجند یعلمون بموضوع البیعة والکتب، فتکون هذه الخطبة لإقامة


1- الارشاد ج2ص79، مقتل ابی مخنف ص83، مقتل المقرم ص 183مستدرک الوسائل ج4ص29، لواعج الأشجان ص93، کلمات الإمام الحسین ص355، معالم المدرستین ج3ص70، صحیفة الحسین ص270، تاریخ الطبری ج4ص303.

ص: 153

الحجة علیهم ودعوتهم للالتزام بما ألزموا أنفسهم به من دعوته، وبذل النصرة له، وکذلک لیتضح الأمر لمن لم یکن منهم مطلعاً علی مجریات الأحداث، وتشکل هذه الخطبة عنصراً مهما فی المناورة السیاسیة، إذ من شأنها لو کان اولئک القوم من أصحاب الضمائر الحیة والأخلاق الحمیدة أن تتغیر المعادلة السیاسیة والعسکریة، وتقتضی أن ینتقل ذلک الجیش أو علی الأقل عدد کبیر من أفراده إلی نصرة الإمام الحسین علیه السلام خاصة وان زعماء القبائل قد کاتبوا الإمام الحسین علیه السلام یدعونه ویمنونه ببذل النفس والنصرة، ولکن الانهیار الداخلی والهزیمة النفسیة التی یعیشها المجتمع الکوفی آنذاک لم تکن لتنتج مثل هذه النتائج.

الخطبة الثانیة فی أصحاب الحر 

والخطبة الثانیة التی ألقاها الإمام الحسین علیه السلام فی أصحاب الحر بعد صلاة الظهر عندما صلی الحر واصحابه بصلاة الامام الحسین علیه السلام وقد أعاد الامام علیه السلام مضمون الخطبة السابقة وأضاف إلیها التأکید علی حق أهل البیت علیهم السلام فی الطاعة والرعایة ومبینا انه لم یقدم علیهم الا بعد ان طلبوا منه ذلک وهنا سأل الحر عن تلک الکتب اذ لا علم له بها وهذه الفقرة التاریخیة تدلنا ان الحر لم یکن من زعماء المعارضة السیاسیة، بل ولا من رجالاتها کما انه لم یکن من الزعماء الذین یسعون لاعادة المجد الکوفی قبال المجد الشامی من أمثال شبث بن ربعی وحجاج بن ابجر، ومن بعث ابن زیاد له علی رأس القوة الاولی التی تتحمل مسؤولیة مضایقة الرکب الحسینی یتضح انه من المعتمدین

ص: 154

عند البلاط الاموی. 

فالحر إذاً عراقی الاصل اموی الانتماء ولکن الذی یمیزه عن غیره انه یتمتع بشخصیة محترمة اصیلة وکان یکنّ احتراما خاصا لاهل البیت النبوی بلحاظ الرابطة النسبیة بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم.

 ولیس من البعید ان الحر فی انتمائه الفکری او السیاسی کان ضحیة الاعلام المضلل، ولذا لما وصلت الاحداث إلی ذروتها ولم یبق بد من اندلاع الحرب بین المعسکر الحسینی والمعسکر المعادی ترک الدنیا واختار الآخرة. 

ولعل خطاب الامام الحسین علیه السلام فی أهل الکوفة قبیل الحرب کان ذا أثر کبیر فی فکر الحر وانقلابه إلی معسکر الحسین علیه السلام: (ایها الناس انکم ان تتقوا الله وتعرفوا الحق لأهله یکن أرضی لله، ونحن أهل بیت محمد صلی الله علیه وآله اولی بولایة هذا الامر من هؤلاء المدعین ما لیس لهم والسائرین بالجور والعدوان، وإن أبیتم الا الکراهیة لنا والجهل بحقنا، وکان رأیکم الآن علی غیر ما أتتنی به کتبکم انصرفت عنکم)(1).

ومن هنا یمکن ان یکون الحر مثالا للشخصیة التی تسعی ان یکون لها موقع متمیز فی الدولة ایا کانت اتجاهاتها الا انه عند المحک یختار الحق علی الباطل والجنة علی النار.


1- روضة الواعظین ص179، مقتل ابی مخنف ص83، اعلام الوری ج1ص448، الملهوف ص116، البحار ج44ص377، العوالم ص327، شرح اصول الکافی ج11ص392، مقتل المقرم ص 166، لواعج الأشجان ص91، معالم المدرستین ج3ص71، 310، صحیفة الحسین ص272.

ص: 155

الخطبة الثالثة فی أصحاب الحر:

والخطاب الاخیر الذی ألقاه الامام الحسین علیه السلام فی أصحاب الحر کان خطاباً ثوریاً دعاهم فیه للنصرة وبین لهم وجوب طاعته وعرض بغدرهم ولکن لم یستجب له منهم أحد، وهذا الخطاب الثالث یکشف لنا بما لا غبار علیه عزم الإمام الحسین علیه السلام علی مواصلة الطریق إلی النهایة حتی یحکم الله وهو خیر الحاکمین.

(... أیها الناس ان رسول الله صلی الله علیه وآله قال: من رأی سلطاناً جائراً مستحلاً لحرام الله ناکثاً عهده مخالفاً لسنة رسول الله، یعمل فی عباد الله بالاثم والعدوان، فلم یغیر علیه بفعل ولا قول، کان حقاً علی الله ان یدخله مدخله، الا وان هؤلاء قد لزموا الشیطان وترکوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفیء وأحلّوا حرام الله وحرّموا حلاله، وانا أحق ممن غیر، وقد أتتنی کتبکم وقدمت علیَّ بها رسلکم ببیعتکم أنکم لاتسلمونی ولا تخذلونی فإن اتممتم بیعتکم تصیبوا رشدکم فأنا الحسین بن علی وابن فاطمة بنت رسول الله نفسی مع أنفسکم واهلی مع أهلیکم ولکم فیّ أسوة وان لم تفعلوا ونقضتم عهدکم وخلعتم بیعتی من أعناقکم فلعمری ما هی لکم بنکر لقد فعلتموها بأبی وأخی وابن عمی مسلم فالمغرور من اغتر  بکم فحظکم أخطأتم ونصیبکم ضیعتم ومن نکث فإنما ینکث علی نفسه وسیغنی الله عنکم والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته)(1)


1- تحف العقول ص505، مقتل أبی مخنف ص85، حیاة الإمام الحسین ج1ص13، ج2ص15، صحیفة الإمام الحسین ص272، کلمات الإمام الحسین ص360، معالم المدرستین ج1ص19، ج3ص71، مقتل المقرم ص 183، تاریخ الطبری ج4ص304.

ص: 156

4 _ خطابه علیه السلام فی الکوفیین
اشارة

وصل الإمام الحسین علیه السلام کربلاء فی الثانی من شهر محرم الحرام، وبقی هناک إلی یوم استشهاده وکانت قوات ابن زیاد تتوالی فی الذهاب إلی کربلاء لمحاصرة المعسکر الحسینی، وبعد مداولات عدیدة بین الإمام الحسین علیه السلام وعمر بن سعد، ومراسلات الأخیر مع عبید الله بن زیاد، تقرر تخییر الإمام الحسین علیه السلام بین المنازلة أو النزول علی حکم ابن زیاد یحکم فیه کیف شاء(1).

 ولم یکن بد من اختیار الإمام الحسین علیه السلام للأمر الأول، فأعلنت الحرب ووقع السجال یوم العاشر من المحرم، وفی الیوم العاشر کان للإمام الحسین علیه السلام خطبتان فی أهل الکوفة قبیل اندلاع الحرب، واتصفت الخطبة الأولی بالنصح والتذکیر لهم بالله تعالی والتحذیر من انتهاک حرمته وقتل ذریة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وبین للجمیع سبب قدومه إلیهم ثم اقترح علیهم أن یلتزموا جانب الحیاد وفی مقابل ذلک یترکهم الإمام الحسین علیه السلام وشأنهم، کما أن الإمام الحسین علیه السلام صرح بأسماء من کتب إلیه من قادة معسکر ابن زیاد الذین عرضوا علیه القدوم، وفضحهم الإمام الحسین علیه السلام علی رؤوس الأشهاد. 


1- روضة الواعظین ص182، الارشاد ج2ص88، اعلام الوری ج1ص453، مقتل ابی مخنف ص101، البحار ج44ص390، العوالم ص241، لواعج الأشجان ص114، کلمات الإمام الحسین ص130، معالم المدرستین ج3ص86، الاخبار الطوال ص255، 260، تاریخ الطبری ج4ص314، ج5ص6، تاریخ مدینة دمشق ج45ص52.

ص: 157 

(... عباد الله اتقوا الله وکونوا من الدنیا علی حذر، فإن الدنیا لو بقیت علی أحد أو بقی علیها أحد لکانت الأنبیاء أحق بالبقاء واولی بالرضا وأرضی بالقضاء، غیر  أن الله خلق الدنیا للفناء فجدیدها بال ونعیمها مضمحل وسرورها مکفهر، والمنزل تلعة والدار قلعة، فتزودوا فإن خیر الزاد التقوی واتقوا الله لعلکم تفلحون. 

أیها الناس، إن الله تعالی خلق الدنیا فجعلها دار فناء وزوال متصرفة بأهلها حالاً بعد حال، فالمغرور من غرته والشقی من فتنته، فلا تغرنکم هذه الدنیا، فإنها تقطع رجاء من رکن إلیها، وتخیب طمع من طمع فیها، وأراکم قد اجتمعتم علی أمر قد أسخطتم الله فیه علیکم وأعرض بوجهه الکریم عنکم وأحل بکم نقمته، فنعم الرب ربنا وبئس العبید أنتم، أقررتم بالطاعة وآمنتم بالرسول محمد صلی الله علیه وآله ثم إنکم زحفتم إلی ذریته وعترته تریدون قتلهم، لقد استحوذ علیکم الشیطان فأنساکم ذکر الله فتباً لکم ولما تریدون إنا لله وإنا إلیه راجعون، هؤلاء قوم قد کفروا بعد إیمانهم فبعداً للقوم الظالمین...)(1).

وبعد هذا المقطع من خطبته علیه السلام الذی خصه للوعظ والتحذیر من الدنیا وتخویفهم من العذاب انتقل علیه السلام إلی مسألة أخری وهی نسبه علیه السلام ولهذا النسب اهمیة خاصة للعلاقة القریبه برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بل واستشهد علیه السلام باقربائه الذین بنی الاسلام بفضل جهادهم کحمزة أسد الله وأسد رسوله صلی الله علیه وآله وسلم وجعفر الطیار رضوان الله علیه وأمیر 


1- تاریخ مدینة دمشق ج14ص218، ترجمة الإمام الحسین ص316، حیاة الإمام الحسین ج1ص162، کلمات الإمام الحسین ص418.

ص: 158

 المؤمنین علیه السلام فهو صلوات الله علیه یذکرهم بما لهذه العائلة من اثر فی الذب عن الاسلام واعلاء کلمة التوحید بینما یقف هؤلاء الاوباش إلی جانب الذین بذلوا کل مافی وسعهم لهدم الاسلام ومنع بزوغ نوره، ولو کان لهؤلاء ذرة من الارتباط بالله تعالی لکانت هذه الکلمات رادعة لهم عن ارتکاب تلک المجزرة التی سودوا بها وجه التاریخ وظلوا بارتکابها یحملون وصمة العار ولعنة التاریخ ابد الآبدین.

(أیها الناس انسبونی من انا ثم ارجعوا إلی أنفسکم وعاتبوها وانظروا هل یحل لکم قتلی وانتهاک حرمتی ألست ابن بنت نبیکم وابن وصیه وابن عمه واول المؤمنین بالله والمصدق لرسوله بما جاء من عند ربه؟ أو لیس حمزة سید الشهداء عم ابی؟ أو لیس جعفر الطیار عمی أو لم یبلغکم قول رسول الله لی ولاخی هذان سیدا شباب اهل الجنة؟ فان صدقتمونی بما أقول وهو الحق والله ما تعمدت الکذب منذ علمت أن الله یمقت علیه أهله ویضر به من اختلقه وان کذبتمونی فإن فیکم من إن سألتموه عن ذلک أخبرکم سلوا جابر بن عبد الله الانصاری وابا سعید الخدری وسهل بن سعد الساعدی و زید بن أرقم وأنس بن مالک یخبرونکم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لی ولاخی، أما فی هذا حاجز لکم عن سفک دمی)(1)


1- الارشاد ج2ص97، اعلام الوری ج1ص458، کشف الغمة ج2ص222، 267، کلمات الإمام الحسین ص418، معالم المدرستین ج1ص222، البحار ج45ص6، العوالم ص250، مقتل المقرم ص 228، 262، ج3ص96، تاریخ الطبری ج4ص322، سیر أعلام النبلاء ج3ص301، ترجمة الإمام الحسین ص312، 330.

ص: 159

 السؤال الذی یلح فی طرح نفسه هو أن الامام الحسین علیه السلام یعلم علما یقینیاً بأنه مقتول وان القوم لا یهتمون کثیرا بما سیقوله لهم فما هی الفائدة من ذکر نسبه الطاهر والتأکید علی هذه الخصوصیات التی تتمتع بها عائلته الکریمة؟

 یمکن لنا ان نلاحظ أن هناک منهجاً لأهل البیت علیهم السلام فی إعلان الحقائق فی الاوقات التی لایمکن أن تمحی الکلمات من أذهان الأمة، والخطبة التی نقلنا طرفا منها ألقاها سید الشهداء علیه السلام فی وقت لایمکن للامة ان تتناساها وفیها ذکر لفضائل أهل البیت علیهم السلام التی أصبح المجتمع الکوفی جاهلا بها بسبب سیاسة التشویه الإعلامی التی اتبعها معاویة طیلة العشرین سنة من حکمه البغیض، حیث شرع سب امیر المؤمنین علیه السلام ومعاقبة من یروی فضائله وشب علی هذا المنهج الصغار وشاب علیه الکبار فکم من أهل الکوفة ممن حضر المعرکة کان جاهلاً بأهل البیت علیهم السلام وموقعهم فی الاسلام ودورهم فی إعلاء کلمة الله فسیاسة معاویة کانت تعتمد تجهیل الامة بأهل البیت علیهم السلام.

فإذن کلمات الإمام الحسین علیه السلام هذه تتناغم مع منهج الطرح لنظریة الامامة عند أهل البیت علیهم السلام وایصالها إلی الامة بشتی الطرق، ونری کیف ان الامام الحسین علیه السلام یرجع الناس إلی صحابة النبی صلی الله علیه وآله وسلم لیحدثوهم بفضائل أهل البیت صلوات الله علیهم فهذا الکلام تکمن فائدته الکبیرة فی بذر الصحوة فی صفوف الامة، ولو انها سوف تؤتی ثمارها بعد حین. 

ص: 160

وبعد هذا المقطع یعود للحدیث مع أهل الکوفة مبینا لهم فقدانهم للمبررات القانونیة لقتاله قائلا:

(فان کنتم فی شک من هذا القول، أفتشکون انی ابن بنت نبیکم، فو الله ما بین المشرق والمغرب ابن بنت نبی غیری فیکم ولا فی غیرکم، ویحکم أتطلبونی بقتیل منکم قتلته، أو مال لکم استهلکته، أو بقصاص جراحة، فاخذوا لا یکلمونه)(1).

وبعد وصوله فی الخطبة الی هذه المرحلة حمل زعماءهم المسؤولیة الاخلاقیة والتارخیة فی نقضهم للعهد وخیانتهم للذمة فنادی علیه السلام:

(یا شبث بن ربعی ویا حجار بن أبجر، ویا قیس بن الاشعث ویا زید بن الحارث، ألم تکتبوا إلیّ ان اقدم، قد اینعت الثمار واخضر الجناب وانما تقدم علی جند لک مجندة؟ فقالوا: لم نفعل.قال: سبحان الله، بلی والله لقد فعلتم، ثم قال: ایها الناس اذا کرهتمونی، فدعونی انصرف إلی مأمن من الارض)(2).

کانت هذه هی الخطبة الاولی قبل اندلاع المعرکة یوم العاشر من المحرم وقد ضمنها الامام الحسین علیه السلام الکثیر من المضامین المهمة فی دراسة منهجه الثوری وشرحاً اجمالیّ لاحداث الثورة وتداعیاتها.


1- مقتل المقرم ص 228.
2- الارشاد ج2ص98، اعلام الوری ج1ص459، مقتل ابی مخنف ص118، البحار ج45ص7، العوالم ص251، لواعج الأشجان ص128، کلمات الإمام الحسین ص420، معالم المدرستین ج3ص97، 312، حیاة الإمام الحسین ج2ص285، صحیفة الإمام الحسین ص288، مقتل المقرم ص 228، تاریخ الطبری ج4ص323، جواهر المطالب ص286، ینابیع المودة ج3ص66.

ص: 161

خطبته الثانیة علیه السلام فی أهل الکوفة

وفی هذه الخطبة قام الامام الحسین علیه السلام بآخر ما یمکن أن یفعله قائد للهدایة حیث نشر القرآن علی رأسه وحمل سیف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم مذکراً لهم بالکتاب العزیز وبالرسول صلی الله علیه وآله وسلم فسألهم عن سبب مقاتلتهم له فکان جوابهم أنهم یقاتلونه طاعة لابن زیاد. 

وبعد هذه المرحلة من النقاش اصبح واضحاً ان اهل الکوفة قد استحوذ علیهم الشیطان وانهم لا ینتظر منهم أن یهدیهم الله تعالی. 

وبعد هذا المقطع الحساس من تاریخ یوم العاشر من المحرم القی علیه السلام خطبته الثانیة التی یتضح فیها یأسه من هدایة القوم وتعریضه بغدرهم ونقض عهودهم وأخبارهم عن موقفه النهائی وقراره فی خوض الحرب ضدهم وإن کانت النتیجة شهادته وجمیع من معه، حیث قال علیه السلام:

(تبا لکم ایتها الجماعة وترحاً أحین استصرختمونا والهین فاصرخناکم موجفین، سللتم علینا سیفاً لنا فی  أیمانکم وحششتم علینا ناراً اقتدحناها علی عدونا وعدوکم، فأصبحتم إلباً لاعدائکم علی أولیائکم بغیر عدل افشوه فیکم، ولا امل أصبح لکم فیهم، فهلا لکم الویلات! ترکتمونا والسیف مشیم والجأش طامن والرأی لما یستحصف، ولکن أسرعتم الیها کطیرة الدبا، وتداعیتم علیها کتهافت الفراش، ثم نقضتموها فسحقا لکم یا عبید الامة، وشذاذ الاحزاب ونبذة الکتاب ومحرفی الکلم وعصبة الاثم، ونفثة الشیطان ومطفئی السنن، ویحکم أهؤلاء تعضدون وعنا تتخاذلون، أجل والله غدر فیکم قدیم، وشجت علیه

ص: 162

اصولکم، وتأزرت فروعکم، فکنتم اخبث ثمرة، شجی للناظر، وأکلة للغاصب.

الا وان الدعی بن الدعی قد رکز بین اثنتین بین السلة والذلة وهیهات منا الذلة، یأبی الله لنا ذلک ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت وانوف حمیة ونفوس أبیة، من أن نؤثر طاعة اللئام علی مصارع الکرام، الا وانی زاحف بهذه الاسرة علی قلة العدد وخذلان الناصر ...)(1).

واثمرت هاتان الخطبتان توبة الحر الریاحی وعدد قلیل من معسکر ابن سعد وانضمامهم إلی المعسکر الحسینی.

ج_ _ لماذا اختیار الکوفة؟!

اشارة

الامر الآخر الذی یوضح لنا بعض معالم الحرکة الثوریة بل المنهجیة الثوریة المسلحة عند أهل البیت علیهم السلام اختیار مواضع الحرکة العسکریة والقتال حیث أن دراسة هذا الامر تبین لنا أإن أهل البیت علیهم السلام فی الخطوط العامة للتحرک یأخذون الظروف الموضوعیة بعین الاعتبارشأن أی ثائر آخر، أم أنهم لا یفعلون ذلک؟ هناک أمور فی الکوفة ترجح عدم الذهاب إلیها لشخص مثل الامام الحسین علیه السلام فأهل الکوفة قد سبق لهم ان اضطروا أمیر المؤمنین إلی قبول التحکیم وارادوا تسلیم الإمام الحسن علیه السلام لمعاویة فیما لو وقعت الحرب بین المعسکرین، وقد صرح کل من ابن عباس وابن الحنفیة


1- مثیر الأحزان ص40، اللهوف ص58، البحار ج45ص76، العوالم ص310، لواعج الأشجان ص129، معالم المدرستین ج3ص100مقتل المقرم ص 234.

ص: 163

للإمام الحسین علیه السلام بذلک، واقترحا علیه البقاء فی مکة او اللجوء إلی الیمن، ففی الیمن توجد شیعة لأمیر المؤمنین علیه السلام ویمکنه هناک أن یجمع الانصار ویعلن الثورة، لأن الیمن بعیدة عن الشام. ولیست کالکوفة(1).

کما ان البصرة وإن لم تطرح علی الإمام الحسین علیه السلام لماضیها فی الجمل الا أن له فیها شیعة، وقد أعلن یزید بن مسعود رحمه الله للإمام الحسین علیه السلام استعداده لخوض القتال مع أنه حشد ثلثی عشیرته وهم یشکلون خمس أهل البصرة لنصرة الامام الحسین علیه السلام.

فلم یختار مع ذلک الکوفة؟.

 وللجواب علی هذا التساؤل نقول:

إن الظروف الموضوعیة کانت تحتم علی الإمام الحسین علیه السلام اختیار الکوفة ورفض جمیع الاقتراحات المطروحة علیه؛ ذلک لان:

1 _ لم یکن یسعه علیه السلام المقام فی مکة؛ لأن یزید أصدر أوامره لعامله علی الحج بالفتک بالحسین علیه السلام اینما وجده، فبقاء الامام الحسین علیه السلام فی مکة یعنی انتهاک حرمة الحرم المکی؛ لأنه إما أن یستسلم ولا یقاتل فیقتل أو یقاتل دفاعاً عن نفسه، وفی کلا الحالین تنتهک حرمة الحرم المکی والامام الحسین علیه السلام لا یرضی بذلک(2).


1- اللهوف ص40، البحار ج44ص364، العوالم ص214، لواعج الأشجان ص72، تاریخ الطبری ج4 ص88، ینابیع المودة ج3ص59.
2- جاء فی تاریخ الطبری ج4ص290لما سأله رجل کوفی عن سبب عجلته فی الخروج من مکة (لو لم اعجل لأخذت) کما انه صرح لابن عباس وابن الحنفیة لما اشارا علیه البقاء فی مکة انه لا یرضی ان ینتهک حرمة البیت بسبب لجوئه الیه.

ص: 164 

2_ الخروج إلی الیمن ایضا مسألة لیست موضوعیة فوالی الیمن موال لآل أمیة ولیزید خاصة وقد بعث إلیه بهدایا بمناسبة تولیه الحکم وصادرها الامام الحسین علیه السلام وهو فی طریقه إلی الکوفة. 

کما أن الیمن لا تتمتع بموقع عسکری ولا سیاسی یجعلها فاعلة فی مسألة التغییر، وقد سبق لبسر بن ارطأة ان غزاها فی اواخر ایام امیر المؤمنین علیه السلام وقتل من أهلها من قتل فهی لیست موقعاً عسکریاً جیداً اضافة إلی بعدها النسبی عن بقیة أقطار الدولة التی تجعلها ضعیفة التأثیر من الناحیة السیاسیة.

3_ واما البصرة، فمن الناحیة السیاسیة والعسکریة کانت خاضعة لسلطة الوالی الاموی المتکبر عبید الله بن زیاد الذی استطاع بحنکته السیطرة علی الکوفة فی مدّة قیاسیة . 

کما أن زعماء البصرة لم یستجب منهم لندائه علیه السلام سوی یزید بن مسعود رحمه الله. فعلی کل حال لا تصلح البصرة أن تکون موضعاً مناسباً لانطلاق الثورة الحسینیة.

4_ أمّا الکوفة فهی تتمتع بوجود عسکری جید؛ لانها منطقة انطلاق جیوش الفتوحات، کما أن الاغلبیة العظمی من زعمائها بایعوا الامام الحسین علیه السلام وراسلوه للقدوم علیهم، وقد بعث مسلم بن عقیل بکتابه إلی الامام الحسین علیه السلام یبلغه ببیعة ثمانیة عشر الفاً من أهل الکوفة، وقد کان مسلم رضوان الله علیه

ص: 165

یعدّ العدة للثورة فقد قام بشراء الاسلحة وتعبئة القوات وتعیین قادة التحرک، أی ان الوضع الکوفی کان مهیأً للثورة اکثر من أی مکان آخر إضافة إلی أن والی الکوفة عند خروج مسلم رحمه الله والی مدّة قریبة من خروج الإمام الحسین علیه السلام إلی العراق کان النعمان بن بشیر الانصاری وهو وإن کان علی وفاق تام مع معاویة الا أنه کان لا یحترم یزید ویبغضه فکانت الإدارة المحلیة فی الکوفة ضعیفة عند قیاسها بالادارة المحلیة فی الیمن أو البصرة.

النتیجة

ومن الاستعراض المتقدم لأحوال المناطق التی یمکن للإمام الحسین علیه السلام أن یتوجه إلیها یتضح أن الکوفة کانت هی الخیار الوحید للأسباب الموضوعیة المتقدمة. 

وفی أثناء الطریق أبلغ الطرماح الطائی الإمام الحسین علیه السلام بالوضع الکوفی وتسییر الجیوش إلیه، وطلب إلی الإمام الحسین علیه السلام أن یتحصن فی بعض الجبال التابعة لمناطق الطائیین وتعهد أن یجمع له عشرین ألف طائی خلال عشرة أیام، إلا أن الإمام الحسین علیه السلام لم یقبل اقتراح الطرماح لوجود عهود ومواثیق بینه وبین أهل الکوفة.

ولو درسنا اقتراح الطرماح من الناحیة الموضوعیة سنجد انه غیر قابل للتحقّق، لان الموضع الذی اقترحه سیضرب علیهم الطوق فیه سریعاً من قبل قوات ابن زیاد إذ لم تمض ستة أیام حتی کان الجیش الکوفی قد أکمل ضرب الحصار

ص: 166

علی معسکر الإمام الحسین علیه السلام. 

وهناک مسألة حیویة أخری فی اختیار موضع الثورة وهی الظروف الاقتصادیة فی کل واحدة من الیمن والبصرة والکوفة، فإن الکوفة کانت تتمتع بوضع اقتصادی جید لکثرة رؤوس الأموال التی فیها وکثرة ما فیها من بساتین ومزارع ومراتع تفتقر إلیها الیمن والبصرة لو فرض أن المعسکر الأموی فرض الحصار علیها.

فالنتیجة أن الإمام الحسین علیه السلام فی ثورته، وبعبارة أخری إن منهج أهل البیت علیهم السلام فی الثورة المسلحة هو منهج موضوعی تدرس فیه الظروف الموضوعیة للثورة وموضع اندلاعها.

وهنا قد یطرح السؤال نفسه وهو: إذا کان الإمام الحسین علیه السلام قد درس ظروف الثورة دراسة موضوعیة فلِمَ لم تنجح الثورة؟

والجواب علی هذا السؤال هو: إننا درسنا الظروف الموضوعیة لاختیار منطقة اندلاع الشرارة الأولی للثورة وإمکان النجاح فیها، وأما هذا السؤال فلابد من بحثه ضمن الظروف الموضوعیة التی أدت إلی فشل الثورة عسکریاً، وهذه الظروف تتمثل فی:

الإجراءات البالغة السرعة التی اتخذها الأمویون حیث أسرع یزید إلی عزل النعمان بن بشیر ونصب عبید الله بن زیاد والیاً علی الکوفة.

معاجلة ابن زیاد حرکة مسلم رضوان الله علیه وإجهاضها بالاستعانة

ص: 167

بالجواسیس والإعلام الفاعل الذی أدی إلی بث الرعب فی صفوف الکوفیین.

 وأهم منه القبض علی هانی بن عروة رحمه الله أحد زعماء الثورة المهمین الذی أدی القبض علیه إلی إعلان الثورة قبل وقتها المحدد.

رشوة زعماء القبائل بأموال طائلة مما أدی إلی انقلاب موقفهم وتراجعهم عن بیعتهم للإمام الحسین علیه السلام.

اعتقال عدد من الشخصیات التی کانت تعدّ محور الحرکة الثوریة فی المجتمع الکوفی کسلیمان بن صرد والمختار بن أبی عبید ومیثم التمار وأشباههم رضوان الله علیهم. 

تأمین التبریرات الشرعیة لدی العوام بفتاوی شریح القاضی فی وجوب إطاعة یزید وعدّ الإمام الحسین علیه السلام خارجاً علی القانون وشاقاً لعصا الطاعة.

ضرب الطوق العسکری حول الکوفة ونشر المفارز المسلحة لمنع من یرید نصرة الإمام الحسین علیه السلام من الوصول إلیه کما حصل مع القوة التی جاء بها حبیب بن مظاهر رضوان الله علیه من بنی أسد، وبعض الأشخاص الذین التحقوا بالإمام الحسین علیه السلام من الکوفة بعد فرض الحصار العسکری علی معسکر الإمام الحسین علیه السلام.

1. الإسراع فی إعلان الحرب بعد اکمال الاستعدادات العسکریة للجیش الکوفی.

ص: 168

د _ مواجهة الإعلام المضاد

اشارة

کان الإمام الحسین علیه السلام یقطع بأن نتیجة ثورته هی الشهادة، وهذا ما قرأناه فی خطبته عند خروجه من مکة وما یظهر من خطابه فی الناس عند وصول خبر شهادة مسلم وهانی وعبد الله بن یقطر رضوان الله علیهم وتصریحاته المتکررة لابن الحنفیة رضوان الله علیه وما کان قد أخبر به النبی صلی الله علیه وآله عن شهادته، فثورة الإمام الحسین علیه السلام إذن تنتهی باستشهاده بلا أدنی شک عنده، وهذه الثورة المسلحة التی ستراق فیها دماء أهل البیت علیهم السلام لابد أن تؤتی ثمارها خصوصاً وأهل البیت علیهم السلام لا یرسمون خططاً آنیة فی مسیرة الهدایة فقط بل انهم یرسمون للمدی البعید ما تنهض به الأمة وتعود إلی أحضان الدین الذی یحاول أعداء الله مسخه وتوظیفه لمصالحهم الآنیة الدنیویة. 

فالثورة الحسینیة إذ لم یکن الهدف منها تحقیق أهدافها العسکریة فلابد لها من تحقیق أهدافها السیاسیة والاجتماعیة، وهذا لا یتحقق إلا بغطاء إعلامی یتناسب مع أهداف الثورة الحقیقة وطموحات قائدها الفکریة ویکون قادراً علی مواجهة إعلام السلطة الهادف إلی تشویه الثورة، ولابد أن یکون المتحمل لهذا النشاط الإعلامی شخصیة قویة ومؤثرة فی الوجدان العام، وکذلک یجب أن یکون بعیداً عن سطوة الحکم الیزیدی کی لا یتسنی لیزید وأتباعه القضاء علی زعیم الثورة بعد الإمام الحسین علیه السلام والشخص الذی ینهض بهذه المهمة لابد أن یکون ذا خصوصیات ومؤهلات فیجب فیه: 

ص: 169

1_ أن یکون ذا تأثیر فی عواطف الجماهیر.

2_ أن یکون ذا علاقة وثیقة بالإمام الحسین علیه السلام لیستطیع إثارة عواطف الجماهیر بما له من علاقة وثیقة بأبطال کربلاء. 

3_ أن یکون له اطلاع کامل علی حقیقة الأهداف الحسینیة وتوظیف ثورة الطف وما ارتکب فیها من مجازر تهز وجدان الإنسانیة خدمة للهدف الحسینی. 

4 _ أن یکون ذلک الشخص موضع ثقة الإمام السجاد علیه السلام ویتحلی بالطاعة المطلقة له لیتحرک ضمن الدائرة التی یرسمها الإمام السجاد علیه السلام للجانب الإعلامی للثورة الحسینیة.

5 _ ان یتحلی بشخصیة قویة وبلاغة فی الخطاب یستطیع من خلالها التأثیر البالغ فی المجتمع الذی سیقوم بدوره الإعلامی فیه. 

6 _ أن یکون قادراً علی سبر غور الإعلام الأموی ومجابهته بما یفوت الغرض الأموی ویکشف أکاذیبه. 

7 _ أن یکون متمتعاً بحصانة قانونیة أو اجتماعیة تحد من قدرة الأمویین علی الإضرار به والقضاء علیه وإسکات صوت الثورة.

ولم یکن هناک شخص یحمل هذه الصفات مجتمعة إلا مخدرات الرسالة وبنات الوحی، اللائی کنَّ إلی جنب أبی عبد الله علیه السلام حیاً وشهیداً. 

ص: 170

1 _ الدور الإعلامی

للإعلام دور بارز فی جمیع الحرکات السیاسیة والاجتماعیة، فکم من فکرة صحیحة لم یکتب لها الانتشار بسبب فقدها للغطاء الإعلامی المناسب وکم من فکرة استهوت الأمم وتناعقت بها الأصوات وهی لا تتمتع بأی مصداقیة، وکم من شخصیة فی منتهی النذالة والسقوط الأخلاقی رفعها الاعلام إلی درجة العظماء. فللإعلام دور لایمکن إغفاله فی جمیع المجالات. 

والحرکة الثوریة لابد أن یکون لها جانب إعلامی تعلن من خلاله أهدافها وأسباب اندلاعها.

والثورة التی لا یکتب لها النجاح سوف تشوه من قبل أعدائها تشویهاً کبیراً فلابد من التغطیة الإعلامیة فی مواجهة هذا التشویه والوقوف امام محاولات الاعداء الرامیة للطعن فی الثورة وتشویه صور قادتها وملء اذهان الامة بفضائل أعداء الثورة.

 والشخصیة التی تحملت أعباء الجهاد الاعلامی بعد شهادة ابی عبد الله علیه السلام فخر المخدرات العقیلة زینب صلوات الله علیها، وقبل الحدیث عن نشاطها الاعلامی یحسن بنا ان نمر بالاعلام الاموی فی مواجهة الثورة الحسینیة.

2 _ الاعلام الاموی فی مواجهة الثورة

لیبرر الامویون مواقفهم إزاء الثورة الحسینیة علیهم ابراز مبررات یذکرونها للرأی العام لاقناعه بصحة موقفهم وخطأ موقف الثائرین، واول مصداق لهذا

ص: 171

الکلام نجده فی کتاب یزید لوالیه علی المدینة الولید بن عتبة:

(فان معاویة کان عبداً من عباد الله أکرمه واستخلفه ومکن له، ثم قبضه إلی روحه وریحانه ورحمته وثوابه، عاش بقدر ومات بأجل وقد کان عهد الیّ وأوصانی أن أحذر من آل أبی تراب وجرأتهم علی سفک الدماء، وقد علمت یا ولید ان الله منتقم للمظلوم عثمان بن عفان من آل أبی تراب بآل أبی سفیان؛ لأنهم انصار الحق وطلاب العدل فاذا ورد علیک کتابی هذا فخذ البیعة لی علی جمیع أهل المدینة)(1).

فنری فی هذا الکتاب الذی بعثه یزید للولید بن عتبة ان یزید یحاول رفع التردد المحتمل عند الولید عن طریق اثارة عواطفه القبلیة باتهام آل أبی تراب علیهم السلام بقتل عثمان، وانهم اناس مفسدون فی الأرض سفکة للدماء، وهذا الاسلوب الاعلامی المتدنی فرع اسلوب معاویة فی أهل الشام الذین کانوا لا یرون امیر المؤمنین علیه السلام الا انساناً منحرفاً عن جادة الصواب وأن الحق لیس الا مع معاویة، فمعاویة حاول من قبل تحقیق هذه المعانی باتهام امیر المؤمنین علیه السلام بقتل عثمان وایواء قتلته ثم اصدار اوامره بسب امیر المؤمنین علیه السلام علی المنابر لیرکز فی نفوس الناس البغض لامیر المؤمنین علیه السلام عن طریق النشاط الاعلامی المرکز. 

وجاء فی کتاب آخر من یزید لعبید الله بن زیاد: 


1- مقتل الخوارزمی ج 1 ف 9 ص 262، مقتل المقرم ص 128، وقد اوردها الطبری وابن الأثیر بغیر هذا النص.

ص: 172

 (... وقد أخبرنی شیعتی من أهل الکوفة ان مسلم بن عقیل بالکوفة، یجمع الجموع، ویشق عصا المسلمین، وقد اجتمع إلیه خلق کثیر من شیعة أبی تراب)(1)

وهنا یرکز یزید علی مسألة شق الصف والعبث بوحدة المسلمین کغطاء إعلامی لتبریر القضاء علی مسلم بن عقیل رضوان الله علیه وحرکته الثوریة بینما نجد فی کتابه إلی الولید أنه ذکر معاویة بالمدیح العریض مع أنه قد شق عصا المسلمین وهو رأس الفرقة التی وصفها الرسول بالبغی(2) فمن هنا یتضح المنهج الاعلامی الاموی فی التلاعب بالمفاهیم لتبریر الجرائم. 

ومن مظاهر الخطاب الإعلامی الاموی الخطاب الذی ألقاه عبید الله بن زیاد فی أهل الکوفة یأمرهم فیه بالخروج لقتال الحسین علیه السلام حیث قال:

)أیها الناس انکم قد بلوتم آل ابی سفیان فوجدتموهم علی ما تحبون وهذا امیر المؤمنین یزید، قد عرفتموه حسن السیرة، محمود الطریقة میمون النقیبة، محسناً إلی الرعیة، متعاهداً للثغور، یعطی العطاء فی حقه، حتی قد امنت السبل علی عهده واطفئت الفتن بجهده وکما کان معاویة فی عصره، کذلک ابنه یزید فی أثره، یکرم العباد ویغنیهم بالاموال، ویزیدهم بالکرامة، وقد زاد فی أرزاقکم مائة مائة وأمرنی


1- الارشاد ص42، روضة الواعظین ص174، مقتل ابی مخنف ص23، البحار ج44ص337، العوالم ص186، لواعج الأشجان ص39، حیاة الإمام الحسین ج2ص354، تاریخ الطبری ج4ص265، مقتل الخوارزمی ج1ف10.
2- ورد متواترا فی کتب الفریقین ان النبی صلی الله علیه وآله قال: ویح عمار تقتله الفئة الباغیة یدعوهم الی الجنة ویدعونه الی النار. وقد نال عمار وسام الشهادة فی معرکة صفین وهو الی جنب أمیر المؤمنین علیه السلام.

ص: 173

ان اوفر علیکم، وآمرکم أن تخرجوا إلی حرب عدوه الحسین بن علی، فاسمعوا له وأطیعوا)(1).

وهذا الخطاب انما هو خطاب إعلامی بحت وإلا فإن أهل الکوفة هم الذین کتبوا للإمام الحسین علیه السلام فی ذم معاویة ویزید وأن معاویة کان یقتل الأخیار من الناس ویستبقی الأشرار وکان قد اتخذ مال الله دولة واکل مال العباد ظلماً وعدواناً. 

والی هذه الحقیقة یشیر الشیخ محمد مهدی شمس الدین بقوله: 

(لقد غلب أهل العراق فی صراعهم مع أهل الشام ... وضاع منهم دخل الأراضی التی استولوا علیها، وصار علیهم أن یقبلوا بأجور هی فتات موائد أسیادهم، وکانوا مغلوبین علی امرهم، تغلبهم علیه تلک الصدقات التی هم محتاجون إلیها، والتی فی ید الامویین تخفیفها او إلغاؤها، فلا عجب فی ان یروا فی حکم أهل الشام نیراً ثقیلاً وان یتأهبوا لدفعه متی سنحت الفرصة المواتیة لهم بذلک ...)(2).

وهذه الحقیقة یقررها المرحوم الشیخ محمد مهدی شمس الدین حیث یقول: 

(وکان معاویة حریصاً علی أن یولی علی العراق _ موطن الولاء لآل البیت _ اشخاصاً من أعداء آل البیت. لیضمن تنفیذ سیاسة الارهاب والاذلال والتجویع فی


1- البحار ج44ص385، العوالم ص226، مقتل الخوارزمی ج 2 ص 59.
2- ثورة الحسین علیه السلام ص 82 عن الدولة الرسمیة وسقوطها ص 512.

ص: 174

العراق بسهولة. ولیستطیع ان یمنع العراقیین امتیازات یعلم ان ولاته _ بسب من حقدهم _ لاینفذونها فیفوز بحسن السمعة، دون أن یتخلی عن مبادئه)(1).

فهذه هی سیاسة معاویة فی أهل العراق وتبعه ابنه یزید علیها، ثم یأتی ابن زیاد یتبجح بحسن سیرة معاویة، ویدعی ان أهل الکوفة لما رأوه من حسن سیاسة معاویة وحسن سیاسة ولده یزید علیهم ان یقاتلوا عدوه. 

ومصداق آخر للاسلوب الإعلامی المضلل خطاب عبید الله بن زیاد فی مسجد الکوفة بعد وصول الرؤوس الطاهرة وسبایا العائلة الشریفة: (... الحمد لله الذی أظهر الحق وأهله، ونصر أمیر المؤمنین وأشیاعه وقتل الکذاب بن الکذاب...((2).

وقد کرس الإعلام الاموی کل طاقته لتفریغ الثورة الحسینیة من محتواها الحقیقی، وإبدائها للناس بصورة مذمومة مشوهة فحملوا ذراری الرسول صلی الله علیه وآله ورؤوس الشهداء علی أنهم من الخوارج الذین لا یتمتعون بوضع اجتماعی مقبول فی اوساط المجتمع الاسلامی، وفی کل مدینة تمر علیها اساری آل الله یسبق الرکب الاعلام الاموی باظهار الفرح والسرور لورود الخوارج الذین هزمتهم عساکر الامویین، وکان هذا النشاط یؤتی ثماره فی صالح بنی امیة، وابرز تلک المظاهر کانت فی بلاد الشام حیث تعجب سهل الساعدی وهو ممن رأی رسول الله صلی الله علیه وآله من مظاهر الفرح والسرور ولم یکن قد علم بعد


1- ثورة الحسین علیه السلام ص 80.
2- مقتل الخوارزمی ج 2 ص 69. والملهوف ص 211.

ص: 175

بشهادة الحسین علیه السلام ولما سأل أخبروه بمقتل الحسین صلوات الله علیه.

وکان الاعلام الاموی قد انطلی علی عامة أهل الشام حتی ان احد الشیوخ جاء للإمام السجاد علیه السلام متشفیاً بوصفه من الخوارج فقال له:

(الحمد لله الذی قتلکم وأهلککم، وأراح العباد من رجالکم وأمکن امیر المؤمنین منکم)

فأجابه الامام السجاد علیه السلام:

(یا شیخ هل قرأت القرآن؟ 

قال: نعم. قال:

هل قرأت هذه الآیة {قُلْ لا أَسْأَلُکُمْ عَلَیْهِ أَجْرًا إِلاّ الْمَوَدَّةَ فِی الْقُرْبَی}. 

قال الشیخ: قرأتها. قال:

فنحن القربی یا شیخ، وهل قرأت هذه الآیة {إِنَّمَا یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَیُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیرًا}.

قال: نعم. قال:

فنحن أهل البیت الذین خصصنا بآیة الطهارة.

 فبقی الشیخ ساکتاً ساعة، نادماً علی ما تفوه به ثم رفع رأسه إلی السماء، فقال: اللهم انی اتوب الیک من بغض هؤلاء، وإنی ابرأ الیک من عدو آل محمد من الجن والانس). 

ص: 176

ومثل هذا الدور الاعلامی الذی ادی إلی تضلیل الناس نجد له مثالاً آخر فی طلب أحد الشامیین من یزید أن یهبه احدی بنات الامام الحسین علیه السلام ظناً منه انها من سبایا الکفار(1).

فالنشاط الإعلامی الأموی یهدف بصورة جادة إلی إبداء اهل البیت علیهم السلام کأناس عتاة ظلمة خارجین علی الحق، وشاقین لعصا الجماعة.

فکان لابد من موقف إعلامی مقابل یفضح الطغیان الاموی ویحقق اهداف الثورة الحسینیة ویحافظ علیها من عبث العابثین وهذا الموقف الإعلامی نهض به الإمام السجاد والسیدة زینب صلوات الله علیهما وکان لهما أبلغ الاثر فی کشف الغطاء عن عیون الامة وفضح اباطیل الإعلام الاموی فی الشام بعد أن کان لهم عین هذا الدور فی الکوفة، مع ملاحظة ان الکوفة لم ترو فیها عن السجاد وزینب علیهما السلام خطب بالشدة التی القیت فیها خطبهما فی الشام وان رویت لها مواقف فی وجه ابن زیاد، وذلک للفارق بین الکوفة ودمشق، إذ إن أهل الکوفة یعلمون ان الجریمة التی ارتکبت کانت فی حق أهل البیت علیهم السلام حیث لما دخلت قافلة السبایا إلی الکوفة استقبلها الرجال والنساء بالبکاء والعویل.

اما فی الشام فالأمر مختلف تماماً حیث کان الجو العام هو حالة الفرح والسرور بقتل الامام الحسین علیه السلام بوصفه خارجاً علی السلطة الشرعیة. 

ویحدث التاریخ عن مواقف متعددة صلبة للإمام السجاد والسیدة زینب


1- مقتل الخوارزمی ج 2 ص 76، مقتل المقرم ص 352.

ص: 177

علیهما السلام فی وجه یزید فی مجلسه العام الذی ضم أصنافاً متنوعة من الناس، ولکن الذی یعنینا فی هذا البحث هو الموقف الاعلامی المقابل للإعلام الاموی الذی قام به الامام السجاد والسیدة زینب علیهما السلام فی المجلس العام الذی عقده یزید لاعلان الفرح والسرور وابلاغ الامة رسمیاً بالقضاء علی الثورة الحسینیة حیث دعا بالمنبر فنصب ودعا بخطیب من وعاظ السلاطین لیقوم بما یملیه علیه واجب الطاعة لیزید من مدیح آل أمیة والتعریض بأهل البیت علیهم السلام. 

(ان یزید امر بمنبر وخطیب، لیذکر الناس مساوئ الحسین وأبیه علی علیهما السلام فصعد الخطیب المنبر فحمد الله واثنی علیه، وأکثر الوقیعة فی علی والحسین، وأطنب فی تقریظ معاویة ویزید)(1)

وهنا استغل الإمام السجاد علیه السلام الفرصة وندد بالرجل لانه اشتری رضا المخلوق بسخط الخالق، ثم طلب من یزید أن یأذن له ان یصعد المنبر ویلقی خطاباً فیه لله رضا وللإمة صلاح، فأبی یزید لما یعرفه من قدرة بنی هاشم البیانیة، الا ان الحضور أدهشهم الموقف فلم یکونوا قد رأوا من قبل أسیراً یطلب ذلک، فألحّوا علی یزید حتی اجابهم وهنا تظهر عبقریة الائمة علیهم السلام فی خطابهم السیاسی فی فضح الظلمة وکشف الحقائق، فتکلم الامام السجاد علیه السلام وأبکی العیون التی کانت بالامس تظهر السرور بقتل الحسین علیه السلام وآله، وکان خطابه علیه السلام ینصب علی الاشادة بأمیر المؤمنین علیه السلام وفضائل


1- البحار ج45ص137، العوالم ص438، الفتوح ج5ص247، مقتل الخوارزمی ج2ص69.

ص: 178

أهل البیت صلوات الله علیهم وبیان مقاماتهم وکمالاتهم(1).


1- جاء فی بحار الأنوارج 45 ص 137: وقال صاحب المناقب وغیره: روی أن یزید لعنه الله أمر بمنبر وخطیب لیخبر الناس بمساوی الحسین وعلی علیهما السلام وما فعلا، فصعد الخطیب المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثم أکثر الوقیعة فی علی والحسین، وأطنب فی تقریظ معاویة ویزید لعنهما الله فذکر هما بکل جمیل، قال: فصاح به علی بن الحسین: ویلک أیها الخاطب اشتریت مرضاة المخلوق بسخط الخالق، فتبوّا أمقعدک من النار ثم قال علی بن الحسین علیه السلام: یا یزید ائذن لی حتی أصعد هذه الاعواد فأتکلم بکلمات لله فیهن رضا، ولهؤلاء الجلساء فیهن أجر وثواب، قال: فأبی یزید علیه ذلک فقال الناس: یا أمیر المؤمنین ائذن له فلیصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شیئا فقال: إنه إن صعد لم ینزل إلا بفضیحتی وبفضیحة آل أبی سفیان فقیل له: یا أمیر المؤمنین وما قدر ما یحسن هذا؟ فقال: إنه من أهل بیت قد زقوا العلم زقا قال: فلم یزالوا به حتی أذن له فصعد المنبر فحمد الله وأثنی علیه ثم خطب خطبة أبکی منها العیون، وأوجل منها القلوب، ثم قال: أیها الناس اعطینا ستا وفضلنا بسبع: اعطینا العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبة فی قلوب المؤمنین، وفضلنا بأن منا النبی المختار محمدا، ومنا الصدیق، ومنا الطیار، ومنا أسد الله وأسد رسوله، ومنا سبطا هذه الامة، من عرفنی فقد عرفنی ومن لم یعرفنی أنبأته بحسبی ونسبی أیها الناس أنا ابن مکة ومنی، أنا ابن زمزم والصفا، أنا ابن من حمل الرکن بأطراف الردا، أنا ابن خیر من ائتزر وارتدی، أنا ابن خیر من انتعل واحتفی، أنا ابن خیر من طاف وسعی، أنا ابن خیر من حج ولبی، أنا ابن من حمل علی البراق فی الهوا، أنا ابن من اسری به من المسجد الحرام إلی المسجد الاقصی، أنا ابن من بلغ به جبرئیل إلی سدرة المنتهی، أنا ابن من دنا فتدلی فکان قاب قوسین أو أدنی، أنا ابن من صلی بملائکة السماء، أنا ابن من أوحی إلیه الجلیل ما أوحی، أنا ابن محمد المصطفی، أنا ابن علی المرتضی، أنا ابن من ضرب خراطیم الخلق حتی قالوا: لاإله إلا الله أنا ابن من ضرب بین یدی رسول الله بسیفین، وطعن برمحین، وهاجر الهجرتین، وبایع البیعتین، وقاتل ببدر وحنین، ولم یکفر بالله طرفة عین، أنا ابن صالح المؤمنین، ووارث النبیین، وقامع الملحدین، ویعسوب المسلمین، ونور المجاهدین وزین العابدین، وتاج البکائین، وأصبر الصابرین، وأفضل القائمین من آل یاسین رسول رب العالمین، أنا ابن المؤید بجبرئیل، المنصور بمیکائیل، أنا ابن المحامی عن حرم المسلمین، وقاتل المارقین والناکثین والقاسطین، والمجاهد أعداءه الناصبین وأفخر من مشی من قریش أجمعین، وأول من أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنین، وأول السابقین، وقاصم المعتدین، ومبید المشرکین، وسهم من مرامی الله علی المنافقین، ولسان حکمة العابدین، وناصردین الله، وولی أمر الله، وبستان حکمة الله، وعیبة علمه سمح، سخی، بهی، بهلول، زکی، أبطحی، رضی، مقدام، همام صابر، صوام، مهذب، قوام، قاطع الاصلاب، ومفرق الاحزاب، أربطهم عنانا، وأثبتهم جنانا، وأمضاهم عزیمة، وأشدهم شکیمة، أسد باسل، یطحنهم فی الحروب إذا ازدلفت الاسنة، وقربت الاعنة، طحن الرحا ویذروهم فیها ذرو الریح الهشیم، لیث الحجاز، وکبش العراق، مکی مدنی خیفی عقبی بدری احدی شجری مهاجری، من العرب سیدها، ومن الوغی لیثها، وارث المشعرین وأبو السبطین: الحسن والحسین، ذاک جدی علی بن أبیطالب ثم قال: أنا ابن فاطمة الزهراء، أنا ابن سیدة النساء، فلم یزل یقول: أنا أنا، حتی ضج الناس بالبکاء والنحیب، وخشی یزید لعنه الله أن یکون فتنة فأمر المؤذن فقطع علیه الکلام فلما قال المؤذن الله أکبر الله أکبر قال علی: لا شیء أکبر من الله، فلما قال: أشهد أن لاإله إلا الله، قال علی بن الحسین: شهد بها شعری وبشری ولحمی ودمی، فلما قال المؤذن أشهد أن محمدا رسول الله التفت من فوق المنبر إلی یزید فقال: محمد هذا جدی أم جدک یا یزید؟ فان زعمت أنه جدک فقد کذبت وکفرت، وإن زعمت أنه جدی فلم قتلت عترته؟ قال: وفرغ المؤذن من الاذان والاقامة وتقدم یزید فصلی صلاة الظهر قال: وروی أنه کان فی مجلس یزید هذا حبر من أحبار الیهود فقال: من هذا الغلام یا أمیر المؤمنین؟ قال: هو علی بن الحسین، قال: فمن الحسین؟ قال: ابن علی بن أبی طالب، قال: فمن امه؟ قال: امه فاطمة بنت محمد، فقال الحبر: یا سبحان الله! فهذا ابن بنت نبیکم قتلتموه فی هذه السرعة؟ بئسما خلفتموه فی ذریته والله لو ترک فینا موسی بن عمران سبطا من صلبه لظننا أنا کنا نعبده من دون ربنا وأنتم إنما فارقکم نبیکم بالامس، فوثبتم علی ابنه فقتلتموه؟ سوأة لکم من امة. وانظر کذلک الاحتجاج ج2ص39، مناقب آل ابی طالب ج3ص305، البحار ج45ص161، 174، العوالم ص407، 409، 438، لواعج الأشجان ص233، معالم المدرستین ح3ص165، حقوق آل البیت ص86، نور العین فی مشهد الحسین ص69.

ص: 179

ه_ _ تحقیق الثورة الحسینیة لأهدافها

للثورة الحسینیة أهداف عظیمة صرح بها قائد الثورة فی کتبه وخطاباته، وتتمثل فی:

1_ اصلاح اوضاع الامة. 

2 _ الامر بالمعروف والنهی عن المنکر. 

ص: 180

3 _ الحکم بکتاب الله وسنة رسوله. 

4_ التأکید علی حق أهل البیت علیهم السلام فی الحکم، وتأکید منهج النص علی الإمام، وان الخلافة السیاسیة شأن من شؤون الامامة. 

وهناک هدف أعمق وان کان مستبطناً ضمن الاهداف المعلنة وهو إفشال المخطط الاموی الرامی إلی مسخ حتی المظاهر العامة للإسلام حیث کان تنصیب یزید یعنی رسم منهجیة الحکم الوراثی والسکوت عنها یعنی منحها الشرعیة هذا من جهة، ومن جهة اخری فان یزید کان متجاهراً بالفسق وشرب الخمر ولو تم له ما اراد ولم ینکر علیه لأصبح ما تبقی من مظاهر الاسلام عرضة للمسخ التام ولازدادت شوکة الامویین قوة حیث کان یزید الخطوة المکملة للمنهج الأموی الساعی للقضاء علی الإسلام والذی کشفت عنه تصریحات ابی سفیان فی مجلس عثمان لما قال: تداولوها یا بنی امیة(1) وما رواه المغیرة بن شعبة عن معاویة(2)، الا


1- البحار ج31ص198، ج33ص208، ج44ص78، مناقب الشیروانی ص465، شرح نهج البلاغة ج2ص45، ج15ص175.
2- بحار الأنوار ج 33 ص 169 ح443 (من کتاب الموفقیات للزبیر بن بکار الزبیری عن رجاله قال: قال مطرف بن المغیرة بن شعبة: وفدت مع أبی المغیرة علی معاویة وکان أبی یأتیه فیتحدث معه ثم ینصرف إلی فیذکر معاویة ویذکر عقله ویعجب بما یری منه إذ جاء ذات لیلة فأمسک عن العشاء ورأیته مغتما فانتظرته ساعة وظننت أنه لشیء حدث فینا وفی عملنا فقلت: ما لی أراک مغتما منذ اللیلة فقال: یا بنی جئت من عند أخبث الناس قلت: وما ذاک؟ قال: قلت له وخلوت به إنک قد بلغت سنا فلو أظهرت عدلا وبسطت خیرا فإنک قد کبرت ولو نظرت إلی إخوتک من بنی هاشم فوصلت أرحامهم فو الله ما عندهم الیوم شیء تخافه. فقال: هیهات هیهات ملک أخو تیم فعدل وفعل ما فعل فو الله ما عدا أن هلک فهلک ذکره إلا أن یقول قائل: أبو بکر. ثم ملک أخو بنی عدی فاجتهد وشمر عشر سنین فو الله ما عدا أن هلک فهلک ذکره إلا أن یقول قائل: عمر ثم ملک عثمان فهلک رجل لم یکن أحد فی مثل نسبه وفعل ما فعل وعمل به ما عمل فو الله ما عدا أن هلک فهلک ذکره وذکر ما فعل به، وإن أخا بنی هاشم یصاح به فی کل یوم خمس مرات "أشهد أن محمدا رسول الله" فأی عمل یبقی بعد هذا لا أم لک لا والله إلا دفنا دفنا.) وکذلک انظر کشف الغمة ج2ص46، النصائح الکافیة ص124، حیاة الإمام الحسین ج1ص382، ابو طالب حامی الرسول ص164، الغدیر ج10ص284، معالم المدرستین ج2ص307، احادیث ام المؤمنین ج1 ص382، ویزید علی ذلک ما ترنم به یزید من ابیات ابن الزبعری: لعبت هاشم بالملک فلا          خبر جاء ولا وحی نزل

ص: 181

ان إعلان الامام الحسین علیه السلام للثورة وخذلان الامة له بکل فصائلها وکل وجوداتها الاجتماعیة والسیاسیة والعسکریة حیث لم یستجب لندائه احد من أهل المدینة او مکة او الحاج الذین حضروا الموسم من مختلف بقاع الدولة المترامیة الاطراف، مع ما فی یزید وبنی امیة من مساوئ ادی إلی تنامی امور مهمة فی الاوساط المختلفة من المجتمع:

فالاوساط السیاسیة اصبحت تطمح للثورة وتحقیق مآربها فی نیل الحکم کآل الزبیر، ذلک لان ثورة الامام الحسین علیه السلام وفرت للمعارضة السیاسیة غطاء الشرعیة فی الثورة علی حکام الجور بعد أن کان الاعلام الاموی قد وظف علماء البلاط للافتاء بحرمة الخروج علی الحاکم وإن کان ظالماً وهو ما نراه حیاً فی مواقف عبد الله بن عمر تجاه جمیع الحرکات الثوریة.

والاوساط الاجتماعیة لم تعد تتحمل الانحراف الاخلاقی العلنی الذی یتجاهر به یزید مما دفع إلی اندلاع ثورة المدینة. 

وولدت ثورة الامام الحسین علیه السلام حالة من فقدان الثقة بین أجهزة السلطة الحاکمة والجماهیر مما اضطر السلطات الامویة بعد شهادة الإمام الحسین

ص: 182

علیه السلام لنشر القوی الشامیة فی مختلف امصار البلاد لقمع الثورات، بعد ان أصبح تحشید ابناء الامصار لمقاتلة بعضهم البعض امراً غیر قابل للتحقیق وهذا یعنی انعدام الثقة بین الدولة المرکزیة والولایات، ونتج عنه الاعتماد التام علی القوات الشامیة، وهذا ما نراه بوضوح فی قمع ثورة زید الشهید حیث ان القوات الشامیة هی التی کانت تقاتل الثائرین وکذلک ما حصل بعد ذلک فی ثورة الضحاک وثورة المدینة وثورة ابن الزبیر وابن الاشعث والعباسیین، وقد أسهم ذلک فی تقویض الدولة الامویة وسقوطها، مع أنها لو کانت قد بقیت علی النحو الذی ترکها علیه معاویة لما امکن لها السقوط بهذه السرعة.

وقد رسمت الثورة الحسینیة علی مر الاجیال المنهج الثوری للأمة وأن اختلفت الثورات فی علاقتها الایجابیة والسلبیة بأهل البیت علیهم السلام، ولذا نری ان الاهداف التی أعلنها الامام الحسین علیه السلام کانت تعلنها جمیع الحرکات الثوریة المصطبغة بصبغة التشیع وان کانت منحرفة واقعاً عن اهل البیت علیهم السلام کثورات الزیدیة والاسماعیلیة وکذلک تعلنها الثورات غیر المصطبغة بصبغة التشیع عدا الهدف الرابع منها طبعا. حیث تستعیض عنه بمبدأ الشوری فی قبال المنهج الاموی والعباسی فی التوریث. 

وهذا یکشف لنا أن الاهداف العامة لثورة الامام الحسین علیه السلام قد تحققت، ولولا تحریف وتسلط المبطلین واعلان شیء والعمل بغیره وتقدیم دنیا الثائرین علی دینهم لکانت اهداف الامام الحسین علیه السلام وحرکته الثوریة قد طبقت علی ارض الواقع. 

ص: 183

ثانیاً_ دعم الثورات المؤیدة لأهل البیت علیهم السلام

اشارة

فی التاریخ السیاسی الشیعی هناک ثورات ثلاث یمکن ان تدرس کنموذج للثورات الشیعیة المرتبطة بأهل البیت علیهم السلام لمعرفة موقفهم تجاه العمل المسلح الذی یقوم به الشیعة مع عدم تصدی الأئمة علیهم السلام لقیادة هذه الثورات، وهذه الثورات هی:

 1 _ ثورة المختار بن ابی عبید الثقفی رضوان الله علیه.

 2 _ ثورة زید الشهید رضوان الله علیه.

 3 _ ثورة الحسین الخیر صاحب فخ رضوان الله علیه.

 وهناک ثورات اخری زخر بها التاریخ الشیعی الا انا اعرضنا عن البحث عنها رعایة للاختصار کثورة النفس الزکیة واخیه ابراهیم رضوان الله علیهماوثورة ابی السرایا وغیرها. 

ص: 184

1 _ ثورة المختار الثقفی رضوان الله علیه

أ _ الظروف الموضوعیة للثورة

عاش الشیعة بعد شهادة الإمام الحسین علیه السلام حالةلم یشهدها التاریخ الشیعی قبل ذلک بسب الظروف غیر الطبیعیة التی أفرزتها شهادة الإمام الحسین علیه السلام حیث ازداد تعقب السلطات الحاکمة للشیعة وضیق علیهم وتمت تصفیة الکثیر من شخصیاتهم وکان عدد لیس بالقلیل من الشیعة تضمه زنزانات السجون الأمویة، ولکن آثار الثورة الحسینیة کانت قد آتت اکلها حیث أصحبت الثورة فی اوساط الخاضعین لحکم السلطان والمرتبطین به بالبیعة امراً مقبولاً بعد ان لم یکن اولئک یرتضون هذا النحو من الثورات، فاندلعت ثورة المدینة بعد ان عاد مبعوثوها من الشام والذین کانوا بالأمس یرفضون الوقوف إلی جنب ابی عبد الله علیه السلام واعلنوا ان یزید لا یصلح لأن یکون خلیفة للمسلمین فخلعوه عن الخلافة وتزعم ثورتهم عبد الله بن حنظلة وفی الوقت نفسه اعلن ابن الزبیر ثورته فی مکة، فأرسل یزید قوة عسکریة للقضاء علی الثائرین.وتمکنت قوات الشام من القضاء علی ثورة المدینة وجاءهم نبأ هلاک یزید قبل القضاء علی قوات ابن الزبیر فعادوا ادراجهم إلی الشام(1).

وکان یزید عهد إلی ولده معاویة الثانی الذی رفض التصدی لأمور الحکم


1- حول واقعة الحرة راجع العمدة ص319، البحار ج28ص327، ج33ص212، ج15ص178، شرح نهج البلاغة ج2ص53، ج3ص259، ج7ص176، ج15ص178، 237، ج20ص133، تاریخ الطبری ج4ص380، البدایة والنهایة ج8ص245، الإمامة والسیاسة ج2ص5، النصائح الکافیة ص263.

ص: 185

مما اوقع ارباکاً داخل العائلة الأمویة بعد موت یزید، حیث لم یکن یتوقع من معاویة ذلک فدس إلیه السم لیقضی علیه بعد اربعین یوما من موت ابیه، وکان النزاع علی السلطة شدیداً بین خالد بن یزید ومروان بن الحکم وفی النهایة قررت العائلة الأمویة عقد البیعة لمروان.

کان موت یزید وعدم تصدی معاویة الثانی لإدارة امور الحکم والانشقاق داخل العائلة الأمویة باعثاً علی ضعف الدولة المرکزیة بشکل کبیر مما دفع الناقمین علی الدولة الأمویة لأعلان الثورة، ودعی لابن الزبیر فی مکة والمدینة وبایعه اهلها، وکان دعاته فی الکوفة والبصرة یعملون ما وسعهم لتثبیت حکمه، وفی البصرة دعا عبید الله بن زیاد بعد وفاة معاویة الثانی واختلال الأوضاع الناس لاتباعه وان اقتضی الأمر لعقد الخلافة له، فأظهر له زعماء البصرة القبول ثم قرروا القضاء علیه فلما أحس بذلک هرب إلی الشام، لتکون البصرة والکوفة بعد ذلک خالیة عن سلطان ولاة بنی امیة حیث کان عبید الله والیاً علیهما معاً، وبفراره تمکّن دعاة ابن الزبیر من إحکام قبضتهم علی البصرة والکوفة لیکون العراق داخلاً فی بیعة ابن الزبیر.

وفی هذه الحقبة کان المختار رضوان الله علیه فی مکة بعد أن اطلق سراحه بوساطة من عبد الله بن عمر وکان یرقب عن کثب التحرک الزبیری وقرر ان یقوم بضم القواعد الثوریة الشیعیة المخالفة لبنی امیة والتابعة له إلی القواعد التابعة لابن الزبیر للتخلص من نیر الدولة الأمویة بعد ان أخذ علی ابن الزبیر من العهود

ص: 186

والمواثیق ما یضمن به حفظ الوجود السیاسی الشیعی علی ان تکون له وزارة ابن الزبیر بحیث لا یقطع الأخیر امراً دونه، فأجابه عبد الله إلی ما اراد، ولکن بعد ان تمکن الأخیر من بسط نفوذه علی العراق قلب للمختار ظهر المجن ولم یفِ له بالشروط المتفق علیها بین الطرفین، فترک المختار مکة إلی المدینة حیث اعتقل هناک من قبل السلطة المحلیة ثم اطلق سراحه، وفی وقت وجوده فی المدینة وان لم تکن هناک ادلة واضحة علی انه قد اتصل بالإمام السجاد علیه السلام او بمحمد ابن الحنفیة رضوان الله علیه الا ان مجریات الأحداث بعد ذلک خاصة بعد إعلانه للثورة وعدم اتخاذ الإمام السجاد علیه السلام ای موقف معاد له وعدم نهیه للشیعة عن التعامل مع المختار، والتعاطف مع ثورته، فکل هذه المواقف تشکل مؤیدات یمکن ان یستفاد منها وجود التنسیق المسبق بین الإمام السجاد علیه السلام والمختار رضوان الله علیه الا ان الإمام علیه السلام وبسبب معرفته بما ستؤول الیه الأمور لم یتصد لدعم الثورة علناً.

وفی هذه المرحلة عزل عبد الله بن الزبیر عاملیه علی الکوفة ونصب بدلاً عنهما عبد الله بن مطیع العدوی الذی خطب الناس فی مسجد الکوفة وأخبرهم ان ابن الزبیر أمره ان یسیر فیهم بسیرة عمر وعثمان بن عفان وان لا ینقل فیئهم من أرضهم بغیر رضا منهم، وکان لهذه التوصیة أثرها المهم فی الشخصیات الکوفیة حیث ان سیرة عمر وعثمان تعنی التمییز الطبقی واختصاص الزعماء القبلیین بالکثیرمن الامتیازات التی کانت لهم إضافة إلی ان عدم نقل الفیء یعنی تمتعهم بحالة من الرخاء الاقتصادی الذی فقدوه ایام السلطة الأمویة، ولکن بدلاً من أن

ص: 187

یتلقی عرضه بالقبول نهض الیه رجل من شخصیات الکوفیین وطالبه ان یسیر بهم بسیرة أمیر المؤمنین علیه السلام وکان عبد الله یعلم ان التعامل الخشن مع اهل الکوفة یعنی تعمیق الهوة بینه وبین اهلها خاصة وان الامویین قد بایعوا مروان وهو لن یتوانی فی الزحف للسیطرة علی البلاد التی خرجت عن السلطة الأمویة، فأجابه بأنه سیسیر فیهم بالسیرة التی ترضیهم(1).

وکانت الکوفة بعد هلاک یزید قد أعلنت ثورتها وکسر السجن الکبیر واطلق سراح المعتقلین الذین کان من بینهم جملة من الشخصیات الکوفیة المهمة والتی کان من أبرزها سلیمان بن صرد الخزاعی رحمه الله- وهو ممن عاصر رسول الله صلی الله علیه وآله- وقرر الثأر للإمام الحسین علیه السلام وکان یری ان خوض الثورة فی الکوفة سیکلفه الکثیر فالشخصیات الکوفیة التی شارکت فی قتال الإمام الحسین علیه السلام تحتل موقع الصدارة فی دولة آل الزبیر واعلان الثورة ضدهم فی الکوفة سوف لن یثمر شیئاً لذا قرر التوجه لقتال اهل الشام وکان مروان ارسل قوات من الشام للسیطرة علی العراق فوقعت مصادمات عسکریة بین قوات التوابین وقوات الأمویین انتهت باستشهاد التوابین(2).


1- انظر ذوب النضار ص58، اللهوف ص123، مقتل ابی مخنف ص272، البحار ج45 ص332 ومابعدها باب احوال المختار، ج46ص22، اصدق الأخبار ص32، تاریخ الطبری ج4ص486، البدایة والنهایة ج8 ص289.
2- ذوب النضار ص81، مقتل ابی مخنف ص281، البحار ج45ص360، العوالم ص677، اصدق الأخبار ص11، نورالعین فی مشهد الحسین ص95، الطبقات الکبری ج4ص292، تاریخ الیعقوبی ج2ص256، تاریخ الطبری ج4ص455، البدایة والنهایة ج8ص276.

ص: 188

کانت ثورة التوابین وشهادة سلیمان رضوان الله علیه واصحابه وعدم وفاء عبد الله بن مطیع للکوفیین بما وعدهم به، عاملاً مساعداً للتذمر الشعبی وبخاصة مع بقاء حالة التمییز الطبقی التی أعادها بنو امیة إلی النظام الاقتصادی بعد تسلط معاویة علی الحکم وسار علیها ابن الزبیر بعد سیطرته علی الکوفة، وهذه الظروف مجتمعة هیأت المجتمع الکوفی لقبول الثورة ضد آل الزبیر، وکان المختار یدعوللرضا من آل محمد علیهم السلام سراً داعیاً إلی العمل بکتاب الله وسنة نبیه صلی الله علیه وآله وسیرة أمیر المؤمنین علیه السلام والأخذ بثأر الإمام الحسین علیه السلام فأجابه الشیعة والموالی إلی ما دعاهم الیه، وبعد ان تهیأت ظروف الثورة اعلن المختار ثورته واندلعت المعارک بین انصار آل الزبیر وهم عمدة من شارک فی قتال الإمام الحسین علیه السلام وانصار المختار وهم الشیعة والموالی وانتهت المعارک لصالح قوات المختار وتمت له السیطرة علی الکوفة ثم بسط نفوذه علی الموصل ولکن بقیت البصرة تحت سلطة آل الزبیر وکان الوالی علیها مصعب بن الزبیر، وبعد سیطرة المختار التامة علی الکوفة سار فی اهلها بسیرة أمیر المؤمنین علیه السلام وتتبع قتلة الإمام الحسین علیه السلام وقضی علیهم جمیعاً بحیث لم یبق شخص ممن شارک فی المعرکة ممن نالته یده الا قضی علیه.

ب _ طبیعة الثورة

الهدف المعلن للثورة والذی نص علیه عقد البیعة العمل بکتاب الله وسنة رسوله صلی الله علیه وآله والثأر لأهل البیت علیهم السلام: 

ص: 189

(... تبایعون علی کتاب الله وسنة نبیه والطلب بدماء أهل البیت وجهاد المحلین والدفع عن الضعفاء وقتال من قاتلنا وسلم من سالمنا والوفاء ببیعتنا لا نقیلکم ولا نستقیلکم...)(1).

واما قاعدة الثورة ومن تحمل أعباءها فهم الشیعة بالدرجة الأولی وهم الفئة التی ذاقت مرارة الاضطهاد فی عهدی بنی امیة وآل الزبیر.

(... یامعشر الشیعة قد کنتم تقتلون وتقطع أیدیکم وأرجلکم وتسمل أعینکم وترفعون علی جذوع النخل فی حب أهل بیت نبیکم، وانتم مقیمون فی بیوتکم وطاعة عدوکم، فما ظنکم بهؤلاء القوم ان ظهروا علیکم اذاً والله لا یدعون منکم عیناً تطرف ولیقتلنکم صبراً ولترون منهم فی اولادکم وازواجکم واموالکم ما الموت خیر منه...)(2).

والمختار بعد أن أخذ علی نفسه امام الأمة العمل بسیرة أمیر المؤمنین علیه السلام لم ترق ثورته للشخصیات القبلیة حیث انهم فقدوا امتیازاتهم التی تمتعوا بها ایام الأمویین والزبیریین، فی الوقت الذی بدأ الموالی یشترکون فی أمور الدولة المهمة وتساووا فی ذلک مع العرب، وقد ساء الزعماء القبلیین کثیراً سیاسة المختار الإسلامیة الإنسانیة، فما ان علموا بتحرک عبید الله بن زیاد لإعادة بسط النفوذ الأموی علی العراق حتی عَبّأوا انفسهم واعلنوا الثورة ضد المختار مستغلین


1- من خطبة المختار فی عقد البیعة، تاریخ الطبری حوادث سنة 66ه_ ج4ص508، الکامل فی التاریخ ج4ص226.
2- من خطبة لیزید بن انس احد اصحاب المختار فی اهل الکوفة یحثهم علی الجهاد، تاریح الطبری حوادث سنة 66ج4ص503، الکامل فی التاریخ ج4ص221.

ص: 190

خروج ابراهیم بن الأشتر بعدد کبیر من القوات الکوفیة لصد عبید الله بن زیاد، ولکن مسارعة المختار لاحتواء تمرد القبائل العربیة المعادیة للسیاسة العلویة ومسارعة ابراهیم فی العودة لنجدته والقضاء علی التمرد مکن من إعادة الأمن إلی البلاد.

وبعد ثورة القبائل العربیة والتی کان یدیر حرکتها الشخصیات القبلیة التی شارکت فی قتال الإمام الحسین علیه السلام قرر المختار رضوان الله علیه الإسراع فی العمل علی القضاء علی کل من شارک فی مأساة عاشوراء حیث ان هذه الفقرة کانت احدی فقرات البیعة من جهة ومن جهة اخری ان بقاءهم یشکل تهدیداً جدیاً لدولته الفتیة وکانت ثورتهم تلک أبرز مظاهر ذلک الخطر، وتمکن المختار رضوان الله علیه من القضاء علی عدد کبیر منهم بحیث لم ینج منه الا من هرب إلی مصعب بن الزبیر فی البصرة(1).

ان ثورة المختار تعدّ تحولاً فی التاریخ السیاسی الشیعی حیث أقیمت الدولة الشیعیة فی ظل رعایة الإمام السجاد علیه السلام والتی روعی فیها الظرف السیاسی الحرج الذی کان یعیشه أهل البیت علیهم السلام.

کانت دولة المختار تعتمد ثلاث نقاط تعدّ جوهر حرکتها وعنوانها السیاسی الممیز لها؛ فالنقطة الأولی: الدعوة إلی العمل بالکتاب والسنة، والثانیة العمل بسیرة أمیر المؤمنین علیه السلام إذ إن سیرته علیه السلام کسیرة رسول الله صلی الله علیه


1- ذوب النضار ص115، مقتل ابی مخنف ص375، البحار ج45ص373، العوالم ص693، اصدق الأخبار ص61، تاریخ الطبری ج4ص513، البدایة والنهایة ج8ص296.

ص: 191

وآله فی وجوب العمل بها، بل هی عین سنة رسول الله صلی الله علیه وآله، والثالثة: التبعیة الکاملة لأهل البیت علیهم السلام بحیث ان المختار علی الرغم من تولیه الحکم بالکوفة الا انه لم یتسم بالخلافة وکان الکوفیون یتعاملون معه علی هذا الأساس:

 (انا ندعوکم إلی کتاب الله وسنة رسوله والی بیعة الأمیر المختار، والی ان نجعل هذا الأمر شوری فی آل الرسول، فمن زعم من الناس ان احداً ینبغی له ان یتولی علیهم برئنا منه وجاهدناه)(1).

ولکن الظروف المحیطة بدولة المختار کانت تدل علی عدم دوام تلک الدولة؛ لأن أعداءها من آل الزبیر والأمویین جعلوا فی أولویاتهم القضاء علیها وهکذا انتهت هذه الدولة بعد مدة لیست بالطویلة لکنها بینت منهج اهل البیت علیهم السلام السیاسی فی مثل هذه الموارد حیث کشفت عن ان عدول المؤمنین اذا کانوا علی جانب من العلم والتقی بحیث یمکنهم اقامة حکم عادل فإن الأئمة علیهم السلام یرعون مثل هذه الدولة ولا یعارضونها مما یکشف عن شرعیة مثل هذه التحرکات.


1- تاریخ الطبری حوادث سنة 66ج4ص560، الکامل فی التاریخ ج4 ص269 وهو خال من لفظ الأمیر، واغلب الظن ان جعل الخلافة شوری فی آل الرسول مجعولة علی لسان اهل الکوفة حیث لم یعهد فی ذلک التاریخ استعمال مصطلح الشوری بل الدعوة کانت عادة فی اعادة الأمر فی اهل البیت علیهم السلام، واما الشوری فی اهل البیت علیهم السلام فلم تظهر الا بعد ظهور الحرکة الزیدیة).

ص: 192

ج_ _ موقف اهل البیت علیهم السلام من ثورة المختار

اختلفت الروایات عن اهل البیت علیهم السلام فی مدح المختار رضوان الله علیه وذمه وخلاصة البحث یمکن لنا ان نقرأه فی کلمات العلامة المازندرانی والسید ابن طاووس رحمهما الله حیث نقل المازندرانی رحمه الله عن خلاصة العلامة قدس سره (روی الکشی عن حمدویه، عن یعقوب، عن ابن ابی عمیر، عن هشام بن المثنی، عن سدیر، عن ابی جعفر علیه السلام قال: (لا تسبوا المختار فانه قتل قتلتنا وطلب بثارنا وزوج اراملنا وقسم فینا المال علی العسرة)(1).

 ثم عقب العلامة قدس سره بقوله (وهذا الطریق حسن)(2) وعقب المازندرانی رحمه الله علی قول الکشی قدس سره (انه دعا الناس إلی محمد بن علی) بقوله (لا یخفی انه انما دعا الیه فی ظاهر الأمر بعد رد علی بن الحسین علیه السلام کتبه ورسله خوفاً من الشهرة وعلماً بما یؤول الیه امره واستیلاء بنی امیة علی الأمة بعده، واما محمد فاغتنم الفرصة وامره بأخذ الثأر وحث الناس علی متابعته ولذا اظهر المختار للناس ان خروجه بأمره ومال الیه، وربما کان یقول انه المهدی ترویجاً لأمره وترغیباً للناس فی متابعته، واما انه اعتقد امامته دون علی بن الحسین علیهما السلام فلم یثبت)(3).

ولکن کلام العلامة المازندرانی قدس سره لا یخلو من نظر فإن دعوة الناس


1- منتهی المقال ج6ص240رقم 2952وفی النسخة کش اختصاراً للکشی قدس سره.
2- منتهی المقال ج6ص243.
3- منتهی المقال ج6ص243.

ص: 193

إلی امامة من لیس بإمام وادعاء انه المهدی علیه السلام ولیس هو به انما هو من اضلال الناس وسواء کان قائله معتقداً به ام لا فهو امر محرم من شأنه ان یربک الناس کثیراً ویهز عقیدتهم ویمهد لکثرة الکذابین المدعین للمهدویة والحق ان دعوة المختار لإمامة محمد بن الحنفیة رضوان الله علیه لم تثبت فضلاً عن ادعائه مهدویته ولا یبعد بل قد یتعین انه من اقوال اعدائه الذین ارادوا الطعن فیه، واما تصدی محمد رضوان الله علیه لدعوة الشیعة للوقوف إلی جنب المختار رضوان الله علیه فیمکن ان یندرج فی المنهج السیاسی لأهل البیت علیهم السلام فی الحفاظ فی التحرک السیاسی علی القیادة المعصومة والقاعدة المؤمنة حیث ان الإمام السجاد علیه السلام لو تبنی حرکة المختار لتعرض مقام الإمامة للخطر فی الوقت الذی لم یکن تصدی محمد رضوان الله علیه لیؤدی إلی مثل هذه الأخطار حیث ان الشیعة لم تکن تنظر الیه انه الإمام المعصوم وهذا المعنی کان واضحاً جداً لدی خصوم اهل البیت علیهم السلام ولذلک فعلی الرغم من العداء الشدید الذی تعامل به ابن الزبیر مع بنی هاشم عامة لم یوجه عداءه لخصوص محمد رضوان الله علیه مع ان المختار رضوان الله علیه لو کان قد دعا له کما یدعی للزم من ذلک ان یکون هناک ترکیز من قبل ابن الزبیر علی محمد رضوان الله علیه وکذا یقتضی ذلک ان یکون تعامل عبد الملک بن مروان مع محمد رضوان الله علیه بنحو یستشف منه ذلک الا ان کل ذلک لم یکن، مما یکشف ان تلک الدعاوی اخترعها اعداء المختار رضوان الله علیه للحط من قدره وایجاد حالة من

ص: 194

النفرة من المختار رضوان الله علیه فی الوسط الشیعی بل وغیر الشیعی باتهام المختار بادعاء النبوة.

ولعله لهذه الحقیقة یشیر السید ابن طاووس رحمه الله: (اذا عرفت هذا فإن الرجحان فی جانب الشکر والمدح ولو لم یکن تهمة، فکیف ومثله موضع ان یتهم فیه الرواة ویستغش فیما یقول عنه المحدثون لعیوب تحتاج إلی نظر)(1).

وهذه النظرة التحلیلیة من السید ابن طاووس رحمه الله متفرعة علی حسن بعض طرق المدح الوارد فی المختار وضعف سائر ما روی فی مدحه وذمه، فلما کانت روایات القدح ضعیفة بأجمعها وبعض روایات المدح ضعیفة سقطت عن الاعتبار بسبب ضعفها، فإن طرق المدح ذات الطریق الحسن تبقی بلا معارض اذ لا یعارض الضعیف الحسن، واذا ضمّنّا الیها سیرة الرجل من الدعوة إلی العمل بکتاب الله وسنة رسوله صلی الله علیه وآله والعمل بسیرة أمیر المؤمنین علیه السلام والثأر للإمام الحسین علیه السلام یتضح بما لا یشوبه شک ان الرجل صالح السیرة نقی السریرة وان روایات تضعیفه وضعت لتشویه صورة تلک الثورة الناصعة، واذا کان مثل الإمام الحسین علیه السلام یمکن ان یصوره الإعلام خارجیاً ومثل أمیر المؤمنین علیه السلام یسب علی المنابر ثمانین سنة فالأمر فی المختار رضوان الله علیه أیسر وأسهل. 


1- منتهی المقال ج6ص243.

ص: 195

2_ ثورة زید الشهید رضوان الله علیه

أ _ شخصیة زید رضوان الله علیه ومنزلته العلمیة والاجتماعیة

للإمام الصادق علیه السلام العدید من الکلمات الدالة علی عظمة مقام زید وعلو درجته منها: (... عند الله تعالی احتسب عمی انه کان رجلاً لدنیانا وآخرتنا...).

وقال فیه أیضاً: (... صلی الله علیه ولعن قاتله...).

وقال (... فإن زیداً کان عالماً وکان صادقاً ولم یدعکم إلی نفسه وانما دعاکم إلی الرضا من آل محمد علیهم السلام ولو ظهر لوفی بما دعاکم إلیه...).

وفیه قال الإمام الرضا علیه السلام:

(فإنه کان من علماء آل محمد غضب لله عز وجل فجاهد أعداءه حتی قتل فی سبیله).

وقال ابو الجارود (قدمت المدینة فجعلت کلما سألت عن زید بن علی علیه السلام قیل لی: ذلک حلیف القرآن).

کما اثنی علیه غیر الشیعة الذین ترجموا له واختلفوا فی خروجه علی السلطة الظالمة فبعض صحح خروجه وبرر له الخروج علی الرغم من ذهابهم إلی حرمة الخروج علی السلطان وان کان جائراً، وخطأه آخرون ولکنهم وثقوه وأثنوا علیه(1).


1- انظر الکافی ج8ح164ص161، عیون اخبار الرضا علیه السلام ج1 باب 25ح6، 1، الإرشاد ص301، مقاتل الطالبیین ص88، سیر اعلام النبلاء ج5ص389.

ص: 196

ب _ هل کان زید رضوان الله علیه زیدیاً

ضرورة هذا المقطع من البحث تکمن فی معرفة مبادئ زید رضوان الله علیه وأهدافه، وتلقی الضوء علی الظروف التی أدت إلی نشأة الطائفة الزیدیة، فالزیدیة من الناحیة الفکریة تبنوا آراء المعتزلة فی العدل والتوحید وذلک یبدو واضحاً من ترجمة البیهقی الذی جاء إلی الیمن واخذ عنه اغلب رجالاتها الاعتزال وخاصة القاضی جعفر الذی تتلمذ علیه لمدّة قصیرة ثم غادر الیمن إلی بغداد وعاد بعدها إلی الیمن ونشر فکر الاعتزال فیها. ومن الناحیة الفقهیة کانوا علی مذهب ابی حنیفة.

ومن زعماء الزیدیة الأوائل سفیان الثوری وکثیر النوی وأمثالهما، ومن هنا یتضح ان اوائل مؤسسی الزیدیة کانوا من الناقمین علی بنی أمیة، ولم یکونوا من اتباع أهل البیت علیهم السلام لیندرجوا تحت لوائهم کما انهم لم یرتضوا مذهب السلطة فی حرمة الخروج علی السلطان الجائر وکانوا یرون ان الناس اسرع إلی إجابة دعوة آل ابی طالب والیهم امیل وبالجمع بین هذه المفردات ولتبریر ثوراتهم السیاسیة وتأطیرها بالأطر الشرعیة دعوا إلی ان تکون الإمامة فی اهل البیت.

والذی یهمنا فی هذه الفقرة من البحث هل ان زیداً الشهید رضوان الله علیه کان یحمل عقیدة کون الإمامة شوری فی اولاد الحسنین علیهما السلام وانه فی الفقه کان من مقلدی ابی حنیفة ام لا؟

ص: 197

ومعرفة ذلک تتوقف علی معرفة رأی زید فی الإمامة ومدی علاقته بالإمام الصادق علیه السلام فإن کان زید یقول بمقالة الزیدیة لزم من ذلک ان یری نفسه الإمام المفترض الطاعة وعلی الإمام الصادق علیه السلام ان یکون من أتباعه، وان کان یقول بمقالة الشیعة کان یری ان الإمام الصادق علیه السلام مفترض الطاعة، روی الکشی قدس سره فی ترجمة سلیمان بن خالد:

(...کان سلیمان بن خالد خرج مع زید بن علی، قال: فقال له رجل ونحن وقوف فی ناحیة، وزید واقف فی ناحیة: ما تقول فی زید، أهو خیر أم جعفر؟

قال سلیمان قلت: والله لیوم من جعفر خیر من زید ایام الدنیا. فحرک رأسه، وأتی زیداً وقص علیه القصة، فمضیت فانتهیت إلی زید وهو یقول: جعفر إمامنا فی الحلال والحرام)(1).

وروی الصدوق رحمه الله بسنده عن زید رضوان الله علیه:

(قال زید بن علی بن الحسین بن علی بن أبی طالب:فی کل زمان رجل منا اهل البیت یحتج الله به علی خلقه، حجة زماننا ابن اخی جعفر بن محمد، لا یضل من تبعه ولا یهتدی من خالفه)(2).

وروی ایضاً عن الإمام الرضا علیه السلام:

(... ولقد حدثنی ابی موسی بن جعفر، انه سمع اباه جعفر بن محمد یقول: رحم


1- منتهی المقال ج3ص388رقم 1365عن رجال الکشی وعنه السبحانی فی الملل والنحل ج7ص187.
2- امالی الصدوق، البحار ج46ص173، الملل والنحل للسبحانی ج7ص185.

ص: 198

الله عمی زیداً انه دعا إلی الرضا من آل محمد، ولو ظفر لوفی بما دعا الیه، ولقد استشارنی فی خروجه، فقلت له: یاعم ان رضیت ان تکون المصلوب بالکناسة فشأنک، فلما ولی، قال جعفر بن محمد علیه السلام: ویل لمن سمع واعیته فلم یجبه...)(1).

وبحسب الأحادیث الواردة عن أهل البیت علیهم السلام فی الثناء علی زید رضوان الله علیه یتضح ان زیداً رضوان الله علیه لم یکن زیدیاً بل کان من القائلین بإمامة الصادق علیه السلام ولم یکن یری نفسه الا من أتباع الإمام الصادق علیه السلام والدلیل الآخر علی عدم زیدیة زید رضوان الله علیه انه لم یدع الناس إلی بیعته بل دعاهم إلی الرضا من آل محمد علیهم السلام وهذه الدعوة فیها أمران:

1 _ ان هذه الصیغة لم تکن معروفة قبل ذلک فی ثورات أهل البیت علیهم السلام فالإمام الحسین علیه السلام عند إعلان ثورته دعا إلی نفسه صریحاً، فلو کان زید رضوان الله علیه یری الإمامة لنفسه لدعا إلی ذلک صراحة.

 2 _ ان الظرف السیاسی الصعب والنتیجة العسکریة المعلومة سلفاً للثورة هی التی دعت زیداً رضوان الله علیه إلی ابتکار هذه الصیغة، لأن التصریح باسم من یراد البیعة له حقیقة یعنی فی حال فشل الثورة عسکریاً وإعادة السلطة المرکزیة لسیطرتها علی البلاد تعریض الإمام للخطر دون ان تحقق الثورة ای اثر عملی لشهادته، واما الهدف الذی اندلعت لأجله الثورة فیمکن ان یتحقق دون


1- عیون اخبار الرضا علیه السلام ج1باب 25ح1، الملل والنحل للسبحانی ج7ص200.

ص: 199

الحاجة إلی التصریح باسم الإمام.

ومما یوضح عقیدة زید رضوان الله علیه فی الإمامة تصریحه بأسماء الأئمة فی روایة ولده یحیی رضوان الله علیه:

(الأئمة اثنا عشر، اربعة من الماضین، وثمانیة من الباقین، فقلت فسمهم یا أبة؟ فقال: أما الماضون فعلی بن ابی طالب والحسن والحسین وعلی بن الحسین، ومن الباقین أخی الباقر، وبعده جعفر الصادق ابنه، وبعده موسی ابنه، وبعده علی ابنه، وبعده محمد ابنه، وبعده علی ابنه، وبعده الحسن ابنه، وبعده المهدی ابنه. فقلت له: یا ابة، ألست منهم؟

قال: لا، ولکنی من العترة.

فقلت: فمن این عرفت أسامیهم؟

قال: عهد معهود عهده الینا رسول الله صلی الله علیه وآله)(1).

وروی عنه رضوان الله علیه:

(... قلت: فأنت صاحب هذا الأمر؟

قال: لا، ولکنی من العترة.

قلت: فإلی من تأمرنا؟

قال: علیک بصاحب الشعر, وأشار إلی الصادق علیه السلام)(2)


1- کفایة الأثر ص300، الملل والنحل للسبحانی ج7ص186.
2- المصدر السابق ص306، الملل ص187.

ص: 200

ومنها تصریح ولده یحیی رضوان الله علیه عندما سئل عن والده فقال:

(... رحم الله ابی زیداً، کان والله احد المتعبدین، قائم لیله، صائم نهاره، یجاهد فی سبیل الله عز وجل حق جهاده.

فقلت: یا ابن رسول الله، هکذا یکون الإمام بهذه الصفة؟

فقال: یا ابا عبد الله، ان ابی لم یکن بإمام، ولکن کان من سادات الکرام وزهادهم، وکان من المجاهدین فی سبیل الله.... ان ابی علیه السلام کان اعقل من ان یدعی ما لیس له بحق، وانما قال (ادعوکم إلی الرضا من آل محمد) عنی بذلک عمی جعفراً. قلت: فهو الیوم صاحب هذا الأمر؟

قال: نعم هو أفقه بنی هاشم)(1).

ویقرر الإمام الصادق علیه السلام هذه الحقیقة فی موقف زید رضوان الله علیه: (... ان اتاکم آت فانظروا علی ای تخرجون، ولا تقولوا خرج زید، فإن زیداً کان عالماً وکان صدوقاً، ولم یدعکم إلی نفسه وانما دعاکم إلی الرضا من آل محمد علیهم السلام ولو ظهر لوفی بما دعاکم إلیه...)(2).

والی هذا المعنی اشار الإمام الرضا علیه السلام ایضا فی حدیثه مع المأمون:

(... ان زید بن علی لم یدع ما لیس له بحق وانه کان اتقی لله من ذلک، انه قال: أدعوکم إلی الرضا من آل محمد علیهم السلام. وانما جاء ما جاء،


1- المصدر السابق ص303، الملل ص187.
2- الکافی الروضة ح381.

ص: 201

فیمن یدعی ان الله تعالی نص علیه، ثم یدعو إلی غیر دین الله، ویضل عن سبیله بغیر علم، وکان زید والله ممن خوطب بهذه الآیة (وجاهدوا فی الله حق جهاده هو اجتباکم))(1).

ومن هذه النصوص یتضح بما لا یبقی معه مجال للشک ان زیداً رضوان الله علیه لم یکن زیدیاً وإنما کان إمامیاً وفقیهاً من فقهاء آل محمد علیهم السلام.

ج_ _ الأسباب الموضوعیة لثورة زید رضوان الله علیه

یمکن ملاحظة سببین رئیسیین لثورة زید رضوان الله علیه السبب الأول:

محاولة السلطة الأمویة الحط من قدر شخصیات الهاشمیین عن طریق لصق الاتهامات بهم والتی حاول یوسف بن عمر الثقفی والی هشام علی الکوفة ان یثبتها عن طریق إغراء خالد بن عبد الله القسری العامل السابق علی الکوفة بادعاء ان له اموالاً عند زید ومحمد بن عمر بن علی بن ابی طالب علیه السلام وداود بن علی بن عبد الله بن عباس وسعد بن ابراهیم بن عبد الرحمن بن عوف وایوب بن سلمة بن عبد الله بن عباس بن الولید بن المغیرة المخزومی، وطلب یوسف بن عمر من هشام ان یرسل هذه الشخصیات الیه للتحقیق معها وکان یرمی إلی الحط من قدر هذه الشخصیات اذ فیها ثلاثة من شخصیات بنی هاشم، اثنان من العلویین وواحد من العباسیین ورجل من بنی زهرة وآخر من بنی مخزوم فأجاب هشام طلبه فی ما عدا المخزومی لوجود خؤولة بینهم وبین هشام.


1- عیون اخبار الرضا علیه السلام باب 25ح1.

ص: 202

ویبدو من هذا الانتخاب لهذه الشخصیات وجود محاولة لزعزعة الوضع القرشی؛ اذ ربما کان هناک تحرک فی الوسط القرشی أراد هشام ان یحده عن طریق الحط من قدر الشخصیات القرشیة، ولکن شاء الله تعالی ان یعید کید هشام ویوسف إلی نحریهما فأنکر خالد ان یکون له مال قبل هذه الشخصیات مما أکذب أحدوثة یوسف فما کان منه الا ان صب انتقامه علی خالد فأمر بضربه بالسیاط وعاقبه عقوبة شدیدة، وعاد المتهمون إلی بلادهم الا زیداً رضوان الله علیه الذی دعاه اهل الکوفة للثورة.

السبب الثانی: ان زیداً رضوان الله علیه رأی بأم عینیه معاناة الشیعة بحیث اصبح امر الثورة ملحاً فمکث فی الکوفة سنة یعد العدة للثورة، وحدد موعد الثورة، ولکن الأمویین لم تکن عیونهم غافلة عن زید رضوان الله علیه؛ اذ کانت الأوامر تصدر من دمشق للإسراع بإخراجه عن الکوفة وکان رضوان الله علیه یتحجج ببعض القضایا المالیة، واستطاعت عیون یوسف بن عمر معرفة وقت اعلان الثورة، فقرر الأخیر مباغتة الثائرین فأمر باعتقال زید رضوان الله علیه فکبست کل الدور التی یحتمل اختفاؤه فیها مما اضطر زیدٌ رضوان الله علیه لإعلان الثورة قبل وقتها المحدد فی الوقت الذی سارع فیه یوسف بن عمر إلی دعوة الناس للحضور فی المسجد وحصرهم فیه لئلا یلتحقوا بالثورة ووقعت صدامات مسلحة بین الثائرین والقوات الشامیة(1).


1- وهی قوات شامیة مستقرة فی الحیرة جیء بها کحرس خاص للولاة وکان هذه المنهجیة اتخذت بعد ثورة المختار.

ص: 203

وکاد النصر یکون حلیف الثائرین لولا سهم لم یعرف من أطلقه وقع فی جبهة زید رضوان الله علیه لیعلن بذلک انتهاء الصراع لصالح الدولة الأمویة(1).

د _ موقف اهل البیت علیهم السلام من الثورة

کانت ثورة زید رضوان الله علیه تتمتع بدعم کامل من أهل البیت علیهم السلام ویشهد لذلک ما مر عن الإمام الصادق علیه السلام ان زیداً استشاره فی امر الثورة فأذن له، وبعد ان وصل نبأ شهادة زید رضوان الله علیه بکاه الصادق علیه السلام ولعن قاتله، وکان علیه السلام یقر أصحابه الذین شارکوا فی الثورة ویدعو الله تعالی ان یشرکه فی دماء من قتل من المعسکر الأموی، اشارة إلی عظم ثواب المجاهدین مع زید رضوان الله علیه، إضافة إلی رعایته علیه السلام المباشرة لعوائل من استشهد مع زید رضوان الله علیه وضم عیال زید إلی عیاله ورعایته المباشرة لهم.

کانت الثورة تحمل الإصلاح فی الأمة علی أساس الکتاب العزیز والسنة المطهرة شعاراً لها وقد زخرت به کلمات قائد الثورة رضوان الله علیه لکن شاء القدر ان تنتهی الثورة نهایتها المأساویة لتترک وصمة عار علی جبین الظالمین إلی أبد الآبدین وتکون جذوة لانطلاق ثورات جدیدة هزت أرکان العرش الأموی


1- الارشاد ج2ص171، الثاقب فی المناقب ص388، البحار ج46ص69، مقاتل الطالبیین ج5ص497، الإمامة والسیاسة ج2ص104، الطبقات الکبری ج5ص335، الأخبار الطوال ص344، تاریخ الیعقوبی ج2ص325، تاریخ الطبری ج5ص497، اخبار الدولة العباسیة ص230، البدایة والنهایة ج9 ص358.

ص: 204

وألقته فی مزبلة التاریخ. واما الأمویون فإن ثورة زید رضوان الله علیه کانت بالنسبة الیهم جرس انذار شدید الخطر لذلک تعاملوا بوحشیة کاملة مع الجسد الطاهر حیث صلب جسده الطاهر سنوات عدیدة علی جذع نخلة واحرق بعد ذلک وذر فی نهر الفرات(1).

3 _ ثورة الحسین صاحب فخ رضوان الله علیه

أ _ أسباب الثورة

بعد قضاء المنصور علی ثورة النفس الزکیة رضوان الله علیه تعرض الطالبیون لمضایقات شدیدة من قبل الحکام العباسیین وولاتهم، وبلغت المضایقات اشدها ایام الملک العباسی موسی الهادی حین وَلی المدینة من قبله عمر بن عبد العزیز بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وکان الوالی شدید العداء للطالبیین، ومن سیرته العدائیة لآل ابی طالب انه کان یستعرض الطالبیین کل یوم کی لا یغیب منهم احد وضمن بعضهم بعضاً، وفی احدی الجمع استعرضهم وحجزهم حتی وقت الصلاة بحیث لم یتسع الوقت لهم الا للوضوء وحضور الصلاة ثم عاد إلی استعراضهم بعد الصلاة. 


1- انظر الکافی الروضة ح164، الإرشاد س302، عیون اخبار الرضا علیه السلام ج1 باب 25ح7، 6، امالی الطوسی م15ح30، امالی الصدوق م56ح1، عمدة الطالب ص239فی فصل اخبار زید الشهید رضوان الله علیه، ص341فی اخبار الحسین بن زید، منتهی المقال ج3ص290رقم 1227، مقاتل الطالبیین ص257 ترجمة الحسین بن زید، تاریخ الطبری ج5ص498، الکامل فی التاریخ ج5ص243، الملل والنحل ج7 ص80، تفسیر فرات الکوفی ص136 _ 137.

ص: 205

کان هذا الإجراء الاستفزازی باعثاً لغضب العلویین ونقمتهم الشدیدة وإضافة إلی ذلک حاول صاحب شرطة المدینة ابو الزفت الإساءة إلی بعض العلویین، فبلغ غضب العلویین أشده فقرر بعضهم الثورة للحد من الظلم الذی یتعرضون له وکان الزمن قرب ایام الحج، وضم وفد الحجیج بعض شیعة الکوفة الذین آلمهم ما یتعرض له آل ابی طالب من الإهانة والتضییق فعرضوا علی زعماء البیت العلوی النصرة فیما اذا اعلنوا الثورة، وکان الوالی لم یکتف بالتضییق علی العلویین بل وضع علیهم الجواسیس والرقباء، فعلم باللقاء الذی جری بین العلویین وشیعتهم من اهل الکوفة ولکنه لم یتمکن من الإطلاع علی تفاصیل اللقاء الذی دار بینهم، ومما زاد فی شکوکه اتصالهم برجالات العائلة الحسنیة فأخذ یتتبعهم ویجد فی استعراضهم خشیة ان یکون بعضهم قد تحرک لطلب البیعة والإعداد للثورة، فوجد ان الحسن ابن النفس الزکیة غاب عن العرض ثلاثة ایام فبعث علی ضامنَیه الحسین الخیر صاحب فخ و یحیی بن عبد الله بن الحسن وامرهما بإحضاره وتهدد وتوعد وأقسم علی قتل الحسن ان وقعت عینه علیه، وحصلت مشادة کلامیة بین الوالی والرجلین، فصمم الحسین رضوان الله علیه علی اعلان الثورة فجر الیوم التالی، فلما قرب وقت الصلاة اجتمع العلویون فی المسجد وصعد احدهم إلی المنارة مجرداً سیفه وامر المؤذن ان یؤذن بحی علی خیر العمل، فأذن بها خوفاً من القتل، فأدرک الوالی ان العلویین اشعلوا فتیل الثورة فهرب من المدینة، وبعد صلاة الصبح دعا الحسین رضوان الله علیه الناس للبیعة. 

ص: 206

ب _ طبیعة الثورة

کان الثائرون قد قرروا ان یعلنوا الثورة فی المدینة ثم یدعون الناس إلی البیعة فی منی ولما کانت الأیام ایام الحج فإن اعداد وفود الحاج ستکون کبیرة ولن یعدموا بینهم من یکون مهیّاً للنصرة او متعاطفاً مع الثورة خاصة مع ابداء الکوفیین النصرة.

وظاهر بعض النصوص التاریخیة ان الثائرین کانوا ینوون اسقاط الدولة العباسیة الا ان الواقع الموضوعی للثورة لا یساعد علی ذلک، اذ ان الثائرین لم تکن لهم دعوة سابقة لإعلان الثورة ولم یکن لهم دعاة فی امصار البلاد وکان دافعهم إلی الثورة التخلص من الإذلال الشدید الذی تعرضوا له، وبخاصة وان الدولة العباسیة کانت فی تمام قدرتها العسکریة، کما ان المدینة ومکة لم تکونا تتمتعان بوضع عسکری یؤهلهما للقضاء علی الدولة العباسیة والتاریخ العسکری للمدینة ایام ثورتها ضد یزید وایام الصراع بین عبد الله بن الزبیر وعبد الملک بن مروان وکذلک الحال فی ثورة النفس الزکیة دلیل علی ذلک، وهذه الحقیقة هی أحد الأسباب التی دعت الإمام الحسین علیه السلام لترک المدینة إلی الکوفة ایام ثورته، وإضافة إلی هذه الأسباب الموضوعیة فإن الإمام الکاظم علیه السلام أخبر الحسین رضوان الله علیه بأن ثورته ستنتهی باستشهاده، ومن هنا یتضح ان ثورة الحسین رضوان الله علیه کانت ثورة استشهادیة ذات هدف مرحلی وهو الحد من الطغیان العباسی وعملیات الإذلال التی کان یتعرض لها العلویون(1).


1- للتفصیل انظر البحار ج48ص150، مقاتل الطالبیین ج4ص237، تاریخ الطبری ج6ص410، البدایة والنهایة ج10 ص167.

ص: 207

ج_ _ موقف اهل البیت علیهم السلام من الثورة

کان الإمام الکاظم علیه السلام مؤیداً لثورة صاحب فخ رضوان الله علیه وامر العلویین بالاشتراک فی الثورة حیث ورد عن یحیی بن عبد الله بن الحسن

(ما خرجنا حتی شاورنا اهل بیتنا، وشاورنا موسی بن جعفر فأمرنا بالخروج)(1).

وکذا قول الإمام الکاظم علیه السلام للحسین رضوان الله علیه

(وقال الحسین لموسی بن جعفر فی الخروج، فقال له: إنک مقتول فأحد الضراب فإن القوم فساق یظهرون ایماناً، ویضمرون نفاقاً وشرکاً، فإنا لله وانا الیه راجعون، وعند الله عز وجل أحتسبکم من عصبة)

وقوله علیه السلام بعد ان جیء برؤوس الشهداء إلی المدینة وسأله موسی والعباس قائدا الجیش العباسی الذی تولی القضاء علی الثورة ان کان هذا الرأس رأس الحسین فأجاب:

(نعم، انا لله وانا الیه راجعون، مضی والله مسلماً صالحاً صواماً قواماً آمراً بالمعروف، ناهیاً عن المنکر، ما کان فی أهل بیته مثله)

وهذه العبارة تظهر موقف الإمام الکاظم علیه السلام من الثورة وصاحبها، مع توقفنا فی العبارة الأخیرة ونعتقد انها اما ان یکون مراد الإمام علیه السلام من (اهل بیته) بنی الحسن، او تکون من إضافات الزیدیة، او لا یکون المراد من عدم


1- انظر مقاتل الطالبیین ص392، 304، 298.

ص: 208

المثل نفی الأفضل ولکنه خلاف الظاهر من العبارة، و هذا الموقف من ثورة صاحب فخ رضوان الله علیه یظهر فی ما ابداه الإمام الجواد علیه السلام فی التألم للمجزرة الرهیبة التی تعرض لها العلویون فی تلک الثورة:(لم یکن لنا بعد الطف مصرع أعظم من فخ)(1).

وسر هذا التأیید لثورة صاحب فخ یکمن فی عقیدته فی الإمامة واسلوبه فی الدعوة الذی شابه اسلوب زید الشهید رضوان الله علیه حیث جاء فی خطبة البیعة:

(أبایعکم علی کتاب الله وسنة رسول الله، وعلی ان یطاع الله ولا یعصی، وأدعوکم إلی الرضا من آل محمد، وعلی ان نعمل فیکم بکتاب الله وسنة نبیه صلی الله علیه وآله والعدل فی الرعیة، والقسم بالسویة، وعلی ان تقیموا معنا وتجاهدوا عدونا فإن نحن وفینا لکم وفیتم لنا، وان نحن لم نف لکم فلا بیعة لنا علیکم)(2).

د _ الإعلام السلطوی والثورة

لقد صب الإعلام السلطوی سمومه لتشویه ثورة الحسین الخیر رضوان الله علیه متنکرین للأسباب الحقیقیة للثورة ومبرزین لدعوی السلطة اتهام الحسن بن محمد بشرب النبیذ کسبب اساسی للثورة وعرضهم الثورة عرضاً مشوشاً وادعائهم الکاذب علی اصحاب الحسین بتحویلهم مسجد النبی صلی الله علیه وآله إلی


1- البحار ج48 ص165، عمدة الطالب ص172، معجم البلدان ج6ص341، سر السلسلة العلویة ص14.
2- مقاتل الطالبیین ص299.

ص: 209

مزبلة واتخاذ اصحاب الحسین المسجد النبوی موضعاً لبولهم وغائطهم، کل هذه التهم تبرز بوضوح الموقف غیر الشریف لأصحاب الأقلام الذین ارخوا لتلک الحقبة وعلی رأسهم الطبری وابن الأثیر(1).

وقد اتبع هذا المنهج الإعلامی سابقا مع ثورة زید الشهید والمختار رضوان الله علیهما حیث ادعی علی زید رضوان الله علیه ما یخالف عقیدته فی الموقف من مخالفی اهل البیت، وکذا اتهم المختار رضوان الله علیه بدعوی النبوة وعلم الغیب والدعوة إلی امامة محمد بن الحنفیة رضوان الله علیه ومهدویته وکل تلک المحاولات کانت محاولات بثتها السلطات الحاکمة للحط من شخصیات قادة الثورة لایجاد الحواجز النفسیة بینهم وبین المجتمع.


1- انظر تاریخ الطبری والکامل فی التاریخ حوادث سنة 169. تاریخ الطبری ج 6 ص 413: وأقام حسین وأصحابه أیاما یتجهزون وکان مقامهم بالمدینة أحد عشر یوما ثم خرج یوم أربعة وعشرین لست بقین من ذی القعدة فلما خرجوا من المدینة عاد المؤذنون فأذنوا وعاد الناس إلی المسجد فوجدوا فیه العظام التی کانوا یأکلون وآثارهم فجعلوا یدعون الله علیهم فعل الله بهم وفعل قال محمد بن صالح فحدثنی بصیر بن عبد الله بن ابراهیم الجمحی أن حسینا لما انتهی إلی السوق متوجها إلی مکة التفت إلی أهل المدینة وقال لا خلف الله علیکم بخیر فقال الناس وأهل السوق لابل أنت لا خلف الله علیک بخیر ولا ردک وکان أصحابه یحدثون فی المسجد فملؤوه قذرا وبولا فلما خرجوا غسل الناس المسجد.

ص: 210

ثالثاً_ الموقف من الثورات غیر المرتبطة بأهل البیت علیهم السلام

شهد العالم الإسلامی العدید من الثورات التی کان بعضها تحت القیادة المباشرة لأهل البیت علیهم السلام بینما کان البعض الآخر مرتبطاً بهم وقد مر الحدیث عن کلا القسمین، وهناک ثورات اندلعت فی ارجاء البلاد الإسلامیة لم یکن لها ارتباط بهم، وتفاوتت بین العداء لهم او الحیادیة تجاههم(1).

ولم یصدر عن اهل البیت علیهم السلام ای تأیید لهذه الثورات مما یکشف عن انطوائها علی خلل فی الفکر والمنهج ینتهی إلی الانحراف عن جادة الصواب والرکون إلی الباطل.

ومن الثورات التی یمکن الحدیث عنها فی هذا المجال ثورة المدینة، التی اعلنت بعد عودة وفد المدینة من الشام حیث ابلغ الوفد اهل المدینة ان یزید رجل منحرف عن جادة الصواب متجاهر بالفسق والفجور فخلعوه واعلنوا الثورة ضد حکمه، ومع ان هذه الأهداف المعلنة تصب فی دائرة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر الا ان الإمام السجاد علیه السلام اتخذ موقفاً حیادیاً من الثورة، وترک


1- انظر تاریخ الطبری والکامل فی التاریخ والفتوح لأبن اعثم فی حوادث سنة 62ه_.

ص: 211

المدینة ایام الثورة إلی ینبع، وهناک جملة من الأسباب دعت الإمام السجاد علیه السلام لاتخاذ موقف الحیاد، منها:

ان الثائرین لم یکونوا ممن یحمل فکر اهل البیت علیهم السلام او یؤمن بمرجعیتهم السیاسیة والفکریة، حیث لم یکن هؤلاء الثائرون علی استعداد لبذل النصرة للإمام الحسین علیه السلام مع انه کان قد دعا الناس إلی الثورة فی مکة وکانوا ممن سمع نداءه، کما ان السبب الذی لأجله خلعوا یزید واعلنوا الثورة ضده کان من جملة الأسباب التی دعت الإمام الحسین علیه السلام للثورة ومع ذلک لم تستجب المدینة لدعوته.

وضوح النهایة الحتمیة لهذه الثورة لأن الذی حصل فی کربلاء کشف کشفاً لا یشوبه شک عن خنوع الأمة وخضوعها لسلطة الظالمین.

إن دور ابن الزبیر کان واضحاً فی الثورة حیث کان عبد الله بن مطیع العدوی احد الثلاثة الذین قادوا ثورة المدینة فی مواجهة الجیش الأموی وهو احد دعاة ابن الزبیر وموضع ثقته، حیث اوکل الیه ولایة الکو فة بعد تسلطه علی جزیرة العرب والعراق بعد هلاک یزید.

وکل واحد من هذه الأسباب کاف لعدم اشتراک الإمام السجاد علیه السلام فی الثورة وعدم تأییدها.

 کما ان الباطل الذی علیه بنو امیة کان یدعو الإمام علیه السلام لعدم الوقوف فی وجه الثورة لإن الوقوف فی وجه الثورة یصب فی صالح بنی امیة. 

ص: 212

وقد نتج عن حیادیة الإمام السجاد علیه السلام آثار ایجابیة ظهرت بوضوح فی حمایة عدد کبیر من الثائرین الذین لجأوا مع عوائلهم إلی بیت الإمام السجاد علیه السلام بعد فشل الثورة، وکانت اخبار حیادیة الإمام السجاد علیه السلام بلغت البلاط الأموی، فأصدر یزید امره إلی قائد الجیش بعدم التعرض للإمام السجاد علیه السلام واحترامه واحتشامه، کما کشفت ثورة المدینة عن السمو الخلقی الذی تمتع به الإمام السجاد حیث لجأت الیه ایام الثورة العوائل الأمویة التی کانت فی المدینة فأجارها علیه السلام علی الرغم من عدم مضی سوی مدة قصیرة علی شهادة الإمام الحسین علیه السلام.

وتشترک ثورة ابن الزبیر وثورة العباسیین ضد الدولة الأمویة وثورات الخوارج والزیدیة ضد الدولتین بانحرافها عن اهل البیت علیهم السلام لذلک لم تحظَ بأی دعم من اهل البیت علیهم السلام. ومن هنا یتضح ان تأیید أهل البیت علیهم السلام لثورة ما یتوقف علی ارتباط تلک الثورة بهم وصدورها عنهم وان لم یتصدوا مباشرة لها وما عدا هذه الحالة فإن اهل البیت علیهم السلام یتخذون جانب الحیاد أو السلبیة حسب توجهات الثورة وقادتها.

ص: 213

خلاصة الفصل الثالث

الصراع المسلح احد المفردات التی عاشتها الحضارة الإنسانیة عبر العصور، وهی سبیل لتحقیق بعض الأهداف التی تعجز الحلول السلمیة عن ایجادها.

وللعمل المسلح مجال واسع فی الفکر الإسلامی حیث حث الإسلام علی الجهاد لإعلاء کلمة الله ونشر الدین الحنیف فی ارجاء المعمورة.

فکانت حروب بدر واُحُد والأحزاب وحنین وبقیة الحروب التی خاضها النبی صلی الله علیه وآله وسیلة لنشر الإسلام فی البقاع التی رفضت الدعوة السلمیة.

وتاریخ أهل البیت علیهم السلام وشیعتهم زاخر بالثورات المسلحة التی سعی فیها الثائرون للحد من ظلم الطواغیت وایقاف حرکة الانحراف التی قادها طلاب السلطة.

وثورات اهل البیت علیهم السلام تنقسم إلی قسمین:

الأول: الثورات التی قادها اهل البیت علیهم السلام وفی تاریخ اهل البیت کانت ثورة الإمام الحسین علیه السلام هی الثورة الوحیدة التی اندلعت ضد حرکة

ص: 214

الانحراف التی وصلت فی مسارها الانحرافی إلی درجة لم یسع الإمام الحسین علیه السلام معها السکوت، فالمخطط الأموی فی المرحلة الیزیدیة کان یرمی إلی إلغاء جمیع المظاهر الإسلامیة، حیث کان یزید یتجاهر بالفسق والفجور وشرب الخمر، وکان یعد العدة للقضاء علی کافة المخالفین لحکمه وکل من لا یسیر فی رکاب الحزب الأموی، فکان من اولویات سیاسة یزید القضاء علی شخصیات الأنصار الذین لا یعدهم العرش الأموی من اتباعه اذ لم یکن مع معاویة من الأنصار الا النعمان بن بشیر، وهو من عائلة بنیت علی بغض أهل البیت علیهم السلام، اذ کان ابوه اول من ضرب علی ید ابی بکر مبایعا فی السقیفة وهو ممن حمل الحطب لإحراق بیت فاطمة علیها السلام، وکان النعمان احد قادة جیش معاویة ولم یأل جهدا فی سفک دماء الأبریاء ایام الصراع بین امیر المؤمنین علیه السلام ومعاویة، وفی المقابل کان جل الأنصار إلی جنب امیر المؤمنین علیه السلام فی صراعه مع زعماء قریش فی الجمل وصفین.

واما القضاء علی اهل البیت علیهم السلام فهو اولی الأولویات عند یزید، لذا صدرت أوامره المتکررة لعاملیه فی المدینة والکوفة فی الإسراع فی القضاء علی الحسین وآل الحسین صلوات الله علیهم.

ولذا لم یکن بد من اعلان الثورة لأن السکوت عن المخطط الأموی یعنی القضاء المبرم علی جمیع مفردات الإسلام فی عامها وخاصها، واعادة الجاهلیة الجهلاء وتحویل البلاد الإسلامیة إلی بستان یرتع فیه بنو امیة کیف یشاءون

ص: 215

وینتهکون فیه المحرمات ما یشتهون، وقد جرت سیرتهم علی ذلک فی الجاهلیة والإسلام، فیزید یسعی لتحویل بلاد المسلمین المترامیة الأطراف إلی بلاد للأمویین وتحویل ابناء هذه الأرض الواسعة إلی عبید لبنی امیة یتصرفون بهم کیف یشاءون.

ولم یکن لهذا الانحراف ان ینتهی الا بإثارة هاجس الأمة وکشف الحجب عن عیونها، ولا یتم ذلک الا بإراقة الدماء الزکیة، وهذه هی سنة من السنن التی لا تتغیر ولا تتبدل ففی کل عصر یصل الانحراف إلی درجة کبیرة یتحول الفقهاء إلی عبید فی بلاط الملوک، فلا بدیل لجریان دماء زاکیة یطهر الله بها الأرض من دنس المجرمین، فکانت دماء الإمام الحسین علیه السلام واهل بیته واصحابه المطهر للأرض من دنس الملحدین وافساد المجرمین، کما کانت دماء یحیی بن زکریا علیه السلام.

وهذا النحو من الثورة له هدف مرکزی یسری اثره فی جمیع الأزمنة وکل بقاع الأرض، فالثورة التی یقدم المعصوم علیه السلام دمه فیها لیست ذات غایات مرحلیة او نتائج آنیة، بل هی ضمن المخطط الإلهی العام فی الهدایة وحفظ الدین من تلاعب المبطلین وتحریف المضلّین.

النحو الثانی من الثورات هی الثورات التی یقودها شیعة اهل البیت علیهم السلام وتکون الثورة عن رأی اهل البیت ومشورتهم، وهی ثورات فی الغالب ذات اهداف مرحلیة الغایة منها رفع الحیف والظلم الذی یتعرض له اهل البیت

ص: 216

علیهم السلام وشیعتهم، وکان اهل البیت علیهم السلام یدعمون هذه الثورات ویؤیدونها ویتبنونها بالقدر الذی یسمح به الظرف الأمنی الذی یعیشونه، فکانت ثورة المختار التی طهر الله بها الأرض من قتلة الإمام الحسین علیه السلام واعادت لشیعة الکوفة ثقتهم بأنفسهم، وثورة التوابین وثورة زید الشهید وثورة النفس الزکیة واخیه ابراهیم وثورة الحسین الخیر صاحب فخ وغیرها من الثورات التی کانت تندلع ضد الطغیان الأموی او العباسی والتی یبارکها اهل البیت علیهم السلام، والتی کان لها الأثر البالغ فی الدفع عن الإسلام وتثبیت ارکانه وقطع ایدی المتکبرین واضعاف نشاط المتلاعبین بشریعة سید المرسلین.

اما الثورات التی لم تکن ترتبط بأهل البیت علیهم السلام فهی ان لم تکن ذات اثر سلبی علی الإسلام یتخذ اهل البیت علیهم السلام إزاءها جانب الحیاد، وان کانت مضرة بالإسلام نهی اهل البیت علیهم السلام عنها ووقفوا ضدها ونهوا الشیعة عن التورط مع اصحابها.

ومنهج اهل البیت علیهم السلام فی الکفاح المسلح یلاحظ فیه ثلاثة امور مرکزیة:

الأول: الحفاظ علی القیادة المعصومة لأن المعصوم ان ارتفع عن الأرض انتهت الحیاة علیها.

الثانی: الحفاظ علی القاعدة المؤمنة بالرسالة.

الثالث: طبیعة الخطر الذی یواجه الدین الحنیف واحکامه الشریفة.

ص: 217

الفصل الرابع: قیادة الدولة

اشارة

ص: 218 

ص: 219

1_ المقارنة بین سیاسة أمیر المؤمنین علیه السلام وبقیة الحکام

اشارة

تختلف الحکومات فی طبیعة تعاملها مع الشعوب باختلاف مناهجها فی قیادة الدولة، واهدافها من الوصول إلی السلطة، ویمکن رسم الصورة الإجمالیة عن سیاسة ای دولة من الدول فی تعاملها مع شعوبها من خلال القوانین والقرارات التی تصدرها.

وکان دستور دولة أمیر المؤمنین علیه السلام القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة، وفی عهده طبقت لأول مرة بعد رحیل الرسول صلی الله علیه وآله أحکام القرآن الکریم. وقبل الحدیث عن منهج أمیر المؤمنین علیه السلام فی قیادة الدولة یحسن إجراء مقارنة بین سیاسة أمیر المؤمنین علیه السلام وغیره من الحکام فی التعامل مع حقوق الراعی او الرعیة فی:

أ _ الحقوق السیاسیة 

اشارة

حوت دولة رسول الله صلی الله علیه وآله شرائح اجتماعیة مختلفة، وانعکس هذا الاختلاف علی ولائها للدولة الإسلامیة، حیث کان إلی جوار المؤمنین الصالحین فئة کبیرة من منافقی المدینة الذین انضووا تحت لواء عبد الله

ص: 220

بن ابی وهؤلاء کانوا یسعون إلی الحفاظ علی استقلال المدینة وإعادتها إلی وضعها السیاسی قبل الإسلام، والی جانب هؤلاء کان هناک فئة اخری وصفهم القرآن بأنهم مرضی القلوب وفئة ثالثة کانت تعمد إلی زعزعة الأمن فی المدینة عن طریق القاء الشائعات وهم الذین اطلق علیهم القرآن اسم (المرجفون فی المدینة)، وبعد توسع رقعة الدولة الإسلامیة وفتح مکة انضم الطلقاء إلی المجتمع الإسلامی وکان هؤلاء کلاً او جلاً یُتعامل معهم معاملة المؤلفة قلوبهم.

والذی نجده ان النبی صلی الله علیه وآله کان یتعامل مع جمیع الفئات التی تحترم سیادة الدولة ولا تخل بأمنها من الناحیة الحقوقیة بنحو واحد، فمجرد نطق الإنسان بالشهادتین یتمتع بالحقوق العامة لکل المسلمین بغض النظر عن ولائه السیاسی، وهذه الحریة السیاسیة التی تمتع بها المسلمون الحقیقیون والظاهریون صودرت بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله حیث اجبرت حکومة السقیفة کل من خالفها علی الخضوع لسلطانها.

(... وعمر یهرول بین یدیه وقد نبر حتی ازبد شدقاه وجماعته تحوطه، وهم متزرون بالأزر الصنعانیة لا یمرون بأحد الا خبطوه وقدموه فمدوا یده فمسحوها علی ید ابی بکر یبایعه شاء ذلک او ابی)(1).

وفی تقییم خلافة ابی بکر یقول السید الشهید قدس سره:

(... ومعنی هذا ان الحاکمین زفوا إلی المسلمین خلافة لم تبارکها السماء


1- شرح نهج البلاغة لإبن ابی الحدید.

ص: 221

ولا رضی بها المسلمون...)(1).

کما اصدر ابو بکر اوامره لخالد بن الولید بتصفیة مالک بن نویرة لأنه یشکل امتداداً حیویاً لتحرک أمیر المؤمنین علیه السلام السیاسی خارج المدینة(2) اکمل مصادرة الحریات السیاسیة بفرض عمر خلیفة علی الأمة من بعده رغم اعتراض الکثیرین علی نصبه ایاه کعبد الرحمن بن عوف ووجوه المهاجرین والأنصار(3).

واما عمر فهو ومنذ عهد ابی بکر کان یمارس مصادرة الحریات ویقوم بکل العملیات التی یتوقف علیها حفظ السلطة، ویشهد لذلک تصریح عثمان عندما اعترض علیه المهاجرون والأنصار:

(اما والله یامعشر المهاجرین والأنصار، لقد عبتم علیّ أشیاءً ونقمتم اموراً قد أقررتم لابن الخطاب مثلها، ولکنه وقمکم وقمعکم ولم یجترئ احد یملأ بصره منه، ولا یشیر بطرفه الیه...)(4).

وبلغت مصادرة الحریات ذروتها فی عهد عثمان حیث قام بنفی المعترضین علی سیاسته وضربهم کما حصل مع أبی ذر وعمار وعبد الله بن مسعود رضوان الله علیهم. واما فی العهدین الأموی والعباسی فمصادرة الحریات فیها لا تحتاج إلی مزید استدلال. 


1- فدک فی التاریخ ص138.
2- تاریخ الطبری حوادث 11ه_ ذکر البطاح وخبره، وقد تقدم ان السبب فی قتل مالک انکاره علی ابی بکر التصدی للخلافة مع سبق البیعة لأمیر المؤمنین علیه السلام.
3- تاریخ الخلفاء للسیوطی باب استخلاف عمر، شرح نهج البلاغة ج1ص179، 164خ3.
4- الإمامة والسیاسة ج1ص32.

ص: 222

الحقوق السیاسیة فی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام

تقدم ان الفرد فی دولة النبی صلی الله علیه وآله کان یتمتع بالحقوق العامة للمسلمین مادام نطق بالشهادتین واحترم وجود الدولة المرکزیة ولم یخل بالأمن العام، بغض النظر عن ولائه السیاسی، وهذه الحالة من الحریة السیاسیة شهدها عصر أمیر المؤمنین علیه السلام حیث انه لم یکره احداً علی بیعته بعد مقتل عثمان ابن عفان.

(وجاءوا بسعد فقال علی: بایع.

فقال: لا ابایع حتی یبایع الناس، والله ما علیک من بأس.

قال: خلوا سبیله.

وجاءوا بابن عمر، فقال: بایع.

قال: لا ابایع حتی یبایع الناس...)(1).

 وعلی الرغم من وجود عدة حرکات سیاسیة فی دولته علیه السلام الا انه لم یکن یصادر حریاتهم السیاسیة بل قد ابدی الضابطة فی التعامل مع الحرکات السیاسیة المخالفة

(قام علی فی الناس یخطبهم ذات یوم فقال رجل من جانب المسجد: لا حکم الا لله. فقام آخر فقال مثل ذلک، ثم توالی عدة رجال یحکمون، فقال علی: الله اکبر، کلمة حق یلتمس بها باطل، اما ان لکم عندنا ثلاثاً ما صحبتمونا، لا


1- تاریخ الطبری حوادث سنة 35ه_، البحارج32ص7 عن ابن الأثیر.

ص: 223

نمنعکم مساجد الله ان تذکروا فیها اسمه، ولا نمنعکم الفیء ما دامت أیدیکم فی أیدینا، ولا نقاتلکم حتی تبدأونا. ثم رجع إلی مکانه الذی کان فیه فی خطبته)(1).

وکان علیه السلام یسعی دائماً لحقن دماء المسلمین وعدم اللجوء إلی الخیار المسلح الا اذا کان ترکه یؤدی إلی مفاسد عظیمة فی المجتمع الإسلامی او ادی إلی الإخلال بالأمن العام

ب _ الحقوق الاجتماعیة

اشارة

حملت التعالیم الإسلامیة مبدأ المساواة بین ابناء المجتمع الإسلامی وعدّ الإسلام المسلمین متکافئین لا یقدم أحدهم علی الآخر الا بالتقوی، قال تعالی:

{یَا أَیُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ ذَکَرٍ وَأُنْثَی وَجَعَلْنَاکُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَکْرَمَکُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاکُمْ}(2).

وبعد وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وتوسع رقعة الدولة حاول عمر بن الخطاب ضمان تفوق العنصر العربی علی العناصر الأخری التی دخلت الإسلام، وتفوق قریش علی سائر العرب وتفوق بنی أمیة علی سائر قریش لذا سن قانون التمییز الطبقی علی أساس عرقی قبلی لیضمن التفاوت فی القدرات المالیة الذی من شأنه ان یؤثر تأثیراً خاصاً علی مسار الأحداث السیاسیة، وقد سعی لتدعیم خطته الاقتصادیة بمنح الشخصیات التی تتفاعل مع نظریته فی الحکم امتیازات


1- تاریخ الطبری ج3 ص333 وانظر کذلک نهج البلاغة قسم الکتب ک14، 12، 4.
2- الحجرات 13.

ص: 224

خاصة حیث أوکل الیهم قیادة جیوش الفتوحات وولاهم ادارة امارات الدولة المترامیة الأطراف فتمکنوا من جمع عائدات مالیة ضخمة جعلت منهم قوة سیاسیة واجتماعیة عظیمة التأثیر فی مسیر الأحداث، واضاف إلی ذلک محاصرة اصحاب أمیر المؤمنین علیه السلام ومنعهم من الخروج من المدینة ومحاصرته لروایة الحدیث النبوی منعاً لانتشار فضائل أمیر المؤمنین واهل البیت علیهم السلام ولضمان رجوع الأمة نتیجة جهلها إلی فقهاء البلاط الذین سیشکلون الجهاز الإعلامی والثقافی المهم فی بناء ثقافة الأجیال، وتعمیقاً منه لمنع ظهور الموالی کقوة سیاسیة مؤثرة رفض الاعتراف بالموالی کمواطنین فی الدولة، وترکز التمییز الطبقی فی عهد عثمان لیتحول من تمییز عرقی إلی تمییز عشائری یصب فی صالح بنی أمیة.

وفی عهد الدولة الأمویة ترکزت عملیة التمییز القومی وتلاعب الأمویون بولاء القبائل فأخذوا یضربون القبائل بعضها بالبعض الآخر، واثقلوا کاهل الرعیة بالضرائب، واما المناطق التی کانوا لا یأمنون جانبها کالکوفة فإنهم أشغلوا اهلها بالحروب إضافة إلی الضرائب الباهظة التی کانت تثقل کواهلهم، وکانت الأموال التی تجنیها سیوفهم تذهب إلی خزانة الدولة المرکزیة، ولم یکن الحال فی زمن بنی العباس افضل منه فی زمن بنی امیة، غیر ان بنی العباس استبدلوا العنصر العربی بالعنصر غیر العربی لضمان بقاء دولتهم. 

ص: 225

الحقوق الاجتماعیة فی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام

وفی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام عاد المنهج الإسلامی فی التعامل علی أساس المساواة بین افراد المجتمع إلی الواقع العام، الا ان اعادة المساواة الاجتماعیة کانت تواجه اعتراضاً شدیداً من قبل الزعامات القبلیة التی کانت منتفعة جداً من قانون التمییز الطبقی، وقد دفع هذا الاعتراض جملة من زعماء القبائل إلی التخاذل عن قتال أهل الشام وتخذیل قبائلهم والتعامل مع معاویة بعد ذلک ضد الإمام الحسن علیه السلام(1).

وکان أمیر المؤمنین علیه السلام نصب لإدارة أمور الولایات أناساً یثق بهم ولکنه مع ذلک لم یکن یترک متابعتهم، بل کان شدید المتابعة لشؤونهم حتی اذا أحس بظهور ثروة عند أحدهم عزله عن عمله بعد ان یجری التحقیقات اللازمة لضمان عدم تلاعبه بالأموال العامة.

وکان علیه السلام اذا شکت الرعیة عاملها وأحس منه سوء ادارة عزله عن عمله ضماناً لرعایة حقوق الرعیة؛ لأن المنصب فی نظر أمیر المؤمنین علیه السلام مسؤولیة اضافیة علی عاتق من تولی المنصب لا انه وسیلة لرفاهیة العیش والعبث بأموال الناس وامنهم.

ولم یدرک الناس الأبعاد العظیمة للمساواة حتی فقدوا عدل أمیر المؤمنین


1- تحف العقول ص185، الایضاح ص285، امالی المفید ص176، امالی الطوسی ص192ح331_ 33، مناقب ال ابی طالب ج1ص365، حلیة الأبرار ج2ص283، 257، البحار ج32ص48، شرح النهج ج2ص203، الإمامة والسیاسةج1ص174.

ص: 226

علیه السلام واکتوت ظهورهم بسیاط الجور الأموی.

ولکن منهجیة العدل والمساواة التی سلکها أمیر المؤمنین علیه السلام ایام حکمه کانت دافعاً اساسیاً لموالی أهل المدینة لإعلان الثورة علی ابن الزبیر لما مارس ایام حکمه القهر ضد بنی هاشم، وقد اشترک فی تلک الثورة جملة من الموالی کان من بینهم أرقاء لشخصیات سیاسیة واجتماعیة مهمة من قریش.

وکان علیه السلام لشدة اهتمامه بالعدل فی الرعیة لم یشرک فی عمله عمال عثمان المتهمین عند الرعیة فعزلهم بعد أن تابع ادارتهم المالیة متابعة دقیقة، جاء فی کتاب له إلی الأشعث بن قیس الذی کان والیاً لعثمان علی اذربیجان:

(وان عملک لیس لک بطعمة، ولکنه فی عنقک امانة، وانت مسترعی لمن فوقک، لیس لک ان تفتات فی رعیة، ولا تخاطر الا بوثیقة، وفی یدیک مال من مال الله عز وجل، وانت من خزانه حتی تسلمه الیّ، ولعلی الا اکون شر ولاتک لک والسلام)(1).

وفی کتاب إلی زیاد بن ابیه لما استخلفه عبد الله بن عباس علی البصرة:

(وانی اقسم بالله قسماً صادقاً، لئن بلغنی انک خنت من فئ المسلمین شیئاً صغیراً او کبیراً، لأشدن علیک شدة تدعک قلیل الوفر ثقیل الظهر، ضئیل الأمر، والسلام)(2)


1- نهج البلاغة ک 5.
2- نفس المصدر ک20.

ص: 227

وکان علیه السلام یوصی عماله بالتعامل مع الناس علی أنهم سواسیة امام الحق.

(فاخفض لهم جناحک، وألن لهم جانبک، وابسط لهم وجهک، وآس بینهم فی اللحظة والنظرة، حتی لا یطمع العظماء فی حیفک لهم، ولا ییأس الضعفاء من عدلک علیهم...)(1).

ج _ جهاز القضاء

یحتل القضاء موقعاً مهماً فی الدول علی اختلافها؛ اذ المهام الرئیسیة للدولة تتمحور فی ثلاثة أجهزة مهمة:

أ _ جهاز التخطیط والتشریع. ویمثله فی العصر الحاضر البرلمان.

ب _ جهاز الإجراء والتنفیذ. ویمثله فی العصر الحاضر جهاز الدولة من الرئیس والوزارات.

ج _ جهاز القضاء.

وکانت هذه الأجهزة الثلاث فی عهد النبی صلی الله علیه وآله من مختصاته وکان إذا أرسل شخصاً لإدارة منطقة ما لا یوکل الیه مهام القضاء الا فی حدود ضیقة ویمنعه من العمل باجتهاده فی المسائل القضائیة وان علیه الرجوع إلی النبی صلی الله علیه وآله فیما اشکل من مسائل القضاء، واستثنی من ذلک أمیر المؤمنین علیه السلام الذی أوکل الیه النبی صلی الله علیه وآله امور القضاء


1- نهج البلاغة ک27 وانظر کذلک الکتب 71، 47، 54، 43، 41، 40، 21، 19، 13.

ص: 228

بکاملها لما أرسله إلی الیمن عاملاً من قبله علیها.

وبعد رحیل رسول الله صلی الله علیه وآله تولی منصب القضاء فی الدولة أشخاص تنقصهم الخبرة والکفاءة العلمیة لذلک وقع الکثیر من الأخطاء فی التطبیق القضائی

(اشهد علی زید بن ثابت لقد حکم فی الفرائض بحکم الجاهلیة)(1).

 هذا فضلاً عن ارتکاب مخالفات قضائیة عمدیة فیما اذا اقتضت مصالحهم السیاسیة ذلک کما فی مصادرة أموال الزهراء علیها السلام فی فدک والعوالی وغیرهما، واصدار الأوامر بقتل الشخصیات ذات الاتجاهات السیاسیة المناوئة للسلطة کمالک بن نویرة وسعد بن عبادة، واصدار الأوامر بسبی ذراری المسلمین ومصادرة اموالهم لمجرد عدم اعترافهم بشرعیة السلطة الحاکمة(2).


1- منتهی المقال ج3ص287رقم 1218.
2- جاء فی مدینة المعاجز ج 2 ص 221 فی کلام خولة الحنفیة _ زوج امیر المؤمنین علیه السلام _ فی المسجد: (وإنا لنضرب صبیاننا علی الصلاة من التسع، وعلی الصیام من السبع، وإنا لنخرج الزکاة من حیث ان یبقی فی جمادی الآخرة عشرة أیام، ویوصی مریضنا بها لوصیه. والله یا قوم، ما نکثنا ولا غیرنا ولا بدلنا حتی تقتلوا رجالنا، وتسبوا حریمنا، فإن کنت یا أبا بکر ولیت بحق فما بال علی لم یکن سبقک علینا، وإن کان راضیا بولایتک فلم لا ترسله إلینا یقبض الزکاة منا ویسلمها إلیک. والله ما رضی ولا یرضی قتلت الرجال: ونهبت الاموال، وقطعت الارحام، فلا نجتمع معک فی الدینا ولافی الآخرة، افعل ما أنت فاعله). قال الشوکانی فی نیل الأوطار ج 4 ص 177: ولذلک رأی أبوبکر سبی ذراریهم وساعده علی ذلک أکثر الصحابة. واستولد علی بن أبی طالب علیه السلام جاریة من سبی بنی حنیفة فولدت له محمد ابن الحنفیة، ثم لم ینفض عصر الصحابة حتی أجمعوا علی أن المرتد لا یسبی، فأما مانعو الزکاة منهم المقیمون علی أصل الدین فإنهم أهل بغی ولم یسموا علی الانفراد کفارا. واقول ان من اوائل المنکرین علی ابی بکر امیر المؤمنین علیه السلام الذی رفض التعامل مع سبی بنی حنیفة الا کمسلمین صحیحی الإسلام ولذا خطب الی خولة الحنفیة نفسها وتزوجها ولم یأخذها علی انها امة من سبی الکفار، وعمر بن الخطاب الذی اعاد جمیع الناس التی سبیت الی عشائرهن وفرق بینهم وبین من اشتراهن او ملکهن بعد تولیه الحکم.

ص: 229

وأما فی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام فقد وجد القضاء الإسلامی متنفسه بعد سنوات من الانحراف القضائی، ونصب علیه السلام قضاة فی البلاد واستحدث دیوان القضاء وکان یتابع احکام القضاة متابعة دائمة وکان علیه السلام یشغل ما یشابه الیوم محکمة الاستئناف لضمان رفع الجور عن المسلمین.

 وکان علیه السلام یُحذر من القضاة الجهلة لما فی تصدیهم للقضاء من تضییع لحقوق الرعیة وما ینتج عنه من فقدان الأمن فی ربوع البلاد (...ورجل قمش جهلاً، موضع فی جهال الأمة، غار فی اغباش الفتنة، عم ٍ بما فی عقد الهدنة، قد سماه اشباه الناس عالماً ولیس به، بکر فاستکثر من جمع ما قل منه خیر مما کثر، حتی اذا ارتوی من ماء آجن، واکتنز من غیر طائل، جلس بین الناس قاضیاً ضامناً لتخلیص ما التبس علی غیره، فإن نزلت به احدی المبهمات، هیّأ لها حشواً رثاً من رأیه، ثم قطع به، فهو من لبس الشبهات فی مثل نسج العنکبوت لا یدری اصاب ام اخطأ، فإن اصاب خاف ان یکون قد أخطأ، وإن اخطأ رجا ان یکون قد اصاب. جاهل خباط جهالات، عاش ٍ رکاب عشوات لم یعض علی العلم بضرس قاطع، یذر الروایات ذرو الریح الهشیم لا ملئ _ والله _ بأصدار ما ورد علیه، ولا اهل لما قرظ به، لا یحسب العلم فی شیء مما انکره، ولا یری ان من

ص: 230

وراء مابلغ مذهباً لغیره، وان اظلم علیه امر اکتتم به، لما یعلم من جهل نفسه، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواریث، إلی الله اشکو من معشر یعیشون جهالاً، ویموتون ضلالاً، لیس فیهم سلعة ابور من الکتاب اذا تلی حق تلاوته، ولا سلعة انفق بیعاً ولا اغلی ثمناً من الکتاب اذا حرف عن مواضعه، ولا عندهم انکر من المعروف، ولا اعرف من المنکر)(1).

د _ التشریع

الدین الإسلامی الحنیف هو الدین الخاتم الذی تکفل بتعالیمه السامیة سعادة الإنسان فی الدارین، ومصدر التشریع فی الفکر الإسلامی هو القرآن الکریم والسنة المطهرة التی هی تفصیل ما اجمل فی الکتاب العزیز وتوضیح ما خفی فیه.

وکل الأسرار المودعة فی الکتاب العزیز والتی لم تعها الأمة من السنة النبویة المطهرة فهی فی صدور اهل البیت علیهم السلام الذین مَن الله تعالی علیهم من بین الخلق بأن جعلهم عدل الکتاب وأحد رکنی الهدایة.

وبعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله وعدول الأمة عن اهل البیت علیهم السلام اضطر من خالفهم إلی ابتداع تشریعات تتناسب مع حاجاتهم السیاسیة مما ادی إلی تعارض تشریعاتهم، بل تشریعات الواحد منهم بحیث أصبحت الأمة تطلع کل یوم علی تشریعات جدیدة لا تدری بأیها تأخذ، ونتیجة للجهل الذی


1- نهج البلاغة خ17.

ص: 231

منی به المشرعون کانوا یکرهون الأمة علی تشریعاتهم ویعاقبون من یرفضها.

و بعد ان تولی أمیر المؤمنین علیه السلام الحکم لم یسمح لتلک التشریعات بالبقاء، بل سعی بکل طاقته لمحوها وازالتها واعادة التشریع إلی مصدره الأساسی کتاب الله وسنة نبیه ورعاتهما من اهل البیت علیهم السلام(1) وکان علیه السلام یحذر الأمة من المشرعین الجهلة ویعرض بهم وبتشریعاتهم فی محاولة منه علیه السلام لتحصین الأمة امام هذه التشریعات الباطلة:

(ترد علی احدهم القضیة فی حکم من الأحکام فیحکم فیها برأیه، ثم ترد تلک القضیة بعینها علی غیره فیحکم فیها بخلاف قوله، ثم یجتمع القضاة بذلک عند الإمام الذی استقضاهم، فیصوب ارآءهم جمیعاً، والههم واحد ونبیهم واحد وکتابهم واحد، أفأمرهم الله _ سبحانه _ بالاختلاف فأطاعوه ام نهاهم فعصوه، ام انزل الله سبحانه دیناً ناقصاً فإستعان بهم علی إتمامه، ام کانوا شرکاء له فلهم ان یقولوا وعلیه ان یرضی، ام انزل الله سبحانه دیناً تاماً فقصر الرسول صلی الله علیه وآله فی تبلیغه وأدائه....)(2).


1- وخیر دلیل علی ذلک رفض امیر المؤمنین علیه السلام شرط عمر وعبد الرحمن بن عوف تولی الخلافة بالعمل بسیرة الرجلین، انظر مصادر الشوری العمریة وبیعة عثمان.
2- نهج البلاغة خ18.

ص: 232

2_ ادارة الولایات فی منهج أهل البیت علیهم السلام

اشارة

یعدّ عهد أمیر المؤمنین علیه السلام لمالک الأشتر رضوان الله علیه من اهم الوثائق التاریخیة التی تکشف عن سیرة أمیر المؤمنین علیه السلام ومنهجیته فی ادارة الولایات(1)، ویمکن ان نلحظ فی هذا البحث ثلاثة محاور تناول عهد امیر المؤمنین علیه السلام لمالک الأشتر رضوان الله علیه محورین منها، الأول مسؤولیة الوالی تجاه الأمة وکیفیة تعامله مع بطانته وخاصته، والثانی الرعیة وما یتعین علی الوالی القیام به للوصول بالمجتمع إلی ارقی حالات التکامل.والمحور الثالث هو طریقة التعامل مع حرکات التمرد الذی یمکن دراسته من خلال حرکات التمرد التی وقعت ایام حکم امیر المؤمنین علیه السلام.

1 _ المحور الأول: الوالی فی نفسه وخاصته

یوصی علیه السلام الوالی بضرورة التعامل مع الرعیة علی اساس المحبة والرأفة والشفقة، ذلک لأن بیت المال فی یده والأجناد تحت امرته، فعلیه ان یستشعر الحب للرعیة لئلا تقوده القدرة التی تحت یده إلی الإضرار بالرعیة: 


1- نهج البلاغة ک 53.

ص: 233

(واشعر قلبک الرحمة للرعیة، والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تکونن علیهم سبُعاً ضاریاً تغتنم اکلهم، فإنهم صنفان: اما اخ لک فی الدین او نظیر لک فی الخلق).

واین هذه الروحیة فی التعامل مع الرعیة مع ذلک النحو من التعامل الذی شهدته الأمة علی ایدی الحاکمین حیث لم یجدوا وازعاً یردعهم عن التعامل بشدة ضاریة تجاه اهل البیت علیهم السلام ومصادرة اموالهم وقتل موالیهم ومریدیهم، والتمییز فی العطاء علی اساس عرقی وعدم الاعتراف بمواطنة الموالی، والتلاعب بالأموال العامة واظهار الولاة للناس انهم ان شاءوا اعطوا وان شاءوا منعوا مما نتج عنه حالة من عدم الاستقرار فی البلاد نتجت عنها عدة ثورات أدت إلی تغییر مسیر الأحداث السیاسیة فی البلاد.

وینبه أمیر المؤمنین علیه السلام إلی ان الرعیة تسارع إلی معصیة الوالی وذلک ناشئ من أسباب متعددة تختلف باختلاف المجتمعات ولذا فعلی الراعی ان یتجاوز عن اخطاء الرعیة ما امکنه ذلک مالم یؤدِّ التسامح إلی الإخلال بالمصلحة العامة او تضییع الحقوق.

(ولا تندمن علی عفو، ولا تبجحن بعقوبة، ولا تسرعن إلی بادرة وجدت منها مندوحة، ولا تقولن انی مُؤمر، آمر فأطاع، فإن ذلک ادغال فی القلب ومنهکة فی الدین، وتقرب من الغیر، واذا احدث لک ما انت فیه من سلطانک ابهة او مخیلة فإنظر إلی عظم ملک الله فوقک). 

ص: 234

ویؤکد علیه السلام علی ضرورة حضور الوالی فی اوساط الناس وعدم الاکتفاء بالعمال المعینین لإدارة امور البلاد، لأن ذلک من شأنه ان یوجد حاجزاً عظیماً بین الوالی والرعیة وتکون نتیجته فقدان الرعیة الثقة بالوالی وجهله برعیته وجهلهم بهم.

(فلا تطولن احتجابک عن رعیتک، فإن احتجاب الولاة عن الرعیة شعبة من الضیق، وقلة علم بالأمور، والاحتجاب منهم یقطع عنهم علم ما احتجبوا دونه فیصغر عندهم الکبیر، ویعظم الصغیر، ویقبح الحسن، ویشاب الحق بالباطل).

کما ان أمیر المؤمنین علیه السلام یلفت نظر الولاة إلی ضرورة التعامل بحذر مع الأموال العامة لأن التلاعب بالأموال العامة یعنی ادانة الوالی وشعور الرعیة انه کان یسرق منهم جمیعاً.

(وایاک والاستئثار بما الناس فیه اسوة، والتغابی عما تعنی به مما قد وضح للعیون، فإنه مأخوذ منک لغیرک، وعما قلیل تنکشف عنک أغطیة الأمور، وینتصف منک للمظلوم).

ویؤکد علیه السلام علی ضرورة مد جسور المحبة والود والثقة بین الوالی والرعیة ومحاولة الابتعاد قدر الإمکان عما یؤدی إلی فقدان الثقة وضعف المودة بین الطرفین.

(وایاک والمن علی رعیتک بإحسانک، او التردید فیما کان من فعلک، او ان تعدهم فتتبع موعدک بخلفک، فإن المن یبطل الإحسان، والتزید یذهب بنور الحق،

ص: 235

والخلف یوجب المقت عند الله والناس).

وفی اشارة إلی اهمیة ثقة الرعیة بالوالی وضرورة تفویت الفرصة علی المتربصین من الأعداء الذین سیحاولون تشکیک الرعیة بالوالی خاصة فی بعض الحالات التی یکون تصرف الوالی قابلاً للحمل علی وجوه متعددة یقول علیه السلام:

(وان ظنت الرعیة بک حیفاً، فأصحر لهم بعذرک، واعدل عنک ظنونهم بإصحارک، فإن ذلک ریاضة منک لنفسک، ورفقاً برعیتک، واعذاراً تبلغ به حاجتک من تقویمهم علی الحق).

ویحذر علیه السلام من استغلال بطانة الوالی وخاصته مقام الوالی فی الإضرار بالرعیة وان علی الوالی عدم استغلال منصبه فی الإجحاف بمصالح العامة دفاعاً عن الخاصة لما لهذا النحو من التصرف من الآثار السلبیة التی ستنعکس علی ادارة امور الولایة:

(وانصف الله وانصف الناس من نفسک، ومن خاصة اهلک، ومن لک فیه هوی من رعیتک، فإنک الا تفعل تظلم، ومن ظلم عباد الله کان الله خصمه دون عباده).

ویعرض علیه السلام بالخاصة وانهم فی الأغلب لیسوا لهم دور بناء فی المجتمع بل هم اکثر اضراراً من غیرهم علی الوالی.

(ولیس احد من الرعیة اثقل علی الوالی مؤونة فی الرخاء، واقل معونة فی

ص: 236

البلاء، واکره للإنصاف، واسأل بالإلحاف، واقل شکراً عند الإعطاء، وابطأ عذراً عند المنع، واضعف صبراً عند ملمات الدهر من اهل الخاصة، وانما عماد الدین، وجماع المسلمین، والعدة للأعداء، العامة من الأمة فلیکن صغوک لهم ومیلک الیهم).

ویؤکد علیه السلام علی ضرورة اتخاذ الوالی المقدمات المانعة من تطاول الخاصة علی المصالح العامة بقوله:

(ثم ان للوالی خاصة وبطانة، فیهم استئثار وتطاول، وقلة انصاف فی معاملة، فاحسم مادة اولئک بقطع اسباب تلک الأحوال، ولا تقطعن لأحد من حاشیتک وخاصتک قطیعة، ولا یطمعن منک فی اعتقاد عقدة تضر بمن یلیها من الناس فی شرب اوعمل مشترک، یحملون مؤونته علی غیرهم، فیکون مهنأ ذلک لهم دونک، وعیبه علیک فی الدنیا والآخرة).

ویؤکد علیه السلام علی تضییق الدائرة الإعلامیة للفحشاء ویطالب الولاة بالشروع فی ذلک من دائرة المقربین الیهم حیث ان تضییق الدائرة الإعلامیة للفحشاء یسهم فی الحد من شیوعها، کما یمنح الفرصة لأصحاب الخطایا للتوبة والعودة إلی اوساط المجتمع الصالح انطلاقاً من المبدأ القرآنی.

{إِنَّ الَّذِینَ یُحِبُّونَ أَنْ تَشِیعَ الْفَاحِشَةُ فِی الَّذِینَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِیمٌ فِی الدُّنْیَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ یَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(1)


1- النور 19.

ص: 237

وانطلاقاً من هذه الرؤیة القرآنیة الحاثة علی تحقیق الأمن الاجتماعی ومنع شیوع روح الفساد والإفساد یأمر علیه السلام الوالی بإبعاد المتزلفین بمعایب الناس:

(ولیکن ابعد رعیتک منک واشنأهم عندک اطلبهم لمعائب الناس، فإن فی الناس عیوباً الوالی احق مَن سترها، فلا تکشفن ما غاب عنک منها، فإنما علیک تطهیر ما ظهر لک، والله یحکم علی ما غاب عنک، فاستر العورة ما استطعت یستر الله منک ما تحب ستره من رعیتک، اطلق عقدة کل حقد، واقطع عنک سبب کل وتر، وتغاب عن کل ما لا یصح لک، ولا تعجلن إلی تصدیق ساع).

وینبه علیه السلام إلی اهمیة الوزراء وان یکونوا من اصحاب الرأی والتدبیر وأصحاب السمعة الحسنة وان لا یکونوا ممن شارک فی الدول الظالمة:

(ان شر وزرائک من کان للأشرار قبلک وزیراً، ومن شرکهم فی الآثام فلا یکونن لک بطانة فإنهم اعوان الأثمة واخوان الظلمة، وانت واجد منهم خیر الخلف ممن له مثل آرائهم ونفاذهم، ولیس علیه مثل آصارهم واوزارهم وآثامهم).

ویبین علیه السلام الفائدة من اتخاذ مثل هؤلاء الوزراء.

(اولئک اخف علیک مؤونة، واحسن لک معونة، واحنی علیک عطفاً واقل لغیرک الفاً، فاتخذ اولئک خاصة لخلواتک وحفلاتک، ثم لیکن آثرهم عندک اقولهم بمر الحق لک، واقلهم مساعدة فیما یکون منک مما کره الله لأولیائه). 

ص: 238

ولضمان استقامة الوزارء یأمر علیه السلام الوالی ان یتعامل مع الوزراء تعاملاً موضوعیاً لا تعاملاً قائماً علی اساس المجاملة والمداراة لما فیهما من تضییع للمصالح العامة والإضرار بالنظام.

(والصق بأهل الورع والصدق، ثم رضهم علی الا یطروک ولا یبجحوک بباطل لم تفعله، فإن کثرة الإطراء تحدث الزهو، وتدنی من العزة).

ویوصی علیه السلام بالتعامل مع الناس علی اساس مالهم من اعمال حسنة وسیئة وعدم التسویة بین الاثنین؛ لأن من مضاره إغراء المسیء بالإساءة وتزهید المحسن بالإحسان (ولا یکونن المحسن والمسیء عندک بمنزلة سواء، فإن فی ذلک تزهیداً لأهل الإحسان فی الإحسان، وتدریباً لأهل الإساءة علی الإساءة، والزم کلاً منهم ما الزم نفسه).

ویؤکد علیه السلام علی الالتزام بالدستور وعدم تجاوزه.

(واردد إلی الله ورسوله ما یضلعک من الخطوب، ویشتبه علیک من الأمور فقد قال الله تعالی لقوم احب ارشادهم.

{یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آَمَنُوا أَطِیعُوا اللَّهَ وَأَطِیعُوا الرَّسُولَ وَأُولِی الأمْرِ مِنْکُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِی شَیْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَی اللَّهِ وَالرَّسُولِ}.

فالرد إلی الله الأخذ بمحکم کتابه، والرد إلی الرسول الأخذ بسنته الجامعة غیر المفرقة). 

ص: 239

2 _ المحور الثانی: ادارة الولایة

أ _ الضمان الاجتماعی

فی مقام رعایة حقوق الطبقات الفقیرة من المجتمع ومن منطلق التکفل الاجتماعی الذی أثبته النظام الاقتصادی الإسلامی یأمر علیه السلام الولاة ان لا یغفلوا جانب الطبقة المحرومة من المجتمع، ویوصی الولاة ان یتصلوا بهذه الطبقات عن طریق تعیین أشخاص من الثقات الورعین، وان یتولی الوالی بنفسه الاتصال بهم والحدیث الیهم للاطلاع علی احوالهم عن قرب؛ لما فی ذلک من الدور المهم فی رسم البرنامج العملی المثمر لحل مشاکلهم، (ثم الله الله فی الطبقة السفلی من الذین لا حیلة لهم من المساکین والمحتاجین واهل البؤس والزمنی، فإن فی هذه الطبقة قانعاً ومعتراً، واحفظ الله ما استحفظک من حقه فیهم، واجعل لهم قسماً من بیت مالک وقسماً من غلات صوافی الإسلام فی کل بلد، فإن للأقصی منهم مثل الذی للأدنی، وکل قد استرعیت حقه، فلا یشغلنک عنهم بطر... وتفقد امور من لا یصل الیک منهم ممن تقتحمه العیون وتحقره الرجال ففرغ لأولئک ثقتک من اهل الخشیة والتواضع، فلیرفع الیک امورهم... وتعهد اهل الیتم وذوی الرقة فی السن ممن لا حیلة له، ولا ینصب للمسألة نفسه، وذلک علی الولاة ثقیل... واجعل لذوی الحاجات منک قسماً تفرغ لهم فیه شخصک، وتجلس لهم مجلساً عاماً فتتواضع فیه لله الذی خلقک وتقعد عنهم جندک واعوانک من حرسک وشرطک حتی یکلمک متکلمهم غیر متتعتع...) 

ص: 240

وکان لهذا المنهج فی رعایة الفقراء دوره المهم فی الغاء مشاکل الطبقة الفقیرة ایام أمیر المؤمنین علیه السلام حتی روی انه علیه السلام رأی امرأة تحمل الماء إلی البیوت فسألها فأخبرته باستشهاد زوجها وصغر اطفالها ولا معیل لهم فقام علیه السلام بحل مشکلتهم بنفسه، حیث یظهر من هذه الروایة اختفاء حالة الفقر الموجب لعمل مثل هذه المرأة فی زمن أمیر المؤمنین علیه السلام اذ لو کانت حالة عامة او شائعة لما کانت هذه الحادثة تلفت نظره علیه السلام.

ب _ الجانب الاقتصادی

یظهر من کلماته علیه السلام التأکید علی الدور المهم للاقتصاد فی تطور البلاد علی جمیع الأصعدة ولذا یؤکد علیه السلام علی مسألة الضرائب بوصفها تمثل المصدر المالی الأول الذی یؤمن لحکومة الولایة المال اللازم لتنفیذ مشاریعها الاجتماعیة منها والعلمیة والأمنیة، وفی حال عدم رعایة الوالی لهذا الجانب المهم فإن الإهمال سیؤدی إلی انهیار الوضع الاقتصادی الذی سیتبعه عجز ادارة الولایة عن تنفیذ الإصلاحات المطلوبة ومن ثمّ سینعکس ذلک علی ادارة البلاد وینتهی للإخلال بالوضع الأمنی. (وتفقد امر الخراج بما یصلح اهله، فإن فی صلاحه وصلاحهم صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم الا بهم، لأن الناس کلهم عیال علی الخراج؛ واهله. ولیکن نظرک فی عمارة الأرض ابلغ من نظرک فی استجلاب الخراج لأن ذلک لا یدرک الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بلا عمارة، اخرب البلاد واهلک العباد، ولم یستقم امره الا قلیلاً). 

ص: 241

وینهی علیه السلام عن القرارات الارتجالیة وغیر المدروسة ویطالب باحترام الخبرات السابقة وعدم تضییعها لما فی تضییعها من تأثیرات سلبیة علی ادارة البلاد بصورة عامة.

(ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة، واجتمعت بها الألفة، وصلحت علیها الرعیة، ولا تحدثن سنة تضر بشیء من ماضی تلک السنن... واکثر من مداراة العلماء ومناقشة الحکماء، فی تثبیت ما صلح علیه امر بلادک واقامة ما استقام به الناس قبلک).

ویؤکد علیه السلام علی النشاط التجاری والأمن الاقتصادی؛ ذلک لأن النشاط التجاری متوقف علی حرکة التجار ودورهم المهم فی توفیر السلع التی یحتاجها الناس فی امور معاشهم، ولکن التجار وبسبب رغبتهم فی الحصول علی اکبر قدر ممکن من الأرباح قد یقومون بما من شأنه الإضرار بالمستهلکین، فیجب مراعاة ما یضمن به سلامة النشاط التجاری بحیث تنمو الحرکة الاقتصادیة بسبب نشاطهم الذی تدعمه ادارة الولایة عن طریق توفیر التسهیلات اللازمة وتوفیر الأمن علی الصعیدین الداخلی والخارجی، کما ان علی ادارة الولایة حفظ التوازن التجاری بحیث لا یتضرر التجار لما فی تضررهم من نتائج سلبیة علی السوق الاستهلاکیة والنمو الاقتصادی، وکما ان رعایة التجار یجب ان لا تکون بالنحو الذی یؤدی للإضرار بالمستهلکین لما یؤدیه الاحتکار والربح الفاحش من شیوع حالة الفقر وما یرافقه من مشاکل امنیة واجتماعیة واخلاقیة. 

ص: 242

ج _ الجانب الأمنی

ویؤکد علیه السلام علی اهمیة الجانب الأمنی؛ لأنه فی حالة انعدام الأمن لا یمکن ان یقوم المسؤولون بأیة اصلاحات علی ای صعید کان.

(فالجنود بإذن الله حصون الرعیة وزین الولاة وعز الدین، وسبل الأمن ولیس تقوم الرعیة الا بهم، ثم لا قوام للجنود الا بما یخرج الله لهم من الخراج الذی یقوون به علی جهاد عدوهم، ویعتمدون علیه فیما یصلحهم ویکون وراء حاجاتهم)

ویؤکد علیه السلام علی اهمیة حالة الاستقرار والأمن فی البلاد وعدم اشغال الناس بالحروب التی یمکن تفادیها لما فی الحروب من مشکلات تنعکس آثارها علی مختلف طبقات المجتمع وما تحتاجه الحرب من طاقات وامکانیات ولهذا السبب نجد ان أمیر المؤمنین علیه السلام کان لا یخوض حرباَ ضد مخالفیه الا بعد الیأس من رجوعهم عن غیهم، ولکن فی الوقت نفسه یوصی علیه السلام بالحذر التام وعدم الغفلة عن خطط الأعداء

(ولا تدفعن صلحاً دعاک الیه عدوک ولله فیه رضی، فإن فی الصلح دعة لجنودک، وراحة من همومک، وأمناً لبلادک، ولکن الحذر کل الحذر من عدوک بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب لیتغفل، فخذ بالحزم واتهم فی ذلک حسن الظن)

ویؤکد علیه السلام علی مسألة ولاء القوات المسلحة للقیادة لما فی الإخلال بهذه النقطة من أخطار یمکن ان تهدد مستقبل الدولة السیاسی، ولما کان

ص: 243

ولاء الجند یعتمد علی ولاء القادة فمن الضروری الاهتمام بالصفات التی یجب ان یتحلی بها القائد، والمنهجیة التی من شأنها ان توثق الترابط بین الوالی والجند، ونجمل ما بینه علیه السلام فی هذین الموردین فی نقاط:

أ _ ضمان الاتجاه الفکری والسیاسی للمنتخب کقائد للجند.

ب _ تمتعه بسمعة طیبة ولم یسبق له ان ارتکب خیانة فی حق الأمة.

ج _ تمتعه بالاتزان فی قراره العسکری، فلا یدفعه الانفعال إلی اتخاذ قرارات من شأنها التأثیر سلباً علی الأمن الداخلی او الخارجی.

د _ ان یکون من ذوی المروءات والأحساب والبیوتات الصالحة، ویتحلی بالصفات الحمیدة کالنجدة والشجاعة والسخاء والسماحة.

هذا بالنسبة لخصوصیات القائد اما بالنسبة للمنهج الذی یوثق علاقة الوالی بالجند:

أ _ تفقد صغار امورهم وکبارها کتفقد الوالد لأمور ولده، لأنه مدعاة لبذل الجند لنصیحتهم للوالی.

ب _ تقدیم القائد الاکثر رعایة لجنده.

ج _ الإشادة بما ابدوه من شجاعة وبسالة، لأن ذلک یدعوهم إلی بذل الجهد لنصیحتهم للوالی.

د _ الإشادة بکل قائد منهم بحسب فعله دون تعظیم صغائر الأمور لشرف من قام بها او تصغیر عظائم الأمور لضعة من قام بها. 

ص: 244

د _ القضاء

للقضاء اهمیة خاصة فی جمیع الأنظمة علی اختلاف اتجاهاتها وادیانها، لأن فی القضاء ضمان الحقوق وغل ایدی المتجاوزین، وفی حال الإخلال بالنظام القضائی فإن الأمن الداخلی سیتعرض لخلل شدید یؤدی فی النهایة إلی الإخلال بجمیع مرافق الحیاة العامة، وبسبب هذه الحساسیة الخاصة للقضاء لابد من توفر صفات فی شخص القاضی تؤهله لتولی هذا المنصب ونجمل فی نقاط خصوصیات القاضی فی نظر أمیر المؤمنین علیه السلام:

أ _ العلم والفطنة.

ب _ الموضوعیة، فلا یصر علی خطأ ولا یستصعب الرجوع إلی الحق.

ج _ اتزان شخصیتة وتعالیه عن الطمع.

د _ الدقة فی التعامل مع القضایا وبحث جمیع احتمالاتها.

ه_ _ التوقف عند الشبهة وعدم الخوض فیها وعدم اصدار حکم لم تتوفر أدلته بعد.

و _ سعة الصدر فی استماع کلمات الخصوم.

ی _ الصرامة فی اتخاذ القرار بعد تمامیة ادلته.

ولما کان القاضی انساناً یمکن ان یتعرض للکثیر من المغریات والمؤثرات النفسیة التی یمکن أن تؤدی إلی الإضرار بالرعیة فعلی الوالی رعایة جملة من الأمور:

ص: 245

أ _ متابعة الأحکام الصادرة عن القاضی بصورة مستمرة.

ب _ رعایة وضعه المادی بحیث لا یحتاج إلی الناس فلا یطمع فیما یبذل له.

ج _ التعامل معه بالطریقة التی یطمئن بها ان المقربین من الوالی لا یمکنهم الطعن فیه، بالنحو الذی یعرض وضعه الرسمی للخطر، مما قد یضطره إلی رعایة جانب مقربی الوالی حفاظاً علی مرکزه.

ه_ _ الموظفون

الأمور الإداریة لا یمکن ان ینهض بها شخص واحد ولذا کانت جمیع الدول والحکومات تحتاج إلی موظفین یعملون فی القطاع العام، ویشیر علیه السلام إلی ضرورة وجود صفات خاصة فی العاملین موظفین فی الدولة کما ان علی الوالی القیام بجملة من الأعمال بحیث یمکن من خلال هاتین الجهتین ضمان سلامة مسیرة العمل الإداری فی البلاد، وحول صفاتهم یقول علیه السلام:

(وتوخ منهم أهل التجربة والحیاء من اهل البیوتات الصالحة والقدم فی الإسلام المتقدمة، فإنهم اکرم اخلاقاً واصح اعراضاً واقل فی المطامع اشراقاً، وابلغ فی عواقب الأمور نظراً).

واما ما یتعین علی الوالی عمله لضمان سلامة مسیرة العمال فنجمله فی نقاط:

أ _ ان یستعمل الوالی العمال اختباراً لا محاباة. 

ص: 246

ب _ توسعة حالتهم المعاشیة، لمنعهم عن التجاوز علی حقوق الرعیة.

ج _ متابعة اعمالهم عن طریق انشاء جهاز خاص من الثقات المنتخبین لمراقبة اعمالهم بصورة سریة، لیشعروا دائماً انهم تحت المراقبة المباشرة المستمرة للوالی.

د _ معاقبة المتجاوزین منهم بشدة وحزم لاجتثاث جذور الفساد الإداری.

و _ الکتاب

للکتاب فی کل عصر ومصر دور مهم فی الأعمال الإداریة، والتی یطلق علیها الیوم اسم القلم او القلم السری، وفی البلاطات اسم الدیوان الملکی او الرئاسی، ویمثل الکتاب فی ای دائرة دور الحافظ للأعمال الإداریة المنجزة او التی یراد انجازها و اصدرت القرارات بشأنها، والکاتب فی ذلک الوقت هو الذی یوکل الیه ترجمة افکار الرئیس وایصالها إلی مرؤوسیه، ولأهمیة دور الکاتب اشار علیه السلام إلی الخصوصیات التی یجب ان یتحلی بها الکاتب وما علی الوالی ان یقوم به لضمان سلامة اعمالهم:

أ _ ان یکون ذا شخصیة متزنة لا یغره الاحترام.

ب _ ان یکون من اصحاب الجد فی العمل.

ج _ ان یکون من ذوی النظر الثاقب بحیث یتفهم تفهماً حقیقیاً موقف الوالی.

د _ ان یکون ممن یعرف قدر نفسه وان لا یعطی نفسه اکثر من قدرها؛ لأن

ص: 247

ذلک قد یدفعه للتلاعب بأمور البلاد.

واما ما یتعین علی الوالی القیام به تجاه الکتاب:

أ _ ان لا یقتصر الوالی فی الانتخاب علی فراسته لأن التصنع قد یغلب الفراسة.

ب _ ان یدرس ماضیهم فی أعمال الولاة الصالحین دراسة موضوعیة.

ج _ ان یکون الکاتب ذا سابقة حسنة وله سمعة حسنة بین الرعیة.

د _ تحلیه بالأمانة الشدیدة.

ه_ _ ان یکون لکل مورد إداری شخص یکون المسؤول المباشر عن الکتاب.

و _ التنبه التام لعیوب الکتاب لما لها من أثر سلبی منعکس علی سیاسات الوالی.

3 _ معالجة حرکات التمرد

اشارة

بعد مقتل عثمان ومبایعة الأمة أمیر المؤمنین علیه السلام تمرد علی حکمه عدة تیارات سیاسیة کانت تعیش فی اوساط الدولة.

وحرکات التمرد هذه قادها:

الحزب القرشی بقیادة الزبیر بن العوام وطلحة بن عبید الله وعائشة.

الحزب الأموی بقیادة معاویة بن أبی سفیان. 

ص: 248

الخوارج بقیادة ذی الثدیة.

دهاقین اذربیجان.

وقد تصدی أمیر المؤمنین علیه السلام بنفسه الشریفة لحرکات التمرّد الثلاثة الاُوَل بینما تصدی ابن عباس لدهاقین اذربیجان ایام ولایته للبصرة.

وحیث ان البحث یقع فی تعامل اهل البیت علیه السلام مع حرکات التمرد فسنقصر البحث علی الثلاثة الاُوَل فقط.

أ _ حرب الناکثین

فی السنة الأولی لحکم أمیر المؤمنین علیه السلام اندلعت معرکة الجمل فی ولایة البصرة ودارت المعرکة بین جیش الدول_ة المرکزیة الذی یقوده أمیر المؤمنین ومعه الحسنان علیهم السلام وفیه جل الخیار من المهاجرین والأنصار إضافة إلی م_ن کان مع عثمان بن حنیف الأنصاری من اهل البصرة وم_ن التحق بأمیر المؤمنین علیه السلام من اهل الکوفة، وبین الجیش الذی اطلق علیه النبی صلی الله علیه وآله اسم الناکثین، ویقوده الزبیر بن العوام وطلحة بن عبید الله وعائشة بنت ابی بکر والی جنبهم بنو امیة وعدد من عمال عثمان الذین عزلهم أمیر المؤمنین علیه السلام ومن کان إلی جنب عائشة من اهل البصرة ایام فتنتها فیها قبل وصول أمیر المؤمنین علیه السلام.

والجذور التاریخیة لمعرکة الجمل تعود إلی قبل ایام وف__اة رسول الله صلی الله علیه وآله، حیث کانت قریش قد قررت ع_زل الخلافة عن أمیر المؤمنین علیه

ص: 249

السلام وبنی هاشم، وکانت ک_ل قبائل قریش اشترکت فی تلک المؤامرة التی انضم الیها معاذ بن جبل واسید بن حضیر وبشیر من سعد من زعماءالأنصار.

وکان طلحة بن عبید الله یطمح إلی نیل الخلافة منذ حیاة النب_ی صلی الله علیه وآله، وکان یسعی ان یکون له موطئ قدم فی بی_ت رسول الله صلی الله علیه وآله إذ کان یخطط للزواج من عائشة بع_د وفاة النبی صلی الله علیه وآله ولکن الله تعالی حرم علی نساء النبی صلی الله علیه وآله الزواج بعده، وکان الزبیر إلی مدّة قریبة من وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله من المدافعین عن خلافة أمیر المؤمنین علیه السلام وحقه فی ادارة امور البلاد، ولکن بعد ان کبر ولده عبد الله _ الذی نجحت سیاسة خالته عائشة فی کسبه إلی جانبها _ فأثر فی ابیه تأثیراً کبیراً حتی زی_ن له منازعة أمیر المؤمنین علیه السلام الحکم، وکان لعائش_ة دور کبیر فی دعم سیاسة والدها وعمر من بعده، فکانت عائشة تطمع بعد قت_ل عثمان بالسیطرة الکاملة علی مقالید الأمور ولا یتم لها ذل_ک الا اذا وصل إلی الحکم شخص یمکنها التحکم به وبقراراته.

وبعد قتل عثمان کانت عائشة تتصور ان الخلافة لن تخ_رج عن طریقتها التی رسمت لها فی تلک الحقبة، بحیث لن یصل الأمر إلی أمیر المؤمنین علیه السلام وان الخلافة ستکون نصی_ب الزبیر او طلحة بن عبید الله؛ لأنهما اقوی الشخصیات القرشیة، ولکن بعد ان انتهت الخلافة إلی أمیر المؤمنین علیه السلام ثارت ثائرة عائشة وهی فی طریقها إلی المدینة لتبارک لصهرها او ابن عمها

ص: 250

الخلافة، وامرت من معها بالرجوع إلی مکة ث_م اقامت هناک وخصصت لها مکاناً تزار فیه واعلنت من هناک ان عثمان قتل مظلوماً وان قتلته یتمتعون بحمایة أمیر المؤمنین علیه السلام، وانها ترید الطلب بثأره، بعد ان کانت تدعو الجماهیر التی انهالت علی المدینة من المصریین والکوفیین والبصریین _ الذین طالبوا عثمان بالحد من استهتار الولاة _ إلی قتل عثمان وقد روی عنها انها کانت تقول: اقتلوا نعثلاً فقد کفر.

وبعد ان بایع الزبیر وطلحة أمیر المؤمنین علیه السلام طلبا من_ه ان یوکل الیهما امارتی البصرة والکوفة فرفض أمیرالمؤمنین علیه السلام طلبهما؛ لأن المدینتین تتمتعان بقدرات عسکریة ومالیة ضخمة، فلهما اثر کبیر فی تغییر المعادلة السیاسیة والعسکریة والرجلان لیسا اهلاً لأن توکل إلیهما هذه المواقع الحساسة.

علم الزبیر وطلحة بنشاط عائشة بعد رفض أمیر المؤمنین علیه السلام طلبهما فقررا الالتحاق بعائشة فی مکة، وعلم معاویة بتحرک عائشة وانضمام الزبیر وطلحة الیها، فشجع ولاة عثمان ومن فی الحجاز من بنی امیة علی الالتحاق بها، هادفاً بذلک ابعاد الخطر عن الشام واضعاف الدولة المرکزیة، حیث انه یعلم انه ان انتصر الناکثون فهم لا یتمتعون بالقوة الکافیة للقضاء علی سلطانه فی الشام، بل سیتمکن بسهولة من م_د نفوذه إلی مصر وافریقیا ولن یصعب علیه بعدها امر، واما اذا انتصر أمیر المؤمنین علیه السلام فإن هذه الحرب ستسهم فی تأخیر توجه أمیر المؤمنین

ص: 251

علیه السلام بقواته إلی الشام، التی کان علیه السلام یعد العدة للتوجه إلیها مذ کان فی المدینة، وامعاناً من معاویة فی السعی لنجاح خطته کتب إلی الزبیر مخادعاً ایاه انه بایع له ولطلحة من بعده فی الشام.

اجتمع الناکثون فی مکة لبحث ما یتعین علیهم فعله والمک_ان الذی علیهم ان یتوجهوا الیه فاختاروا المسیر إلی البصرة بعد ان أخبرهم عبد الله بن عامر ان له صنائع فیها.

وکان اختیارهم للبصرة بعد ان ناقشوا السیر إلی المدین__ة للقضاء علی حکم أمیر المؤمنین علیه السلام ولکنهم خشوا مغب_ة ذلک لوجود أمیر المؤمنین علیه السلام والثائرین من اهل البصرة والکوفة ومصر فیها، وکذا لم یتوجهوا إلی الکوفة؛ لأنه__ا خارجة عن سیطرتهم لأنها اول المناطق رفضاً لحکم قریش الجائر وسبق لأهلها ان طردوا والی عثمان سعید بن العاص الأموی منها، کما ان التوجه إلی الشام لم یکن فی صالحهم لوجود معاویة وتمتعه بالقدرة الکاملة علی المناورة بحیث لا یتمکن الرجلان من الوصول إلی مبتغاهما بیسر، هذا إضافة إلی معارضة بنی أمیة الشدیدة لتوجههم إلی الشام.

توجه القوم إلی البصرة وعلم أمیر المؤمنین علیه السلام بذل_ک، فقرر اخذ الطریق علیهم لمنعهم من التوجه الیها، فتوجه إلی الربذة ولکنهم کانوا قد فاتوه، فتوجه إلی ذی قار وعسکرفیها لحین التحاق قوات الکوفة والحجاز به.

وصل الناکثون البصرة وانقسم اهلها إلی ثلاث فرق، واحدة مع عائشة وهم

ص: 252

صنائع عبد الله بن عامر، وفرقة مع عثمان بن حنیف عامل أمیر المؤمنین علیه السلام علی البصرة، وفرقة اختارت الحیاد.

وبعد حصول منازعات وقتال شدید بین عثمان بن حنی__ف رضوان الله علیه وانصاره من اهل البصرة والناکثین، اتفقوا وقف القتال بشروط منها ان تکون دارالإمارة وبیت المال والمسجد لعثمان بن حنیف، وان یکون الناکثون فی محل خاص لحین وصول أمیر المؤمنین علیه السلام، لکن الناکثین لما علموا بتوجه أمیر المؤمنین علیه السلام إلی البصرة خفروا الذمة والقوا عهودهم وراء ظهورهم وهجموا علی بیت المال لیلاً وقتلوا حرسه، وأمسکوا عثمان بن حنیف ف_ی نفس اللیلة واخذوه اسیراً وارادوا قتله ولکنهم خشوا ان یث_أر اخوه سهل بن حنیف رضوان الله علیه _ عامل أمیر المؤمنی_ن علیه السلام علی المدینة _ من ذویهم فترکوه بعد ان نتفوا شعرلحیته وحاجبیه وشاربیه، وعلم انصار عثمان من اهل البصرة بما حدث فحملوا سیوفهم علی عواتقهم ووقعت الحرب بینه__م والناکثین حتی قتل عدد کبیر منهم، والتحق من بقی منه_م بأمیر المؤمنین علیه السلام حین قدومه إلی البصرة.

سیطر الناکثون علی البصرة وکشفت سیطرتهم علی البصرة عن دفائن شخصیاتهم، بحیث انه لو کتب لهم النصر، ل_م یبعد وقوع الحرب بینهم للسیطرة علی کرسی الحکم، فل_م یلبثوا ان وقع الخلاف بینهم علی بیت المال فختمه طلح__ة بختمه وکذلک الزبیر وعائشة، ووقع النزاع بینهم مرة اخری علی إمامة

ص: 253

الصلاة فی المسجد فتدافع طلحة والزبیر حت__ی کادت الشمس ان تشرق فأمرت عائشة أن یؤم الناس یوم_اً محمد بن طلحة ویوماً عبد الله بن الزبیر.

وبعد وصول أمیر المؤمنین علیه السلام إلی البصرة أرسل إلی الناکثین یدعوهم للرجوع إلی الطاعة فرفضوا ذلک وأصروا علی القتال او تنازل أمیر المؤمنین علیه السلام عن الحکم، وفی آخر محاولة أرسل أمیر المؤمنین علیه السلام غلاماً من أه__ل الکوفة فحمل القرآن ووقف بین الصفین یدعوهم إلی العم_ل بکتاب الله تبارک وتعالی فأمرت عائشة برشقه بالسهام حت__ی استشهد، فاندلعت الحرب بین الفریقین وانتهت بانتصارجیش أمیر المؤمنین علیه السلام، الذی امر ان لا یتعرض احد للذری_ة والنساء، والأموال عدا ما کان فی العسکر وان لا یتبع الفارون الا من ثبت ارتکابه لإحدی الجرائم التی یعاقب علیها الشرع کالقتل او الجرح او الضرب.

وهکذا انتهت الحرب بین الفریقین والتی نتج عنها انته__اء الحزب القرشی إلی الأبد، وفی هذه المعرکة قتل طلحة بن عبید الله بسهم رماه به مروان وقُت_ل ابنه محمد، وقتل الزبیر بن العوام بعد اعتزاله المعرک_ة، وقتل کعب بن سور القاضی الذی کان یمسک بزمام جم__ل عائشة، وقتل من الطرفین عدد کبیر(1).


1- النصرة فی حرب البصرة، دعائم الاسلام ج 1ص 389: نهج البلاغة ج 1ص43، الکافی ج1 ص343، ج5ص7، 33، 53، ج8ص331، الخصال ص 377، التوحید ص 83، معانی الأخبار ص 5، کفایة الأثر ص 114، تحف العقول ص 477، المجازات النبویة ص 156، خصائص الأئمة ص100، تهذیب الأحکام ج 6 ص 156، روضة الواعظین ص 36، سائل الشیعة (آل البیت) - ج 15 ص 14، مستدرک الوسائل ج 3 ص 449، خاتمة المستدرک ج 3 ص 232، کتاب سلیم بن قیس ص 256، الغارات ج 2 ص 754، الارشاد ج 1ص 256، بحار الأنوار ج 23ص 207، السنن الکبری ج 8 ص181، المعیار والموازنة ص 239، کنز العمال ج 11 ص 338، تاریخ الیعقوبی ج 2 ص 180، کتاب الفتن ص 44، تاریخ الطبری ج 3 ص 462، المنتخب من ذیل المذیل ص 13، التنبیه والاشراف ص255، بلاغات النساء ص 7، البدایة والنهایة ج 6 ص 236، تاریخ ابن خلدون ق2 ج 2 ص 153، الکنی والالقاب ج 1 ص 161، الانوار العلویة ص 207، حیاة الإمام الحسین علیه السلام - ج 2 ص52، الصحیح من السیرة ج 4 ص 353.

ص: 254

وکشفت حرب الجمل عن الدور التخریبی الذی کان یقوم به ابو موسی الأشعری حیث کان یخذل الکوفیین عن أمیر المؤمنین علیه السلام ویدعوهم لعدم الاستجابة له، فأرسل علیه السلام ولده الإمام الحسن علیه السلام وعمار بن یاسر رضوان الله علیه عازلاً ابا موس_ی عن ولایة الکوفة، فلم یستجب لهما حتی استأذن مالک الأشتر رضوان الله علیه أمیر المؤمنین علیه السلام فتوجه إلی الکوفة وما ان سمع ابو موسی بقدوم الأشتر رضوان الله علیه حتی فر هارباً، والتحق اهل الکوفة بأمیر المؤمنین علیه السلام.

ب _ حرب القاسطین
اشارة

بعد معرکة الجمل توجه أمیر المؤمنین علیه السلام إلی الکوفة لتکون عاصمة للدولة، وکانت هناک جملة من الأسباب دعت أمیر المؤمنین علیه السلام إلی اتخاذ الکوفة عاصمة لدولته، منها ضعف القدرات العسکریة والمالیة فی المدینة علی العکس منها ف_ی الکوفة، اضافة إلی تواجد شیعته علیه السلام فی الکوفة والبصرة بحیث کانوا یشکلون نسبة مؤثرة فی المجتمع الکوفی آنذاک، والعنصر الذی لا یقل أهمیة عن العناصر المتقدمة، وج_ود معاویة فی الشام الذی

ص: 255

انضم الیه اغلب معارضو حکم أمی_ر المؤمنین علیه السلام کعبید الله بن عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن ابی بکر وعبد الرحمن بن خالد بن الولید وعمرو بن العاص وبنو امیة الذین کانوا فی الحجاز ایام الحکام الثلاث_ة، ومؤسسو الانحراف الفکری فی المجتمع الإسلامی ککع_ب الأحبار وتلامذته، وزعماء القبائل الذین کانوا یتمتعون بامتیازات خاصة ایام الحکومات السابقة، فالشام من الناحیة السیاسیة کانت تعد مرکز المعارضة لحکم أمیر المؤمنین علیه السلام بعد ان تفتت الحزب القرشی.

وکان القضاء علی مرکز الفساد فی الشام من اولویات سیاسة أمیر المؤمنین علیه السلام قطعاً لمادة الفساد، اذ کان خطر معاویة علی الإسلام وهو فی الشام لیس بأقل من خطره علیه ایام کان یشارک اباه فی قیادة عساکر الشرک ضد النبی صلی الله علیه وآله.

واتباعاً لمنهجه علیه السلام فی الحفاظ علی الدماء والدع___وة بالموعظة الحسنة واختیار السبل السلمیة فی حل النزاع_ات وعدم اللجوء إلی الخیار المسلح الا اذا لم یبق مجال للح__ل السلمی، کان علیه السلام یبعث الرسل إلی معاویة داعیاً ایاه إلی ترک الشقاق والدخول فی الطاعة، ولکن الأخیر کان یعلم ان تحقیق أطماعه السیاسیة یمر من خلال معصیة أمیر المؤمنین علیه السلام حیث لا محل لمعاویة وامثاله فی دولة یحکمها عدل أمیر المؤمنین علیه السلام، لذا کان معاویة یرفض دائماً ما یدعوه الیه أمیر المؤمنین علیه السلام ویتحجج بحجج متلونة فتارة

ص: 256

یطالب تسلیم قتلة عثمان إلیه واخری یتهم امیر المؤمنین علیه السلام بالمشارکة فی قتل عثمان واخری یطالبه بترک الشام فی یده واخیراً دعاه إلی خوض الحرب.

کان معاویة قد امضی فی الشام اعواماً والیاً علیها من قب_ل الحکام الثلاثة ووسع عثمان سلطته لتعم الشام بأجمعه، وکان الوحید من ولاة عمر الذی لم تنله قراراته التی کان یه_دف من خلالها للسیطرة علی الولاة ومنع تمتعهم بالقدرة التی من شأنها ان تؤهلهم للتمرد والعصیان، فکانت المدّة الطویلة فی الحکم وفسح المجال له للتصرف کیف شاء فی أمور ولایت_ه مهد له سبل تمتین العلاقات مع زعماء القبائل والشخصی_ات الاجتماعیة، وکانت الأموال التی تجبی إلیه من ولایة الشام الغنیة عاملاً مهماً فی توطید تلک العلاقات، حتی انه لما اراد ان یخوض الحرب ضد أمیر المؤمنین علیه السلام لم یواجه مشکلة حیث ان الجهاز الإعلامی الوحید فی الشام خاضع له تماماً، وکان قد سعی جاداً لمنع أی نشاط اعلامی فی الشام لایرتبط به ولا یخضع لسیاسته، لذلک کان کلما انفذ الیه عثمان احد المعترضین علی سلطانه یسارع فی الکتابة إلی عثمان طالباً منه ابعاده ع_ن الشام لئلا یفسد الناس علیه کما حصل مع ابی ذر الغفاری رضوان الله علیه، وشخصیات الکوفة الذین نفاهم عثمان إلی الشام بطلب من سعید بن العاص.

و کانت الزعامات القبلیة الشامیة علی وفاق تام مع معاویة والمبرر الإعلامی لخوض الحرب موجود وهو الطلب بثأر عثمان حیث علق قمیصه علی منبر مسجد دمشق وحشد معاویة وعاظ البلاط لدعوة الناس للبکاء علی عثمان والطلب بثأره،

ص: 257

ثم عزز موقفه الإعلامی بدعوة شرحبیل بن السم_ط الکندی احد الشخصیات الشامیة المرموقة ذات الأصل الیمنی للوقوف إلی جنبه ودعوة الناس لقتال أمیر المؤمنین علیه السلام فأجابه إلی ما اراد.فمعاویة کان قد ضمن الوضع العسکری والسیاسی والمال_ی والاجتماعی فی الشام.

ولذا لم یکن أمیر المؤمنین علیه السلام هذه المرة امام عدوضعیف لیست له جذور ممتدة فی المنطقة التی یرید الانطلاق منه_ا لخوض الحرب ضده، کما هوالحال فی الناکثین، کما ان معاویة لدهائه ومکره ضم إلی جنبه جملة من دهاة العرب أحدهم عمرو بن العاص الداهیة المعروف.

واما اهل الکوفة فالأمر فیهم مختلف تماماًحیث لم تعش الکوفة وضعاً مستقراً مع الولاة فأول ولاتها سعد بن ابی وقاص الذی طالب الکوفیون عمر بعزله بدعوی أنه لا یحسن الصلاة، وعم_ار بن یاسر ابلغ اهل الکوفة عمر بأنه یتحدث عن فضائل أمیر المؤمنین علیه السلام ویدعو إلی ولایته، وانه الأولی بشؤون المسلمین من کل احد فساء ذلک عمر فعزله، ثم نصب ابا موسی الأشعری فطلب الکوفیون عزله لأنه یتلاعب بالکلأ فیبیعه ویستخلص المال لنفسه مع انه مباح للجمیع فعزله ونصب المغیرة بن شعبة عاملاً علیها، فقتل عمر وهو علیها، ثم ولاها عثمان الولید الفاسق فساءت سیاسته اهلها حت_ی نزعوا خاتمه من یده فی صلاة الصبح وهو سکران وقد قاء الخمر فی محراب المسجد فشکوه إلی عثمان فلم یسمع قولهم واراد ایقاع العقوبة بهم فتدخل أمیر المؤمنین علیه السلام وامره بعزل

ص: 258

الولید واقامة الحد علیه فاضطر عثمان تحت ضغ_وط أمیر المؤمنین علیه السلام وباقی الشخصیات إلی عزله ونصب سعید بن العاص الذی وقعت مشادات کلامیة بینه وبین سراة الکوفة وزعمائها القبلیین فطلب سعید من عثمان ان ینفیه_م عن الکوفة، فنفاهم إلی الشام وهناک خشی معاویة ان یؤثروا فی الناس بسبب تعریضهم بسیاسة التمییز العنصری التی یتبعها بنو امیة فنفاهم إلی قنسرین حیث عبد الرحمن بن خالد بن الولید الذی أساء الیهم کثیراً فترکوا المنفی ورجعوا إلی الکوفة وحرضوا اهلها علی سعید. وفیها تحرکت وفود الاستنکار من الکوفة والبصرة ومصر مطالبة بإصلاح اوضاع الدولة.

وقام عثمان بدعوة مجموعة من عماله کان بینهم سعید بن العاص لمناقشة کیفیة التصدی للتحرک الجماهیری فقرر اهل الکوفة عزل سعید ونصب ابی موسی والیاً علی الکوفة.

ومن هنا نجد ان الشخصیة الکوفیة کانت لا تتمتع بانسج_ام مع الولاة وکان عمر بن الخطاب یدرک هذه الحقیقة لذلک کلما شکوا عاملاً من عماله عزله عنهم دون ان ینظر فی صحة دعواهم، وهذه الحقیقة ادرکها معاویة بن ابی سفیان لذلک أوصی ولده یزید ان اهل الکوفة ان طلبوا منه فی کل یوم عزل وال فلیفعل، فعلی طیلة عشرین سنة من تأسیس الکوفة اعتاد الکوفیون علی الاعتراض علی الولاة والتعریض بهم وعزلهم، کما ان اهل الکوفة کانوا ذوی اتجاهات مختلفة ولدتها السیاسات السابقة علی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام فبعضهم یری الولاء لعمر

ص: 259

ابن الخطاب والسیر علی نهجه حتی ان أمیر المؤمنین علیه السلام لما اراد الغاء الجماعة فی التراویح تنادی الناس واسنة عمراه، والبعض الآخر من الذین کانت تربطهم بحکومتی عمر وعثمان مصالح خاصة ولدها التمییز العنصری الذی اوجده عمر وسارعلیه عثمان والغاه أمیر المؤمنین علیه السلام فکان ذلک سبباً فی ضیاع امتیازات کانوا یتمتعون بها فی تلک العهود فأوجد ذلک فی قرارة انفسهم معارضة لحکم أمیر المؤمنین علیه السلام وکان جل المتضرّرین من عدل أمیر المؤمنین علیه السلام الزعامات القبلیة التی لم یدخل الإیمان فی قلوبهم.

اندلعت الحرب بین الفریقین بعد ان یئس أمیر المؤمنین علیه السلام من قبول معاویة للحق وانه مصمم علی السیر فی ما یصبو الیه، وبعد معارک عدیدة ابدی فیها الفریقان بسالة منقطعة کاد النصر ان یکون حلیف الجیش الکوفی الذی یقوده أمیر المؤمنین علیه السلام وکادت القوات العسکریة التی یقودها مالک الأشتر رضوان الله علیه ان تصل إلی خباء معاویة لتنهی بذلک اعظم خطر یهدد الکیان الإسلامی من الداخل، وفی تلک اللحظات الحرجة التی اعد معاویة فیها فرسه للفرار، انفتق ذهن عمرو بن العاص عن حیلة مکنت قیادة الشام من تغییر مسیر التاریخ، حیث اشار علی معاویة برفع المصاحف علی أسنة الرماح ودعوة اهل الکوفة للتحاکم الیه، ولم یسبق لأهل الکوفة ان واجهوا مثل هذه الحادثة مع ماعرف عنهم من التحرک علی طبق تقییمهم للأحداث، فلم یشک ابن الع_اص بحتمیة وقوع الخلاف بینهم، مما سیضعف القوات الکوفیة ویمنعها من القضاء

ص: 260

علی الفئة الباغیة.

وتحقق ما توقعه ابن العاص حیث سارع الأشعث بن قی_س ومن علی هواه والجهلة من قراء الکوفة بترک ساحة القتال والتوجه إلی أمیر المؤمنین علیه السلام شاهرین سیوفهم فی وجهه یدعونه لإجابة القوم إلی ما یریدون وان یصدر اوامره للأشتر بترک القتال، فهم کانوا یخشون من مواجهة الأشتر رضوان الله علیه، ولکنهم یعلمون بطاعته المطلقة لأمیر المؤمنین علیه السلام ولم یجد علیه السلام بداً من الاستجابة لهم بعد ان اقام الحجة علیهم خشیة ان یقع القتال بین اهل الکوفة انفسهم مما سیؤدی إلی مفاسد اضر من بقاء معاویة، ذلک لأن وقوع الفتنة بین اهل الکوفة سیؤدی فی النهایة إلی استئصال الوجود الشیعی إلی الأبد، حیث سیجتمع علیهم اهل الکوفة والشام، مما یترتب علیه من المفاسد ما لا یترتب علی وقف القتال الذی سینتج عنه الحفاظ علی الوجود الشیعی، وهکذا اجبر جهلة الکوفة أمیر المؤمنین علیه السلام قبول وقف القتال.

قضیة الحکمین

اتفق الفریقان علی وقف الحرب سنة کاملة علی ان یعقد اجتماع یمثل فیه اهل الکوفة واهل الشام وفد منهما یقررون فیه مصیر زعیمی الفریقین، وکان تأثیر معاویة العظیم فی اهل الشام دعا الشامیین لتفویض جمیع الأمور الیه، ف_ی الوقت الذی لم یرض اهل الکوفة بتعیین أمیر المؤمنین علیه السلام عبد الله بن عباس ممثلاً عن اهل الکوفة واجبروه عل_ی ان یکون ابو موسی الأشعری ممثلاً عنهم،

ص: 261

وکان علیه السلام قد نهاهم عن ذلک لأن ابا موسی رجل منحرف عن اهل البیت اولاً، وغبی جاهل یمکن لعمرو بن العاص ان یتلاعب به بسهولة، ولکن اهل الکوفة رفضوا الاستجابة إلی نصح أمیر المؤمنین علیه السلام، والتقی الوفدان فی المدة المقررة، وک_ان الوفد الشامی متماسکاً تظهر فیه قوة التراص بین افراده بینما کان الوفد الکوفی وفداً متزعزعاً لایستطیع موفد أمیرالمؤمنین علیه السلام ان یتخذ قراراً ولا ان یبعث إلی أمیر المؤمنین علیه السلام کتاباً الا واصر الکوفیون علی الاطلاع علی کل صغیرة وکبیرة فیه مما ادی إلی ارباک وضع الوفد الکوفی وافشاء اسراره، وکل ذلک سببته العوامل التی تقدم ذکرها وهی خصلة ظلت سائدة فی المجتمع الکوفی، وبعدها اجتمع ابو موسی مع داهیة قریش عمرو بن العاص السهمی الذی لم یخطر الإیمان فی قلبه ولو خطوراً، واتفقا علی عزل أمیر المؤمنین علیه السلام ومعاویة وترک الأمرشوری بین الأمة تختار من تشاء، واراد ابو موسی من عمرو ان یتقدم ویرقی المنبر لیخبر الناس بذلک ثم یتبعه هو وکان ابن عباس قد اوصی ابا موسی ان لا یتقدم عمراً، ولکن الأخیر خادعه ورفض ان یتقدمه رعایة لسنه وصحبته، انطلت الحیلة علی ابی موسی، واخبر الن_اس بخلعه لأمیر المؤمنین علیه السلام ومعاویة، ثم صعد عمرو المنبر واخبر الناس انه خلع أمیر المؤمنین علیه السلام واقر معاویة علی الخلافة فسبه ابو موسی وتضارب الفریقان وتجادلا، وهکذا انتهی اللقاء بین الفریقین دون ان یسفر عن ای نتائج ایجابیة بالنسبة لوضع المنطقتین، لکن کان له وقع کوقع الصاعقة علی رؤوس اهل الکوفة الذین علموا بفعلة ابن العاص انهم کانوامن الغباء بالدرجة التی ضیعوا علی

ص: 262

انفسهم فرصة ذهبیة.

وهکذا عاد الکوفیون یمزقهم الألم مع شعور کبیر بالخیبة والانکسار واثرت النکبة تأثیراً سلبیاً فی الجهلة الذین شهروا سیوفهم فی وجه أمیر المؤمنین علیه السلام یوم صفین فعادوا إلی الکوفة یطلبون منه علیه السلام نقض الهدنة ومباشرة الحرب فوراً.

وکان طلبهم هذا یدل علی جهلهم المرکب حیث ان المعاهدة التی علی اساسها اوقفت الحرب بین الفریقین حدد لها زمن معین ولم تعلق علی شیء، وعدم وصول الحکمین إلی نتیجة لا یعنی ان الهدنة قد نقض شرطها، فرفض أمیر المؤمنین علیه السلام طلبهم، فخرجوا یدعون الناس لتکفیر أمیر المؤمنین علیه السلام ومعاویة(1).

ج _ حرب المارقین

استمالت دعوة المارقین جملة من الجماهیر الکوفیة الساذجة التی تنعق مع کل ناعق لا یستندون فی موقفهم إلی کتاب الله ولا إلی قول نبی ولا وصی ولا فقیه بل یعملون بحسب قناعاتهم التی لا یمر زمن قصیر حتی یثبت لهم بطلانه_ا، ولم یشأ أمیر المؤمنین علیه السلام التعرض لهم اتباعاً لمنهجه علیه السلام فی الحریة السیاسیة فما دام القوم یحترمون سیادة الدولة فلا مبرر لإهاجتهم.

 وتصرمت ایام الهدنة ولم یبق منها الا ایام یسیرة فدعا أمیر المؤمنین علیه


1- انظر مصادر تمرد المارقین.

ص: 263

السلام الناس للتهیؤ لغزو الشام، وبعث مالکاً الأشتر رضوان الله علیه إلی مصر لیکون والیاً علیها، وعلم معاویة ببعث أمیر المؤمنین علیه السلام مالکاً رضوان الله علیه لمصر فأقلقه ذلک کثیراً خشیة ان یحاصر من جهتی العراق ومصر، وفکر واصحابه بإرسال قوة عسکریة للقضاء علیه لکنهم عدلوا عن ذلک لم_ا هو معروف من بأس مالک رضوان الله علیه، فدس الیه معاویة السم مع بعض عملائه فمات مسموماً رضوان الله علیه، وکانت شهادت_ه سبباً فی تفکیر معاویة الجدی فی السیطرة علی مص_ر؛ لأن فیها محمد بن ابی بکر الذی یمکن ان یسبب لهم مشاکل ل_و وقعت الحرب بینه وبین أمیر المؤمنین علیه السلام، فکتب معاویة لأهل خربتا فأجابوه باستعدادهم لخوض الحرب معه ضد محمد رضوان الله علیه فبعث بقوات الیهم مع عمرو بن العاص، وکاتب محمد رضوان الله علیه أمیر المؤمنین علیه السلام یخبره بمجریات الأحداث فأخذ علیه السلام یدعو الناس للتهیؤ لإنقاذ مصر، لکن قوات معاویة تمکنت من احتلال مصر وقتل محمد بن ابی بکر وانصاره.

لم یبق بد من خوض الحرب ضد معاویة بأهل العراق فأمر علیه السلام اهل الکوفة بالتهیؤ للقتال، فتهیأ الناس وبینما هم علی اهبة التحرک لقتال اهل الشام بلغهم قیام الخوارج بقتل حباب بن الأرت وشق بطن ام ولده وقتل نساء من طیء، فبعث أمیر المؤمنین علیه السلام رسولاً لمعرفة واقع الحال فقتلوه، وبعد قیام المارقین بسفک دماء المسلمین أصبحوا یشکلون خطراًحقیقیاً یهدد أمن الدولة

ص: 264

الإسلامیة وهو خطر یجب استئصاله قبل التوجه إلی الشام فذهب علیه السلام بالقوات إلی النهروان وبعث الوفود إلی القوم یدعوهم إلی التوبة والرشد وتسلیم القتل_ة وترک الشقاق، ورفع رایة امان وامن من عاد إلی الکوفة او توجه إلی المدائن وترک العسکر، فتفرق اکثر الناس بعد ان احتج علیهم أمیر المؤمنین علیه السلام واصحابه وأمنوهم، الا من افسد فی الأرض منهم، وبقی عدة منهم رفضوا الإثابة إلی الرشد فوقعت الحرب بینهم وبین قوات أمیر المؤمنین علیه السلام فقضی علیهم ولم یبق منهم الا عدد قلیل فروا هاربین لیقوموا بعد ذلک بإثارة الفتن حیثما وجدوا مما سبب ارب_اکاً لدولة أمیر المؤمنین علیه السلام حیث انه کان یضطر بین آونة واخری لإرسال قوات تطارد المفسدین من المارقین(1).


1- کتاب سلیم بن قیس ص 334، مناقب أمیر المؤمنین علیه السلام ج 2 ص 352، ا لعمدة ص 329 الروضة فی المعجزات والفضائل ص 159، الصراط المستقیم ج 1ص 164، عوالی اللئالی ج 1 ص412، وصول الأخیار إلی أصول الأخبار ص 78، کتاب الأربعین ص 421، حلیة الأبرار ج 2 ص178، بحار الأنوارج 23 ص 459، شجرة طوبی ج 2ص 338، الغدیر ج 2ص 146، المعیار والموازنة ص 310، شرح نهج البلاغةج 10ص 229، انساب الاشراف ص 318، تار یخ الطبری ج4 ص 10، البدایة والنهایة ج 7 ص 281، تاریخ ابن خلدون ق2 ج 2ص 168، وقعة صفین، الامامة والسیاسة ج 1ص 113، سبل الهدی والرشاد ج 10 ص 14، النصائح الکافیة ص 205، حیاة الإمام الحسین علیه السلام ج 2 ص 65.

ص: 265

الخلاصة

ومن العرض المتقدم لموقف أمیر المؤمنین علیه السلام من التمرد المسلح الذی قامت به الفئات الثلاث نستکشف فی منهج أهل البیت علیهم السلام فی مواجهة الحرکات المسلحة المعادیة لحکمهم الأمور الآتیة:

دعوة أهل البیت علیهم السلام المتمردین للإلتزام بشروط المواطنة المصالحة دون ترتیب أیة آثار علی تمردهم، إلا فی حالة ارتکابهم جرماً یعاقب علیه الشرع فیعاقب المرتکب بحسب قانون الشریعة.

عدم اللجوء للخیار العسکری الا بعد انسداد جمیع طرق الحوار مع المتمردین.

لاتقتصر دعوة الرجوع إلی المواطنة الصالحة علی قیادات التمرد بل یعلن اعلاناً عاماً ان کل من یندم ویلقی السلاح ویترک معسکر التمرد فإنه آمن الا من ارتکب جرماً فإنه یعاقب علی جرمه.

حتی مع انسداد طرق الحوار مع المتمردین کان أمیر المؤمنین علیه السلام لایبدأ القوم بالقتال حتی یکونوا هم البادئین. 

ص: 266

لا یُتعامل مع المتمردین من أهل القبلة کالتعامل مع المشرکین والمرتدین وأهل الذمة الذین نقضوا عهدهم، بل تکون الذریة والنساء فی أمان من الاسترقاق والسبی، والأموال التی لم یحوها العسکر لا یشملها قانون الغنائم، والتی حواها العسکر وکانت لغیر المتمردین اذا أثبت اصحابها انها اخذت منهم قهراً فإنها تعاد الیهم.

المدبرون من المتمردین الذین لا فئة لهم یرجعون الیها منع أمیر المؤمنین علیه السلام من مطاردتهم لانتهاء خطرهم علی الأمن العام وعدم قدرتهم علی تشکیل تهدید جدی للدولة.

یراعی فی مواجهة حرکات التمرد توفر الضوابط الشرعیة، فمالم یرتکب المتمردون جرماً یقتضی اعلان الحرب ضدهم یکتفی فی التعامل معهم بالدعوة بالتی هی احسن لإرجاعهم إلی احضان الدولة.

مراعاة الضوابط الموضوعیة فی حال الحرب من حیث طریقة تقسیم القوات واختیار الموضع المناسب للمعرکة ورسم الخطط العسکریة المناسبة. 

ص: 267

خلاصة الفصل الرابع

تصدی امیر المؤمنین علیه السلام لقیادة الدولة بعد مقتل عثمان ومبایعة الأمة له بصورة لم یسبق لها مثیل فی تاریخ الخلافة فی بلاد المسلمین ولم تتکرر بعده لأحد غیره.

والمتتبع للمنهج العام لأمیر المؤمنین علیه السلام فی قیادة الدولة علی الأصعدة الأمنیة والاقتصادیة والاجتماعیة ونحو الإداریة یجد ما یمکن إجماله فی النقاط الآتیة:

1 _ الاهتمام بالأمن وعدم السماح لأی کان بالإخلال به، وانزال اشد العقوبات بمن یعرض أمن البلاد للخطر.

2_ احترام الحقوق الشخصیة وعدم التعرض للأموال الخاصة ما دامت طرق الحصول علیها مشروعة ولم تأت من طرق غیر مسموح بها حسب مفردات الدستور الإسلامی.

3 _ ارجاع جمیع المفردات القانونیة إلی القرآن الکریم والسنة النبویة وازالة جمیع اشکال التصرفات الخارجة عن حدود الشرع. 

ص: 268

4 _ احترام المال العام والحقوق العامة والتسویة فی العطاء علی وفق ما قامت علیه السیرة النبویة الشریفة.

5 _ إلغاء قانون التمییز العرقی الذی سنه عمر واتبعه علیه عثمان.

6 _ احترام الحریة السیاسیة للأفراد والجماعات شریطة عدم التجاوز علی الحقوق العامة والإخلال بالأمن العام والالتزام برعایة المصالح العامة والقانون.

7 _ ایکال المهام الإداریة فی البلاد علی اساس الکفاءة دون ان یکون للانتماء القبلی او العرقی، ولذا کان عماله علی الأمصار قد روعیت فیهم الکفاءة فی اداء المهام الموکلة الیهم خاصة وان البلاد کانت تحتاج إلی نهضة عمرانیة وثقافیة وعلمیة بعد التشویه الذی تعرض له المجتمع بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله. فکان جل عماله ممن عاصر النبی صلی الله علیه وآله او تلقی التربیة والتعلیم الصحیحین علی ید خلص اصحاب النبی صلی الله علیه وآله فکان منهم عثمان بن حنیف علی البصرة وبعده عبد الله بن عباس، وعلی المدینة سهل بن حنیف، وعلی الأنبار کمیل بن زیاد النخعی، وعلی مصر قیس بن سعد بن عبادة، ثم خلفه علیها محمد بن ابی بکر، وعلی مکة قثم بن العباس بن عبد المطلب.

8 _ طرد القصاصین الذین کانوا یروون قصص التوراة والانجیل فی المساجد ایام عمر وعثمان بعد اصدار قانون منع روایة الحدیث النبوی فی محاولة من السلطة لسد الفراغ الثقافی خاصة بعد تسلط مسلمة اهل الکتاب علی المسار الثقافی ایام عمر وعثمان، ورفع الحظر عن روایة الحدیث النبوی وتصدی امیر

ص: 269

المؤمنین علیه السلام وخلص اصحابه لقیادة الثورة الثقافیة، والنهوض بواقع الأمة العلمی.

9_ کان علیه السلام یحاول دفع الحرب والصراع الداخلی ما امکن فکان یدعو القوی السیاسیة المعارضة إلی إلقاء السلاح والاشتراک الفاعل فی بناء البلاد وان یجنبوا المسلمین حروباً لا تعود علیهم بالنفع، وحتی مع عدم استجابة المعارضة المسلحة لم یکن لیبدأهم بالقتال مالم یبدأوه.

10 _ کان علیه السلام یوجه عماله علی الولایات علی ضرورة إعمال الضوابط الموضوعیة فی انتخاب الموظفین فی الدولة وقد شرح ذلک تفصیلا فی عهده لمالک الأشتر رضوان الله علیه لما ولاه مصر.

11 _ کان علیه السلام یؤکد لعماله وولاته علی الأمصار ان المنصب مسؤولیة اضافیة وامانة فی اعناق الولاة تجاه الأمة ویجب علیهم التعامل علی هذا الأساس.

12 _ کان علیه السلام یؤکد علی اتباع السبل العملیة والرجوع إلی اهل الخبرة فی مختلف المجالات الاقتصادیة والاجتماعیة والعمرانیة. 

ص: 270 

ص: 271

خاتمة البحث: التوفیق بین المواقف المتباینة لأهل البیت علیهم السلام

اشارة

ص: 272 

ص: 273

تمهید عند قراءة التاریخ السیاسی لأهل البیت علیهم السلام من موقع المعارضة نجد فیه المفردات الآتیة: 

1_ سکوت الامام امیر المؤمنین علیه السلام عن حقه واکتفاؤه ببیان استحقاقه للخلافة دون أن یقوم بأی عمل عسکری بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله. 

2_ امتناع اغلب ائمة اهل البیت علیهم السلام عن الثورة, ومنع اتباعهم من الدخول فی عمل السلطان.

3 _ قبول الإمام الرضا علیه السلام لولایة العهد. 

4 _ اعلان الإمام الحسین علیه السلام للثورة وشهادته مع اصحابه.

5 _ تأیید بعض الثورات المعارضة للسلطة الحاکنة ولزوم جانب الحیاد تجاه البعض الآخر.

والنقطة الرابعة تتعارض بظاهرها مع النقاط الثلاث المتقدمة، وعند قراءتنا لتاریخ اهل البیت علیهم السلام من موقع قیادة الدولة نجد: 

ص: 274

 1_ خوض الامام أمیر المؤمنین علیه السلام لمعارک الجمل وصفین والنهروان. 

2 _ عقد الامام الحسن علیه السلام للصلح مع معاویة.

وموقف امیر المؤمنین علیه السلام من موقع قیادة الدولة یتعارض مع موقفه من موقع المعارضة، وموقف الامام الحسن علیه السلام من موقع قیادة الدولة یعارض کلا من موقف امیر المؤمنین علیه السلام من موقع القیادة وموقف الامام الحسین علیه السلام من موقع المعارضة. وهذا الاختلاف فی المواقف یحتاج إلی دراسة علمیة موضوعیة لأن مقتضی عصمة الأئمة علیهم السلام وحدة المواقف لا اختلافها، ومن خلال الدراسة العلمیة لمواقف اهل البیت علیهم السلام سیتضح ان لا تنافی فی الواقع بین مواقفهم علیهم السلام بل ان کل واحد من المواقف مصداق للمنهج السیاسی الذی یتبعه الأئمة علیهم السلام فی العمل السیاسی.

1_ دراسة موقفی امیر المؤمنین علیه السلام

یظهر عند قراءة التاریخ السیاسی لأمیر المؤمنین علیه السلام موقفان مختلفان، الاول: کونه معارضاً سیاسیاً یکتفی بالمواقف غیر العسکریة زمن الحکام الثلاثة والثانی: قتاله للناکثین والقاسطین والمارقین بعد تولیه الحکم، مع أن الذین لم یحاربهم امیر المؤمنین علیه السلام کانوا یستحقون خوض الحرب ضدهم، وبعبارة اخری ان الذین حاربهم امیر المؤمنین علیه السلام والذین لم یحاربهم کان ملاک استحقاق المحاربة فیهما واحداً، فلم سکت عن اولئک وحارب هؤلاء؟!. 

ص: 275

والجواب علی هذا السؤال یمکننا ان نستلهمه من سیرة الرسول صلی الله علیه وآله فهو لم یحارب مشرکی مکة والطائف ایام الدعوة المکیة حتی هاجر إلی المدینة، والمشرکون بانفسهم لم یتغیروا ولم یتبدلوا، فلم هذا الاختلاف فی سیرته صلی الله علیه وآله مع وحدة الملاک فی مشرکی قریش قبل وبعد الهجرة؟! 

والجواب هنا واضح جداً وهو قلة عدد المسلمین فی ایام الدعوة المکیة بحیث لو خاض بهم الرسول صلی الله علیه وآله الحرب لتم القضاء علیه وعلیهم دون ان یتم له انجاز ما یرید من بث الدعوة الاسلامیة واعلاء کلمة الله تعالی ونشر التوحید ونبذ عبادة الاصنام، فاذن السبب فی اختلاف موقفی الرسول صلی الله علیه وآله اختلاف الظروف الموضوعیة؛ لان المسلمین فی المدینة اصبحوا ذوی عدة وعدد وقادرین علی خوض الحرب ولن تؤدی الحرب إلی استئصالهم بل ستکون مقدمة لاثبات قدراتهم العسکریة وتثبیت موقعهم السیاسی، فالظرف الموضوعی فی المدینة غیره فی مکة.

وکذلک الحال فی الحیاة السیاسیة لأمیر المؤمنین علیه السلام بعید وفاة الرسول صلی الله علیه وآله؛ اذ لم یکن معه من یقاتل القوم الا نفر یسیر لم یبلغ فی اعلی تقادیره اثنی عشر شخصا، وفی مقابلهم اسلم التی تضایقت بهم سکک المدینة وبعث اسامة الذی یزید علی ثلاثة آلاف مقاتل، فخوض امیر المؤمنین علیه السلام للحرب فی هذه الظروف یعنی القضاء علی هذه الثلة المؤمنة وقتله وقتل الحسنین علیهم السلام وبذلک تُطفأ شعلة الاسلام ویبلغ العبث بالدین مرحلة لا یمکن تدارکها. 

ص: 276

وقد ذکر امیر المؤمنین علیه السلام هذه الحقیقة وبین السبب فی عدم اعلانه الحرب علی الفئة التی خالفت امر رسول الله صلی الله علیه وآله ونقضت البیعة التی فی اعناقها، قال صلوات الله وسلامه علیه فی خطبته المعروفة بالشقشقیة: (وطفقت أرتئی بین ان اصول بید جذاء، او اصبر علی طخیة عمیاء، یهرم فیها الکبیر ویشیب فیها الصغیر، ویکدح فیها مؤمن حتی یلقی ربه، فرأیت ان الصبر علی هاتا احجی، فصبرت وفی العین قذی وفی الحلق شجی)(1).

وقال صلوات الله وسلامه علیه:(... فنظرت فاذا لیس لی معین الا اهل بیتی، فضننت بهم علی الموت واغضیت علی القذی وشربت علی الشجا، وصبرت علی اخذ الکظم وعلی امر من طعم العلقم)(2)

وفی خطبة أخری: (اللهم انی استعدیک علی قریش ومن اعانهم، فانهم قد قطعوا رحمی واکفوا انائی، واجمعوا علی منازعتی حقا کنت اولی به من غیری، وقالوا: الا ان فی الحق أن تأخذه، وفی الحق ان تمنعه، فاصبر مغموماً او مت متأسفاً، فنظرت فاذا لیس لی رافد ولا ذاب ولا مساعد الا اهل بیتی فضننت بهم عن المنیة، فاغضیت علی القذی، وجرعت ریقی الشجا وصبرت من کظم الغیظ علی امر من العلقم وآلم للقلب من وخز الشفار)(3).

وفی المقابل یبرز لنا علیه السلام تغیر الظروف الموضوعیة بحیث اصبح لزاماً


1- النهج خ3.
2- النهج خ 26.
3- النهج خ 217.

ص: 277

علیه ان یقوم بتغییر المنهجیة السابقة لانها لیست الا منهجیة آنیة ولیدة الظروف غیر الطبیعیة التی کان یعیشها علیه السلام فتبدل الاحوال یغیر الموقف الآنی لیعود إلی المنهج الاصیل الذی هو ولید الظروف الطبیعیة، وبعبارة اخری تنتهی منهجیة المرحلة المکیة وینتقل إلی منهجیة المرحلة المدنیة التی عاشهما رسول الله صلی الله علیه وآله ولذا قال صلوات الله وسلامه علیه فی خطبته الشقشقیة :

(اما والذی فلق الحبة، وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر، وقیام الحجة بوجود الناصر، وما اخذ الله علی العلماء الایقاروا علی کظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقیت حبلها علی غاربها، ولسقیت آخرها بکأس اولها ولألفیتم دنیاکم هذه ازهد عندی من عفطة عنز)(1).

فمن هذه النصوص یتبین بما لا شک فیه ان مسألة اعلان الثورة وعدمه عند أهل البیت علیهم السلام تتعلق بالظروف الموضوعیة المحیطة بالثورة وامکان اتیان الثورة ثمارها، والثمرة الاهم هی حفظ الدین وشرع سید المرسلین صلی الله علیه وآله، وهذا الحفظ لا یتحقق الا بأمرین؛ الاول: وجود الامام المعصوم علیه السلام، والثانی: وجود القاعدة المؤمنة، فزوال أی منهما یعنی خسارة لا یمکن تعویضها، وضربة قاصمة توجه للرسالة الاسلامیة بالقضاء علی قائدها او قاعدتها، فالظروف الموضوعیة للثورة دائما یؤخذ فیها هذان الجانبان.

وهذان الجانبان هما اللذان منعا أمیر المؤمنین علیه السلام من اعلان الثورة


1- النهج خ 3.

ص: 278

بعید وفاة الرسول صلی الله علیه وآله وهما اللذان دعیاه لمباشرة الحروب بعد تولیه الحکم.

وبعد هذا اصبح جلیاً ان موقفی الامام امیر المؤمنین علیه السلام لا تعارض بینهما فی الواقع لانهما یندرجان ضمن المنهج العام المتمثل فی ضرورة الحفاظ علی وجود القیادة المعصومة والقاعدة المؤمنة بهذه القیادة وان العمل السیاسی عند اهل البیت علیهم السلام تؤخذ فیه الظروف الموضوعیة وطبیعة التحدی بنظر الاعتبار.

2_ موقف الامام الحسن علیه السلام

تولی الامام الحسن علیه السلام الحکم بعد شهادة امیر المؤمنین علیه السلام، وبعد مضی عدة اشهر عقد مع معاویة معاهدة انهت الحرب بین الطرفین، وانتهت بسیطرة معاویة علی ادارة حکم البلاد الاسلامیة بشروط لم یلتزم بها معاویة، وسعی جاهداً للقضاء علی الامام الحسن علیه السلام حتی تم له ذلک بعد أن دس له السم. 

والمسألة التی نرید بحثها هی مدی تطابق عمله علیه السلام مع سیرة النبی صلی الله علیه وآله وسیرة امیر المؤمنین علیه السلام وبعبارة اخری مدی تطابق ما فعله علیه السلام مع الضابطة التی بیناها فی منهج التعامل مع الدولة الظالمة، فی اطار الجوانب التی یراعیها الائمة علیهم السلام فی منهجهم السیاسی. 

فنحن نجد فی حیاة الرسول صلی الله علیه وآله انه عقد معاهدات مع

ص: 279

المشرکین والیهود ولکنه کان محتفظاً بموقعه فی المدینة کقائد سیاسی أی انه صلی الله علیه وآله لم یعقد معاهدة حولته من قائد سیاسی إلی مواطن عادی فی الدولة، ولا نجد ذلک فی حیاة امیر المؤمنین علیه السلام. 

وهنا نستطیع القول أن النبی صلی الله علیه وآله والامام امیر المؤمنین علیه السلام کانا یتمتعان بقاعدة قویة مکنتهما من الحفاظ علی مواقعهما السیاسیة علی الرغم من عقد المعاهدات أی انهما فی فرض عدم عقدهما للمعاهدة لم یکن هناک استئصال للإمام والامة معاً. 

فالرسول صلی الله علیه وآله لم یکن محتاجاً لعقد صلح الحدیبیة للحفاظ علی الامام او القاعدة، وانما مکنه عقد الصلح من الحصول علی امتیازات کبیرة، حققها علی الصعید السیاسی ونشر دعوة التوحید وعزة المسلمین.

اما امیر المؤمنین علیه السلام فانه کان مضطراً فی عقد المعاهدة للحفاظ علی الامام والقاعدة المؤمنة لانه لو لم یقبل بعقد الهدنة مع معاویة لقتله اهل الکوفة الذین جنحوا لمطالب معاویة، ولنتج عن قتله شهادة الحسنین علیهما السلام واندلاع الحرب الداخلیة التی ستؤدی إلی قتل خلص انصاره، الا ان القوة السیاسیة التی کان یتمتع بها علیه السلام منعت من فقدانه لموقع القیادة. 

اما الامام الحسن صلوات الله علیه فانه کان مضطراً لعقد الصلح اذ ان زعماء الکوفیین الذین لم یعجبهم عدل امیر المؤمنین علیه السلام لانه ادی إلی فقدانهم للامتیازات الطبقیة التی کانوا یتمتعون بها ایام عمر وعثمان اتفقوا مع معاویة علی

ص: 280

تسلیم الامام الحسن علیه السلام واهل بیته الیه فی حال وقوع الحرب بین المعسکرین وهذا یعنی انضمام اغلب الجیش الکوفی إلی جیش معاویة ونتیجته القضاء علی القیادة المعصومة والقاعدة المؤمنة معاً، فاذن لم یکن بد من قبول الصلح وانتهاء الامر إلی هذه النهایة المؤسفة، لان الحفاظ علی القیادة والقاعدة لم یکن لیتم لولا الصلح، والا لو کانت الحرب قد اندلعت لتم القضاء علی القاعدة والقیادة معاً وحصل ما تحاش النبی صلی الله علیه وآله وقوعه فی المرحلة المکیة، وما تحاش وقوعه امیر المؤمنین علیه السلام بعید وفاة الرسول صلی الله علیه وآله واخر لحظات معرکة صفین.

فصلح الامام الحسن علیه السلام فی جوهره لم یکن متعارضاً مع منهجیة النبی صلی الله علیه وآله وامیر المؤمنین علیه السلام بل یجری ضمن نفس الدائرة التی کانا یعملان فیها، ودلیلنا علی ذلک ما صرح به _ بأبی هو وأمی _ لزعماء الشیعة فی سبب عقد الصلح: 

(یا حجر، فقد سمعت کلامک فی مجلس معاویة ولیس کل انسان یحب ما تحب ولا رأیه کرأیک، وإنی لم افعل ما فعلت الا ابقاءً علیکم...)(1).

ومثله قوله علیه السلام لابی سعید العقیصا: 

(... ولو لا ما اتیت لما ترک من شیعتنا علی وجه الارض احد الا قتل)(2)


1- العوالم ج 16 ط باب سائر ما وقع بعد بیعته علیه السلام ح 13 عن مناقب ابن شهر اشوب.
2- العوالم ج 16 باب العلة التی من اجلها صالح الحسن علیه السلام ح 3 وعلل الشرائع.

ص: 281

وهذا کاشف انه علی فرض انحفاظ القیادة المعصومة بشخص الإمام السجاد علیه السلام، لأنه کان صغیراً فی ذلک الوقت، الا ان هناک خطرین یهددان القاعدة المؤمنة:

الأول تعریض الشیعة لخطر واقعی اذ لم یکن الشیعة قد هیؤوا بعد لقبول امامة من فی سن الصبا من الأئمة علیهم السلام.

والثانی: ما صرح به الإمام الحسن علیه السلام من انه لولم یهادن معاویة لقتل جمیع الشیعة، فالذی سیحصل فی حال عدم الصلح القضاء علی القاعدة، الأمر الذی یتنافی مع ما تتبناه نظریة اهل البیت السیاسیة.

3 _ موقف الامام الحسین علیه السلام

موقف الامام الحسین علیه السلام فی کربلاء کان من موقع المعارضة السیاسیة وهو فی ظاهره یعارض موقف امیر المؤمنین علیه السلام وموقف الامام الحسن علیه السلام فی الصلح، فان الامام الحسین علیه السلام کان یقطع ویعلم علماً لا شک فیه انه ان اعلن الثورة استشهد ومن معه کما اخبر به الرسول صلی الله علیه وآله من شهادته ومع ذلک فانه اعلن الثورة وقاتل، افلا یکون ذلک متعارضاً مع ما اخذناه کضابط موضوعی لاعلان الثورة وعدمه، وهو الحفاظ علی القیادة المعصومةوالقاعدة المؤمنة؟

والجواب علی ذلک: ان الامام الحسین علیه السلام کان یقطع ببقاء القیادة المعصومة فی الامام السجاد علیه السلام وهذا یعنی ان القیادة المعصومة لن یتم

ص: 282

لبنی امیة استئصالها، واما القاعدة المؤمنة فان یزید اشد عجزاً عن استئصالها ذلک لان المعرکة التی دارت بین المعسکرین لم یستشهد فیها سوی نیف وسبعین من الشیعة، فالثورة الحسینیة علی صاحبها آلاف التحیات، لن تؤدی إلی استئصال القیادة ولا القاعدة فلا تعارض بینها ومنهج النبی صلی الله علیه وآله وأمیر المؤمنین والإمام الحسن علیهما السلام. 

یبقی هناک تساؤل عن جدوی هذه الثورة مع القطع بشهادة قائدها وخلص اصحابه، والجواب علی هذا التساؤل تقدم عند بحثنا المحور الثالث وتناولناه فی الموضوع الذی بحثنا فیه مدی نجاح الثورة الحسینیة فی تحقیق اهدافها.

4 _ موقف الإمام السجاد علیه السلام من الثورات

بعد شهادة الإمام الحسین علیه السلام اندلعت عدة ثورات عاصرها الإمام السجاد علیه السلام ویمکن تقسیم هذه الثورات إلی ثلاثة اقسام:

الثورات الموالیة لأهل البیت علیهم السلام کثورة التوابین وثورة المختار بن عبید.

ثورة آل الزبیر المعادیة لأهل البیت علیهم السلام.

ثورة المدینة المحایدة تجاه أهل البیت علیه السلام.

والإمام السجاد علیه السلام له موقفان مختلفان تجاه هذه الثورات؛ إذ کان علیه السلام مؤیداً لثورة المختار رضوان الله علیه بینما اتخذ موقفاً حیادیاً تجاه

ص: 283

ثورة المدینة وابن الزبیر.

وللوقوف علی سر التباین فی موقفی الإمام السجاد علیه السلام لابد من معرفة اتجاهات الثائرین.

اما ثورة المدینة فإن الذین قاموا بها لم یکن لهم ارتباط بأهل البیت علیهم السلام وقد سبق للإمام الحسین علیه السلام ان دعاهم إلی الثورة ضد الحکم الأموی فلم یستجب له منهم احد، کما ان لابن الزبیر یداً طولی فیها اذ کان احد اهم قادتها عبد الله بن مطیع العدوی احد انصار ابن الزبیر المهمین، ومن ثم فإن الثورة اذا کتب لها النجاح فهی تصب فی صالح عبد الله بن الزبیر احد اشد اعداء اهل البیت علیهم السلام، وحیث ان الثورة مصیرها الفشل مسبقاً لعدم أهلیة المدینة لمواجهة جیوش الشام، قرر الإمام السجاد الخروج إلی ینبع، وقد أثمر موقف الإمام السجاد علیه السلام تمکنه من انقاذ ما یزید علی خمسمائة عائلة من بطش جیش الشام.

اما ابن الزبیر فإنه ومنذ نعومة اظفاره کان مبغضاً لأهل البیت علیهم السلام ناصباً لهم العداء وکان احد رموز جیش الناکثین فی واقعة الجمل، ولما انتهت الیه الأمور فی العراق والحجاز صلی اربعین جمعة لم یذکر النبی صلی الله علیه وآله بغضاً لبنی هاشم.

اما المختار رضوان الله علیه فإن شعار ثورته کان العمل بالکتاب والسنة وسیرة أمیر المؤمنین علیه السلام والثأر لأهل البیت علیهم السلام، فلذا کان الإمام

ص: 284

السجاد علیه السلام مؤیداً له وان لم یعلن ذلک بسبب الظرف الأمنی الصعب الذی کان یعیشه علیه السلام ولعلمه بنتائج الثورة وعواقب دعمها علناً.

5 _ موقف الإمامین الصادق والکاظم علیهما السلام

اندلعت فی عهد الإمامین الصادق والکاظم علیهما السلام العدید من الثورات التی تباینت فی مواقفها من اهل البیت علیهم السلام فبعضها کانت تابعة من منهجها الفکری والسیاسی لأهل البیت علیهم السلام کثورة زید الشهید والنفس الزکیة واخیه ابراهیم والحسین الخیر صاحب فخ رضوان الله علیهم، بینما کانت هناک ثورات معادیة مخالفة لأهل البیت فی الفکر والمنهج کالثورة العباسیة ضد الأمویین وثورة ابن الأشعث وبعض ثورات الزیدیة.

وکان موقف الإمامین علیهما السلام من هذه الثورات ینسجم مع توجهات قادة الثورة فالثورة الموالیة لأهل البیت علیهم السلام یکون الموقف منها موقفاً ایجابیاً بل قد یتصدی الإمامان علیهما السلام إلی تأیید الثورة ولو فی دائرة الموالین ودعم الثورة مادیاً ورعایة عوائل الشهداء.

اما التیارات المخالفة لأهل البیت علیهم السلام فإن الإمامین علیهما السلام لم یؤیداها وکانا یحذران شیعتهما من الانخداع بشعاراتهم البراقة خصوصاً مع العباسیین الذین رفعوا مظلومیة أهل البیت علیهم السلام شعاراً لتمریر مخططاتهم السیاسیة. 

ص: 285

6_ موقف الامام الرضا علیه السلام

بعد انتهاء الحرب بین الامین والمأمون وسیطرة الاخیر علی دفة الحکم نصب الامام الرضا علیه السلام ولیا للعهد، والسؤال هنا فی مدی انطباق فعل الامام الرضا علیه السلام مع المنهج العام للنبی صلی الله علیه وآله واهل بیته؟.

والجواب عن ذلک ان الامام الرضا علیه السلام قبل ولایة العهد مکرها، واخبر فی مناسبات متعددة عن ذلک ولم یعد ذلک خافیاً علی أحد.

وکان الامام الرضا علیه السلام یحتج علی المعترضین بأمرین؛ الأول: سیرة النبی یوسف علیه السلام وتولیه لخزائن الارض للعزیز وهو مشرک، والثانی اکراهه علی ذلک(1)

واما من حیث الضابطة التی بیناها فنقول ان احداً من الائمة علیهم السلام لم یتول منصباً فی ادارات الدولة الظالمة وذلک لان الحکام السابقین علی المأمون کانوا یرون فی تولی ائمة اهل البیت علیهم السلام مناصبَ فی الدولة خطراً علی مصالحهم السیاسیة لاحتمال انتقال السلطة إلی العلویین والمأمون کان علی


1- عیون أخبار الرضا علیه السلام ج 1 ص 150 ح2: عن الریان بن الصلت، قال: دخلت علی علی بن موسی الرضا علیهما السلام فقلت له: یا بن رسول الله الناس یقولون: إنک قبلت ولایة العهد مع إظهارک الزهد فی الدنیا؟ فقال علیه السلام: قد علم الله کراهتی لذلک، فلما خیرت بین قبول ذلک وبین القتل إخترت القبول علی القتل، ویحهم! أما علموا أن یوسف علیه السلام کان نبیا ورسولا دفعته الضرورة إلی تولی خزائن العزیز (قال إجعلنی علی خزائن الأرض إنی حفیظ علیم) ودفعتنی الضرورة إلی قبول ذلک علی إکراه وإجبار بعد الاشراف علی الهلاک، علی أنی ما دخلت فی هذا الامر إلا دخول خارج منه فالی الله المشتکی وهو المستعان.

ص: 286

العکس من ذلک تماماً لان الظرف السیاسی الحرج الذی کان یعیشه کان یملی علیه ان یتخذ هذه الخطوة لاعادة الموازنة السیاسیة لصالحه، فالظروف الموضوعیة التی کان یعیشها الامام الرضا علیه السلام کانت تختلف عن الظروف الموضوعیة لبقیة الائمة صلوات الله وسلامه علیهم. 

وعدم قبول الامام الرضا علیه السلام لولایة العهد کان فیه تضییع خطیر للقیادة المعصومة وللقاعدة المؤمنة معاً، لان المأمون کان مصمماً علی تصفیة الامام الرضا علیه السلام جسدیا اذا لم یقبل ولایة العهد وکان الامام الجواد علیه السلام فی سن لم یعتد الشیعة الرجوع إلی الامام فیها.

فرفض الامام علیه السلام المنجر إلی قتله سیؤدی إلی ضیاع القاعدة بلا ادنی شک فکان الحفاظ علی القاعدة المؤمنة یقتضی ذلک، کما ان هذه المدة التی امضاها الامام الرضا علیه السلام بعیداً عن الامام الجواد صلوات الله علیه ولدت عند الشیعة حالة من الاستعداد لقبول امامة الائمة علیهم السلام فی سن صغیرة وهو امر قد تکرر بعد ذلک مع الامام الهادی والحجة المنتظر علیهما السلام. 

فقبول ولایة العهد کان ضروریاً جداً للحفاظ علی القاعدة المؤمنة من التفتت والضیاع، فیکون موقف الامام الرضا علیه السلام منسجماً مع مواقف الائمة صلوات الله علیهم غایة الامر ان تغیر الظروف الموضوعیة وتبدل نوع التحدی الذی عاشته الامة فی ذلک الحین اقتضی هذا النحو من التصرف. 

ص: 287

7 _ موقف الأئمة بعد الإمام الکاظم علیه السلام من الثورات

اشارة

شهدت حقبة ما بعد شهادة الإمام الکاظم علیه السلام العدید من الثورات ضد الحکم العباسی ویمکن تقسیمها إلی قسمین:

الثورات الهادفة إلی اسقاط الدولة العباسیة ونهض بها العلویون ایام الحرب الدامیة بین الأمین والمأمون ولکن بعد انتهاء الحرب لصالح المأمون تم القضاء علی هذه الثورات.

الثورات المحلیة التی کانت تندلع هنا وهناک بسبب السیاسات الجائرة للحکام کثورة قم.

ایام المأمون وبعد شهادة الإمام الرضا علیه السلام بسبب ثقل الضرائب المفروضة علیهم

والأئمة علیهم السلام لم یقفوا موقفاً سلبیاً تجاه هذه الثورات وان لم یصرحوا بتأییدهم لتلک الثورات بل لما طلب المأمون من الإمام الرضا علیه السلام دعوة الشیعة لإطاعة الدولة والخضوع للحکام وان تعرضوا للظلم الشدید من الحکام رفض الإمام الرضا علیه السلام ذلک بشدة. 

ص: 288

نتائج البحث

من البحوث المتقدمة یجد المتتبع ان أهل البیت علیهم السلام عند الحدیث عن الشروط الواجب تحققها فی الشخص لیکون مؤهلاً لقیادة الأمة یستندون إلی دلالات القرآن الکریم والسنة النبویة المطهرة فی بیان أمرین؛ الأول: العصمة من کبائر الذنوب وصغائرها والخطأ والنسیان، ودلیلهم فی ذلک آیة العهد التی نصت ان العهد الإلهی لاینال الظالمین، والأمر الثانی: النص علی الإمام من قبل الله تعالی فی کتابه العزیز او النبی صلی الله علیه وآله او الإمام السابق؛ لأن العصمة من الأمور الخفیة التی لاتعرف الا بالنص، واما النصوص التی دلت علی العصمة فمن القرآن الکریم آیة التطهیر الدالة علی العصمة التکوینیة لأهل البیت علیهم السلام والروایات الناصة علی عصمتهم مع ذکر اسمائهم بالتفصیل او النص علی البعض وذکر البعض الآخر بالإجمال، ومن النصوص القرآنیة التی شخصت الإمام بعد النبی صلی الله علیه وآله آیة التصدق بالخاتم واما من السنة المطهرة فالمتضافر من الروایات التی نصت علی الإمام بعد النبی صلی الله علیه وآله کجملة من الروایات الناصة علی أمیر المؤمنین علیه السلام والتی من اهمها حدیث الغدیر المتواتر عن النبی صلی الله علیه وآله کما ان هناک جملة من النصوص التی تحدثت عن الإمام

ص: 289

بعد النبی صلی الله علیه وآله والتی دلت بعضها علی عددهم علی نحو الإجمال کحدیث الأئمة الإثنی عشر، وبعضها نصت علی اسمائهم واحداً واحداً کحدیث اللوح وحدیث النبی صلی الله علیه وآله مع الیهودی الذی سأله عن الأئمة من بعده، وبعضها نصت علی البعض واجملت فی الإشارة علی البعض الآخر کالروایات الناصة علی أمیر المؤمنین علیه السلام والتی نصت علی ان الأئمة من بعده احد عشر من ذریته، والروایات الناصة علی ان الأئمة بعد النبی صلی الله علیه وآله أمیر المؤمنین علیه السلام والحسنان علیهما السلام وتسعة من ذریة الحسین علیه السلام.

ومن هنا یتبین ان الشخص الذی یتصدی لإدارة الدولة مع فقدانه لشرطی العصمة والنص یکون ظالماً متجاوزاً علی حق المعصوم علیه السلام.

والأئمة علیهم السلام فی جمیع ادوارهم فی الدول الثلاث التی حکمت البلاد الإسلامیة لم یعترفوا بشرعیة الحکم وان کانوا مضطرین تحت طائلة التهدید ومصادرة الحریات ان یکونوا رعایا فی الدولة التی لا یعترفون بشرعیتها، وهذا لا یخل بعصمتهم ولا إمامتهم کغیرهم من المعصومین الذین عاشوا فی ظل الدول غیر الشرعیة کیوسف وموسی ویحیی علیهم السلام.

والأئمة علیهم السلام بوصفهم لا یتبنون الجانب العلمی والفکری فحسب بل إضافة الیهما یتبنون العمل السیاسی، کانوا دائماً یعیشون فی ظل رقابة مشددة من قبل السلطات الحاکمة بحیث کانت تحصی أنفاسهم ولقاءاتهم بالشخصیات

ص: 290

الموالیة لهم، وهکذا کان تعامل الدولة مع انصار أهل البیت علیهم السلام حیث کانوا یعیشون دائماً فی ظل المراقبة والمتابعة المستمرتین.

ولما کان استمرار ای فکرة او نظریة لابد معه من بناء قاعدة مؤمنة بتلک الفکرة خاصة وان شریعة الإسلام بعد وفاة النبی صلی الله علیه وآله تعرضت للکثیر من التشویة علی مختلف الأصعدة بسبب عدم کفاءة الحکام من الناحیة الفکریة والعلمیة والثقافیة، ولم یکتف الحکام بإبعاد أهل البیت علیهم السلام عن قیادة الدولة بل سعوا للقیام بعملیة تثقیف مضادة وجهت سهامها لأهل البیت علیهم السلام وحاولت قدر المستطاع الحط من قدرهم واظهارهم امام اعین الناس بمظهر مرفوض وسخروا لذلک العدید من الشخصیات التی عاصرت النبی صلی الله علیه وآله والشخصیات التی تتلمذت علیهم واخذت منهم، ووزعتهم فی مختلف امصار الدولة وبذلت لهم اموالاً طائلة فی سبیل اتمام المشروع الرامی إلی مسخ الشخصیة المسلمة وتجهیل المجتمع المسلم بأهل البیت علیهم السلام، وفی سبیل اتمام هذا المشروع قامت السلطات بمحاصرة کافة النشاطات التی من شأنها ان تصب فی صالح أهل البیت علیهم السلام فمنع روایة الحدیث وتدوینه، وتم تصفیة الشخصیات المهمة التابعة فکراً ومنهجاً لأهل البیت علیهم السلام، واصدرت السلطات قرارات جائرة فی محاصرة أهل البیت علیهم السلام وشیعتهم اقتصادیاً واجتماعیاً حتی رفضت شهادتهم والغیت أسماؤهم من دیوان العطاء وهجروا من بلدانهم وصودرت اموالهم وهدمت منازلهم. 

ص: 291

وکان هذا النشاط المسعور من قبل السلطات الحاکمة یستدعی قیام أهل البیت علیهم السلام بجهود مضاعفة لأجل الحفاظ علی الشخصیة الإسلامیة من المسخ وحفظ المبانی الفکریة والعقائدیة، بل واحکام الشریعة الإسلامیة التی تلاعبت بها ایدی العابثین.

وقد تمکن الأئمة علیهم السلام من الحفاظ علی القاعدة المؤمنة وبنائها فکریاً وعلمیاً وفقهیاً وحافظوا علیها من عبث ایدی الظالمین، ولم یقتصر نشاط الأئمة علیهم السلام علی شیعتهم فحسب بل کانوا یقومون بهدایة کل من له استعداد للهدایة، وقد کان لضعف الدولة الأمویة فی آخر سنیها إضافة إلی ضعف الدولة العباسیة فی اوائل نشوئها دور کبیر فی نشر فکر أهل البیت علیهم السلام فی اوساط الأمة واعادة تصحیح جملة کبیرة من الانحراف الفکری والفقهی خاصة وان عدداً ضخماً من المحدثین کانوا یحضرون مجالس الإمام الصادق علیه السلام ویتتلمذون علی یدیه وبینهم عدد کبیر ممن لم یکن من شیعة أهل البیت علیهم السلام، ثم یعودون إلی بلدانهم فینقلون إلی ابناء تلک البلدان جملة من فقه أهل البیت علیهم السلام ومن هنا یتضح الدور التصحیحی الهام الذی قام به الإمام الصادق علیه السلام فی المدّة التی سنحت له الفرص فیها فی بث علومه فی الملأ العام، ولکن مما یؤسف له ان السلطات الجائرة لم تترک الأمة تتمتع بهدی أهل البیت علیهم السلام بل کانوا یسعون لتحجیم تأثیرهم فی الأمة عن طریق تسلیط الأضواء علی غیرهم وتسخیر کافة الإمکانیات لدعم الاتجاهات المخالفة لأهل

ص: 292

البیت علیهم السلام، بل سعوا للاستفادة من بعض تلامذة الإمام الصادق علیه السلام لإیجاد فقه بدیل یتناسب مع غایات الحکام ویحقق مشروع السلطات فی تحجیم أهل البیت علیهم السلام والغاء تأثیرهم فی الأمة فی الأمد البعید.

ومع کل هذا الجهد العلمی المضنی الذی یبذله أهل البیت علیهم السلام کان استهتار السلطات الجائرة فی بعض الأحیان یبلغ درجة لا یمکن معها الاکتفاء بجانب الإرشاد والإنکار اللفظی مما یضطر الأئمة علیهم السلام للقیام بالثورة المسلحة لإنهاء حرکة السلطة الرامیة لهدم کافة البنی الفکریة والفقهیة والمظاهر العامة للإسلام وقد تجلی ذلک واضحاً فی الثورة الحسینیة التی اریقت فیها الدماء الطاهرة الزکیة للإمام الحسین علیه السلام وخیرة اهل الأرض فی عصره فی واقعة کربلاء، ومع علم الإمام الحسین علیه السلام بان النتیجة النهائیة لثورته هی الشهادة إلا انه مضی قدماً لإیقاف المخطط الأموی الرامی إلی هدم کافة اسس الإسلام، ولذا کانت الثورة الحسینیة تتقوم بأمرین؛ الأول: العمل المسلح، والثانی: النشاط الإعلامی الذی نهض به الإمام السجاد والسیدة زینب علیهما السلام بعد شهادة أبی عبد الله الحسین علیه السلام.

ولما تتحلی به الثورة الحسینیة من اهمیة عظمی فی بناء الشخصیة الإسلامیة وإستلهام الأمة من مبادئها ما یهیئها للوقوف فی وجه الظالمین اصر أهل البیت علیهم السلام علی احیاء ذکری الحسین علیه السلام فی مختلف المناسبات وقد کان سبقهم النبی صلی الله علیه وآله إلی ذلک، ولکن لما کان تأثیرها فی

ص: 293

الوجدان الشعبی لا یبلغ تأثیره المهم الا بعد شهادته کان احیاء الأئمة علیهم السلام لها بعد شهادته طریقاً من الطرق التربویة المهمة لأجل التمسک اکثر فأکثر بالإسلام وأهل البیت علیهم السلام.

وبعد شهادة الإمام الحسین علیه السلام کانت السلطات الجائرة تشعر ان أهل البیت علیهم السلام وجمیع افراد العائلة العلویة مصدر خطر لابد من تحجیمه والغائه فکانوا یمارسون العدید من الضغوط الاقتصادیة والسیاسیة والاجتماعیة ضد العلویین مما اضطر العلویون إلی اعلان الثورة فی مناطق مختلفة وازمان مختلفة بعد شعورهم بأن الطریق الوحید لرفع تلک الضغوط وتخفیفها هو العمل المسلح فاندلعت لذلک عدد من الثورات ضد الأمویین والعباسیین کثورات المختار وزید الشهید والنفس الزکیة واخیه ابراهیم والحسین الخیر وابی السرایا ومحمد الدیباج وثورات اخری زخر بها التاریخ الشیعی، بحیث یمکن القول إن العائلة العلویة هی اکثر العوائل فی العالم من حیث عدد الثائرین والمصلحین والشهداء الذین رووا بدمائهم الطاهرة الأرض دفاعاً عن الحق والعدل والدعوة لرفع الظلم واقامة حکم الشرع.

وکانت هناک ثورات تندلع ضد السلطات الحاکمة لکنها تتفاوت فی موقفها من أهل البیت علیهم السلام بین المعادیة وغیر الموالیة لهم وأهل البیت علیهم السلام فی التعامل مع مثل هذه الثورات یتخذون موقف الحیاد فلا یؤیدونها ولا یقفون ضدها ویمنعون شیعتهم من الاشتراک فیها اذا کان فی ذلک خطر یهدد

ص: 294

التشیع وسبب هذا الموقف من أهل البیت علیهم السلام مع ان هذه الثورات فی الحقیقة ضد العدو المشترک هو ان أهل البیت علیهم السلام یتخذون مواقفهم علی اسس عقائدیة موضوعیة فإن الثائرین ان کتب لهم القتال فإنهم لن یکونوا انصاراً لأهل البیت علیهم السلام بل لن یلبثوا ان یتحولوا إلی اعداء؛ لأن الموقف المبدأی لأهل البیت علیهم السلام لا یتناغم وغایاتهم ورغباتهم فی تمریر مخططاتهم بلباس الدین والأمر بالمعروف والنهی عن المنکر ولذا منع الإمام الصادق علیه السلام الشیعة من الالتحاق بحرکة العباسیین وحذرهم من عاقبة مناصرتهم والانضواء تحت لوائهم.

ونتیجة للنشاط الثقافی الذی کان یمارسه أهل البیت علیهم السلام کان وعی الأمة یبلغ بعض الأحیان إلی درجة یؤهلها لتشخیص من یجب علیها ان تسعی لتمکنه من قیادة البلاد وجعل أزمة الأمور بیده لیخلصها مما عانته من الظلم والجهل والضیاع وسوء الإدارة والتمییز السیاسی والقومی والعشائری.

فسوء الإدارة والتلاعب بالأموال العامة من قبل الأمویین الذین حملهم عثمان علی رقاب الأمة دعا الجماهیر الناقمة إلی مطالبة عثمان بعزل الولاة ورفع الجور الذی تعرضت له الأمة، فالأمة لم تعد قادرة علی تحمل سیاساتهم المنحرفة ولکن الأخیر رفض الاستجابة إلی طلب الجماهیر فأصر علیه جماعة ممن عاصر النبی صلی الله علیه وآله باعتزال الحکم فأبی ذلک، وفی الوقت نفسه کانت عائشة وطلحة والزبیر یدعون الجماهیر الناقمة لقتل عثمان، وبسبب سوء اداء عثمان

ص: 295

وحاشیته وقیام احد عبید مروان بقتل احد المصریین اشتد الأمر سوءاً خاصة بعد ان بلغ المحاصرین لقصر عثمان انباء تحرک قوات من الشام للقضاء علیهم مما دفع الثائرین لقتل عثمان فی قصره.

والأمة بعد ان ذاقت الأمرین من سیاسیة قریش وبنی امیة سعت کل جهدها لإیصال أمیر المؤمنین علیه السلام إلی سدة الحکم لتضمن بذلک اتجاه العملیة السیاسیة والاجتماعیة والفکریة بالاتجاه الصحیح.

وعندما تولی أمیر المؤمنین علیه السلام الحکم قام بإصلاح ما أفسدته السیاسات الخاطئة لمن تقدمه علی مختلف الأصعدة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والعلمیة ورسم منهجاً ادرایاً راقیاً نتج عنه تمتع کافة الطبقات الاجتماعیة بحقوقها الثابتة فی الشرع الشریف فانتفی الفقر وشعر الناس بالانفراج السیاسی والتکافؤ الاجتماعی وبدأت روح التمییز الطبقی والقومی والسیاسی بالتضاؤل واصبح المناط فی قیمة الإنسان التقوی والورع والجد والعمل البناء.

الا ان هذه السیاسة الإسلامیة الإنسانیة لم ترق لجملة من اصحاب الأطماع والمنافع الضیقة والاتجاهات التسلطیة فأدی ذلک إلی اندلاع عدد من الحرکات العسکریة المتمردة ضد حکم أمیر المؤمنین علیه السلام قاد احدها بقیة فلول الحزب القرشی الذی خاض وبالتواطؤ من عصابات الحزب الأموی حرب الجمل ضد أمیر المؤمنین علیه السلام، وقد انتهت هذه الحرب إلی الغاء الحزب القرشی من دائرة العمل السیاسی وتحول بقایاه إلی ذیول للحزب الأموی.

ص: 296

واما الحزب الأموی فقاد بعد ذلک تمرداً عسکریاً واسعاً دام القتال فیه ستة اشهر فی واقعة صفین وکاد الجیش الکوفی الذی قاده أمیر المؤمنین علیه السلام ان یقضی علی الحزب الأموی لولا انخداع جهلة الکوفة بحیلة عمرو بن العاص فی رفع المصاحف علی اسنة الرماح.

ثم قام جهلة الکوفة بعد ذلک بتمردهم العسکری ضد أمیر المؤمنین علیه السلام فی معرکة النهروان.

وبعد معرکة صفین وشهادة أمیر المؤمنین علیه السلام کانت الشخصیات التی اخذت علی عاتقها دعوة الأمة للعودة إلی أهل البیت علیهم السلام قد التهمتها حروب الجمل وصفین وشاع الملل بین صفوف العامة وتواطأ زعماء القبائل الکوفیة مع معاویة الذی ضمن لهم امتیازاتهم الخاصة الأمر الذی اضطر معه الإمام الحسن علیه السلام للصلح مع معاویة الذی بدأ مرحلة جدیدة من مسیرة الانحراف رسم فی نهایتها إنهاء المظاهر العامة للدین الإسلامی علی ید ولده یزید الا ان ثورة الإمام الحسین علیه السلام انهت مخططه وافشلت ما کان یرمی الیه.

ومن خلال دراسة منهجیة أهل البیت علیهم السلام فی التعامل مع هذه المفردات یمکن تلخیص الخطوط العامة لمنهجهم بالنقاط الآتیة:

ان الإمامة لا یستحقها الا المعصوم المنصوص علیه من القرآن الکریم او النبی صلی الله علیه وآله او الإمام السابق. 

ص: 297

ان بناء القاعدة یعتمد علی تأهیلها علمیاً عن طریق ارشادها إلی دلالات القرآن الکریم والسنة الصحیحة وملاحقة کافة انواع التشویه الذی تعرضت له الشریعة.

الاستفادة من کافة الفرص فی بناء القاعدة وصیانتها من الانحراف العقائدی والفقهی والسیاسی بمختلف الأسالیب التی تتوافق مع روح الشریعة.

ادخال عناصر کفوءة فی وظائف الدولة شریطة تحلیهم بصفات خاصة لأجل رفع الظلم والحیف عن الموالین لأهل البیت علیهم السلام.

حفظ استقلال الشیعة عن الدولة المرکزیة اقتصادیاً وفکریاً وقضائیاً، لتبنیها سیاسات اقتصادیة وعلمیة وقضائیة متنافیة مع المبانی التی یؤمن بها أهل البیت علیهم السلام.

مراعاة الموضوعیة فی کافة جوانب التحرک السیاسی والاقتصادی والاجتماعی والعلمی، فلم یعهد عن الأئمة علیهم السلام اللجوء إلی المعجزة الا فی موارد خاصة.

راعی أهل البیت علیهم السلام فی العمل العسکری ثلاث مسائل، الأولی طبیعة التحدی الذی یتعرض له الإسلام فان کان فی مرحلة یمکن معها التصحیح فلا یلجأ أهل البیت علیهم السلام للخیار المسلح، واما اذا کان التحدی یهدف إلی الغاء الإسلام تماماً حمل أهل البیت علیهم السلام السلاح لإیقاف حرکة الانحراف، والثانیة مسألة الحفاظ علی القیادة المعصومة، والثالث الحفاظ علی

ص: 298

القاعدة المؤمنة ومنع استئصالها من قبل الظالمین.

الثورات التی لا یتصدی أهل البیت علیهم السلام لقیادتها وهی اما ان تکون تابعة فی توجهاتها العامة أهل البیت علیهم السلام، او لا فإن کانت من القسم الأول دعمها أهل البیت علیهم السلام بالنحو الذی تسمح به ظروفهم، وان لم تکن الثورة تابعة لهم فی توجهاتها العامة وقف أهل البیت علیهم السلام تجاهها موقفاً محایداً کما حصل مع ثورة المدینة، واذا کانت الثورة من شأنها ان تضر بالشیعة فیما لو انخرطوا فیها منع أهل البیت علیهم السلام شیعتهم من الاشتراک فیها والانخداع بشعاراتها کما هو الحال فی ثورة ابن الزبیر والعباسیین.

فی عصر الغیبة یتعین علی المؤمنین الرجوع إلی الفقهاء العدول ذوی الخبرة فی مختلف المسائل السیاسیة والفقهیة والاجتماعیة.

من المسائل المرکزیة فی ادارة الدولة ضمان حقوق الرعیة علی کافة الأصعدة السیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والأمنیة وعلی جهاز الإدارة اختیار السبل الکفیلة بضمان رفاهیة وسعادة الرعیة وحفظ مصالحها والدفاع عنها وتقنین الدساتیر التی من شأنها الارتقاء بالمجتمع.

ان العمل فی جهاز الدولة مسؤولیة اکثر مما هو منصب لذا علی موظفی الدولة تحمل مسؤولیاتهم بشکل کامل.

الاهتمام البالغ بالجانبین الأمنی والاقتصادی لما لهما من دور مهم فی ضمان سلامة المجتمع من الوان الآفات وحمایته من ضروب الأخطار. 

ص: 299

الاهتمام بالتکافل الاجتماعی وتحمل الدولة مسؤولیة الضمان الاجتماعی لذوی العاهات والعاجزین عن العمل.

احترام الحریة السیاسیة والاقتصار علی التوجیة وبیان مواضع الخطأ فی المبانی النظریة للحرکات السیاسیة مالم ترتکب تلک التحرکات جنایات توجب الإخلال بالأمن العام او الدعوة إلی ما یتعارض وأحکام الشریعة. 

ص: 300 

ص: 301

مصادر البحث

1. القرآن الکریم

2. ابن أبی عاصم ، أبو بکر عمرو بن أبی عاصم الضحاک بن مخلد الشیبانی، کتاب السنة، المکتب الاسلامی، بیروت __ لبنان، الطبعة الثالثة 1413 ه - 1993 م

3. ابن ابی شیبة، محمد بن ابراهیم بن عثمان الکوفی العبسی، المصنف، ضبط نصوصه وعلق علیه سعید محمد لحام، نشر دار الفکر، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی، 1409

4. ابن الأثیر، محمد ابن الأثیر الجزری، النهایة فی غریب الحدیث، خرج احادیثه وعلق علیه صلاح بن محمد بن عویضة، نشر دار الکتب العلمیة، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی، 1418__ 1997

5. ابن الأشعث، سلیمان، سؤالات الآجری لأبی داود، مؤسسة الریان، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی 1418

6. ابن البطریق، شمس الدین یحیی بن الحسن الاسدی الربعی الحلی، خصائص الوحی المبین، دار القرآن الکریم، قم __ ایران، 1417 ه

7. ابن البطریق، یحیی بن الحسن الأسدی، عمدة عیون صحاح الأخبار فی مناقب امام الأبرار، مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ ایران، 1407ه__

ص: 302

8. ابن الجعد، علی بن الجعد بن عبید الجوهری، مسند ابن جعد، دار الکتب العلمیة، بیروت __ لبنان

9. ابن الجوزی، عبد الرحمن بن علی بن الجوزی القرشی، الموضوعات، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی1386ه__ __ 1966م

10. ابن الدمشقی، محمد بن احمد الباعونی الشافعی، جواهر المطالب فی مناقب الإمام علی بن ابی طالب علیه السلام، تحقیق الشیخ محمد باقر المحمودی، نشر مجمع احیاء الثقافة الإسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1415

11. ابن المطهر، علی بن یوسف الحلی، العدد القویة لدفع المخاوف الیومیة، تحقیق السید مهدی الرجائی، نشر مکتبة آیة الله المرعشی، قم __ ایران، 1408

12. ابن بابویه القمی، أبو الحسن علی بن الحسین بن بابویه القمی والد الشیخ الصدوق (ره)، الامامة والتبصرة من الحیرة، مدرسة الامام المهدی علیه السلام، قم __ ایران

13. ابن حبان، علاء الدین بن بلبان الفارسی، صحیح ابن حبان، تحقیق شعیب الإرناؤوط، نشر مؤسسة الرسالة، بیروت __ لبنان، الطبعة الثانیة، 1414، 1993

14. ابن حبان، محمد بن حبان التمیمی السبتی، کتاب الثقات، اشراف الدکتور محمد عبد المعید خان، نشر دائرة المعارف العثمانیة، حیدر اباد __ الهند، 1393__ 1973

15. ابن حزم، علی بن حزم الأندلسی الظاهری، الإحکام فی اصول الأحکام، تحقیق احمد شاکر، نشر مطبعة العاصمة، القاهرة __ مصر

16. ابن حمزة، محمد بن علی الطوسی، الثاقب فی المناقب، تحقیق نبیل رضا عطوان، مؤسسة انصاریان، قم __ ایران، الطبعة الثانیة، 1412

17. ابن خزیمة، محمد بن اسحاق بن خزیمة السلمی النیسابوری، صحیح ابن خزیمة، المکتب الإسلامی، الطبعة الثانیة1412

ص: 303

18. ابن خلدون، تاریخ ابن خلدون، دار احیاء التراث العربی، بیروت __ لبنان

19. ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الکبری، دار صادر، بیروت __ لبنان

20. ابن سلامة، أبو عبد الله محمد بن سلامة القطاعی، دستور معالم الحکم ومأثور مکارم الشیم من کلام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب کرم الله وجهه، المکتبة الأزهریة، مصر

21. ابن شاذان القمی، أبو الحسن محمد بن احمد بن علی بن الحسن ، مائة منقبة من مناقب أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب والائمة من ولده علیهم السلام من طریق العامة، مدرسة الامام المهدی علیه السلام، قم __ ایران، 1407 ه - ق

22. ابن شاذان، الفضل بن شاذان الأزدی النیسابوری، الإیضاح، تحقیق جلال الدین الحسینی المحدث

23. ابن شعبة الحرانی ، أبو محمد الحسن بن علی بن الحسین، تحف العقول عن آل الرسول صلی الله علیهم، مؤسسة النشر الاسلامی (التابعة) لجماعة المدرسین، قم __ ایران، الطبعة الثانیة 1363 - ش 1404 - ق

24. ابن شهر آشوب، عبد الله محمد بن علی بن شهر آشوب بن ابی نصر، مناقب آل ابی طالب، المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق، 1376ه__

25. ابن طاووس، رضی الدین علی بن موسی، الطرائف فی معرفة مذاهب الطوائف، مطبعة الخیام، قم __ ایران، 1399ه__

26. ابن طاووس، السید رضی الدین علی بن موسی بن جعفر بن طاووس، اقبال الأعمال، تحقیق جواد القیومی الأصفهانی، نشر مکتب الإعلام الإسلامی، الطبعة الأولی، 1414

27. ابن طاووس، علی بن موسی الحسنی، اللهوف علی قتلی الطفوف، دار الأسوة، قم __ ایران، الطبعة الثالثة 1422ه__

28. ابن عساکر، علی بن الحسن بن هبة الله الشافعی، ترجمة ریحانة رسول الله

ص: 304

الإمام الشهید الحسین بن علی بن أبی طالب علیهم السلام من تاریخ دمشق، مجمع احیاء الثقافة الإسلامیة، الطبعة الثانیة 1414ه__

29. ابن عنبة، جمال الدین احمد بن علی الحسینی، عمدة الطالب فی انساب آل ابی طالب، المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق، الطبعة الثانیة 1380ه__ __ 1961

30. ابن قولویه، الشیخ الأقدم ابو جعفر محمد بن قولویه، کامل الزیارات، تحقیق جواد القیومی، نشر مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1417

31. ابن کثیر، ابو الفداء اسماعیل بن کثیر الدمشقی، البدایة والنهایة، تحقیق علی شیری، دار احیاء التراث العربی، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی، 1408__ 1988

32. ابن کثیر، ابو الفداء اسماعیل بن کثیر الدمشقی، السیرة النبویة، تحقیق مصطفی عبد الواحد، نشر دار المعرفة، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی، 1396 __ 1963

33. ابن کثیر، ابو الفداء اسماعیل بن کثیر القرشی الدمشقی، تفسیر القرآن العظیم، دار المعرفة، بیروت __ لبنان 1412ه__ 1992

34. ابن هشام، عبد الملک بن هشام الحمیری، السیرة النبویة، ضبط وتعلیق محمد محیی الدین عبد الحمید، نشر مکتبة محمد علی صبیح، القاهرة __ مصر، 1381__ 1963

35. ابو ریه، محمود أبوریه، أضواء علی السنة المحمدیة، دار الکتاب الإسلامی، بیروت، الطبعة الخامسة

36. آل نوح، کاظم آل نوح، طرق حدیث الأئمة الإثنی عشر، مطبعة المعارف، بغداد __ العراق، 1374

37. الأبطحی، السید علی بن مرتضیالأصفهانی، الشیعة فی احادیث الفریقین، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1416

38. الإحسائی، محمد بن علی بن ابی جمهور، عوالی الئلالی العزیزیة فی الأحادیث الدینیة، الطبعة الأولی 1403__ 1983

ص: 305

39. الأربلی، علی بن عیسی بن ابی الفتح، کشف الغمة فی معرفة الأئمة، دار الأضواء، بیروت __ لبنان

40. الاسفراینی، ابو اسحاق، نور العین فی مشهد الحسین رضی الله عنه، مکتبة المنار، تونس

41. الإسکافی ، ابو جعفر الاسکافی محمد بن عبد الله المعتزلی، المعیار والموازنة فی فضائل الامام أمیر المؤمنین علی بن أبی طالب (صلوات الله علیه) وبیان أفضلیته علی جمیع العالمین بعد الانبیاء والمرسلین، تحقیق محمد باقر المحمودی، قم __ ایران

42. الأصفهانی، ابو الفرج، مقاتل الطالبیین، مؤسسة دار الکتب، قم __ ایران، الطبعة الثانیة

43. الأصفهانی، جواد القیومی، صحیفة الحسین علیه السلام، مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1374 شمسی

44. الأمین، السید محسن، لواعج الأشجان فی مقتل الحسین علیه السلام، نشر مکتبة بصیرتی، قم __ ایران

45. البحرانی، هاشم البحرانی، ینابیع المعاجز واصول الدلائل، المطبعة العلمیة، قم __ ایران

46. البحرانی، هاشم البحرانی، مدینة معاجز الأئمة الإثنی عشر ودلائل الحجج علی البشر، مؤسسة المعارف الإسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1413

47. البحرانی، عبد الله البحرانی، عوالم العلوم والمعارف والأحوال، مدرسة الإمام المهدی علیه السلام، قم __ ایران، الطبعة الأولی

48. البخاری، سهل بن عبد الله بن داود بن سلیمان، سر السلسلة العلویة، المکتبة الحیدریة، النجف __ العراق، 1381ه__ __ 1962م

49. البخاری، ، أبو عبد الله محمد بن اسماعیل بن ابراهیم بن المغیرة بن

ص: 306

بردزبةالجعفی، صحیح البخاری، طبعة بالاوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول حقوق الطبع محفوظة للناشر 1401 ه - 1981 م دار الفکر للطباعة والنشر والتوزیع، بیروت __ لبنان

50. البغدادی، أبو بکر أحمد بن علی الخطیب، تاریخ بغداد أو مدینة السلام، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، الطبعة الاولی 1417 ه - 1997 م

51. البلاذری، احمد بن یحیی بن جابر، انساب الأشراف، مؤسسة الأعلمی، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی 1394 ه__

52. البیاضی، علی بن یونس العاملی، الصراط المستقیم إلی مستحقی التقدیم، المکتبة المرتضویة، الطبعة الأولی 1484

53. البیهقی، ابو بکر احمد بن الحسین بن علی، السنن الکبری، دار الفکر، بیروت __ لبنان

54. التافتازانی، سعد الدین مسعود بن عبد الله، شرح المقاصد، دار الکتب العلمیة، بیروت __ لبنان

55. الترمذی، أبو عیسی محمد بن عیسی بن سورة، سنن الترمذی، دار الفکر

56. التنوخی، ابو علی المحسن بن ابی القاسم، الفرج بعد الشدة، منشورات الشریف الرضی، قم __ ایران، 1364شمسی

57. الجندی، المستشار عبد الحلیم الجندی، الإمام جعفر الصادق، اشراف محمد عویضة، مصر، 1397__ 1977

58. الجوزی، عبد الرحمن بن محمد بن علی الجوزی القرشی البغدادی، زاد المسیر فی علم التفسیر، تحقیق محمد بن عبد الرحمن، نشر دار الفکر، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی، 1407 __ 1987

59. الجوهری ، احمد بن عبیدالله بن عیاش، مقتضب الاثر فی النص علی الائمة الاثنی عشر، مکتبة الطباطبائی، قم __ ایران

ص: 307

60. الجوهری، ابو بکر احمد بن عبد العزیز البصری البغدادی، السقیفة وفدک، شرکة الکتبی، بیروت __ لبنان، الطبعة الثانیة 1413

61. الجوینی، عبد الملک، الإرشاد، نقلا عن ازمة الإمامة والخلافة

62. الحائری، الشیخ محمد مهدی، شجرة طوبی، نشر المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق، 1385

63. الحاکم، محمد بن محمد النیسابوری، المستدرک علی الصحیحین، طبع باشراف الدکتور یوسف عبد الرحمن المرعشلی، نشر دار المعرفة، بیروت __ لبنان، 1406

64. الحر العاملی، الشیخ محمد بن الحسن، تفصیل وسائل الشیعة إلی تحصیل مسائل الشریعة، مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم __ ایران، الطبعة الثانیة 1414

65. الحر العاملی، محمد بن الحسن بن علی بن الحسین، الجواهر السنیة، مکتبة المفید، قم __ ایران

66. الحسکانی، عبید الله بن احمد المعروف بالحاکم الحسکانی الخداء الحنفی النیسابوری، شواهد التنزیل لقواعد التفضیل فی الآیات النازلة فی اهل البیت صلوات الله وسلامه علیهم، مجمع أحیاء الثقافة الاسلامیة، ایران __ طهران، الطبعة الاولی 1411 ه - 1990 م

67. الحسن، عبد الله، مناظرات فی الإمامة، نشر انوار الهدی، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1415

68. الحسینی، عبد الله الحسینی، المباهلة، مکتبة النجاح طهران الطبعة الاولی 1366 ه - 1947 م بغداد الطبعة الثانیة 1982 – 1402

69. الحسنی، هاشم معروف، دراسات فی الحدیث والمحدثین، دار التعارف للمطبوعات، بیروت __ لبنان، الطبعة الثانیة 1398 ه - 1978 م

ص: 308

70. الحکیم، السید محمد باقر، علوم القرآن، مجمع الفکر الاسلامی، قم __ ایرن، الطبعةالثالثة، 1417

71. الحلوانی، الحسین بن محمد بن الحسن، نزهة الناظر وتنبیه الخاطر، مؤسسة الإمام المهدی، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1408

72. الحلی، جعفر بن محمد بن جعفر بن نما، ذوب النضار فی اخذ الثار، تحقیق فارس حسون کریم، مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1416

73. الحلی، محمد بن جعفر بن ابی البقاء ابن نما، مثیر الأحزان، منشورات المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق، 1369-1950

74. الحلی، حسن بن سلیمان، المحتضر، المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق، الطبعة الأولی 1370__1951

75. الحموی، شهاب الدین یاقوت بن عبد الله الرومی البغدادی، معجم البلدان، دار احیاء التراث العربی، بیروت __ لبنان، 1399ه__ __ 1979م

76. الحنفی، سلیمان بن ابراهیم القندوزی، ینابیع المودة لذوی القربی، دار الأسوة، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1416

77. الحویزی، عبد علی بن جمعة العروسی، تفسیر نور الثقلین، مؤسسة اسماعیلیان، قم __ ایران، الطبعة الرابعة 1412 هجری قمری - 1370 هجری شمسی

78. الخزاز القمی، ابو القاسم علی بن محمد بن علی، کفایة الاثر فی النص علی الائمة الاثنی عشر، انتشارات بیدار، قم __ ایران، 1401 ه

79. الخصیبی، أبو عبد الله الحسین بن حمدان، الهدایة الکبری، موسسة البلاغ، بیروت لبنان، الطبعة الرابعة 1411 ه - 1991 م

80. الخوئی، السید أبو القاسم الموسوی، البیان فی تفسیر القرآن، دار الزهراء للطباعة، بیروت - لبنان، الطبعة الرابعة، 71395 - 1975 م

ص: 309

81. الخوارزمی، الموفق بن أحمد بن محمد البکری المکی، المناقب، مؤسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین، قم __ ایران، الطبعة: الثانیة 1411 ه. ق

82. الخوارزمی، موفق الدین، مقتل الحسین علیه السلام، جماعة المدرسین، قم __ ایران، 1416ه__

83. الدارمی، ابو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام، سنن الدارمی، بیروت __ لبنان

84. الدسوقی، محمد عرفة، حاشیة الدسوقی علی الشرح الکبیر، نشر دار احیاء الکتب العربیة، 1369

85. الدمشقی، علی بن علی بن محمد بن ابی العز، شرح العقیدة الطحاویة، مؤسسة الرسالة، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی 1420ه__

86. الدمشقی، محمد بن احمد الدمشقی الباعونی الشافعی، جواهر المطالب فی مناقب الإمام علی بن ابی طالب علیه السلام، تحقیق الشیخ محمد باقر المحمودی، نشر مجمع احیاء الثقافة الإسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1415

87. الدینوری، احمد بن داود، الأخبار الطوال، تحقیق عبد المنعم عامر، نشر دار احیاء الکتب العربیة، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی، 1960

88. الدینوری، ابن قتیبة، الامامة والسیاسة، الشریف الرضی، قم __ ایران، 1413

89. الذهبی، ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان، تذکرة الحفاظ، نشر مکتبة الحرم المکی

90. الذهبی، ابو عبد الله محمد بن احمد بن عثمان، سیر اعلام النبلاء، تحقیق شعیب الأرنؤوط وحسین الأسد، نشر مؤسسة الرسالة، الطبعة التاسعة، 1413

91. الرامهرمزی، الحد الفاصل بین الراوی والواعی، تحقیق الدکتور محمد عجاج الخطیب، نشر دار الفکر، بیروت __ لبنان، الطبعة الثالثة 1404

ص: 310

92.  الراوندی، قطب الدین سعید بن هبة الله، الخرائج والجرائح، مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام، قم __ ایران

93. الراوندی، قطب الدین سعید بن هبة الله، قصص الانبیاء تألیف الراوندی، دار الهادی قم __ ایران، 1418 ه. ق، 1376 ه.

94. الشریف الرضی، ابو الحسن محمد بن الحسین بن موسی، نهج البلاغة، دار المعرفة، بیروت __ لبنان

95. الزبیدی الحنفی، مجمد مرتضی الحسینی، تاج العروس من جواهر القاموس، مکتبة الحیاة، بیروت __ لبنان

96. الزرندی، ابو الفضل میر محمدی، بحوث فی تاریخ القرآن وعلومه، مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ ایرن، الطبعة الأولی

97. الزمخشری، جار الله محمود بن عمر، الفائق فی غریب الحدیث، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، الطبعة الاولی 1417 ه - 1996 م.

98. السبحانی، الشیخ جعفر، بحوث فی الملل والنحل دراسة موضوعیة مقارنة للمذاهب الإسلامیة، مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ ایران، الطبعة الثالثة، 1414

99. السیوطی، جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر، کتاب الدر المنثور فی التفسیر بالمأثور، دار الفکر، بیروت - لبنان

100. الشبلنجی، مؤمن بن حسن مؤمن الشافعی، نور الأبصار فی مناقب آل بیت النبی المختار، دار التعارف للمطبوعات، بیروت __ لبنان، 1978

101. الشربینی، محمد الشربینی، مغنی المحتاج إلی معرفة معانی الفاظ المنهاج، بیروت __ لبنان، 1377

102. الشروانی، المولی حیدر علی بن محمد، ماروته العامة من مناقب اهل البیت علیهم السلام، مطبعة المنشورات الإسلامیة، ایران، 1414

103. الشروانی، عبد الحمید الشروانی، حواشی الشروانی، نشر دار احیاء التراث

ص: 311

العربی، بیروت __ لبنان

104. الشریف الرضی، ابو الحسن محمد بن الحسین بن موسی، المجازات النبویة، تحقیق الدکتور طه محمد الزینی، منشورات بصیرتی، قم __ ایران

105. الشریف الرضی، ابو الحسن محمد بن الحسین بن موسی، خصائص الأئمة، تحقیق محمد هادی الأمینی، نشر مجمع البحوث الإسلامیة فی الاستانة الرضویة المقدسة، مشهد __ ایران، 1406

106. الشریف المرتضی، الشریف ابو القاسم علی بن الحسین بن موسی، الرسائل، اعداد السید مهدی الرجائی، نشر دار القرآن الکریم، قم __ ایران، 1405

107. الشوکانی، محمد بن علی بن محمد، نیل الأوطار فی احادیث سید الأخیار، دار الجیل، بیروت __ لبنان

108.  الأمینی، عبد الحسین أحمد الأمینی النجفی، الغدیر فی الکتاب والسنة والأدب، دار الکتاب العربی، بیروت - لبنان، الطبعة الرابعة 1397 ه - 1977 م

109. الشیرازی، محمد طاهر القمی، الأربعین فی امامة الأئمة الطاهرین، تحقیق السید مهدی الرجائی، قم __ ایران، 1418

110. الصادق، الإمام جعفر بن محمد الصادق علیهما السلام، مصباح الشریعة، منشورات مؤسسة الاعلمی، بیروت __ لبنان، الطبعة الاولی 1400 ه - 1980 م

111. الصافی، آیة الله العظمی الشیخ لطف الله الصافی الکلبایکانی، امان الأمة من الاختلاف، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1397

112. الصالحی، محمد بن یوسف الصالحی الشامی، سبل الهدی والرشاد فی سیرة خیر العباد، تحقیق عادل احمد عبد الموجود وعلی محمد عوض، دار الکتب العلمیة، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی، 1414__ 1993

113. الصدر، السید محمد باقر الصدر، نشأة التشیع والشیعة، تحقیق الدکتور عبد الجبار شرارة، مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الثانیة،

ص: 312

1417 – 1997

114. الصدر، السید حسن، نهایة الدرایة، تحقیق ماجد الغرباوی، نشر مشعر، قم __ ایران

115. الصدر، السید محمد باقر، فدک فی التاریخ، مرکز الغدیر للدراسات الإسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1415ه__ __ 1994م

116. الصدوق، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن موسی بن بابویه القمی، الامالی، مؤسسة البعثة، قم __ ایران، الطبعة الاولی 1417 ه

117. الصدوق، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، عیون أخبار الرضا، مؤسسة الاعلمی للمطبوعات، بیروت __ لبنان، 1404 ه - 1984 م

118.  الصدوق، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، کمال الدین وتمام النعمة، مؤسسة النشر الاسلامی (التابعة) لجماعة المدرسین، قم __ ایران، 1405 - 1363.

119. الصدوق، ابو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، التوحید، تصحیح السید هاشم الحسینی الطهرانی، نشر جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم، قم __ ایران، 1387

120. الصدوق، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، کتاب الخصال، منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة، قم __ ایران 1403 __ 1362

121. الصدوق، أبو جعفر محمد بن علی بن الحسین بن بابویه القمی، معانی الاخبار، انتشارات اسلامی وابسته بجامعة مدرسین الحوزة العلمیة فی قم، قم __ ایران، 1379 - 1338 ش

122. الصدوق، ابو جعفر محمد بن علی بن بابویه، علل الشرائع، المکتبة الحیدریة، النجف __ العراق، 1385ه__ __ 1966م

ص: 313

123. الصفار، أبو جعفر محمد بن الحسن بن فروخ، بصائر الدرجات الکبری فی فضائل آل محمد علیهم السلام، مؤسسة الاعلمی، طهران __ ایران، 1362 ش - 1404 ق

124. الصنعانی، عبد الرزاق بن همام، تفسیر القرآن، مکتبة الرشد، الریاض __ السعودیة، الطبعة الاولی 1410

125. الصنعانی، عبد الرزاق بن همام، المصنف، نشر المجلس العلمی، بغداد __ العراق

126. الصوری، محمد بن علی، الفوائد المنتقاة والغرائب الحسان عن شیوخ الکوفیین، دار الکتاب العربی، بیروت __ لبنان

127. الطباطبائی، السید محمد حسین، المیزان فی تفسیر القرآن، منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة، ایران

128. الطبرانی، أبو القاسم سلیمان بن أحمد بن أیوب اللخمی، المعجم الاوسط للحافظ الطبرانی، دار الحرمین 1415 ه - 1995 م

129. الطبرانی، أبو القاسم سلیمان بن أحمد بن أیوب اللخمی، المعجم الکبیر للطبرانی، مکتبة ابن تیمیة، القاهرة __ مصر

130. الطبرانی، أبو القاسم سلیمان بن أحمد بن أیوب اللخمی، المعجم الصغیر للطبرانی، دار الکتب العلمیة، بیروت __ لبنان

131. الطبرسی، أبی منصور احمد بن علی بن أبی طالب، الاحتجاج، مطابع النعمان، النجف __ العراق

132. الطبرسی، ابو علی الفضل بن الحسن، إعلام الوری بأعلام الهدی، مؤسسة آل البیت علیهم السلام لاحیاء التراث، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1417

133. الطبرسی، ابو الفضل علی الطبرسی، مشکاة الأنوار فی غرر الأخبار، تحقیق مهدی هوشمند، دار الحدیث، قم __ ایران، الطبعة الأولی

ص: 314

134. الطبرسی، الشیخ حسین النوری، خاتمة مستدرک الوسائل، تحقیق مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1415

135.  الطبرسی، امین الاسلام أبو علی الفضل بن الحسن، مجمع البیان فی تفسیر القرآن، مؤسسة الاعلمی، بیروت __ لبنان، الطبعة الاولی 1415 ه - 1995 م

136. الطبری ، عماد الدین أبی جعفر محمد بن أبی القاسم، بشارة المصطفی (صلی الله علیه وآله) لشیعة المرتضی (علیه السلام)، ، مؤسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین قم __ ایران، الطبعة الاولی 1420 ه. ق

137. الطبری، محمد بن جریر بن رستم، المسترشد فی امامة امیر المؤمنین علیه السلام، تحقیق احمد المحمودی، نشر مؤسسة الثقافة الإسلامیة، طهران __ ایران، الطبعة الأولی، 1415

138. الطبری، محمد بن جریر بن رستم الطبری الامامی، دلائل الامامة، مؤسسة البعثة، قم __ ایران، الطبعة الاولی 1413 ه

139. الطبری، محمد بن جریر بن رستم، نوادر المعجزات فی مناقب الأئمة الهداة، تحقیق مدرسة الإمام المهدی علیه السلام، قم __ ایران، 1410

140. الطبری، محمد بن جریر، المنتخب من ذیل المذیل، نشر مؤسسة الأعلمی، بیروت __ لبنان

141. الطبری، محب الدین احمد بن عبد الله، ذخائر العقبی فی مناقب ذوی القربی، مکتبة القدسی1365

142. الطبری، محمد بن جریر، تاریخ الأمم والملوک، بیروت __ لبنان، النسخة المقابلة للنسخة المطبوعة بمطبعة بریل عام 1879میلادی

143. الطوسی، ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسی، کتاب الغیبة، مؤسسة المعارف الاسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الاولی 1411 ه. ق

144. الطوسی، ابو جعفر محمد بن الحسن، الامالی، تحقیق قسم الدراسات

ص: 315

الاسلامیة - مؤسسة البعثة للطباعة والنشر والتوزیع دار الثقافة، قم __ ایران

145. الطوسی، ابو جعفر محمد بن الحسن، اختیار معرفة الرجال المعروف برجال الکشی، مؤسسة الطباعة والنشر التابعة لوزارة الإرشاد، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1382ه__.ش

146. الطوسی، ابو جعفر محمد بن الحسن شیخ الطائفة، تهذیب الأحکام فی شرح المقنعة، تحقیق السید حسن الخرسان، نشر دار الکتب الإسلامیة، طهران __ ایران، 1390

147. الطوسی، أبو جعفر محمد بن الحسن، التبیان فی تفسیر القرآن، دار إحیاء التراث العربی، بیروت __ لبنان الطبعة الأولی 1409ه__

148. العاملی، محسن عبد الکریم، اصدق الأخبار فی اخذ الثار، منشورات بصیرتی، قم __ ایران، 1331

149. العاملی النباطی، محمد علی بن یونس العاملی النباطی البیاضی، الصراط المستقیم إلی مستحقی التقدیم، تحقیق الشیخ محمد باقر البهبودی، نشر المکتبة المرتضویة لإحیاء الآثار الجعفریة، الطبعة الأولی 1384

150. العاملی، السید جعفر مرتضی، الصحیح من سیرة النبی صلی الله علیه وآله، نشر دار الهادی ودار السیرة، بیروت __ لبنان، الطبعة الرابعة، 1415 __ 1995

151. العاملی، جعفر مرتضی، حیاة الإمام الرضا علیه السلام، دار التبلیغ الإسلامی، قم __ ایران، 1398ه__

152. العاملی، حسین بن عبد الصمد، وصول الأخیار إلی اصول الأخبار، مجمع الذخائر الإسلامیة، ایران

153. العاملی، محمد حسین الحاج، حقوق آل البیت فی الکتاب والسنة باتفاق الأمة، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1415

154. العاملی، جعفر مرتضی، الحیاة السیاسیة للإمام الحسن علیه السلام، جامعة

ص: 316

المدرسین، قم __ ایران، الطبعة الثانیة 1403ه__

155. العسقلانی، أحمد بن علی بن حجر، الاصابة فی تمییز الصحابة، دار الکتب العلمیة، بیروت - لبنان، الطبعة الاولی 1415 ه - 1995 م

156. العسقلانی، احمد بن محمد بن حجر الشافعی، فتح الباری فی شرح صحیح البخاری، نشر دار المعرفة، بیروت __ لبنان، الطبعة الثانیة

157. العسقلانی، شهاب الدین احمد بن علی بن حجر، الصواعق المحرقة، دار الفکر، بیروت __ لبنان

158. العسقلانی، شهاب الدین احمد بن علی بن حجر، تهذیب التهذیب، دار الفکر، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی 1404ه__

159. العسکری، الإمام محمد بن علی العسکری علیهما السلام، التفسیر المنسوب للإمام العسکری، مدرسة الإمام المهدی علیه السلام، قم __ ایران

160. العسکری، السید مرتضی، احادیث ام المؤمنین عائشة، دار التوحید للنشر، قم __ ایران، 1414__ 1994

161. العسکری، السید مرتضی، معالم المدرستین، مؤسسة النعمان، بیروت __ لبنان، 1410

162. العلامة المجلسی، محمد باقر المجلسی، بحار الانوار الجامعة لدرر أخبار الائمة الاطهار، مؤسسة الوفاء، بیروت - لبنان، الطبعة الثانیة، 1403 ه - 1983 م

163. العلوی، محمد بن عقیل بن عبد الله العلوی، النصائح الکافیة لمن یتولی معاویة، نشر دار الثقافة، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1412

164. الغازی، داود بن سلیمان، مسند الإمام الرضا علیه السلام، تحقیق محمد جواد الحسینی، مکتب الإعلام الإسلامی، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1418__ 1376شمسی

ص: 317

165. الغامدی، لوط بن یحیی بن سعید بن مخنف الأزدی، مقتل الحسین علیه السلام، نشر المکتبة العامة للسید المرعشی، قم __ ایران

166. الفتال النیسابوری ، محمد بن الفتال الشهید روضة الواعظین، قم __ ایران، منشورات الرضی

167. الفیروز آبادی، السید مرتضی الحسینی الیزدی، فضائل الخمسة من الصحاح الستة، مؤسسة الأعلمی، بیروت __ لبنان، الطبعة الرابعة 1982

168. الفیض الکاشانی، محسن الفیض الکاشانی قدس سره، تفسیر الصافی، مکتبة الصدر، طهران __ ایران، 1416 قمریة - 1374 شمسیة

169. القاسم، اسعد، ازمة الخلافة والإمامة وآثارها المعاصرة، دار المصطفی صلی الله علیه وآله لإحیاء التراث، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1418

170. القرشی، باقر شریف، حیاة الإمام الحسین علیه السلام، الناشر الحاج محمد جواد عجینة، مطبعة الآداب، النجف __ العراق، الطبعة الأولی، 1398__ 1974

171. القرشی، باقر شریف، حیاة الإمام الرضا علیه السلام دراسة وتحلیل، نشر مکتبة سعید بن جبیر، قم __ ایران

172. القرطبی، ابو عبد الله محمد بن أحمد الانصاری، الجامع لاحکام القرآن، دار احیاء التراث العربی، بیروت – لبنان، 1405 ه - 1985 م

173. القرطبی، بقی بن مخلد، ماروی فی الحوض والکوثر، مکتبة العلوم والحکم، المدینة المنورة __ السعودیة، الطبعة الأولی 1413ه__

174. القزوینی، ابو عبد الله محمد بن یزید القزوینی ابن ماجه، سنن ابن ماجه، دار الفکر

175. القطاعی، محمد بن سلامة، دستور معالم الحکم ومأثور مکارم الشیم، شرح محمد سعید الرافع، نشر دار المفید، قم __ ایران

176. القمی، عباس القمی، الأنوار البهیة، نشر جامعة المدرسین، قم __ ایران، الطبعة

ص: 318

الأولی 1417

177. القمی، ابو الحسن علی بن ابراهیم، تفسیر القمی، مؤسسة دار الکتاب، قم __ ایران، الطبعة الثالثة 1404

178. القمی، عباس القمی، الکنی والألقاب، تقدیم محمد هادی الأمینی، منشورات مکتبة الصدر، طهران __ قم

179. القمی، عباس القمی، بیت الأحزان فی ذکر احوال سیدة نساء العالمین، نشر دار الحکمة، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1412

180. القمی، شاذان بن جبریل القمی، الفضائل، نشر المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق، 1381 __ 1962

181. القمی، محمد طاهر بن محمد حسین، الأربعین، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1418

182. الکراجکی، ابو الفتح محمد بن علی بن عثمان، التعجب، مطبعة المصطفوی، قم __ ایران، الطبعة الثانیة1410

183. الکراجکی، ابو الفتح محمد بن علی، کنز الفوائد، مطبعة المصطفوی، قم __ ایران، الطبعة الثانیة، 1410

184. الکراجکی، ابو الفتح محمد بن علی بن عثمان، الاستنصار فی النص علی الائمة الاطهار، دار الاضواء، بیروت __ لبنان، الطبعة الثانیة 1415

185. الکرمانی ، أحمد حمید الدین، المصابیح فی إثبات الامامة، دار المنتظر، الطبعة الاولی 1416 – 1996م

186. الکشی، ابو محمد عبد بن حمید، المنتخب من مسند عبد بن حمید، عالم الکتب __ مکتبة النهضة العربیة، بیروت __ لبنان، الطبعة الاولی 1408 ه - 1988 م

187. الهیثمی، نور الدین علی بن أبی بکر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، دار الکتب العلمیة، بیروت __ لبنان، 1408 ه. - 1988 م

ص: 319

188. الکلبایکانی، لطف الله الصافی، امان الأمة من الإختلاف، المطبعة العلمیة، قم __ ایران، الطبعة الأولی

189. الکلینی، ثقة الاسلام أبی جعفر محمد بن یعقوب بن اسحاق الکلینی الرازی رحمه الله، الکافی، نشر دار الکتب الاسلامیة، ایران

190. الکنجی، محمد بن یوسف بن محمد القرشی الشافعی، کفایة الطالب فی مناقب امیر المؤمنین علی بن ابی طالب علیه السلام، دار احیاء تراث اهل البیت علیهم السلام، طهران __ ایران

191. الکورانی، الشیخ علی الکورانی، تدوین القرآن، نشر دار القرآن، قم __ ایران، الطبعة الأولی

192. الکوفی ، فرات بن ابراهیم، تفسیر فرات الکوفی، طهران - ایران، الطبعة الاولی 1410 ه. - 1990 م

193. الکوفی، ابن اعثم، الفتوح __ القسم الخاص بمقتل الإمام الحسین علیه السلام، انوار الهدی، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1421ه__

194. الکوفی، ابو اسحاق ابراهیم بن محمد الثقفی، الغارات، تحقیق جلال الدین المحدث، ایران، المثبت فی المکتبة الوطنیة برقم 717بتاریخ 13/5

195. الکوفی، الحافظ محمد بن سلیمان، مناقب الامام أمیر المؤمنین علی بن ابی طالب علیه السلام، تحقیق الشیخ محمد باقر المحمودی، ایران – قم، الطبعة الاولی محرم الحرام 1412

196. الکوفی، علی بن احمد بن موسی ابن الإمام الجواد علیه السلام، الاستغاثة، مطبعة النعمان، النجف __ العراق

197. اللجنة العلمیة فی مؤسسة ولی العصر علیه السلام للدراسات الأسلامیة، موسوعة الإمام الجواد علیه السلام، مؤسسة ولی العصر علیه السلام للدراسات الإسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الاولی 1419

ص: 320

198. اللکنهوی، حامد حسین، عبقات الأنوار فی امامة الائمة الاطهار، تلخیص علی المیلانی، 1405

199. المازندرانی، ابو علی محمد بن اسماعیل الحائری، منتهی المقال فی علم الرجال، مؤسسة اهل البیت لإحیاء التراث، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1416ه__

200. المتقی الهندی، علاء الدین علی المتقی بن حسام الدین الهندی البرهان فوری، کنز العمال فی سنن الأقوال والأفعال، طبع باشراف بکری حیانی وصفوة السقا، نشر مؤسسة الرسالة، بیروت __ لبنان، 1409__ 1989

201. المحلی __ السیوطی، العلامة جلال الدین محمد بن أحمد المحلی والعلامة جلال الدین عبد الرحمن بن أبی بکر السیوطی، تفسیر الجلالین، دار المعرفة، بیروت __ لبنان

202. المحمودی، الشیخ محمد باقر، نهج السعادة فی مستدرکات نهج البلاغة، قم __ ایران، الطبعة الأولی 1396

203. المروزی، نعیم بن حماد، کتاب الفتن، تحقیق سهیل زکار، دار الفکر، بیروت __ لبنان، 1414 – 1919

204. المزی، ابو الحجاج یوسف، تهذیب الکمال فی أسماء الرجال، تحقیق بشار عواد معروف، نشر مؤسسة الرسالة، الطبعة الرابعة، 1406 __ 1985

205. المشهدی، المیرزا محمد المشهدی ابن محمد رضا بن اسماعیل بن جمال الدین القمی، تفسیر کنز الدقائق، مؤسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، قم __ ایران، 1407 ه.

206. المظفر، الشیخ محمد رضا، السقیفة، قم __ ایران، الطبعة الثانیة 1415

207. المعتزلی، ابن أبی الحدید، شرح نهج البلاغة، دار احیاء الکتب العربیة، بیروت __ لبنان، الطبعة الاولی 1378 ه - 1959 م

208. المفید، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی، الارشاد

ص: 321

فی معرفة حجج الله علی العباد، دار المفید، قم __ ایران

209. المفید، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی، الفصول المختارة، دار المفید، بیروت __ لبنان، الطبعة الثانیة 1414 هجریة 1993 میلادیة

210. المفید، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی، کتاب الامالی، المطبعة الاسلامیة، قم __ ایران، 1403 ه. ق

211. المفید، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی، الافصاح فی امامة أمیر المؤمنین علیه السلام، مؤسسة البعثة، قم __ ایران، الطبعة الاولی 1412 ه

212. المفید، أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی، المسائل الجارودیة، تحقیق محمد کاظم مدیر شانجی

213. المفید، محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ابی عبد الله العکبری البغدادی، تصحیح اعتقادات الامامیة، دار المفید، بیروت __ لبنان، الطبعة الثانیة1414

214. المفید، محمد بن محمد بن النعمان العکبری البغدادی ابن المعلم، الجمل او النصرة فی حرب البصرة، نشر مکتبة الداوری، قم __ ایران

215. المفید، محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ابی عبد الله العکبری البغدادی، النکت الاعتقادیة ورسائل أخری، دار المفید، بیروت لبنان، الطبعة الثانیة 1414 هجریة – 1993 میلادیة

216. المفید، محمد بن محمد بن النعمان ابن المعلم ابی عبد الله العکبری البغدادی، الاختصاص، منشورات جماعة المدرسین فی الحوزة العلمیة فی قم المقدسة، قم __ ایران

217. المقرم، عبد الرزاق الموسوی، مقتل الحسین علیه السلام، المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق

ص: 322

218. الموصلی، إسماعیل بن محمد بن الفضل التمیمی، مسند أبی یعلی، دار المأمون للتراث، بیروت __ لبنان

219. المیانجی، علی بن حسین علی الأحمدی، مکاتیب الرسول صلی الله علیه وآله وسلم، نشر دار الحدیث، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1419

220. المیرزا النوری، میرزا حسین النوری الطبرسی، مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل، مؤسسة آل البیت علیهم السلام لإحیاء التراث، قم __ ایران، الطبعة المحققة الاولی 1408 ه - 1987 م

221. النجاشی، احمد بن علی بن احمد الأسدی الکوفی، فهرست مصنفی الشیعة المعروف برجال النجاشی، تحقیق آیة الله العظمی السید موسی الشبیری الزنجانی، مؤسسة النشر الإسلامی، قم __ ایران، الطبعة الخامسة، 1416

222. النجمی، محمد صادق، اضواء علی الصحیحین، ترجمة یحیی کمالی البحرانی، نشر مؤسسة المعارف الإسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1419

223. النسائی، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعیب، السنن الکبری، دار الکتب العلمیة، بیروت – لبنان، الطبعة الاولی 1411 ه - 1991 م

224.  النسائی، احمد بن شعیب، خصائص امیر المؤمنین علی بن أبی طالب کرم الله وجهه، مکتبة نینوی الحدیثة، قم __ ایران

225. النعمان المغربی، القاضی أبو حنیفة النعمان بن محمد التمیمی، شرح الاخبار فی فضائل الائمة الاطهار، مؤسسة النشر الاسلامی التابعة لجماعة المدرسین بقم المشرفة، قم __ ایران

226. النعمان المغربی، القاضی أبو حنیفة النعمان بن محمد بن منصور بن أحمد ابن حیون التمیمی، دعائم الاسلام وذکر الحلال والحرام والقضایا والاحکام عن اهل البیت رسول الله علیه وعلیهم افضل السلام، دار المعارف 1383 - 1963

227. النعمانی ، ابن أبی زینب محمد بن ابراهیم النعمانی، الغیبة، مکتبة الصدوق،

ص: 323

طهران __ ایران

228. النقدی، الشیخ جعفر، الأنوار العلویة والأسرار المرتضویة، نشر المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق، الطبعة الثانیة، 1381 __ 1962

229. النمازی، علی الشاهرودی، مستدرک سفینة البحار، جامعة المدرسین، قم __ ایران

230. النمیری، عمر بن شبة النمیری البصری، تاریخ المدینة المنورة، تحقیق فهیم محمد شلتوت، دار الفکر، قم __ ایران، 1410

231. النوری، المیرزا حسین الطبرسی، مستدرک الوسائل ومستنبط المسائل، مؤسسة آل البیت لإحیاء التراث، قم __ ایران، الطبعة الأولی، 1408 __ 1987

232. النووی، یحیی بن شرف الحزامی الشافعی، شرح النووی علی صحیح مسلم، نشر دار الکتب العربیة، بیروت __ لبنان، الطبعة الثانیة، 1407

233. النووی، یحیی شرف الدین، مغنی المحتاج إلی معرفة الفاظ المنهاج، شرح محمد الشربینی، نشر مکتبة مصطفی البابی الحلبی، مصر، 1377 __ 1958

234. النیسابوری، أبو الحسین مسلم بن الحجاج بن مسلم القشیری، الجامع الصحیح للامام النیسابوری، دار الفکر، بیروت، لبنان

235. الهروی، عبید بن قاسم بن سلام الهروی، غریب الحدیث، طبع باشراف محمد عبد المعید خان، نشر دار الکتاب العربی، بیروت __ لبنان، الطبعة الأولی، 1396

236. الهلالی، سلیم بن قیس الهلالی، کتاب سلیم بن قیس، تحقیق محمد باقر الأنصاری الزنجانی، قم __ ایران

237. الهمدانی، احمد الرحمانی، الإمام علی بن ابی طالب علیه السلام من حبه عنوان الصحیفة، قم __ ایران

238. الهیئة العلمیة فی مؤسسة المعارف الاسلامیة، معجم أحادیث الامام المهدی (علیه السلام)، مؤسسة المعارف الاسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الاولی 1411ه.

ص: 324

239. الیعقوبی، أحمد بن أبی یعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الکاتب العباسی، تاریخ الیعقوبی، مؤسسة ونشر فرهنک اهل بیت علیهم السلام، قم __ ایران

240. ایمانی، مهدی الفقیه، الإمام علی علیه السلام فی آراء الخلفاء، ترجمة یحیی البحرانی، مؤسسة المعارف الإسلامیة، قم __ ایران، الطبعة الأولی1420

241. خسرو شاهی، سید مهدی حجازی، درر الاخبار کزیده بحار الانوار، ترجمة د.سید علی رضا حجازی - محمد عیدی خسرو شاهی، دفتر مطالعات تاریخ ومعارف اسلامی، قم __ ایران، 1419

242. ری شهری، محمد محمدی، میزان الحکمة، دار الحدیث، قم __ ایران، الطبعة الأولی

243. زین العابدین، الإمام علی بن الحسین بن علی بن ابی طالب علیهم السلام، الصحیفة السجادیة، جامعة المدرسین، قم __ ایران

244. شرف الدین، عبد الحسین، اجوبة مسائل جار الله، مطبعة العرفان، صیدا __ لبنان، 1953

245. شرف الدین، عبد الحسین، النص والاجتهاد، ایران، الطبعة الأولی 1404

246. شمس الدین، محمد مهدی، ثورة الحسین علیه السلام ظروفها الاجتماعیة وآثارها الموضوعیة، دار المثقف المسلم، قم __ ایران، الطبعة الخامسة 1398ه__ __ 1979م

247. عبد الوهاب، حسین بن عبد الوهاب، عیون المعجزات، المطبعة الحیدریة، النجف __ العراق، 1369 -1950

248. عدة من المحدثین، الأصول الستة عشر، نشر الشبستری، قم __ ایران، الطبعة الثانیة، 1405

249. عطاردی، الشیخ عزیز الله، مسند الامام الرضا أبی الحسن علی بن موسی علیهما السلام، آستان قدس الرضوی 1406 ه، ایران

ص: 325

250. لجنة التألیف، معهد تحقیقات باقر العلوم، موسوعة کلمات الإمام الحسین علیه السلام، منظمة الإعلام الإسلامی، قم __ ایران، الطبعة الثالثة، 1416 – 1995

251. مؤلف مجهول، القاب الرسول وعترته، نشر مکتبة آیة الله العظمی السید المرعشی النجفی، قم __ ایران، 1406

252. ممدوح، محمود سعید ممدوح، رفع المنارة لتخریج أحادیث التوسل والزیارة، دار الامام النووی، عمان __ الأردن، الطبعة الاولی 1416 ه - 1995 م

ص: 326

المحتویات

الإهداء. 5

المقدمة. 6

الفصل الأول

موقف أهل البیت علیهم السلام من السلطة بعد وفاة الرسول صلی الله علیه وآله

أ _ الإمامة فی فکر أهل البیت علیهم السلام. 15

ب _ التصدی لمؤامرة حرف المسار السیاسی... 20

ج _ المتسلطون والإمامة. 24

د _ آثار فقدان الدستور علی الفقه السیاسی... 30

ه_ _ موقف اهل البیت علیهم السلام. 34

تجاه نظریة السلطة فی الإمامة. 34

خلاصة الفصل الأول.. 41

ص: 327

الفصل الثانی

الاستفادة من الفرصة فی بناء القاعدة

تمهید.. 47

اولاً _ العملیة التربویة فی ظل الأحزاب الثلاثة. 48

أ _ العملیة التربویة فی ظل الحزب القرشی.. 48

ب _ العملیة التربویة فی ظل الحزب الأموی.. 51

ج _ العملیة التربویة فی ظل الحزب العباسی.. 53

ثانیاً _ العملیة التربویة عند الأئمة علیهم السلام. 56

أ _ العملیة التربویة قبل تولی امیر المؤمنین علیه السلام الحکم. 57

ب _ بناء القاعدة ایام حکم أمیر المؤمنین علیه السلام. 60

ج _ بناء القاعدة بعد شهادة أمیر المؤمنین علیه السلام. 63

د _ العملیة التربویة عند الإمام الصادق علیه السلام. 66

أ _ الحیاة السیاسیة للإمام الصادق علیه السلام. 67

ب _ مواقفه علیه السلام من الحکومات الظالمة. 69

1 _ موقفه علیه السلام من الحکم الأموی.. 69

2 _ موقفه علیه السلام من الدولة العباسیة. 71

3 _ موقف العباسیین من الإمام الصادق علیه السلام. 73

ب _ بناء القاعدة. 77

ج _ النشاط العلمی للإمام الصادق علیه السلام. 81

د _ موقفه علیه السلام من الانحراف الفکری... 83

ه_ _ عبقریة الإمام الصادق علیه السلام. 85

ه_ _ العملیة التربویة عند الإمام الرضا علیه السلام. 88

1 _ الحیاة السیاسیة للإمام الرضا علیه السلام. 89

2 _ موقف العباسیین منه علیه السلام. 90

ص: 328

3_ ولایة العهد: اهداف المأمون وموقف الرضا علیه السلام. 92

أ _ اهداف المأمون.. 92

ب _ موقف الإمام الرضا علیه السلام. 96

من خطط المأمون.. 96

ب _ نشاط الإمام علیه السلام. 106

العلمی وبناء القاعدة. 106

و _ العملیة التربویة بعد شهادة الإمام الرضا علیه السلام. 109

ز _ مشارکة الشیعة فی أعمال الدولة الظالمة. 111

ح _ المنهج التربوی فی عصر الغیبة الکبری.. 114

العمل السیاسی فی عصر الغیبة الکبری... 117

الشرط الثانی: العدالة. 121

الشرط الثالث: الخبرة. 124

خلاصة الفصل الثانی... 126

الفصل الثالث

الثورات المسلحة ومواقف أهل البیت علیهم السلام

تمهید.. 131

أولاً _ الثورة الحسینیة. 132

أ _ القوی السیاسیة. 132

ب _ طبیعة الثورة الحسینیة. 135

1 _ الاتصال بالقیادات.... 138

2 _ التعبئة الجماهیریة. 143

أ _ خطاب سلیمان بن صرد رحمه الله فی أهل الکوفة. 144

ب _ خطاب یزید بن مسعود النهشلی رحمه الله.. 146

ص: 329

ج _ خطب الإمام الحسین علیه السلام. 147

1 _ خطبة الإمام الحسین علیه السلام فی مکة. 148

2_ خطبته علیه السلام بعد شهادة مسلم بن عقیل رضوان الله علیهما. 150

3 _ خطابه علیه السلام فی أصحاب الحر. 152

الخطبة الأولی فی اصحاب الحر. 152

الخطبة الثانیة فی أصحاب الحر. 153

الخطبة الثالثة فی اصحاب الحر. 155

4 _ خطابه علیه السلام فی الکوفیین.. 156

خطبته الثانیة علیه السلام فی أهل الکوفة. 161

ج_ _ لماذا اختیار الکوفة؟! 162

النتیجة. 165

د _ مواجهة الإعلام المضاد. 168

1 _ الدور الاعلامی... 170

2 _ الاعلام الاموی فی مواجهة الثورة. 170

ه_ _ تحقیق الثورة الحسینیة لاهدافها 179

ثانیاًً_ دعم الثورات المؤیدة لأهل البیت علیهم السلام. 183

1 _ ثورة المختار الثقفی رضوان الله علیه. 184

أ _ الظروف الموضوعیة للثورة. 184

ب _ طبیعة الثورة. 188

ج_ _ موقف اهل البیت علیهم السلام من ثورة المختار. 192

2_ ثورة زید الشهید رضوان الله علیه. 195

أ _ شخصیة زید رضوان الله علیه ومنزلته العلمیة والاجتماعیة. 195

ب _ هل کان زید رضوان الله علیه زیدیاً. 196

ج_ _ الأسباب الموضوعیة لثورة زید رضوان الله علیه. 201

د _ موقف اهل البیت علیهم السلام من الثورة. 203

3 _ ثورة الحسین صاحب فخ رضوان الله علیه. 204

أ _ أسباب الثورة. 204

ب _ طبیعة الثورة. 206

ص: 330

ج_ _ موقف اهل البیت علیهم السلام من الثورة. 207

د _ الإعلام السلطوی والثورة. 208

ثالثاً_ الموقف من الثورات غیر المرتبطة بأهل البیت علیهم السلام. 210

خلاصة الفصل الثالث.... 213

الفصل الرابع

قیادة الدولة

1_ المقارنة بین سیاسة أمیر المؤمنین علیه السلام وبقیة الحکام. 218

أ _ الحقوق السیاسیة. 218

الحقوق السیاسیة فی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام. 221

ب _ الحقوق الاجتماعیة. 222

الحقوق الاجتماعیة فی عهد أمیر المؤمنین علیه السلام. 224

ج _ جهاز القضاء. 226

د _ التشریع. 229

2_ ادارة الولایات فی منهج أهل البیت علیهم السلام. 231

1 _ المحور الأول: الوالی فی نفسه وخاصته. 231

2 _ المحور الثانی: ادارة الولایة. 238

أ _ الضمان الاجتماعی... 238

ب _ الجانب الاقتصادی... 239

ج _ الجانب الأمنی... 241

د _ القضاء. 243

ه_ _ الموظفون.. 244

و _ الکتاب.... 245

3 _ معالجة حرکات التمرد. 246

ص: 331

أ _ حرب الناکثین.. 247

ب _ حرب القاسطین.. 253

قضیة الحکمین.. 259

ج _ حرب المارقین.. 261

الخلاصة. 264

خلاصة الفصل الرابع.. 266

خاتمة البحث

التوفیق بین المواقف المتباینة لأهل البیت علیهم السلام

تمهید. 271

1_ دراسة موقفی امیر المؤمنین علیه السلام. 272

2_ موقف الامام الحسن علیه السلام. 276

3 _ موقف الامام الحسین علیه السلام. 279

4 _ موقف الإمام السجاد علیه السلام من الثورات.. 280

5 _ موقف الإمامین الصادق والکاظم علیهما السلام. 282

6_ موقف الامام الرضا علیه السلام. 283

7 _ موقف الأئمة بعد الإمام الکاظم علیه السلام من الثورات.. 285

ایام المأمون وبعد شهادة الإمام الرضا علیه السلام بسبب ثقل الضرائب المفروضة علیهم.. 285

نتائج البحث.... 286

مصادر البحث.... 299

المحتویات.... 324 

ص: 332

إصدارات قسم الشؤون الفکریة والثقافیة فی العتبة الحسینیة المقدسة تألیف

اسم الکتاب

ت

السید محمد مهدی الخرسان

السجود علی التربة الحسینیة

1

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الانکلیزیة

2

زیارة الإمام الحسین علیه السلام باللغة الأردو

3

الشیخ علی الفتلاوی

النوران ___ الزهراء والحوراء علیهما السلام __ الطبعة الأولی

4

الشیخ علی الفتلاوی

هذه عقیدتی __ الطبعة الأولی

5

الشیخ علی الفتلاوی

الإمام الحسین علیه السلام فی وجدان الفرد العراقی

6

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان

7

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء

8

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فإنک علی حق

9

الشیخ وسام البلداوی

المجاب بردّ السلام

10

السید نبیل الحسنی

ثقافة العیدیة

11

السید عبد الله شبر

الأخلاق (تحقیق: شعبة التحقیق) جزآن

12

الشیخ جمیل الربیعی

الزیارة تعهد والتزام ودعاء فی مشاهد المطهرین

13

لبیب السعدی

من هو؟

14

السید نبیل الحسنی

الیحموم، أهو من خیل رسول الله أم خیل جبرائیل؟

15

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام

16

السید نبیل الحسنی

أبو طالب علیه السلام ثالث من أسلم

17

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق)

18

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الصغری

19

السید یاسین الموسوی

الحیرة فی عصر الغیبة الکبری

20

الشیخ باقر شریف القرشی

حیاة الإمام الحسین بن علی (علیهما السلام) ___ ثلاثة أجزاء

21 __

ص: 333

23

الشیخ وسام البلداوی

القول الحسن فی عدد زوجات الإمام الحسن علیه السلام

24

السید محمد علی الحلو

الولایتان التکوینیة والتشریعیة عند الشیعة وأهل السنة

25

الشیخ حسن الشمری

قبس من نور الإمام الحسین علیه السلام

26

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة

27

السید نبیل الحسنی

موجز علم السیرة النبویة

28

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء والحوار والمناظرة

29

علاء محمد جواد الأعسم

التعریف بمهنة الفهرسة والتصنیف وفق النظام العالمی (LC)

30

السید نبیل الحسنی

الأنثروبولوجیا الاجتماعیة الثقافیة لمجتمع الکوفة عند الإمام الحسین علیه السلام

31

السید نبیل الحسنی

الشیعة والسیرة النبویة بین التدوین والاضطهاد (دراسة)

32

الدکتور عبدالکاظم الیاسری

الخطاب الحسینی فی معرکة الطف ___ دراسة لغویة وتحلیل

33

الشیخ وسام البلداوی

رسالتان فی الإمام المهدی

34

الشیخ وسام البلداوی

السفارة فی الغیبة الکبری

35

السید نبیل الحسنی

حرکة التاریخ وسننه عند علی وفاطمة علیهما السلام (دراسة)

36

السید نبیل الحسنی

دعاء الإمام الحسین علیه السلام فی یوم عاشوراء __ بین النظریة العلمیة والأثر الغیبی (دراسة) من جزءین

37

الشیخ علی الفتلاوی

النوران الزهراء والحوراء علیهما السلام ___ الطبعة الثانیة

38

شعبة التحقیق

زهیر بن القین

39

السید محمد علی الحلو

تفسیر الإمام الحسین علیه السلام

40

الأستاذ عباس الشیبانی

منهل الظمآن فی أحکام تلاوة القرآن

41

السید عبد الرضا الشهرستانی

السجود علی التربة الحسینیة

42

السید علی القصیر

حیاة حبیب بن مظاهر الأسدی

43

الشیخ علی الکورانی العاملی

الإمام الکاظم سید بغداد وحامیها وشفیعها

44

جمع وتحقیق: باسم الساعدی

السقیفة وفدک، تصنیف: أبی بکر الجوهری

45

نظم وشرح:  حسین النصار

موسوعة الألوف فی نظم تاریخ الطفوف __ ثلاثة أجزاء

46

السید محمد علی الحلو

الظاهرة الحسینیة

47

السید عبد الکریم القزوینی

الوثائق الرسمیة لثورة الإمام الحسین علیه السلام

48

السید محمد علی الحلو

الأصول التمهیدیة فی المعارف المهدویة

49

الباحثة الاجتماعیة کفاح الحداد

نساء الطفوف

50

ص: 334

الشیخ محمد السند

الشعائر الحسینیة بین الأصالة والتجدید

51

السید نبیل الحسنی

خدیجة بنت خویلد أُمّة جُمعت فی امرأة – 4 مجلد

52

الشیخ علی الفتلاوی

السبط الشهید – البُعد العقائدی والأخلاقی فی خطب الإمام الحسین علیه السلام

53

السید عبد الستار الجابری

تاریخ الشیعة السیاسی

54

السید مصطفی الخاتمی

إذا شئت النجاة فزر حسیناً

55

عبد السادة محمد حداد

مقالات فی الإمام الحسین علیه السلام

56

الدکتور عدی علی الحجّار

الأسس المنهجیة فی تفسیر النص القرآنی

57

الشیخ وسام البلداوی

فضائل أهل البیت علیهم السلام بین تحریف المدونین وتناقض مناهج المحدثین

58

حسن المظفر

نصرة المظلوم

59

السید نبیل الحسنی

موجز السیرة النبویة – طبعة ثانیة، مزیدة ومنقحة

60

الشیخ وسام البلداوی

ابکِ فانک علی حق – طبعة ثانیة

61

السید نبیل الحسنی

أبو طالب ثالث من أسلم – طبعة ثانیة، منقحة

62

السید نبیل الحسنی

ثقافة العید والعیدیة – طبعة ثالثة

63

الشیخ یاسر الصالحی

نفحات الهدایة – مستبصرون ببرکة الإمام الحسین علیه السلام

64

السید نبیل الحسنی

تکسیر الأصنام – بین تصریح النبی 2 وتعتیم البخاری

65

الشیخ علی الفتلاوی

رسالة فی فن الإلقاء – طبعة ثانیة

66

محمد جواد مالک

شیعة العراق وبناء الوطن

67

حسین النصراوی

الملائکة فی التراث الإسلامی

68

السید عبد الوهاب الأسترآبادی

شرح الفصول النصیریة – تحقیق: شعبة التحقیق

69

الشیخ محمد التنکابنی

صلاة الجمعة– تحقیق: الشیخ محمد الباقری

70

د. علی کاظم المصلاوی

الطفیات – المقولة والإجراء النقدی

71

الشیخ محمد حسین الیوسفی

أسرار فضائل فاطمة الزهراء علیها السلام

72

السید نبیل الحسنی

الجمال فی عاشوراء – طبعة ثانیة

73

السید نبیل الحسنی

سبایا آل محمد صلی الله علیه وآله وسلم

74

السید نبیل الحسنی

الیحموم، -طبعة ثانیة، منقحة

75

السید نبیل الحسنی

المولود فی بیت الله الحرام: علی بن أبی طالب علیه السلام أم حکیم بن حزام؟

76

السید نبیل الحسنی

حقیقة الأثر الغیبی فی التربة الحسینیة – طبعة ثانیة

77

السید نبیل الحسنی

ما أخفاه الرواة من لیلة المبیت علی فراش النبی صلی الله علیه وآله وسلم

78

صباح عباس حسن الساعدی

علم الإمام بین الإطلاقیة والإشائیة علی ضوء الکتاب والسنة

79

ص: 335

الدکتور مهدی حسین التمیمی

الإمام الحسین بن علی علیهما السلام أنموذج الصبر وشارة الفداء

80

ظافر عبیس الجیاشی

شهید باخمری

81

الشیخ محمد البغدادی

العباس بن علی علیهما السلام

82

الشیخ علی الفتلاوی

خادم الإمام الحسین علیه السلام شریک الملائکة

83

الشیخ محمد البغدادی

مسلم بن عقیل علیه السلام

84

السید محمدحسین الطباطبائی

حیاة ما بعد الموت (مراجعة وتعلیق شعبة التحقیق) – الطبعة الثانیة

85

الشیخ وسام البلداوی

منقذ الإخوان من فتن وأخطار آخر الزمان – طبعة ثانیة

86

الشیخ وسام البلداوی

المجاب برد السلام – طبعة ثانیة

87

ابن قولویه

کامل الزیارات باللغة الانکلیزیة (Kamiluz Ziyaraat)

88

السید مصطفی القزوینی

Islam Inquiries About Shi‘a

89

السید مصطفی القزوینی

When Power and Piety Collide

90

السید مصطفی القزوینی

Discovering Islam

91

د. صباح عباس عنوز

دلالة الصورة الحسیة فی الشعر الحسینی

92

حاتم جاسم عزیز السعدی

القیم التربویة فی فکر الإمام الحسین علیه السلام

93

الشیخ حسن الشمری الحائری

قبس من نور الإمام الحسن علیه السلام

94

الشیخ وسام البلداوی

تیجان الولاء فی شرح بعض فقرات زیارة عاشوراء

95

الشیخ محمد شریف الشیروانی

الشهاب الثاقب فی مناقب علی بن أبی طالب علیهما السلام

96

الشیخ ماجد احمد العطیة

سید العبید جون بن حوی

97

الشیخ ماجد احمد العطیة

حدیث سد الأبواب إلا باب علی علیه السلام

98

الشیخ علی الفتلاوی

المرأة فی حیاة الإمام الحسین علیه السلام __ الطبعة الثانیة __

99

السید نبیل الحسنی

هذه فاطمة علیها السلام – ثمانیة أجزاء

100

السید نبیل الحسنی

وفاة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وموضع قبره وروضته

101

تحقیق: مشتاق المظفر

الأربعون حدیثا فی الفضائل والمناقب- اسعد بن إبراهیم الحلی

102

تحقیق: مشتاق المظفر

الجعفریات -  جزآن

103

تحقیق: حامد رحمان الطائی

نوادر الأخبار – جزآن

104

تحقیق: محمد باسم مال الله

تنبیه الخواطر ونزهة النواظر – ثلاثة أجزاء

105

د. علی حسین یوسف

الإمام الحسین علیه السلام فی الشعر العراقی الحدیث

106

الشیخ علی الفتلاوی

This Is My Faith

107

حسین عبدالسید النصار

الشفاء فی نظم حدیث الکساء

108

ص: 336

حسن هادی مجید العوادی

قصائد الاستنهاض بالإمام الحجة عجل الله تعالی فرجه

109

السید علی الشهرستانی

آیة الوضوء وإشکالیة الدلالة

110

السید علی الشهرستانی

عارفاً بحقکم

111

السید هادی الموسوی

شمس الإمامة وراء سحب الغیب

112

إعداد: صفوان جمال الدین

Ziyarat Imam Hussain

113

تحقیق: مشتاق المظفر

البشارة لطالب الاستخارة للشیخ احمد بن صالح الدرازی

114

تحقیق: مشتاق المظفر

النکت البدیعة فی تحقیق الشیعة للشیخ سلیمان البحرانی

115

تحقیق: مشتاق صالح المظفر

شرح حدیث حبنا أهل البیت یکفر الذنوب للشیخ علی بن عبد الله الستری البحرانی

116

تحقیق: مشتاق صالح المظفر

منهاج الحق والیقین فی تفضیل علی أمیر المؤمنین للسید ولی بن نعمة الله الحسینی الرضوی

117

تحقیق: أنمار معاد المظفر

قواعد المرام فی علم الکلام، تصنیف کمال الدین میثم بن علی بن میثم البحرانی

118

تحقیق: باسم محمد مال الله الأسدی

حیاة الأرواح ومشکاة المصباح للشیخ تقی الدین إبراهیم بن علی الکفعمی

119

السید نبیل الحسنی

باب فاطمة علیها السلام بین سلطة الشریعة وشریعة السلطة

120

السید علی الشهرستانی

تربة الحسین علیه السلام وتحولها إلی دم عبیط فی کربلاء

121

میثاق عباس الحلی

یتیم عاشوراء من أنصار کربلاء

122

السید نبیل الحسنی

The Aesthetics of ‘Ashura

123

د. حیدر محمود الجدیع

نثر الإمام الحسین علیه السلام

124

الشیخ میثاق عباس الخفاجی

قرة العین فی صلاة اللیل

125

أنطوان بارا

من المسیح العائد إلی الحسین الثائر

126

السید نبیل الحسنی

ظاهرة الاستقلاب فی عرض النص النبوی والتاریخ

127

السید نبیل الحسنی

الإستراتیجیة الحربیة فی معرکة عاشوراء: بین تفکیر الجند وتجنید الفکر

128

مروان خلیفات

النبی صلی الله علیه وآله وسلم ومستقبل الدعوة

129

الشیخ حسن المطوری

البکاء علی الحسین علیه السلام فی مصادر الفریقین

130

الشیخ وسام البلداوی

تفضیل السیدة زهراء علی الملائکة والرسل والأنبیاء

131

السید نبیل الحسنی

A Concise Knowledge Of The Prophetic Life History

132

تحقیق: السید محمدکاظم

معانی الأخبار للشیخ الصدوق

133

تحقیق: عقیل عبدالحسن

ضیاء الشهاب وضوء الشهاب فی شرح ضیاء الأخبار

134

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.